2021 مرحلة جديدة...بريطانيا تطوي صفحة من نصف قرن
طوت بريطانيا صفحة نحو نصف قرن من التكامل الأوروبي، ودخلت يوم أمس الأول الجمعة مع حلول العام 2021 مرحلة جديدة بعد إنجاز خروجها الكامل من الاتحاد الأوروبي، دون أن تظهر عراقيل بشكل فوري لكن مع العديد من العوامل المجهولة.
وبعد 4 سنوات ونصف السنة على استفتاء 2016، بات بريكست نهائياً عند الساعة 23:00 بالتوقيت المحلي وتوقيت غرينيتش الخميس، مع توقف البلاد عن تطبيق قواعد الاتحاد الأوروبي مع انسحابها من السوق الموحدة الأوروبية والاتحاد الجمركي.
وبعد 47 عاماً من التكامل الأوروبي المضطرب وبعد 4 سنوات ونصف السنة من التقلبات التي تلت استفتاء عام 2016، أُنجز بريكست أخيراً بعدما بات رسمياً في 31 يناير-كانون الثاني الماضي، لكن أرجئت مفاعيله عبر فترة انتقالية كان هدفها امتصاص الصدمة.
وفي افتتاحية نشرت في ديلي تلغراف، أكد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، أبرز مهندسي بريكست، أن 2021 ستكون “سنة التغيير والأمل”، مشيداً باتفاق التبادل الحر الذي أبرم مع بروكسل قبل الميلاد.
وقال جونسون “بالنسبة إلينا، هذا يعني انتهاء الخلافات الحاقدة حول أوروبا التي سممت سياستنا منذ فترة طويلة”، مضيفاً “بالنسبة لأصدقائنا هذا لا يعني بالتاكيد أنهم خسرونا، أو خسروا رغبتنا في سيارات المازيراتي أو نبيذهم».
واتفاق التبادل الحر الذي تم التوصل إليه مع بروكسل يجنب الطرفين خروجاً قاسياً كان سيترك تداعيات اقتصادية مدمرة، لكن التغيير فعلي، فإن التنقل الحر الذي يتيح للبضائع والأشخاص الحركة دون عراقيل على الحدود توقف باستثناء التنقل بين إسبانيا وجبل طارق، المنطقة البريطانية، وكذلك بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا.
وبات من الآن وصاعداً يتعين تعبئة بيانات جمركية والخضوع لعمليات تفتيش صحية للتصدير عبر المانش، والحصول على بطاقة إقامة من أجل الاستقرار على الضفة المقابلة وشهادة صحية للكلاب والقطط التي تنقل مع أصحابها إلى دول الاتحاد الأوروبي.
وصباح اليوم وفيما انطلقت أولى العبارات نحو فرنسا، كان مرفأ دوفر الإنكليزي هادئاً بدون العراقيل التي كان البعض يخشاها بسبب الإجراءات الجمركية الجديدة وعمليات التفتيش التي دخلت حيز التنفيذ، كان شرطيون يتحققون من أن سائقي الشاحنات ملتزمون بالقواعد وأنهم غير مصابين بفيروس كورونا المستجد قبل السماح لهم بمتابعة طريقهم.
ومرّت حوالي 200 شاحنة عبر نفق المانش “دون أي مشكلة” ليل أمس بحسب إدارة “غيتلينك” مشغلة النفق، وقال متحدث باسم المجموعة “تمت إدارة حركة المرور بشكل جيد بالنسبة إلى ليلة استثنائية وتاريخية، كل شيء سار على ما يرام”، وتابع “كل الشاحنات أكملت الإجراءات التي فرضها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».
وعلى الجانب الفرنسي، دخلت الإجراءات الرسمية الجديدة حيز التنفيذ منتصف الليل مع وصول أول شاحنة لنقل البضائع الثقيلة من رومانيا، إلى نقطة تفتيش الشاحنات المتجهة إلى المملكة المتحدة.
ووعد جونسون مواطنيه بمكانة أقوى في العالم لبريطانيا بصفتها رائدة في التبادل الحر، لكن في المستقبل القريب فإن بريطانيا التي تغادر حضن أوروبا، تسجل وفيات عالية وإصابات بفيروس كورونا المستجد وأسوأ أزمة اقتصادية منذ 3 عقود.
وأبرمت لندن اتفاقات تجارية مع 60 دولة بينها اليابان، لكن التسوية التي كانت ترغب بها مع الولايات المتحدة قد تتعثر مع مغادرة دونالد ترامب السلطة ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض.
ولكن البلاد تواجه تحديات كبرى وخصوصاً الانتشار المتسارع للوباء الذي تسبب بوفاة أكثر من 73.500 شخص، وهي حصيلة بين الأسوأ في أوروبا، وبأسوأ أزمة اقتصادية منذ 3 عقود.
وداخلياً، على جونسون توحيد صفوف البريطانيين الذين انقسموا حيال بريكست مع تصدّع وحدة البلاد، إذ إنّ إيرلندا الشمالية واسكتلندا صوتّتا ضد الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتحلمان بالاستقلال.
وفي هذا الصدد، كتبت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستورجن العازمة على إجراء استفتاء جديد على الاستقلال، على تويتر “اسكتلندا ستعود قريباً يا أوروبا».
وإذا كان الهدوء عم البلاد اليوم فإن العراقيل المحيطة بالموانئ متوقعة مع استئناف النشاط الكامل الأسبوع المقبل، خصوصاً إذا كانت الإجراءات الجديدة ستبطئ حركة المرور.
وهكذا يمكن أن يشهد ميناء هوليهيد البارز في ويلز بالقرب من إيرلندا عمليات تأخير في الأسابيع المقبلة، كما حذر مركز الإعلام لحركة النقل البري في ويلز على تويتر، وتم رفض 6 شحنات اليوم لأنها لا تنطبق مع القواعد.
وقال وزير الخارجية الإيرلندي سيمون كوفني في حديث مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) “سيتعرض التبادل التجاري البالغة قيمته 80 مليار يورو من الآن وصاعداً، لعراقيل عبر بحر إيرلندا بين بريطانيا وإيرلندا بسبب الضوابط والتصاريح والبيروقراطية والكلفة والتأخر».
وغادرت بريطانيا السوق الأوروبية الموحدة دون أي كلمة وداع من جانب الاتحاد الأوروبي، وفي بروكسل لم يعلق أي من قادة المؤسسات الأوروبية على الطلاق النهائي بين الطرفين.
واعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في كلمته الى الفرنسيّين أول أول أمس الخميس لمناسبة حلول السنة الجديدة أنّ “المملكة المتحدة تبقى صديقتنا وحليفتنا رغم خروجها من الاتحاد».
ومع بريكست، ستخسر الشركات العاملة في مجال الخدمات الماليّة، وهو قطاع رئيسي في لندن، حقّها في عرض خدماتها بشكل تلقائي في الاتحاد الأوروبي، وسيترتب عليها أن تفتح مكاتب في الدول الأعضاء لتتمكّن من العمل فيها، وستستثنى الجامعات البريطانيّة من الآن وصاعداً من برنامج “إيراسموس” لتبادل الطلاب.
ويوفّر الاتّفاق لبريطانيا إمكان الوصول إلى السوق الأوروبية الشاسعة التي تضمّ 450 مليون مستهلك، من دون رسوم جمركيّة أو نظام حصص، لكنّ الاتّحاد الأوروبّي يحتفظ بحقّ فرض عقوبات والمطالبة بتعويضات لتجنّب أيّ منافسة غير عادلة في حال عدم احترام قواعده في مجال المساعدات الحكومية والبيئة وحق العمل والضرائب.
وعندما دقّت الساعة 23:00 مساء الخميس بالتوقيت المحلّي، لم تعد المملكة المتّحدة تطبّق قواعد الاتّحاد الأوروبي وانتهت حرّية التنقّل لأكثر من 500 مليون شخص بين بريطانيا و27 دولة في الاتحاد الأوروبي.
إلا أنّ جبل طارق، وهو جيب بريطاني قبالة سواحل جنوب إسبانيا، يبقى استثناءً، بعد إبرام صفقة في اللحظة الأخيرة مع مدريد لتجنّب عراقيل حدوديّة كبيرة، وفي ما يتعلّق بالصيد البحري الذي كان موضوعاً شائكاً في المفاوضات حتّى اللحظة الأخيرة، ينصّ الاتفاق على مرحلة انتقاليّة حتى يونيو-حزيران 2026.