هل ستختفي الماكرونية بعد إخفاق ماكرون في تجديد الحياة السياسية بفرنسا؟

هل ستختفي الماكرونية بعد إخفاق ماكرون في تجديد الحياة السياسية بفرنسا؟

يتساءل مارك لازار الأستاذ الفخري  لعلم الاجتماع السياسي بمعهد العلوم السياسية بباريس  عن مستقبل الماكرونية  بعد أن فشل إيمانويل ماكرون  رئيس الجمهورية في تحقيق تجديد الحياة  السياسية بفرنسا كما وعد أثناء حملته الانتخابية الرئاسية الأولى و الثانية ..
 
لقد أحيا مشروع  إصلاح نظام التقاعد أو المعاشات  و رفضه ، من قِبل فئات كبيرة من المجتمع الفرنسي  ، النقاشَ حول الجمهورية الخامسة ، و حول وضع الديمقراطية في فرنسا  و حتى حول التوصيف السياسي لإيمانويل ماكرون .و الماكرونية .  عندما وصل ماكرون إلى  الإليزيه عام 2017 ، جسًد ، و هو  في سن التاسعة والثلاثين ،  الحداثة . وقبل الوصول الى هذه المكانة  قاده حدس رباعي إلى الانطلاق   في الحملة الانتخابية الرئاسية فجزء كبير من الفرنسيين يطمح  لعملية تجديد واسعة  للحياة العامة ،  ثم أن قسمة المعارضة الى يمين و يسار قد تم تجاوزها ، وكان الحزبان الرئيسيان - الحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري - في طور الانهيار ، وفي النهاية ، لم يكن الرئيس هولاند قادرا على  الترشح لإعادة انتخابه لذلك  قدم إيمانويل ماكرون نفسه كمشروع تقدمي “يمين ويسار ، و” كان على فرنسا أن تتكيف مع اقتصاد معولم ورأسمالية متغيرة”. وهذا يعني إدخال السيولة في الاقتصاد والمرونة في سوق العمل. في المقابل ، كان من الضروري توفير الحماية الاجتماعية ، والعمل على البيئة ، وتطوير التدريب الأولي والمهني.  كما ان ماكرون رأى في المؤسسة الخاصة هيئة إنتاج وتوظيف ، ومكانا للحوار الاجتماعي ومصدرَ إلهام للإدارة. 
 
كان مصير فرنسا أيضا لا ينفصل عن مصير أوروبا ، التي دافع عنها والتي كان ينوي إحيائها.  لقد فرضت عليه ليبراليته على الطراز الفرنسي ، مع استمرار ¬الدولة و احتلالها موقعا مركزيا  ،ان يعمل على تحديثها  وجعلها أكثر كفاءة وخاصة في مجال  التعليم وإعادة التصنيع. علاوة على ذلك ، أظهر بعض الليبرالية الثقافية.  كما أعلن نفسه مرشحًا مناهضًا للنظام ، ودعا إلى مفهوم  ثوري للسياسة ، وانتقد الهيئات الوسيطة والأحزاب والنقابات التي ، حسب قوله ، دافعت فقط عن مصالحها التجارية. ادعى إيمانويل ماكرون أنه أعاد بريق الوظيفة الرئاسية التي اعتبر أن أهميتها  قد قُلِلت  في عهد جاك شيراك ونيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند.  ثم نصًب نفسه كرجل عناية الإلهية ،و هو  إغراء قومى قديم تكيف مع العصر. ومن هنا جاءت الحاجة إلى حشد المواطنين بالطَرق على أبوابهم ، وهو ما فعله العديد من الشباب الحاصلين على شهائد عليا مِمَن انضموا  إليه و ذلك من خلال اللعب بأدوات تكنولوجية يتقنونها.  و قد خضع هذا المشروع لاختبار السلطة . 
 
لا يتعلق الأمر هنا بتقييم فترة الخمس سنوات الأولى من حكم الرئيس ماكرون ، بل يتعلق باستعادة المسار السياسي الذي خطه و الذي احتذاه . فقد  واجه رئيس الجمهورية ، من بين أمور أخرى ، أزمة “السترات الصفراء” والهجمات الإرهابية ووباء كوفيد -19. ومع ذلك ، فقد أظهرت هذه السنوات الخمس تناقضات ماكرون.  فتيار” من اليمين واليسار”  يميل إلى اليمين  في وضع السياسات الاقتصادية وجزء من السياسات الاجتماعية ، في حين أن  شعار “ مهما كان الثمن”  الذي رُفع وقت انتشار الوباء  وبعض الإجراءات التي اتخذت لمكافحة الاحتباس الحراري والتدابير المجتمعية ،  و هي اجراءات اقرب لليسار ، كان لها تأثير ضئيل على الرأي العام. و قد أكمل إصلاح نظام التقاعد  أو المعاشات هذا التدحرج في المسار السياسي لماكرون .و  في مواجهة العرقلة الحادة لحزب “ فرنسا الابية “ الذي يرأسه ميشلون  ، الذي يدعو إلى “تمرد المواطنين” ، وعداء التجمع الوطني ، فشل ماكرون أيضا  في اجتذاب بعض النواب الاشتراكيين مع الجمهوريين ، الذين ، مثل الحزب الاشتراكي ، لا يتصرفون كحزب حاكم  . و بشكل عام ، لم يرغب ماكرون أولم يكن قادرًا على بناء أسس  الماكرونية حول بعض المبادئ  التي يمكن تحديدها بسهولة. كما أن ولايته الأولى والسنة شبه الأولى للسلطة التنفيذية  مع حكومة بورن تعطي إحساسًا بالتجديف  في الأفق ، وفقًا للرياح و  العواصف .

فقط المسار الأوروبي بقي ثابتًا وبقوة. 
بعد أزمة “السترات الصفراء” ، أطلق ماكرون الجدل الوطني الكبير وحفز مؤتمرات المواطنين. يتناقض هذا الانفتاح القليل ، الذي لم تتبعه آثار ملموسة ،  مع الممارسة المفرطة و  المُشخصنة لرئاسة الجمهورية ، والتي ساهمت في زيادة نزع الوساطة الجارية بالفعل وتبلور الغضب ، وحتى الكراهية ، على شخصه. حتى هذه الأيام ، كان البرلمانيون يتلقون أوامر ،و ينصاعون اليها أكثر مِما كان ينصاع نواب الماضي  . علاوة على ذلك ، لم يسعى ماكرون إلى بناء حزب متجذر في المناطق ، مفضلاً أن تكون لديه حركة شخصية يمكن حشدها حسب تقديره.  لقد أعيد انتخابه في عام 2022 في نهاية حملة باهتة إلى حد ما ،  وبعد فوزه في الجولة الثانية على مارين لوبان  التي كانت تتقدم بقوة ، تعهد إيمانويل ماكرون بأخذ ناخبي اليسار في الاعتبار - الذين وضعوا بطاقة اقتراع لصالحه  في صندوق الاقتراع. من أجل عرقلة زعيمة التجمع الوطني - ، فضلا عن كتلة الممتنعين. و إذا ما كانت هنالك بعض الانتظارات من قبل هؤلاء الفرنسيين ، فإن خيبة الأمل كانت فورية تقريبًا. 
 
هذه واحدة من أكبر المفارقات   لدى الماكرون ، بعد سبع سنوات من ظهور الماكرونية .  لقد أراد  صاحبها أن يكون ابن القرن الحادي والعشرين ومخترع عالم جديد.  لكنه منذ بداية ولايته الثانية ، استخدم تقنيات العالم القديم ، تلك الخاصة بزمن الجنرال ديغول ، التي تقوم على آاليات  العمودية ،و السلطة ،و الصلاحيات  المطلقة التي يمنحها الدستور ،  وهي مبادئ أصبح الفرنسيون أقل تأييدا  لها  . 
لقد  أراد ماكرون أن يُقوض النظام السياسي عازمًا على إعادة بنائه على أسس أخرى و هكذا  يظهر الآن استقطاب ثلاثي ، بتشكيلتين راديكاليتين ومركز غير منظم ينوي الدفاع عن الديمقراطية التمثيلية و عن أوروبا ضد القوى التي تنتقدها . و جسد  في الماضي “حزب الحركة” العصري . و  لكنه الآن  يتظاهر بأنه “حزب نظام” يدين العنف الشديد لبعض المتظاهرين ، مستنكرًا عمل هذه الجماهير   كما انتقد الجنرال ديغول الفوضى في عام 1968  
 
 إن الماكرونية ستظل حاضرة في الحياة السياسية الفرنسية  فقط طالما كان إيمانويل ماكرون موجودا . ويمكن للمرء أن يسأل عما سيحدث بعد ولايته الثانية. هل يمكن أن تنجو  من فشل صاحبها ؟ هل مقدر لها أن تختفي مثل الجيسكاردية في الماضي؟
 ما هو مؤكد هو أن باعثها لم يفعل شيئًا لإدامتها.