هل تكرر واشنطن سيناريو «أنبوبة العراق» ضد موسكو؟

هل تكرر واشنطن سيناريو «أنبوبة العراق» ضد موسكو؟


اختلف مختصون في الشأن الروسي والأوكراني حول مدى إمكانية إثبات استخدام روسيا أسلحة أو مواد كيميائية ضد الجنود الأوكرانيين، وسط تصاعد الجدل بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة – عبر وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) – تسعى لتكرار سيناريو «أنبوبة كولن باول» التي استخدمت كمبرر لغزو العراق قبل 22 عامًا، ولكن هذه المرة ضد موسكو، عبر ما يُشار إليه إعلاميًا بـ»أنبوبة راتكليف».
ويأتي هذا الجدل في وقت يرى فيه خبراء تحدّثوا إلى «إرم نيوز» أن التصريحات الرسمية الصادرة عن كييف بشأن استخدام موسكو أسلحة كيميائية محظورة، تُبنى على معطيات تسعى أوكرانيا من خلالها إلى دفع المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية نحو التدخل، والتحقيق، وتوثيق الوقائع، بما يخدم الضغط الدولي على روسيا لوقف الحرب.
في المقابل، يرى محللون روس أن سعي كييف إلى جمع صور وفيديوهات لجثث متحللة بزعم أنها ضحايا لهجمات كيميائية، لا يمثل تحديا كبيرا من حيث الإخراج الإعلامي، لكن الإشكال الحقيقي يكمن في إثبات تلك الادعاءات علمياً، من خلال تحاليل طبية دقيقة.
وكانت وكالات الاستخبارات في كل من هولندا وألمانيا قد أعلنت أخيرا أنها جمعت أدلة على استخدام روسيا لأسلحة كيميائية محظورة على نطاق واسع في أوكرانيا، بما في ذلك إسقاط مواد خانقة من طائرات مسيّرة لإجبار الجنود على مغادرة الخنادق، ما يسهل استهدافهم.
وفي السياق ذاته، دعا وزير الدفاع  الهولندي روبن بريكلمانز إلى فرض مزيد من العقوبات على موسكو، قائلاً لوكالة «رويترز»: «هذا التصعيد مقلق لأنه يعكس توجهاً متصاعداً منذ سنوات، حيث بات استخدام روسيا للأسلحة الكيميائية في هذه الحرب أكثر انتشاراً وتطبيعاً وتنسيقاً». اعتبر مدير مركز «جي إس إم» للأبحاث، الدكتور آصف ملحم، أن مشهد الاتهامات باستخدام الأسلحة الكيميائية يعيد إلى الأذهان ما حدث قبل 22 عاماً، عندما عرض وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول في مجلس الأمن أنبوبة زعم أنها تحتوي على مواد بيولوجية قادرة على تدمير كوكب الأرض، بهدف تبرير غزو العراق. واليوم، بحسب ملحم، يبدو أن العالم أمام «أنبوبة جديدة» تُعرف إعلامياً بـ»أنبوبة راتكليف»، نسبة إلى رئيس الاستخبارات الأمريكية الحالي جون راتكليف. وفي حديث لـ»إرم نيوز»، قال ملحم إن راتكليف أبدى أخيراً، خلال لقاء مع الرئيس دونالد ترامب، استعداده لتقديم أدلة حول استخدام روسيا أسلحة كيميائية في أوكرانيا، مشيراً إلى أن ترامب شدد في المقابل على رفضه لأي انتهاك للقانون الدولي. وأشار ملحم إلى أن ما تقوم به أوكرانيا حالياً من جمع صور وفيديوهات لجثث متحللة، في محاولة لإظهارها كضحايا لهجمات كيميائية روسية، ليس أمراً معقداً من الناحية التقنية، لكن التحدي يكمن في إثبات تلك المزاعم علمياً، خصوصاً في ظل تعقيدات الميدان وصعوبة إجراء تحاليل موثوقة وسط المعارك. ويرى ملحم أن إثارة هذا الملف تهدف بالدرجة الأولى إلى دفع الإدارة الأمريكية، وتحديدا الرئيس ترامب، نحو فرض المزيد من العقوبات على موسكو، باستخدام صور مؤثرة تُنسب لضحايا أسلحة كيميائية. كما يأتي ذلك، بحسب ملحم، في سياق السعي لإقناع  ترامب بالموافقة على حزم مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، خاصة في وقت باتت فيه الحزم السابقة التي أقرتها إدارة الرئيس السابق جو بايدن على وشك النفاد.
وأوضح أن أحد العوامل التي شجعت معسكر الحرب الغربي على إثارة هذا الموضوع، هو توقف الجانب الروسي عن إصدار إحاطات دورية حول ملف الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية، في إطار محاولة لعدم تضخيم موضوع المختبرات الأمريكية السرية في أوكرانيا، وتهيئة أجواء إيجابية للمفاوضات. 
إلا أن هذا الفراغ، وفقاً لملحم، استُغل من قبل الغرب لتصعيد الاتهامات ضد موسكو. وقال إن التقدم العسكري الروسي على مختلف جبهات القتال، لا سيما في زاباروجيا، كونستنتينيفكا، سيفيرسك، ليمان، بوروفسك، كوبيانسك، وسومي، يدفع الطرف الأوكراني إلى تصعيد الخطاب الإعلامي واللعب بورقة الأسلحة الكيميائية، بهدف التأثير على الرأي العام العالمي وتغطية الفشل الميداني المتزايد.

تسوية مؤجلة
بدوره، يرى رئيس المركز الأوكراني للتواصل والحوار، الدكتور عماد أبو الرب، أن حديث كييف الرسمي بشأن استخدام روسيا أسلحة كيميائية محظورة لا يأتي من فراغ، بل يستند إلى معطيات خاصة تهدف إلى إشراك المجتمع الدولي والهيئات الأممية في متابعة وفحص وتوثيق هذه الانتهاكات، وذلك في إطار تعزيز الموقف الأوكراني وتحقيق ضغط دولي متزايد على موسكو لوقف الحرب. وفي حديث لـ»إرم نيوز»، أكد أبو الرب أن أوكرانيا توثق هذه القضية ضمن الإطار القانوني المعتمد، وتنتظر صدور مواقف واضحة من المجتمع الدولي في حال ثبتت هذه الاتهامات، بهدف حث العالم على التحرك الفعلي للضغط على روسيا، ليس فقط لوقف الحرب، وإنما لدفعها نحو تسوية سلمية حقيقية، لا شكلية. وأشار أبو الرب إلى أن إثبات استخدام موسكو لأسلحة كيميائية محظورة سيعقّد المشهد بشكل أكبر، ويعمّق الانقسام الدولي ويزيد من صعوبة التوصل إلى حل سياسي. كما أن تداعيات ذلك قد تتجاوز أوكرانيا لتطال استقرار مناطق وأقاليم أخرى، في ظل أجواء دولية متوترة واحتمالات تصاعد صراعات إقليمية قد تشعل شرارة حرب عالمية ثالثة، على حد تعبيره. وأوضح أن كييف تعمل منذ اليوم الأول للحرب على توثيق جميع الانتهاكات، سواء كانت عسكرية أو مدنية، بما يشمل استهداف المدنيين، وتدمير البنية التحتية، وارتكاب تجاوزات تمس القوانين الدولية.

وأضاف أن من وجهة نظر أوكرانيا، فإن الاحتلال الروسي لأراضيها يُعد أكبر الانتهاكات القائمة، إلى جانب سياسات مصادرة الممتلكات، وتهجير الأطفال والمواطنين قسراً إلى الأراضي الروسية، والاعتداءات المتكررة على الأماكن العامة، التي تشكل بمجموعها جزءًا من الجرائم المستمرة التي تحاول كييف كشفها للرأي العام الدولي.