مع انتكاس نموّها:

هل ستبقى الصين محرك الاقتصاد العالمي...؟

هل ستبقى الصين محرك الاقتصاد العالمي...؟

اخبار سيئة في بكين: انخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني إلى 4 فاصل 9 بالمائة في الربع الثالث من عام 2021، وهو أقل بكثير من توقعات الخبراء وأسوأ أداء منذ سنوات. وهو رقم يدق ناقوس الخطر بشأن مخاطر التضخم المصحوب بالركود والذي يمكن أن يثير التساؤلات حول الافتراض القائل بأن الصين هي قاطرة النمو الاقتصادي العالمي.
يجب مقارنة أرقام المكتب الوطني الصيني للإحصاء هذه بنمو قدره 7 فاصل 9 بالمائة في النصف الثاني من العام، وحتى 18 فاصل 3 بالمائة للفترة من يناير إلى مارس 2021. نتيجة سمحت بالخروج من وباء كوفيد -19 في ظروف صناعية جيدة. ثم كان يُنظر إلى الصين على أنها أفضل دولة خرجت من الازمة بين الاقتصادات الكبرى في العالم.
لنتذكر، انه رغم تأثرها بشدة بالوباء الذي ظهر في مدينة ووهان الصينية نهاية عام 2019، كانت الصين الاقتصاد الكبير الوحيد في العالم الذي سجل نموًا وقحًا عام 2020 (+ 2 فاصل 3 بالمائة). نتيجة أكدت توقعات بعض المحللين بأن الصين ستصبح حتمًا أول قوة اقتصادية في العالم حوالي عام 2028، ثم ستتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة.
لكن إحصاءات أخرى تدفع الاقتصاديين إلى القلق بشأن صحة الماكينة الاقتصادية للبلاد. وهكذا خيّب الإنتاج الصناعي الصيني السوق مع نمو بلغ 3 فاصل 1 بالمائة فقط في سبتمبر مقارنة بشهر سبتمبر 2020 -مقابل 5 فاصل 3 بالمائة في أغسطس. من جانبه، يتزايد التضخم، بمعدل ينذر بالخطر. في المقابل، حققت مبيعات التجزئة أداءً أفضل من المتوقع: فقد نمت بنسبة 4 فاصل 4 بالمائة، أفضل مما كانت عليه في أغسطس (+ 2 فاصل 5 بالمائة) وأكثر من المتوقع من قبل بلومبيرج (+ 3 فاصل 5 بالمائة).

نقص الكهرباء
 وتراجع إنتاج الفحم
بالطبع، هناك أسباب لهذا التباطؤ في الاقتصاد. من بينها النقص الحاد في الكهرباء الذي أثر منذ بداية الخريف على المصانع الصينية وقطاع التصنيع بأكمله. هذا النقص في الكهرباء أجبر العديد من المحافظات على التقنين، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي في المنازل والمصانع. ومن بين المصانع المتضررة، تلك التي تنتج الأسمنت والصلب والألمنيوم، والتي تعتبر ذات أهمية خاصة لاقتصاد البلاد. ونقلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن جوليان إيفانز-بريتشارد، الخبير الاقتصادي في كابيتال إيكونوميكس قوله: “يبدو أن هذا الانخفاض في التصنيع سيزداد سوءً».
بالإضافة إلى ذلك، هناك فضيحة العقارات الناجمة عن الإفلاس الفعلي للعملاق إيفرجراند والعديد من الباعثين العقاريين الرئيسيين الآخرين في البلاد، مما يغذي الخوف من رؤية فقاعة العقارات تنفجر، مع مخاطر تلوث قطاعات أخرى من اقتصاد البلاد. وفي نفس الوقت، انخفض إنتاج الفحم بشكل كبير بسبب الفيضانات القياسية في مقاطعة شنشي، التي تنتج وحدها 30 بالمائة من وقود البلاد. كما قررت السلطات خفض انتاج الفحم لمحطات الطاقة الكبيرة من أجل تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبالتالي الامتثال لالتزامات الصين في مكافحة الاحتباس الحراري.
«منذ بداية العام، ارتفعت أسعار الطاقة بشكل كبير في الأسواق الدولية، لا سيما أسواق الغاز الطبيعي والنفط التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، بينما تتقلص إمدادات الكهرباء والفحم المحلي الصيني”، لاحظ فو لينغوي يوم الاثنين، 18 أكتوبر، المتحدث باسم بي إن إس، نقلا عن صحيفة ساوث تشاينا مورنينج بوست. أدت مجموعة كاملة من العوامل إلى هذا التقنين للكهرباء في أجزاء من البلاد، والتي كان لها تأثير واضح على الإنتاج. «
سبب آخر للقلق، هو زيادة الاستثمارات في البنية التحتية والسلع والخدمات ومعدات الآلات بنسبة 7 فاصل 3 بالمائة فقط للفترة من يناير إلى سبتمبر، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2020، هنا ايضا، رقم أقل من توقعات السوق.
التداعيات على
 الاقتصاد العالمي
في انتظار التحسن في بكين، ألقى الإعلان عن تراجع ثاني أكبر اقتصاد في العالم بثقله فورا على أسواق الأسهم العالمية يوم الاثنين، وقد تعافت بشكل واضح منذئذ.
 كل هذا يقود إلى السؤال الكبير: هل ستدخل الصين فترة من التضخم المصحوب بركود اقتصادي، ذاك الذي يحدث عندما يتضرر اقتصاد ما، وفي نفس الوقت، من نمو منخفض، وتضخم مرتفع، وبطالة متزايدة. نقلت صحيفة هونغ كونغ، عن بعض الاقتصاديين الصينيين اعتقادهم بحدوث هذا. “إن أرقام الربع الثالث تعزز المخاوف من زيادة خطر حدوث ركود تضخمي، يقول تشانغ تشويوي، كبير الاقتصاديين في شركة تحديد إدارة الأصول، ومع ذلك، فإن معدل البطالة في تراجع، وهو أمر يثير الدهشة. «
وبالنسبة لـ ووي تشين هو، الاقتصادي في بنك سنغافورة المتحد، من المرجح أن يؤدي النقص في قطاع الطاقة والأزمة العقارية إلى مراجعة توقعات الحكومة الصينية للنمو عام 2021. “الأرقام التي نراها هي في الواقع أضعف بكثير مما توقعنا، يشير في مداخلة للبي بي سي، وأعتقد أن الربع الرابع سيشهد نموًا أقل بسبب النقص في قطاع الطاقة. «
ويعتقد اقتصاديون صينيون آخرون، مثل شين إكسينفينغ، من شركة السمسرة نورث ايست سكيورتي، أن الصين من المحتمل أن تتطور إلى حالة “شبه تضخم مصحوب بالركود” في الأشهر الأخيرة من عام 2021. وبعبارة أخرى، ستواجه ارتفاع تكاليف الإنتاج، وارتفاعا معتدلا في أسعار الاستهلاك، لكن تباطؤا دائما في النمو.
ماذا سيحدث لو أعاق هذا التباطؤ الدائم في النمو محرك الاقتصاد العالمي، الصين؟ لقد بلغ الارتهان والاعتماد المتبادل سقفا يجعل من شأن هذا التباطؤ المستمر والمفاجئ، أن يسبب موجة من الذعر في جميع أنحاء الكوكب، كما يقول موقع كوارتز. عام 20، كان المستثمرون الأجانب يمتلكون ما يقرب من 3 فاصل 5 بالمائة من سوق الأسهم والسندات الصينية، النسبة صغيرة ظاهريًا، لكنها تصل إلى مئات المليارات من الدولارات.
في المقابل، تعد الصين واحدة من أكبر مشتري سندات الخزانة الأمريكية. وإذا أبطأت عمليات شراء هذه السندات، فسيتعين على الولايات المتحدة جذب عملاء آخرين من خلال رفع أسعار الفائدة، مما قد يؤثر على الأسعار في كامل الاقتصاد الأمريكي. ووفقًا لدراسة أجراها بنك التنمية الآسيوي، فإن صدمة النمو السلبية في الصين ستضرب الاقتصادات الناشئة في آسيا ودول البريكس الأخرى بشدة، وبشدة أكبر بكثير من الاقتصادات الغربية.

بكين تريد أن تطمئن
ومع ذلك، سعى العديد من المسؤولين لتخفيف هذه المخاوف. مثل ياو جينغيوان، عضو مكتب المستشارين في مجلس الدولة، والذي يرى انه لا يوجد سبب يدعو إلى القلق بشكل مفرط. وقال “الصين لن تشهد تضخما كبيرا لأننا لا نجد الأساس لمثل هذه الظاهرة”. وأحد الحلول من وجهة نظره، هو أن تعمل السلطات على استقرار دخل الأسر، وتسهر على تفادي تضخم مرتفع للغاية، مما قد يساعد بعد ذلك في تخفيف السياسة النقدية للبلاد.
وأثناء زيارته لمعرض كانتون التجاري الكبير في 15 أكتوبر، كان الوزير الاول لي كه تشيانغ مطمئنًا أيضًا. قال: “تمتلك الصين الأدوات المناسبة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد ... وستكون قادرة على تحقيق معدل نمو يزيد عن 6 بالمائة”، معترفًا مع ذلك، بأن الاقتصاد يجب أن يواجه “العديد من عوامل عدم الاستقرار، وعدم اليقين «.
وفي مواجهة الذعر الناجم عن نقص الطاقة، كان على بكين أن تنقلب في مطلع أكتوبر على قرارها بقطع إنتاج الكهرباء في محطات الكهرباء الكبيرة التي تعمل بالفحم في البلاد. ومنذئذ، استسلمت الحكومة للضغط على شركات التعدين الصينية لإعادة إنتاج أكبر قدر ممكن. ولتشجيعهم، قامت السلطات بتحرير أسعار الكهرباء جزئيًا، مما سمح للمنتجين ببيعها بمعدل أعلى بنسبة 20 بالمائة من السعر الذي تفرضه الجهات التنظيمية. وبالتالي سترتفع فواتير الكهرباء، مما يؤدي إلى زيادة التضخم الذي هو اصلا في ارتفاع.
حتى عام 2016، شهدت الصين معدلات نمو مذهلة من رقمين. “المعجزة الاقتصادية” التي سببتها الإصلاحات الكبرى التي بدأها دنغ شياو بينغ عام 1978. ولكن منذ ذلك التاريخ، تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني، حيث تراوح بين 6 و7 بالمائة. وبسبب الوباء، شهد النمو نقطة ضعف في الربع الأول من عام 2020 مع نمو سلبي بنسبة -6 فاصل 8 بالمائة.
وقبل أيام قليلة، كان صندوق النقد الدولي أول من حذر من تباطؤ النمو، وقام بتعديل توقعاته بهبوط طفيف (8 بالمائة بدلاً من 8 فاصل 1 بالمائة سابقًا) للنمو الصيني عام 2021. حكومة بكين، من جهتها، لطالما كانت حذرة، مع توقعات نمو “أكثر من 6 بالمائة” هذا العام.
تبقى الحقيقة أن الصين، رغم كل الصعاب، تظل دولة تحظى بتقدير المستثمرين الأجانب. ونتيجة لذلك، بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر ما يقرب من 114 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من العام. لقد وصلوا إلى حوالي 144 مليار دولار على مدار عام 2020 بأكمله... ويقول الخبراء إن عام 2021 قد يكون رقمًا قياسيًا جديدًا.
مؤلف حوالي خمسة عشر كتابًا مخصصة للصين واليابان والتبت والهند والتحديات الآسيوية الرئيسية. عام 2020، نشر كتاب “الزعامة العالمية محوره، الصدام بين الصين والولايات المتحدة” عن منشورات لوب.