4 عوامل تهدد تماسك الموقف الأوروبي حيال روسيا

4 عوامل تهدد تماسك الموقف الأوروبي حيال روسيا


في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا  وتزايد تعقيدات المشهد الدولي، تجد أوروبا نفسها مضطرة لمراجعة نهجها الاستراتيجي تجاه  روسيا والولايات المتحدة والعالم.
وفي مقال تحليلي نشرته صحيفة «لوموند» الفرنسية، حذر زكي العايدي أستاذ العلوم السياسية والمستشار السابق للممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، من تجاهل 4 حقائق «قاسية» باتت تهدد تماسك الموقف الأوروبي وفعالية دعمه لأوكرانيا.

أوكرانيا في مأزق وجودي
يؤكد العايدي أن أوكرانيا تواجه لحظة حرجة، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا على المستوى السياسي والاجتماعي، موضحا أنه مع استمرار الجمود على خطوط القتال، وارتفاع الكلفة البشرية للحرب، بات واضحًا أن كييف لم تعد قادرة على تحقيق نصر عسكري حاسم. 
وغيّرت الحرب الإلكترونية والطائرات المسيّرة طبيعة الصراع، لتجعل أرض المعركة أكثر شفافية وخطورة في آن واحد.
في المقابل، نجحت روسيا في التكيّف مع مجريات الحرب أكثر مما يُعترف به علنًا، مستفيدة من حوافز مالية ضخمة لتعزيز قدراتها البشرية، رغم حجم الخسائر. 
في حين تواجه أوكرانيا صعوبات متزايدة في تعبئة قواتها، مع تردد في خفض سن التجنيد وارتفاع حالات الهروب واللجوء.

ترامب.. تهديد
 لا يمكن  الرهان عليه
ثاني الحقائق الصادمة، بحسب المقال، تتعلق بالولايات المتحدة، حيث يشير العايدي إلى أن عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض تمثل تهديدًا كبيرًا لأوكرانيا ولأوروبا على حد سواء. 
فترامب لا يرى في أوكرانيا سوى عبء جيوسياسي، ويسعى لعقد صفقة مع روسيا تُهمّش أوروبا، وتمنحه وحده مكاسب سياسية.
ويضيف أن ما يحكم توجهات ترامب ليس العقل الاستراتيجي، بل «نرجسية جيوسياسية»، تجعل من الصعب، بل من المستحيل، إقناعه بمنطق المصالح الغربية المشتركة، مؤكدا أن هذا يعني أن أوروبا لن تستطيع الاعتماد على واشنطن مستقبلاً كما فعلت في السابق.
انقسامات أوروبية تضعف الرد الجماعي
أما الحقيقة الثالثة، فتكمن في هشاشة البيت الأوروبي من الداخل. فعلى الرغم من الخطاب الموحد في العلن، تفتقر أوروبا إلى إجماع عملي حول سبل دعم أوكرانيا. 
وأوضح العايدي أن المبادرات المشتركة بين دول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبولندا تحاول ملء هذا الفراغ، لكنها تبقى محدودة التأثير في غياب موقف أوروبي موحد.
وفي ظل تردد بعض الدول، كألمانيا وبولندا، في إرسال قوات إلى أوكرانيا، وغياب وضوح أهداف أي تدخل محتمل، فإن أي تحرك عسكري أوروبي مستقل يبدو بعيد المنال.
يُضاف إلى ذلك أن العقوبات المفروضة على روسيا تواجه تحديات حقيقية، حيث تستمر صادرات أوروبية، لا سيما من ألمانيا، في الوصول إلى روسيا عبر دول وسيطة مثل كازاخستان وتركيا.
عزلة متزايدة 
عن الجنوب العالمي
الحقيقة الرابعة التي يسلط عليها العايدي الضوء تتعلق بالموقف الدولي، لا سيما من دول الجنوب العالمي، هذه الدول، وفق المقال، تنظر إلى الحرب في أوكرانيا كصراع لا يعنيها، ويزداد ابتعادها عن الموقف الأوروبي في ظل ما تعتبره ازدواجية في المعايير، ولاسيما تجاه القضية الفلسطينية.
 وتجدر الإشارة إلى أن الصمت الأوروبي الطويل حيال مأساة غزة زاد من حدة هذا التصور، ما قوّض شرعية أوروبا الأخلاقية لدى كثير من الشعوب.

أوروبا أمام مفترق طرق
ويختتم العايدي مقاله بالتأكيد على أن أوروبا لا تملك ترف الإنكار، وأن المطلوب هو ضبط الخطاب السياسي ليتناسب مع الإمكانات الواقعية، مبينا أن إطلاق مواقف حازمة دون غطاء فعلي أو استراتيجي يُضعف مصداقية أوروبا، ويمنح موسكو مجالًا أوسع للمناورة، ولاسيما إذا استمرت في تلقي دعم غير مباشر من إدارة ترامب. وبينما تتعمق أزمة الثقة داخل الاتحاد الأوروبي وتتراجع قدرته على فرض موقف موحد، تبدو الحاجة ملحة لإعادة تشكيل استراتيجية أوروبية جديدة، تأخذ في الاعتبار توازنات القوى المستجدة، لا سيما التحالف الروسي–الصيني، وانكماش الدعم الدولي للقضية الأوكرانية.