مع بدء انتشار جائحة كورونا حول العالم، كان من الضروري على جميع الدول والحكومات المبادرة إلى اتخاذ عدد من الإجراءات الاستباقية لمكافحة جائحة وباء كورونا المستجد (كوفيد-19) والحد من انتشاره، واتخاذ كافة الخطوات الوقائية والعلاجية اللازمة لتخطي الآثار المباشرة وغير المباشرة لانتشار الجائحة. وقد استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الأزمة، وبفضل توجيهات قيادتها الرشيدة، أن تثبت من جديد قدرتها على رسم وتطبيق استراتيجيات وخطط تواجه من خلالها التبعات الطبية والصحية والاقتصادية والاجتماعية لانتشار الوباء، مع التحلي بالمرونة اللازمة لتوفير الموارد وإعادة توجيه الإنفاق الحكومي بما يناسب متطلبات المرحلة.

إجراءات مكافحة الفيروس
 والحيلولة دون انتشاره
كان لجائحة كوفيد-19 تأثير على الميزانية الحكومية، حيث اضطرت الحكومات إلى تحويل الأولويات الرئيسية لتلبية احتياجات الخطوط الأمامية والطارئة. ففي دولة الإمارات تمت زيادة النفقات المخصصة لوزارة الصحة ووقاية المجتمع والتي كانت في البداية 7٪ من الميزانية الاتحادية لعام 2020، وذلك لتغطية الزيادة في الإنفاق على التدابير الاحترازية لمكافحة انتشار الوباء وضمان الاستجابة السريعة للاحتياجات العاجلة للموظفين في قطاع الرعاية الصحية.
وشملت الإجراءات التي اتخذتها الدولة لمكافحة انتشار الوباء توفير الدعم المستمر للفرق الطبية المؤهلة والمجهزة بالكامل، وتوفير تكاليف التأمين الصحي التي تغطي اختبار وعلاج الوباء للأفراد المؤمن عليهم وغير المؤمن عليهم، وإنشاء مرافق صحية عالية التقنية مجهزة تجهيزا كاملاً في دبي بسعة 5,000 سرير وأبوظبي بإجمالي 1,200 سرير، وإطلاق مختبر جديد ضخم الإنتاجية لتلبية الحاجة لاجراء فحوصات الكشف عن كوفيد-19، وإطلاق برنامج وطني للتطهير وتقييد الحركة على السكان خلال 24 ساعة، وتطوير التطبيقات الذكية مثل “الخريطة الصحية التفاعلية” التي تتضمن بيانات عن 13 مركز اختبار بالإضافة إلى المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية والعيادات في جميع أنحاء البلاد.  وأشار سعادة يونس حاجي الخوري وكيل وزارة المالية إلى أن الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في الدولة قامت بخفض التكاليف التشغيلية في الوكالات الحكومية لتوفير الحيز المالي لزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية وكذلك خفض الإيرادات الحكومية بسبب التباطؤ الاقتصادي الناجم عن انتشار الجائحة، حيث شملت الإجراءات المتخذة في هذا الصدد إعادة ترتيب أولويات الإنفاق على مشاريع البناء الجارية والتريث في التوظيف وإعادة النظر في الإنفاق على المؤتمرات غير العاجلة والتدريب.
وقد أثمرت هذه الخطوات عن نجاح دولة الإمارات في التعامل مع الجائحة بكفاءة وتميز، حيث تعد دولة الإمارات الأولى عالمياً في عدد الفحوصات للفرد بنحو أكثر من 3.5 مليون فحص للكشف المبكر عن الإصابات وعزلها وتوفير أفضل سبل الرعاية الصحية اللازمة لها وتجنب مضاعفات المرض.

تأثير الأزمة على الأنشطة الاقتصادية
كان لانتشار جائحة كورونا تأثيرات كبيرة على العديد من الأنشطة والقطاعات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم. وعلى مستوى دولة الإمارات فقد تأثر قطاع العقارات من ضعف الطلب الناتج عن تراجع القوة الشرائية للمشترين المحليين بسبب مخاوف المستثمرين العالمية بشأن مدة الوباء، كما كان قطاع النقل من بين القطاعات الأكثر تضرراً في دولة الإمارات وفي جميع أنحاء المنطقة. ويعود ذلك إلى الإغلاق التام لقطاع الطيران وتراجع الطلب على النقل بشكل عام بسبب عمليات الإغلاق وحظر التجول. مما أدى ذلك بدوره إلى ركود في قطاع السياحة والضيافة وأنشطة الترفيه في الدولة حيث اضطرت بعض الشركات إلى الإغلاق بشكل كامل خلال فترة الحظر.  
وأثرت تداعيات الجائحة أيضاً بشكل كبير على قطاع السياحة في دبي كونه ركيزة أساسية لاقتصاد الإمارة. وحقق قطاع السياحة والضيافة 102 مليار درهم إماراتي (28 مليار دولار أمريكي) في عام 2019 مع حوالي 16 مليون زائر دولي مما يجعل دبي ثالث أكبر مدينة في العالم في جذب الإنفاق السياحي الدولي المباشر. ومن أهم مشاريع قطاع السياحة التي تأثرت بسبب الوباء في دبي لعام 2020 هو تأجيل إكسبو، حيث لاقى قرار تأجيل إكسبو لعام واحد (لينطلق في 1 أكتوبر 2021) ترحيباً من قبل المجتمع الدولي ما سيسمح لجميع المشاركين بتجاوز تبعات كوفيد-19 مع التركيز على الرغبة المشتركة في رسم ملامح فكر جديد لوضع الحلول للتحديات المستجدة التي تواجه العالم. ومن المتوقع أن يساهم معرض دبي إكسبو 2020 بنحو 122.6 مليار درهم (33 مليار دولار أمريكي) في اقتصاد الإمارات بحلول عام 2031 مع حوالي 14 مليون مشارك دولي.

حزم تحفيزية للتعامل مع الآثار الاقتصادية للجائحة على القطاع الخاص
بادرت حكومة الإمارات العربية المتحدة للتحرك بسرعة للاستجابة لتبعات الأزمة على المستويين الاتحادي والمحلي من خلال إطلاق حزم تحفيز مالي كبيرة لتخفيف العبء على القطاع الخاص من خلال خفض تكلفة ممارسة الأعمال التجارية مع تخفيضات كبيرة في الرسوم الحكومية وتخفيف الديون والمدفوعات للشركات.
وتضمنت الإجراءات المالية التي تم اتخذاها تخفيض فواتير استهلاك الكهرباء والمياه للأنشطة التجارية والصناعية وتوفير أقساط دفع سهلة، والتنازل عن عدد من الرسوم وخفضها مثل رسوم خدمة التجار والرسوم المصرفية، إضافة إلى عدد من الغرامات الإدارية كالغرامات على التصاريح منتهية الصلاحية وغرامات الهوية والجنسية.
كما أطلق المصرف المركزي الإماراتي خطة دعم اقتصادي شاملة موجهة للعملاء والأفراد والشركات المتأثرين بوباء كوفيد-19، حيث أعلن المصرف المركزي الإماراتي عن حزمة إجراءات بقيمة 256 مليار درهم إماراتي (70 مليار دولار أمريكي أو 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، ووفرت هذه المبادرة السيولة اللازمة للأسواق المالية وغير المالية. كما أعلن المصرف المركزي أنه في خلال شهرين فقط سحبت البنوك والمؤسسات المالية الإماراتية 77٪ (38.5 مليار درهم) من القروض البالغة قيمتها 50 مليار درهم.
وعلى صعيد السياسات المالية، قدمت حكومة دولة الإمارات على المستوى الاتحادي والمحلي حزم تحفيز كبيرة تصل إلى 26.5 مليار درهم (7 مليار دولار أمريكي). وتضمنت الحزم مجموعة متنوعة من التدابير التي توفر تخفيفات الديون والمدفوعات للشركات والأسر على حد سواء؛ كما أطلقت هيئة الأوراق المالية والسلع حزمة من القرارات لدعم الأسواق المالية في الدولة وتيسير معاملاتها.
واستهدفت برامج التحفيز أيضاً قطاع البنية التحتية، حيث وضعت حكومة الدولة أولوية عاجلة لضمان استمرارية المشاريع الرأسمالية الحيوية الجارية. واستطاعت إمارة دبي المحافظة على مكانتها كثالث وجهة عالمية حتى خلال فترة تفشي الجائحة للفترة بين شهري يناير إلى مايو من هذا العام، والتي تميّزت بإجمالي تدفقات داخلة قدرها 10 مليارات درهم إماراتي من خلال 135 مشروع استثمار أجنبياً.
وأدت متطلبات الاستجابة الفعالة لتفشي الوباء إلى قيام حكومة دولة الإمارات بتسريع خططها للخضوع لعملية إعادة هيكلة كبرى، تم إجراؤها مؤخراً وكان أحد أهدافها يكمن في ضمان السرعة والمرونة في التكيف مع الحقائق “الطبيعية الجديدة” التي نجمت عن جائحة كوفيد-19. تشمل إعادة الهيكلة دمج مختلف الوزارات والوكالات لخفض النفقات الحكومية وتحقيق المزيد من الكفاءة للخدمات. يشمل الهيكل الجديد إغلاق 50٪ من مراكز الخدمات الحكومية وتحويلها إلى منصات رقمية في غضون عامين، فضلاً عن دمج حوالي 50٪ من السلطات الاتحادية مع سلطات أو وزارات أخرى.
نظرة على الآثار المستقبلية المتوقعة لانتشار الجائحة والدروس المستفادة منها على صعيد الإنفاق الحكومي
يتوقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد العالمي بحدة بنسبة 3% في عام 2020 بسبب التداعيات الاقتصادية لانتشار الوباء وإجراءات الإغلاق. وبالنسبة لمنطقة الخليج العربي، يتوقع صندوق النقد الدولي نمواً سلبيًا إجمالياً بنسبة 3.9% في جميع المجالات مدفوعاً بالصدمة المزدوجة لتفشي وباء كوفيد-19 وانخفاض أسعار النفط. من المتوقع أن تشهد دولة الإمارات العربية المتحدة انخفاضاً بنسبة 3.5٪ في الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2020 وفقاً لهذه التوقعات.
وقال سعادة الخوري: “أنهت دولة الإمارات مرحلة تقييد الحركة وتتطلع حالياً لمرحلة الانتعاش الاقتصادي بهدف تعويض الخسائر المتوقعة في النصف الثاني من هذا العام. كما نتوقع أن يقود الانتعاش قطاع الجملة والتجزئة والخدمات المالية بالإضافة إلى المساهمات الإيجابية من العقارات وأنشطة الشحن.»
وأضاف سعادته: “من أهم الدروس المستفادة من انتشار الجائحة هو أهمية إعادة ترتيب أولويات الأموال العامة والاستناد إلى نمذجة التكلفة المناسبة لإعادة ترتيب أولويات الأموال من النفقات التشغيلية للوزارات حسب تأثرها بتفشي الوباء؛ حيث لا تزال الأنشطة الحكومية تمثل حصة كبيرة من النشاط الاقتصادي في المنطقة وبالتالي فإن الصدمات على الإنفاق العام بما في ذلك الشركات ذات الصلة بالحكومة سيكون لها عواقب اقتصادية شديدة على العمالة والتجارة وتدفق رأس المال. ومن المحتمل أن يتطلب ذلك مجموعة أوسع من الإجراءات خلال مرحلة التعافي.»
وعن الإجراءات الممكن اتخاذها، قال سعادة يونس الخوري: “تشمل هذه الإجراءات تسريع المشاريع الرأسمالية الكبرى مع تأجيل أو إلغاء المشاريع الأخرى التي لا تعتبر ضرورية لدعم التنمية الاقتصادية على المدى المتوسط وخاصة المشاريع التي لم تبدأ بعد، ومراجعة قوانين الإقامة نظراً لخطر التراجع المفاجئ لعدد السكان والفقدان السريع للقوى العاملة الماهرة بسبب الإغلاق المؤقت للأعمال خلال فترة الحظر.»