هل يمنع التفكيك الكامل للنووي الإيراني اندلاع حرب؟
حدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما سوف يفعله ويقبله فيما يتعلق بالتعامل مع إيران، وقال في مقابلة في الرابع من مايو -أيار الجاري إنه لن يقبل إلا «بالتفكيك الكامل « للبرنامج النووي الإيراني في نقطة النهاية لأي اتفاق مستقبلي مع طهران، ومن المؤكد، أن التفكيك يعد مطلباً قاسياً بالنسبة للنظام الإيراني، حسبما قال المحلل السياسي جاناتان سايه.
وقال سايه، وهو محلل أبحاث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، حيث يركز على الشؤون الداخلية الإيرانية والتأثير الإقليمي الضار للجمهورية الإيرانية، إن طلب التفكيك ليس المسار الصحيح فحسب، ولكن أيضاً الاستراتيجية الوحيدة القابلة للتطبيق، إذا كان الرئيس ترامب يأمل في تحقيق حل دبلوماسي دائم للأزمة النووية. ولن تحسم الإجراءات الجزئية غير الحازمة هذا الأمر، ولن يؤدي مواصلة السعى للتفكيك حتماً إلى اندلاع حرب.
وأضاف سايه، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال انتريست» الأمريكية، أنه من أجل بناء قوة تفاوضية ضرورية لتحقيق هذه النتيجة، تواصل الإدارة الأمريكية بشكل صحيح حملتها الخاصة بالضغوط القصوى، التي كان قد تم إطلاقها عام 2018 لخفض عائدات طهران من النفط وعزل البنوك الإيرانية عن الشبكة المالية العالمية.
ومنذ فبراير -شباط، فرضت إدارة ترامب أكثر من 7 جولات من العقوبات التي استهدفت أسطول الظل الإيراني وكيانات صينية تستورد النفط الخام الإيراني غير المشروع ومنتجات بترولية أخرى.
وكان لهذه الإجراءات بالفعل تأثير ، ويواجه الآن الإيرانيون المستاءون جراء التراجع التاريخي لقيمة الريال الإيراني إلى أكثر من مليون مقابل الدولار في مارس -آذار، تضخماً يرتفع إلى أكثر من 3 %على أساس شهري فيما يقترب المعدل السنوي من 40%.
ومن جهة أخرى، قلصت حملة إسرائيل ضد حماس وحزب الله وانهيار نظام بشار الأسد والهجمات الجوية الأمريكية على الحوثيين بشكل كبير النفوذ الإقليمي للجمهورية الإسلامية الإيرانية.
ويعطي الضعف الذي أصاب طهران جراء ذلك الولايات المتحدة نفوذاً غير مسبوق في المفاوضات النووية.ولكن كثيرين في واشنطن دقوا ناقوس الخطر، قائلين إن التفكيك هدف سوف ترفضه طهران، ومن ثم استفزاز اندلاع حرب إذا ما واصلت إدارة ترامب تهديداتها. ومع ذلك، ثبت عدم صحة تحذيرات شديدة مماثلة تم إطلاقها خلال ولاية ترامب الأولى. وصور هؤلاء المنتقدون بشكل روتيني سياسات ترامب الخاصة بالشرق الأوسط بأنها نذر لاندلاع حرب إقليمية كبيرة، ولكن تلك التوقعات لم تتحقق مراراً وتكراراً. وجاء المثال الأبرز على هذه الظاهرة في عام 2020 عندما قامت الولايات المتحدة بتصفية قاسم سليماني قائد فيلق القدس، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني لتنفيذ عمليات إرهابية في الخارج.
وأجج مثيرو الذعر بسرعة الفزع وسيطرت التغطية المثيرة للمخاوف على وسائل الإعلام. واستثمر المرشحون الديمقراطيون للرئاسة في عام 2020 هذا الشعور بالذعر .وحذر جو بايدن من أن الولايات المتحدة تقف على شفا صراع كبير في الشرق الأوسط. وبالمثل زعم عضوا مجلس الشيوخ بيرني ساندرز واليزابيث وارين أن الهجوم سوف يؤدي إلى حرب كارثية والمزيد من الوفيات في المنطقة. ومما لاشك فيه أن الرد الفعلي للجمهورية الإسلامية، التي أطلقت العشرات من الصواريخ الباليستية ضد قاعدة عين الأسد الجوية العسكرية الأمريكية في العراق ، كان تاريخياً وترددت تقارير بأنه الهجوم الصاروخي الباليستي الأكبر على قوات أمريكية حتى الآن. ولكنه كان مع ذلك معتدلاً.
وأبلغ الحرس الثوري الإيراني مسبقاً واشنطن عبر وسطاء عراقيين بهجومه الانتقامي. وفي الحقيقة كان الهجوم لا يهدف سوى إلا حفظ ماء الوجه وإشارة إلى أن القواعد الأمريكية تقع في مرمى صواريخ إيران. ولم تندلع حرب بعدما انسحب ترامب عام 2018 من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي). وبينما لم تبدأ إيران في توسيع برنامجها النووي عقب الإنسحاب ، لم تحدث زيادة تسريع وتيرة البرنامج النووي إلا بعد فوز الرئيس جو بايدن في انتخابات شهر نوفمبر -تشرين الثاني عام 2020.
وبدا النظام الإيراني في نشر أجهزة الطرد المركزي المتقدمة وتخصيب اليورانيوم إلى مستويات بنسبة 60%في عام 2021 وحتى لنسبة 84% لفترة قصيرة في عام2023، وهى النسبة التي تقل بقليل عن نسبة التخصيب لصنع أسلحة أو 90%.
وكان تصنيف الحرس الثوري الإيراني في شهر أبريل -نيسان عام 2019 كمنظمة إرهابية أجنبية سياسة أخرى تجاه إيران محل نزاع إبان حكم ترامب في ولايته الأولى.
وشارك الكثير من مؤسسة الأمن الوطني أيضا مخاوف من أن هذا التصنيف سوف يعرض القوات الأمريكية في العراق للخطر. ولم تثبت الأحداث عقب التصنيف صحة هذه المخاوف.
ورغم زيادة الاستفزازات الإيرانية في شهر مايو -أيار عام 2019، بما في ذلك هجمات على ناقلات النفط واستئناف الهجمات على المواقع الأمريكية في العراق ، اثبت رد طهران أنه مقيد، حيث فشل في أن يحدث ضرراً كبيراً بأهدافه.
وبالمثل، تزامنت هذه الأعمال مع حملة واشنطن الاقتصادية المتصاعدة التي تستهدف النفط والصادرات المعدنية الصناعية الإيرانية. وتسببت هذه الإجراءات في أضرار اقتصادية ملموسة، بينما لم يكن تصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية أجنبية ، رغم أنه قوي من الناحية الرمزية، المحرك الرئيسي للسلوك الإيراني.
وتابع سايه أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تستعد دائما للأحداث الطارئة عندما تواجه خصوما مثل إيران. وتتمثل الاستراتيجية الاكثر انهزامية للذات في السماح بردع واشنطن، ليس من جانب طهران ولكن من خلال ترددها.
وظلت ردود الجمهورية الإسلامية مقيدة بشكل كبير لتجنب تجاوز الخطوط التي تثير مواجهة عسكرية مباشرة، ويتجاهل هذه الحقيقة منتقدون، يصورون طلب ترامب بتفكيك البرنامج النووي الإيراني بأنه استفزار خطير لا يمكن قبوله .
واختتم سايه تقريره بالقول إن نتائج التحركات عالية المخاطر السابقة تظهر أن موقفاً حازماً يمكن أن ينتزع تنازلات بدون التصعيد إلى صراع. وأن ذلك بالضبط هو السبب في أن تفكيك البرنامج النووي الإيراني ليس مرغوباً فيه فقط، ولكن يمكن تحقيقه، وأن الاكتفاء بما هو أقل من ذلك سوف يهدر لحظة نادرة لبسط النفوذ الأمريكي.
.