صعود وسقوط ترامب دليل جيد على ذلك
وسائل التواصل الاجتماعي فرانكشتاين القرن 21 ...!
-- لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، وتويتر بشكل خاص، في إثارة جمهور الترامبيين
-- لم يُنتخب دونالد ترامب بفضل نعمة تويتر
-- باستخدام الإنترنت والشبكات الاجتماعية، أنشأنا وسيطًا لا نعرف كيف نستخدمه
-- هذه الشبكات هي التي صنعت سمعة ترامب بين أنصاره، و الشبكات نفسها شكلت جيشا حقيقيا من معارضيه
-- تم إهداء وسيلة القرن الحادي والعشرين إلى أبناء القرن العشرين دون تعليمات الاستخدام التي تتوافق معها
أغلق القوس، وتم حظر الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، الذي أجبر في الأخير على مغادرة البيت الأبيض، حظره إلى الأبد من الشبكات الاجتماعية الرئيسية التي فعلت الكثير لإيصاله إلى السلطة. يحتدم الجدل: هل كانت فكرة جيدة قطع جسور ترامب مع هذه الشبكات ومنعه من الاستمرار في قول أكاذيبه والتحريض على الفتنة؟ ما مقدار المسؤولية التي يتحملها تويتر وفيسبوك ويوتيوب وال، في انتشار أيديولوجيته المثيرة للغثيان، والتي أدت في 6 يناير إلى الهجوم على مبنى الكابيتول من قبل حشد يميني متطرف لا يزال برنامجه للاستيلاء على السلطة غير محدد بوضوح؟ هل كان موكول لشركة خاصة أن تقول قف، أم كان علينا انتظار تدخّل العدالة؟
لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، وتويتر بشكل خاص، في إثارة هذيان جمهور الترامبيين. لم تكن البداية ب 6 يناير، عندما نشر ترامب، بعد خطابه الذي حرض على التمرد، تغريدات غامضة توحي بأنه يوافق مثيري الشغب، أو حتى يوم 3 نوفمبر، يوم خسر الانتخابات.
فمنذ بداية ولايته، استخدم الرئيس ترامب مكبر الصوت هذا للتواصل مع مؤيديه، الأكثر تطرفاً والأكثر اعتدالاً، في تدفق لوغوري مستمر، والذي توقف لفترة وجيزة مجبرا ومكرها، عند مرضه، وأجبر -كوفيد -الرئيس على البقاء في المستشفى.
أصيبت لكنها لم تغرق
دون الظهور الذي مكنته منه المنصة، كان طبيعيا أن يكون لخطاب ترامب خلال فترة ولايته تأثير أقل. لدى تويتر 330 مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم، منهم 68 مليون في الولايات المتحدة. وقد استخدمه ترامب لتبرير أفعاله، وتشويه سمعة خصومه، وعرض آرائه التي لم تكن عنصريتها وكراهيتها للأجانب سراً. وقبل عدة أسابيع من 3 نوفمبر، أعلن أنه سيتم تزوير الانتخابات، وأنه سيطعن في النتيجة: ومظاهر الدهشة عند مرور أكثر مؤيديه أدلجة للفعل، هي إما عمى خطير أو نفاق.
وسواء كان صحفيًا أو سياسيًا أو مواطنًا عاديًا، فإن أي شخص استمع إلى دونالد ترامب على مدار السنوات الأربع الماضية لديه ما يكفي من الأدلة لفهم أن دعواته المستمرة لرفض استبلشمنت واشنطن والمثقفين والمتظاهرين المناهضين للفاشية ونشطاء حركة حياة السود مهمة، تملك إمكانات اجتماعية متفجرة. وبوقفة تأمّل ضرورية، من الواضح أن السنوات الأربع الأخيرة من الوفرة الترامبية على وسائل التواصل الاجتماعي، تتحمل مسؤولية كبيرة عن أحداث 6 يناير.
ومع ذلك، يمكن القول أيضًا إنه بفضل هذه الشبكات الاجتماعية نفسها، بفضل الإنترنت بشكل عام وتويتر على وجه الخصوص، لم يفشل الانقلاب فقط، ولكن أيضًا لم تتم إعادة انتخاب ترامب.
اهتزت أمريكا، وترنحت، ولكنها لم تسقط.
لن يشغل الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة ولاية ثانية، وصوت مجلس النواب على قرار عزله، وسينظر مجلس الشيوخ في موضوع إدانته... ان التقلبات لا تغرق، كما يقال عندنا... شكرا من؟
لم يُنتخب ترامب فقط بفضل تويتر: كان لديه برنامج، وكان مدعومًا من الحزب الجمهوري بأكمله، وعقد اجتماعات، وكان يعرف كيف يتحدث إلى شرائح كاملة من أمريكا كانت تنتظر ان يخاطبها، أخيرًا، رجل سياسية من واشنطن بلغة يمكن ان ترى نفسها فيها. وكانت هناك مناظرات مع هيلاري كلينتون، ابرزت عدوانية الشخصية بوضوح.
وحتى دون وسائل التواصل الاجتماعي، بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، كان سيفي بوعوده في حملته الانتخابية: حظر المسلمين، الذي يمنع دخول مواطني دول إسلامية معينة الولايات المتحدة، تشديد سياسة الهجرة، تفكيك العائلات، حبس الأطفال ذوي الأصول الإسبانية في أقفاص، الانعزالية التجارية، والانسحاب من اتفاقية باريس، ووصم الصين، والتخلي عن الاتفاق مع إيران.
وبدون شبكات التواصل الاجتماعي، كان لكل هذا ان يجد صداه الا في الصحف المطبوعة والأخبار التلفزيونية -لا سيما قنوات مثل فوكس نيوز، وهي وسيلة اعلامية دعمت الرئيس فترة طويلة وأيدت أكاذيبه الصارخة.
وبعد ذلك، كان هناك شارلوتسفيل، وقتل متظاهر مسالم على يد أحد النازيين الجدد، مما دفع ترامب إلى النطق بحكم يوضح ويشرح كل سياساته: “هناك أناس طيبون للغاية في كلا المعسكرين”. وفي غياب الشبكات الاجتماعية، ما كانت لتكون، في بداية رئاسة ترامب، تلك الصور المنتشرة في كل مكان للنازيين الجدد وهم يصرخون، وتلك السيارة وهي تندفع نحو الحشد وتقتل المتظاهرين المناوئين للعملية، خاصة هيذر هاير، 32 عامًا، والتي ستموت بسببها.
قصف على مدار الساعة
كل هذه الأحداث، الجمهور العام، الأمريكي والدولي، أصبح على دراية بها لحظة وقوعها ... بفضل الشبكات الاجتماعية. نعم بفضلها، تم تداول صور الأطفال في أقفاص، والعائلات الممزقة، والمشهد المروع في شارلوتسفيل، ومشهد قتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة، وما ساعد في إعطاء صورة لنوع الرئاسة التي اختارتها أمريكا.
بفضلها، بقيت هذه الصور طيلة أربــــــع ســـــنوات، لا تُنسى ولا تمحى، وفي كثير من الأحيان لا تحتمل.
ثم برزت كل مظاهر الشخصية البغيضة للرئيس: دونالد ترامب يسخر من شخص معاق، دونالد ترامب يدعو إلى ممارسة غليظة مع من توقفهم الشرطة، يشرح دونالد ترامب أنه بالإمكان اهانة النساء عندما نكون مشهورين، دونالد ترامب يتجاوز الآخرين حتى يكون الأول في صورة لاجتماع زعماء دوليين، يوضح دونالد ترامب أن المهاجرين ليسوا بشرًا، بل حيوانات، دونالد ترامب يصف حركة حياة السود مهمة بأنها “رمز الكراهية”، إلخ.
لو كانت وسائل الإعلام التقليدية هي الوحيدة التي تبث هذه الصور وهذه الكلمات لفقدت قوتها لأن نشرها المتكرر على نطاق واسع جدًا، وبالتالي، استمراريتها، هي التي أحدثت تأثيرها.
من ناحية أخرى، يوميا، يمكن للجميع أن يكون شاهدا أحيانًا على هراء، وأحيانًا على تعبيرات لتطرف ترامب الذي يصب دائمًا، دون تصفية، محتوى دماغه على شبكته الاجتماعية المفضلة، وخاصة، خلال الأشهر الأخيرة من الحملة الانتخابية الثانية.
ولأنه ظل يكرر على تويتر أنه سيطعن في نتائج الانتخابات إذا لم تكن في صالحه، ولأن العديد من أعدائه (وعلى وجه الخصوص مشروع لينكولن، وهي جمعية أنشأها جمهوري خاب أمله وواع بخطورة الشخصية قبل فترة طويلة من الأحداث الأخيرة) نقلوا وحذروا الجماهير مما كان يحدث، وهذا طيلة أربع سنوات، ولكن بكثافة أكبر اثناء الحملة الانتخابية، لم تتم إعادة انتخاب ترامب رغم تصويت 74 مليون ناخب للتجديد له (مقابل 81 مليون لجو بايدن).
ويرجع الإقبال التاريخي على التصويت إلى تعبئة كل الذين أدركوا أنه يجب ألا يتولى فترة ثانية، من بين كل الذين يبقون عادة في منازلهم يوم التصويت أو لا يكلفون أنفسهم عناء التصويت بالبريد. ويعود الفضل إلى حد كبير الى شبكات التواصل الاجتماعي ليصبح الناخب على دراية بالمخاطر الحقيقية لإعادة انتخاب دونالد ترامب. وبدون هذا الوعي الذي اتسعت دائرته جراء ملاحقة خصومه على مدار الساعة، كان من الممكن أن يفوز في هذه الانتخابات –أو يخسرها بهامش أصغر بكثير من السبعة ملايين ناخب الذين فصلوه عن بايدن، مما يجعل مزاعمه عن تزوير بايدن الانتخابي أكثر مصداقية.
«لهذا السبب «
ترامب ليس أول رئيس أمريكي يُظهر سلوكًا إشكاليًا. ومن الواضح أن ليندون جونسون، من بين آخرين، كان يعاني من تماس بين خيوطه. لقد كان مهووسًا بعضوه التناسلي، الذي أطلق عليه لقب “جامبو”، وأجبر النواب على الإعجاب به: “هل رأيتم شيئًا بهذا الحجم من قبل؟” سأل، وهو يكشف عنه أمام أعينهم. ويمكن للمرء أن يتخيل ما تثيره مثل هذه الحكاية على تويتر. كما كان يستدعى مستشاريه وهو في الحمام مما أثار قلق مساعديه ودفعهم للاتصال بأطباء نفسيين دون علمه.
في أحد الأيام، عندما توقف للتبول على جانب الطريق، وجهت الرياح رذاذه على ساق أحد حراسه الشخصيين الذي لفت انتباهه، وأجاب جونسون “أعلم. هذا من اختصاصي وامتيازاتي”. وعندما سأله الصحفيون عن سبب وجود الأمريكيين في فيتنام، أجاب “لهذا السبب” بإخراج جهازه التناسلي من سرواله.
لعبة محصلتها صفر
الصورة التي كان يمكن أن يرسلها دونالد ترامب لولا محطة الشبكات الاجتماعية بشكل عام، وشبكة الإنترنت بشكل خاص، كانت ستصبح مجرد صورة سياسي يميني متشدد، حازم وسلطوي، له سجل اقتصادي مقبول للكثيرين، وان قراراته المناهضة للحجر الصحي وغلق الاقتصاد كان يمكن أن تلائم (وناسبت أصلا) عددًا كبيرًا من الأمريكيين (يجب ألا ننسى أنه إذا قتل الكوفيد-19 في نهاية ولاية ترامب 400 الفا، فإن الإجراءات المتخذة لمقاومته صنعت الملايين من العاطلين عن العمل).
أن تقرأ في جريدة أن الرئيس قال خلال مؤتمر صحفي هراء وأكاذيب، شيء، ومن السهل نسيانه. اما مشاهدته بالصور، مرارًا وتكرارًا، على وسائل التواصل الاجتماعي، فيترك بصمة دائمة. بالتأكيد أن هذه الشبكات هي التي صنعت سمعة ترامب لدى أنصاره، لكنها نفس تلك الشبكات التي سمحت بتشكيل جيش حقيقي من المعارضين لهذا الرئيس المكروه، الذي يرفضه الجميع اليوم أو يكاد، وغادر في خزي.
لقد كانت وسائل التواصل الاجتماعي، أيضًا، من خلال نقل مقاطع الفيديو الخاصة بالهجوم على مبنى الكابيتول، هي التي استطاعت نزع فتيل أي محاولة للقول إن ذلك لم يحدث، وأن الأمر لم يكن بهذه الخطورة. فهي التي أعطت فكرة عن مدى العدوان الذي تعرضت له الديمقراطية الأمريكية.
باختصار، لسنا بعيدين جدًا عن لعبة محصلتها صفر في مجال الشبكات الاجتماعية ومسؤوليتها بطريقة أو بأخرى. قد لا يكون السؤال هو ما إذا كان يجب استبعاد بعض الأشخاص من التحدث على المنصات التي يستخدمها ملايين الآخرين، ولكن بدلاً من ذلك، وفي ضوء حادثة ترامب، كيفية التعامل مع الأشخاص الذين لا يلتزمون بالرموز الضمنية التي احترمها أسلافهم (غرّد أوباما قليلاً ولم يكن هو من يتولى ذلك).
عندما تصبح شخصية عامة، تبدأ في لعب دور. المواطن ترامب الذي أصبح رئيسًا كان يجب أن يعدّل نفسه بنفسه، وأن يمتنع عن أي تطرف وابتذال، وعن الدعوة إلى الفتنة على الشبكات. هذا ليس مكتوبا في أي مكان، لكن الجميع يعرفه... إنها قاعدة غير معلنة، لكنها قاعدة عفا عليها الزمن الآن.
لقد أعطى ترامب للعالم أجمع درسًا بارعًا في التواضع لا يبدو أنه قد وصل بعد: باستخدام الإنترنت والشبكات الاجتماعية، أنشأنا وسيطًا لا نعرف كيف نستخدمه. وقد اعترف رئيس تويتر نفسه بتعليق حساب دونالد ترامب مع اقتناعه بأنه كان فاشلاً، وسابقة خطيرة، وأنه كان الحل الأقل سوءً الذي وجده.
لقد تم إهداء وسيلة القرن الحادي والعشرين هذه إلينا، نحن أبناء القرن العشرين، ولأحفادنا القريبين، دون تعليمات الاستخدام التي تتوافق معها. اننا نفتقر إلى رموز وقواعد، ونفتقر إلى وسائل للسيطرة على مخلوق يليق بفرانكشتاين الذي استولى على سلطة مبدعيه ومستخدميه... والخطر الأكبر هو الاستمرار في رفض الاعتراف بذلك.
مترجمة ومؤلفة
كتاب "لغة ترامب".
-- لم يُنتخب دونالد ترامب بفضل نعمة تويتر
-- باستخدام الإنترنت والشبكات الاجتماعية، أنشأنا وسيطًا لا نعرف كيف نستخدمه
-- هذه الشبكات هي التي صنعت سمعة ترامب بين أنصاره، و الشبكات نفسها شكلت جيشا حقيقيا من معارضيه
-- تم إهداء وسيلة القرن الحادي والعشرين إلى أبناء القرن العشرين دون تعليمات الاستخدام التي تتوافق معها
أغلق القوس، وتم حظر الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، الذي أجبر في الأخير على مغادرة البيت الأبيض، حظره إلى الأبد من الشبكات الاجتماعية الرئيسية التي فعلت الكثير لإيصاله إلى السلطة. يحتدم الجدل: هل كانت فكرة جيدة قطع جسور ترامب مع هذه الشبكات ومنعه من الاستمرار في قول أكاذيبه والتحريض على الفتنة؟ ما مقدار المسؤولية التي يتحملها تويتر وفيسبوك ويوتيوب وال، في انتشار أيديولوجيته المثيرة للغثيان، والتي أدت في 6 يناير إلى الهجوم على مبنى الكابيتول من قبل حشد يميني متطرف لا يزال برنامجه للاستيلاء على السلطة غير محدد بوضوح؟ هل كان موكول لشركة خاصة أن تقول قف، أم كان علينا انتظار تدخّل العدالة؟
لا يمكن إنكار الدور الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام، وتويتر بشكل خاص، في إثارة هذيان جمهور الترامبيين. لم تكن البداية ب 6 يناير، عندما نشر ترامب، بعد خطابه الذي حرض على التمرد، تغريدات غامضة توحي بأنه يوافق مثيري الشغب، أو حتى يوم 3 نوفمبر، يوم خسر الانتخابات.
فمنذ بداية ولايته، استخدم الرئيس ترامب مكبر الصوت هذا للتواصل مع مؤيديه، الأكثر تطرفاً والأكثر اعتدالاً، في تدفق لوغوري مستمر، والذي توقف لفترة وجيزة مجبرا ومكرها، عند مرضه، وأجبر -كوفيد -الرئيس على البقاء في المستشفى.
أصيبت لكنها لم تغرق
دون الظهور الذي مكنته منه المنصة، كان طبيعيا أن يكون لخطاب ترامب خلال فترة ولايته تأثير أقل. لدى تويتر 330 مليون مستخدم في جميع أنحاء العالم، منهم 68 مليون في الولايات المتحدة. وقد استخدمه ترامب لتبرير أفعاله، وتشويه سمعة خصومه، وعرض آرائه التي لم تكن عنصريتها وكراهيتها للأجانب سراً. وقبل عدة أسابيع من 3 نوفمبر، أعلن أنه سيتم تزوير الانتخابات، وأنه سيطعن في النتيجة: ومظاهر الدهشة عند مرور أكثر مؤيديه أدلجة للفعل، هي إما عمى خطير أو نفاق.
وسواء كان صحفيًا أو سياسيًا أو مواطنًا عاديًا، فإن أي شخص استمع إلى دونالد ترامب على مدار السنوات الأربع الماضية لديه ما يكفي من الأدلة لفهم أن دعواته المستمرة لرفض استبلشمنت واشنطن والمثقفين والمتظاهرين المناهضين للفاشية ونشطاء حركة حياة السود مهمة، تملك إمكانات اجتماعية متفجرة. وبوقفة تأمّل ضرورية، من الواضح أن السنوات الأربع الأخيرة من الوفرة الترامبية على وسائل التواصل الاجتماعي، تتحمل مسؤولية كبيرة عن أحداث 6 يناير.
ومع ذلك، يمكن القول أيضًا إنه بفضل هذه الشبكات الاجتماعية نفسها، بفضل الإنترنت بشكل عام وتويتر على وجه الخصوص، لم يفشل الانقلاب فقط، ولكن أيضًا لم تتم إعادة انتخاب ترامب.
اهتزت أمريكا، وترنحت، ولكنها لم تسقط.
لن يشغل الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة ولاية ثانية، وصوت مجلس النواب على قرار عزله، وسينظر مجلس الشيوخ في موضوع إدانته... ان التقلبات لا تغرق، كما يقال عندنا... شكرا من؟
لم يُنتخب ترامب فقط بفضل تويتر: كان لديه برنامج، وكان مدعومًا من الحزب الجمهوري بأكمله، وعقد اجتماعات، وكان يعرف كيف يتحدث إلى شرائح كاملة من أمريكا كانت تنتظر ان يخاطبها، أخيرًا، رجل سياسية من واشنطن بلغة يمكن ان ترى نفسها فيها. وكانت هناك مناظرات مع هيلاري كلينتون، ابرزت عدوانية الشخصية بوضوح.
وحتى دون وسائل التواصل الاجتماعي، بمجرد وصوله إلى البيت الأبيض، كان سيفي بوعوده في حملته الانتخابية: حظر المسلمين، الذي يمنع دخول مواطني دول إسلامية معينة الولايات المتحدة، تشديد سياسة الهجرة، تفكيك العائلات، حبس الأطفال ذوي الأصول الإسبانية في أقفاص، الانعزالية التجارية، والانسحاب من اتفاقية باريس، ووصم الصين، والتخلي عن الاتفاق مع إيران.
وبدون شبكات التواصل الاجتماعي، كان لكل هذا ان يجد صداه الا في الصحف المطبوعة والأخبار التلفزيونية -لا سيما قنوات مثل فوكس نيوز، وهي وسيلة اعلامية دعمت الرئيس فترة طويلة وأيدت أكاذيبه الصارخة.
وبعد ذلك، كان هناك شارلوتسفيل، وقتل متظاهر مسالم على يد أحد النازيين الجدد، مما دفع ترامب إلى النطق بحكم يوضح ويشرح كل سياساته: “هناك أناس طيبون للغاية في كلا المعسكرين”. وفي غياب الشبكات الاجتماعية، ما كانت لتكون، في بداية رئاسة ترامب، تلك الصور المنتشرة في كل مكان للنازيين الجدد وهم يصرخون، وتلك السيارة وهي تندفع نحو الحشد وتقتل المتظاهرين المناوئين للعملية، خاصة هيذر هاير، 32 عامًا، والتي ستموت بسببها.
قصف على مدار الساعة
كل هذه الأحداث، الجمهور العام، الأمريكي والدولي، أصبح على دراية بها لحظة وقوعها ... بفضل الشبكات الاجتماعية. نعم بفضلها، تم تداول صور الأطفال في أقفاص، والعائلات الممزقة، والمشهد المروع في شارلوتسفيل، ومشهد قتل جورج فلويد على يد ضابط شرطة، وما ساعد في إعطاء صورة لنوع الرئاسة التي اختارتها أمريكا.
بفضلها، بقيت هذه الصور طيلة أربــــــع ســـــنوات، لا تُنسى ولا تمحى، وفي كثير من الأحيان لا تحتمل.
ثم برزت كل مظاهر الشخصية البغيضة للرئيس: دونالد ترامب يسخر من شخص معاق، دونالد ترامب يدعو إلى ممارسة غليظة مع من توقفهم الشرطة، يشرح دونالد ترامب أنه بالإمكان اهانة النساء عندما نكون مشهورين، دونالد ترامب يتجاوز الآخرين حتى يكون الأول في صورة لاجتماع زعماء دوليين، يوضح دونالد ترامب أن المهاجرين ليسوا بشرًا، بل حيوانات، دونالد ترامب يصف حركة حياة السود مهمة بأنها “رمز الكراهية”، إلخ.
لو كانت وسائل الإعلام التقليدية هي الوحيدة التي تبث هذه الصور وهذه الكلمات لفقدت قوتها لأن نشرها المتكرر على نطاق واسع جدًا، وبالتالي، استمراريتها، هي التي أحدثت تأثيرها.
من ناحية أخرى، يوميا، يمكن للجميع أن يكون شاهدا أحيانًا على هراء، وأحيانًا على تعبيرات لتطرف ترامب الذي يصب دائمًا، دون تصفية، محتوى دماغه على شبكته الاجتماعية المفضلة، وخاصة، خلال الأشهر الأخيرة من الحملة الانتخابية الثانية.
ولأنه ظل يكرر على تويتر أنه سيطعن في نتائج الانتخابات إذا لم تكن في صالحه، ولأن العديد من أعدائه (وعلى وجه الخصوص مشروع لينكولن، وهي جمعية أنشأها جمهوري خاب أمله وواع بخطورة الشخصية قبل فترة طويلة من الأحداث الأخيرة) نقلوا وحذروا الجماهير مما كان يحدث، وهذا طيلة أربع سنوات، ولكن بكثافة أكبر اثناء الحملة الانتخابية، لم تتم إعادة انتخاب ترامب رغم تصويت 74 مليون ناخب للتجديد له (مقابل 81 مليون لجو بايدن).
ويرجع الإقبال التاريخي على التصويت إلى تعبئة كل الذين أدركوا أنه يجب ألا يتولى فترة ثانية، من بين كل الذين يبقون عادة في منازلهم يوم التصويت أو لا يكلفون أنفسهم عناء التصويت بالبريد. ويعود الفضل إلى حد كبير الى شبكات التواصل الاجتماعي ليصبح الناخب على دراية بالمخاطر الحقيقية لإعادة انتخاب دونالد ترامب. وبدون هذا الوعي الذي اتسعت دائرته جراء ملاحقة خصومه على مدار الساعة، كان من الممكن أن يفوز في هذه الانتخابات –أو يخسرها بهامش أصغر بكثير من السبعة ملايين ناخب الذين فصلوه عن بايدن، مما يجعل مزاعمه عن تزوير بايدن الانتخابي أكثر مصداقية.
«لهذا السبب «
ترامب ليس أول رئيس أمريكي يُظهر سلوكًا إشكاليًا. ومن الواضح أن ليندون جونسون، من بين آخرين، كان يعاني من تماس بين خيوطه. لقد كان مهووسًا بعضوه التناسلي، الذي أطلق عليه لقب “جامبو”، وأجبر النواب على الإعجاب به: “هل رأيتم شيئًا بهذا الحجم من قبل؟” سأل، وهو يكشف عنه أمام أعينهم. ويمكن للمرء أن يتخيل ما تثيره مثل هذه الحكاية على تويتر. كما كان يستدعى مستشاريه وهو في الحمام مما أثار قلق مساعديه ودفعهم للاتصال بأطباء نفسيين دون علمه.
في أحد الأيام، عندما توقف للتبول على جانب الطريق، وجهت الرياح رذاذه على ساق أحد حراسه الشخصيين الذي لفت انتباهه، وأجاب جونسون “أعلم. هذا من اختصاصي وامتيازاتي”. وعندما سأله الصحفيون عن سبب وجود الأمريكيين في فيتنام، أجاب “لهذا السبب” بإخراج جهازه التناسلي من سرواله.
لعبة محصلتها صفر
الصورة التي كان يمكن أن يرسلها دونالد ترامب لولا محطة الشبكات الاجتماعية بشكل عام، وشبكة الإنترنت بشكل خاص، كانت ستصبح مجرد صورة سياسي يميني متشدد، حازم وسلطوي، له سجل اقتصادي مقبول للكثيرين، وان قراراته المناهضة للحجر الصحي وغلق الاقتصاد كان يمكن أن تلائم (وناسبت أصلا) عددًا كبيرًا من الأمريكيين (يجب ألا ننسى أنه إذا قتل الكوفيد-19 في نهاية ولاية ترامب 400 الفا، فإن الإجراءات المتخذة لمقاومته صنعت الملايين من العاطلين عن العمل).
أن تقرأ في جريدة أن الرئيس قال خلال مؤتمر صحفي هراء وأكاذيب، شيء، ومن السهل نسيانه. اما مشاهدته بالصور، مرارًا وتكرارًا، على وسائل التواصل الاجتماعي، فيترك بصمة دائمة. بالتأكيد أن هذه الشبكات هي التي صنعت سمعة ترامب لدى أنصاره، لكنها نفس تلك الشبكات التي سمحت بتشكيل جيش حقيقي من المعارضين لهذا الرئيس المكروه، الذي يرفضه الجميع اليوم أو يكاد، وغادر في خزي.
لقد كانت وسائل التواصل الاجتماعي، أيضًا، من خلال نقل مقاطع الفيديو الخاصة بالهجوم على مبنى الكابيتول، هي التي استطاعت نزع فتيل أي محاولة للقول إن ذلك لم يحدث، وأن الأمر لم يكن بهذه الخطورة. فهي التي أعطت فكرة عن مدى العدوان الذي تعرضت له الديمقراطية الأمريكية.
باختصار، لسنا بعيدين جدًا عن لعبة محصلتها صفر في مجال الشبكات الاجتماعية ومسؤوليتها بطريقة أو بأخرى. قد لا يكون السؤال هو ما إذا كان يجب استبعاد بعض الأشخاص من التحدث على المنصات التي يستخدمها ملايين الآخرين، ولكن بدلاً من ذلك، وفي ضوء حادثة ترامب، كيفية التعامل مع الأشخاص الذين لا يلتزمون بالرموز الضمنية التي احترمها أسلافهم (غرّد أوباما قليلاً ولم يكن هو من يتولى ذلك).
عندما تصبح شخصية عامة، تبدأ في لعب دور. المواطن ترامب الذي أصبح رئيسًا كان يجب أن يعدّل نفسه بنفسه، وأن يمتنع عن أي تطرف وابتذال، وعن الدعوة إلى الفتنة على الشبكات. هذا ليس مكتوبا في أي مكان، لكن الجميع يعرفه... إنها قاعدة غير معلنة، لكنها قاعدة عفا عليها الزمن الآن.
لقد أعطى ترامب للعالم أجمع درسًا بارعًا في التواضع لا يبدو أنه قد وصل بعد: باستخدام الإنترنت والشبكات الاجتماعية، أنشأنا وسيطًا لا نعرف كيف نستخدمه. وقد اعترف رئيس تويتر نفسه بتعليق حساب دونالد ترامب مع اقتناعه بأنه كان فاشلاً، وسابقة خطيرة، وأنه كان الحل الأقل سوءً الذي وجده.
لقد تم إهداء وسيلة القرن الحادي والعشرين هذه إلينا، نحن أبناء القرن العشرين، ولأحفادنا القريبين، دون تعليمات الاستخدام التي تتوافق معها. اننا نفتقر إلى رموز وقواعد، ونفتقر إلى وسائل للسيطرة على مخلوق يليق بفرانكشتاين الذي استولى على سلطة مبدعيه ومستخدميه... والخطر الأكبر هو الاستمرار في رفض الاعتراف بذلك.
مترجمة ومؤلفة
كتاب "لغة ترامب".