رئيس الدولة يبحث مع الرئيس الفرنسي مسار العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين
هل تعلم أوروبا أنها في حالة حرب؟
لقد انبنىت فكرة الاتحاد الأوروبي، كمشروع سلام، ضد القوميات الضيقة وعلى فكرة استيعاب التنوع و الالتفات إلى البناء ، و طي صفحة الحربين العالميتين اللتين مزقتا القارة و خلقتا حدودا مصنعة بين بلدانها . إلا أن سيطرة الحرب الروسية الأوكرانية على أجندة مؤتمر ميونيخ للآمن العالمي و تواتر دعوات القادة الأوروبيين إلى ضرورة تسليح أوكرانيا لصد هجمات القوات الروسية ، لأن أمن أوكرانيا هو من أمن أوروبا ،
كما جاء على لسان جوزيف بوريل مفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الاوروبي ، قد غيرا ، على ما يبدو، هذه الهوية السلمية لبلدان الاتحاد لتبدو في حاجة لشحذ اسلحتها و الدفاع عن وجودها امام الخطر الروسي الداهم ، رغم تكرار شعار ان روسيا ستخسر هذه الحرب .
تحتاج اوروبا كما يقول لو ك دي باروشاز ، في مقال نشر على صفحات مجلة” لوبوان “ الفرنسية ، الى ثورة ذهنية تجريها لتقبل هذا الواقع الجديد ،و هو أنها في حالة حرب ، وأنها ، اذا ما ارادت استتباب السلام على اراضيها ، فانه عليها أن تستعد، كما يجب للحرب أيضا.
لأهمية هذا المقال ارتاينا ترجمته لقراء الفجر .
قبل أكثر من عشر سنوات ، و تحديدا في ديسمبر 2020 نال الاتحاد الاوروبي جائزة نوبل للسلام .تزامنت هذه الجائزة المرموقة مع مشروع الاتحاد ما بعد الوطني المتمثل في وحدة “ أوثق “ بين الدول الأعضاء ، والتي تجسدت منذ عام 1992 في معاهدة ماستريخت. هذا الطموح النبيل تم تقويضه الآن. فلم يعد هنالك وقت للسلام بل للحرب. و لم يعد الأمر يتعلق بإلغاء الحدود بل بالدفاع عن قومية خالصة وقاسية. لم يعد الأمر يتعلق بالإنشاءات القانونية الجميلة بل يتعلق بأقسى توازن للقوى. ولكن هل يمكن لأوروبا أن تصبح أثينا ، إلهة الحرب الإغريقية ، وأن تتسلح في مواجهة هذه التحديات؟
الحرب الروسية الأوكرانية تدخل شتاءها الثاني , ولا شيء يقول أنه سيكون الأخير. لم تخف السلطات الروسية أبدًا حقيقة أن العدوان على جيرانها كان يهدف أيضًا إلى زعزعة النظام الأوروبي، المنبثق من مرحلة ما بعد الحرب الباردة ، لصالحها ، والذي تعتبره مواتياً للغاية للولايات المتحدة. في المرآة الروسية العاكسة تقف بروكسل خلف كييف. بالنسبة للكتلة التي تٌعتبر موالية لأمريكا ، فإنها تفضل تشتيت الدول التي يمكنها السيطرة عليها. هذا ما يميز الصراع الأوكراني عن الحروب السابقة كالحرب بيوغسلافيا في التسعينيات ، فقد كانت تقع حصريًا في أراضي البلقان ولم يتم استهداف بقية القارة.
اليوم ها هي أوروبا تتعرض للهجوم وهي لا تعرف ذلك. الهجوم الذي شنته موسكو عليها يسمى حرب الطاقة. و قد قدرت الأسبوعية البريطانية The Economist آثار هذه الحرب بآلاف البشر الذين سيقتلهم او قتلهم البرد على الأراضي الأوروبية ،و هو عدد أكبر بكثير مما كان عليه في ساحة المعركة ، أي ما يصل إلى 335 الف قتيل أي أكثر من متوسط فصول الشتاء السابقة ، إذا كانت درجات الحرارة قاسية. في مواجهة أكبر خرق للسلام منذ عام 1945 في القارة ، كان رد الفعل الأوروبي حتى الآن يتمثل بشكل أساسي في الاحتماء خلف الولايات المتحدة. فالمساعدات العسكرية الأمريكية لأوكرانيا هي أكبر بثلاث مرات من جميع المساعدات الأوروبية (بما في ذلك البريطانية). “أوروبا ليست قوية بما فيه الكفاية.” كما اعترفت سانا مارين ، رئيسة الوزراء الفنلندية ، أخيرا ، مضيفة “بأننا سنواجه مشكلة بدون الولايات المتحدة « .
مثال القومية الأوكرانية
إذا كانت أوروبا الغنية غير قادرة على مواصلة الجهود ضد تهديد يستهدف أمنها بشكل مباشر ، وإذا كانت غير قادرة على الدفاع عن السلام في القارة ، فما هو إذن سبب وجودها؟ إنها تحتاج الى ثورة ذهنية ، فمنذ إنشاء أول مجموعة أوروبية ، و هي مجموعة الفحم والصلب ، عام 1952 ، كان بناؤها و عملها ضد القومية. وكما كتب الفرنسي جون مونيه ، و هو احد الاباء المؤسسين لهذا الصرح الأوروبي فقد كانت مسألة “استبدال الخصومات الوطنية باتحاد شعوب في الحرية والتنوع” من أجل تعزيز “ازدهار حضارتنا ونهضة جديدة».
قد يكون طائر الفينيق قد خرج من رماده ، لكن العالم تغير اليوم. هذه القومية نفسها التي ساهمت ، من خنادق فردان إلى حصار سراييفو ، في أنقاض القرن العشرين ، هي القوة التي تمكن أوكرانيا اليوم من الدفاع عن نفسها. إنها أمة كانت لديها الشجاعة لمقاومة الغزو الروسي وتحرير خيرسون. إنها القوة الجماعية التي تنبع من إدراك المصير المشترك التي تغذي نضال الشعب الأوكراني.
يجب أن تتعلم أوروبا من هذا. يجب أن تسلح نفسها ، و لكن ليس لإحياء إمبريالية الماضي كما هو الشأن بالنسبة لروسيا ، بل لاحترام جيرانها . ففي بيئة تتدهور باستمرار ، من المغرب العربي إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ومن البحر الأسود إلى القطب الشمالي. يجب أن تتحول أوروبا من داعية سلام إلى محاربة. و لتتوقف عن توقع كل شيء من أمريكا المعذبة بشكل متزايد.ولتتوقف عن غرغرة اوروبا الدفاع للتفرغ لبنائها ، في النهاية. و كما قال جوزيف بوريل ، الممثل الأوروبي الأعلى للعلاقات الخارجية ، “ربما يكون الأمن والدفاع مجال التكامل الأوروبي الذي يمثل أكبر فجوة بين التوقعات والنتائج ، بين ما يمكن أن نكون “...” وما نحن عليه في الواقع فعلا “. إذا كنا نريد السلام ، كما قال القدماء ، فيجب أن نستعد للحرب.