المنافسة قد تتصاعد إلى صراع عسكري
هل يقود سباق الذكاء الاصطناعي إلى حرب بين واشنطن وبكين؟
يبدو أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين في مجال الذكاء الاصطناعي قد تتصاعد إلى حد الصراع العسكري إذا لم تتم إدارتها بشكل صحيح. ورغم المناقشات حول الانفصال الاقتصادي، تظل الدولتان مترابطتين بعمق، وستلقي أي حرب بظــــــلال كارثية على الدولتين، حســــبما أفاد بلال صعب، مدير مكتب تريندز في الولايات المتحدة الأمريكيــــة، وناتاشا أحمد، مستثمرة في تكنولوجيا الدفاع ورئيسة شركة Epirus. وتناول الكاتبان في مقال مشترك بموقع مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية استراتيجية “السلام من خلال الحافة”، وهي تشبه استراتيجية “السلام من خلال القوة” التي تبناها ريغان، حيث تحافظ الولايات المتحدة على التفوق التكنولوجي مع تعزيز المنافسة المسؤولة. وأوضح الكاتبان أن التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي يمكن توجيهه من خلال إطارات أساسها السوق تكافئ الإبداع وتعاقب السلوك غير المسؤول. وبدلاً من صراع محصلته صفر، ينبغي لكلا القوتين الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التعاون لدفع النمو الاقتصادي مع تجنب زعزعة الاستقرار.
المنافسة الأوسع
ولفت الكاتبان النظر إلى أن الذكاء الاصطناعي يأتي ضمن الصراع الأوسع بين الولايات المتحدة والصين حول النفوذ العالمي ونماذج الحكم؛ فالنهج الأمريكي مدفوع بالسوق، ويفضل ابتكار القطاع الخاص مع الحد الأدنى من تدخل الحكومة.
أما النموذج الصيني، فتقوده الدولة، ويسيطر عليه الحزب الشيوعي بإحكام، ومع ذلك ما يزال يركز على الابتكار.
ساحة المعركة
تقع أشباه الموصلات في قلب تطوير الذكاء الاصطناعي، وفرضت الولايات المتحدة حظراً على تصدير أدوات تصنيع الرقائق عالية التقنية للحد من قدرة الصين على الوصول إلى أشباه الموصلات المتقدمة.
ومع ذلك، فإن هذه القيود تعطل سلاسل التوريد العالمية وتخلق توترات مع حلفاء الولايات المتحدة في آسيا.
وتوقع الكاتبان أن تشدد إدارة ترامب الثانية القيود المفروضة على صناعة أشباه الموصلات في الصين.
ومع ذلك، فإن الصين لا تعدم الخيارات البديلة. فبينما تمتك شرائح ذكاء اصطناعي أقل من حيث القدرات والموارد عن مثيلتها لدى شركة إنفيديا الأمريكية، تهيمن الصين على إنتاج أشباه الموصلات القديمة وتستثمر 47 مليار دولار في تصنيع الرقائق المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، تتجاوز بكين العقوبات الأمريكية باستخدام خدمات الحوسبة السحابية للذكاء الاصطناعي للوصول إلى الحوسبة عالية الأداء.
الذكاء الاصطناعي بالاستراتيجية العسكرية
سلط الكاتبان الضوء على الطريقة التي يُحدِث بها الذكاء الاصطناعي ثورة في إدارة الحرب، على الرغم من أنه لا يغير الطبيعة الأساسية للحرب نفسها، وأشارا إلى أن الذكاء الاصطناعي يساعد على اتخاذ القرار بشكل أسرع، وتحسين تحليل الاستخبارات، والكشف المبكر عن التهديدات.
ويمكن للذكاء الاصطناعي القيام بتجميع صور الأقمار الصناعية، وتقديم ملخصات استخباراتية، وجمع بيانات وسائل التواصل الاجتماعي للتنبؤ بالتهديدات. وهذه القدرات حاسمة في الحرب السيبرانية، حيث تتكيف الأنظمة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي باستمرار مع الهجمات. كما تعمل محاكاة التدريب العسكري التي تعمل بالذكاء الاصطناعي على إعادة تشكيل جاهزية القتال. تستخدم القوات في جميع أنحاء العالم ألعاب الحرب التي تعمل بالذكاء الاصطناعي للاستعداد لسيناريوهات المعركة المعقدة.
ساحة المعركة
وأشار الكاتبان إلى استخدام أوكرانيا للذكاء الاصطناعي في دفاعها ضد روسيا. فقد ساعدت أنظمة الاستخبارات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي القوات الأوكرانية في تحليل تحركات القوات الروسية وتنسيق الهجمات بكفاءة أكبر.
ويعد الذكاء الاصطناعي عنصراً أساسياً في عمليات مكافحة الإرهاب الإسرائيلية ضد حماس وحزب الله في الشرق الأوسط.
ويستخدم الجيش الإسرائيلي قاعدة بيانات الذكاء الاصطناعي “لافندر” لتحديد عملاء حماس وحزب الله المحتملين، ونظام استهداف الذكاء الاصطناعي “غوسبل” لتحديد البنية التحتية للمتشددين، وطائرات دون طيار مستقلة للقتال الداخلي عن قرب.
في الوقت نفسه، في مجال الأمن البحري، قام الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية بدمج الذكاء الاصطناعي في فرقة العمل 59، التي تستخدم أنظمة مراقبة دون طيار بمساعدة الذكاء الاصطناعي لمراقبة المياه الإقليمية.
وأدت العسكرة السريعة للذكاء الاصطناعي إلى سباق تسلح في هذا المجال، مما أدى إلى زيادة التوترات العالمية. ويخلق كل تقدم في المجال حالة من عدم الاستقرار الاستراتيجي، مما يجبر الدول على مطابقة أو تجاوز قدرات منافسيها. وللتغلب على هذا الأمر، أكد الكاتبان ضرورة أن تقود الولايات المتحدة عملية إنشاء أطر حوكمة للذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر. ويجب أن تتسم هذه الأطر بتشجيع المنافسة وتطوير الذكاء الاصطناعي الأخلاقي لمنع إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي للتصعيد العسكري.
الحوكمة المفتوحة
في حين قد ينظر البعض بسذاجة إلى إمكانية التعاون في مجال الذكاء الصناعي بين أمريكا والصين، يقول الكاتبان إنها خطوة استراتيجية ذكية، فمن خلال قيادة أطر حوكمة الذكاء الاصطناعي، تستطيع واشنطن الحفاظ على التفوق التكنولوجي على الصين، واستقرار المنافسة في مجال الذكاء الاصطناعي لتجنب التصعيد المتهور، وتأمين الزعامة الغربية في اقتصاد الذكاء الاصطناعي العالمي.
وبدلاً من تقييد وصول الصين إلى الذكاء الاصطناعي ببساطة، ينبغي للولايات المتحدة استخدام “السلام من خلال التفوق” لموازنة المنافسة بالاستقرار، وضمان بقاء الذكاء الاصطناعي قوة للتقدم وليس الصراع.