57.2 مليار يورو ثمنُ حرية فرنسا: فرنسا تستعد لتهديدٍ دائمٍ و مُنَظمٍ من روسيا


دعا رئيس الوزراء سيباستيان ليكورنو إلى مناقشة في الجمعية الوطنية يوم الأربعاء الموافق 10 ديسمبر-كانون الأول، بشأن استراتيجية الدفاع الوطني. ونظرًا لعدم وضوح مصير ميزانية عام 2026،  كانت هذه فرصة للتأكيد على أهمية اعتمادها بالنسبة لوزارة القوات المسلحة. وترى الوزارة أن حساباتها سليمة: فالمبلغ المخصص في مشروع الميزانية، وقدره 57.2 مليار يورو، يُمثل «الجهد الهائل» الذي يجب على الدولة بذله لتسريع عملية إعادة تسليحها و»تحقيق نتائج سريعة بحلول عام 2026 «.
 ويُعد هذا المبلغ كبيرًا بالنسبة لبلد يواجه قيودًا مالية عظمى. يندرج هذا ضمن المسار الذي حدده قانون البرمجة العسكرية للفترة 2024-2030، والذي نص على زيادة قدرها 3.2 مليار يورو بحلول عام 2026، أُضيف إليها 3.5 مليار يورو أخرى أعلنها إيمانويل ماكرون في 13 يوليو-تموز 2025 وصرح قائلاً: «لحريتنا ثمن، وهذا هو»، في إشارة إلى «التهديد الروسي المستمر على حدود أوروبا»، «تهديد مُعدّ ومنظم ودائم، يجب أن نكون قادرين على مواجهته». زيادة مخزون الذخيرة، لا سيما قذائف عيار 120 ملم و155 ملم والصواريخ جو-أرض.  تفتقر القوات المسلحة الفرنسية إلى هذه الموارد اللازمة لمواجهة نزاع عالي الكثافة يستمر لأكثر من شهرين، وسيتم تخصيص 2.4 مليار يورو لهذا الغرض. ولأسباب أمنية، لا تقدم وزارة القوات المسلحة قائمة دقيقة بما ستغطيه هذه الميزانية.

  بالنسبة لقصر الإليزيه، ووزارة القوات المسلحة، ووزارة الخارجية الفرنسية، وكذلك لندن وبرلين، يشهد العالم تحولاً جيوسياسياً: تجلى في الغزو الروسي لأوكرانيا، وتسارع مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ونتيجة لذلك، كما يوضح رئيس أركان الدفاع، من المتوقع حدوث صدام مع روسيا في غضون عامين أو ثلاثة أعوام. الأولوية القصوى: 

أولوية أخرى: الطائرات المسيّرة وعمليات مكافحتها. لقد تخلفت فرنسا بشكل كبير في هذا المجال، وهي الآن عرضة لاختراقات الطائرات المسيّرة لمواقعها العسكرية. وكان آخر هذه الحوادث تحليق طائرة مسيّرة فوق قاعدة غواصاتها النووية في جزيرة لونغ بميناء بريست يوم الخميس 4 ديسمبر-كانون الأول، وهو حدث تاريخي غير مسبوق. وتخصص الميزانية 600 مليون يورو للطائرات المسيّرة والروبوتات. وتوضح الوزارة أن «الهدف هو التوسع السريع في استخدام الطائرات المسيّرة في جميع الوحدات العملياتية للفروع الثلاثة للقوات المسلحة». كما تتناول هذه الميزانية جميع أبعاد النزاع: الفضاء «750 مليون يورو»؛ الدفاع الجوي الأرضي «900 مليون يورو» لمواجهة التهديدات المتطورة والتهديدات قصيرة المدى»؛ الأمن السيبراني»500 مليون يورو»؛ الذكاء الاصطناعي» 400مليون يورو»؛ والابتكار 1.4 مليار يورو. وتشمل المجالات الأخرى، التي لم يُفصح عن تفاصيلها، ما يلي:يشمل ذلك تدريب القوات لرفع كفاءتها وتأهيلها للقتال عالي الكثافة برًا وبحرًا وجوًا، وزيادة التجنيد، والردع النووي. صرّح مصدر في وزارة الدفاع، دون الخوض في التفاصيل، قائلًا: «يُبذل جهد كبير في هذا الصدد». وأضاف مصدر آخر: «نتحدث عن تخصيص إضافي قدره 480 مليون». ما الذي نعرفه عن الطلبات المتوقع تقديمها في عام 2026؟ تشير معلوماتنا إلى أنها ستشمل طائرتين مقاتلتين من طراز رافال، وأربعة أنظمة صواريخ أرض-جو متوسطة المدى من طراز SMPT-NG، وفرقاطة واحدة من طراز FDI-Marine، و350 مركبة مدرعة من طراز سيرفال، وطائرتي دورية، وقمرين صناعيين. أما بالنسبة للطائرات المسيّرة، فستشمل 41 نظامًا تكتيكيًا خفيفًا، و40 طائرة مسيّرة تحت الماء، و25 طائرة مسيّرة سطحية. «في ظل تخفيضات الميزانية في جميع الوزارات، يجب أن نرحب بالزيادة المخصصة لقواتنا المسلحة». هذه الميزانية تُمكّننا من تعزيز قدراتنا، أي سدّ الثغرات. بحسب هيلين كونواي موريه، نائبة رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ، فإن هذا النظام مناسب لاحتياجات قواتنا المسلحة في زمن السلم. لكنه غير مناسب لإعدادنا لنزاع حاد خلال السنوات الثلاث أو الأربع القادمة. لذلك، سنحتاج إلى التحول إلى اقتصاد الحرب. وهذا يعني، على سبيل المثال، إعادة توجيه قطاعات السيارات والطيران والمعادن نحو الإنتاج الضخم للأسلحة والذخائر والمركبات المدرعة والطائرات المسيّرة وأنظمة الدفاع. ويشير جان بيير مولني من معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية «IRIS» إلى أنه «للاستعداد للحرب، سنحتاج إلى زيادة طاقتنا الإنتاجية. وهناك مصنّعون مستعدون لذلك، شريطة أن تطلب منهم الحكومة ذلك، وهو ما لم يحدث بعد». وبينما يُعدّ الاستعداد لنزاع محتمل مسألة موارد وميزانية في المقام الأول، فإنه يعني أيضاً تهيئة العقول لهذا الاحتمال والتضحيات التي سيتطلبها. لذا جاء في خطاب رئيس أركان الدفاع، الجنرال ماندون، لرؤساء بلديات فرنسا في 18 نوفمبر-تشرين الثاني: «إذا تعثرت بلادنا لعدم استعدادها لتقبّل فقدان أبنائها وبناتها، وللمعاناة الاقتصادية لأن الإنتاج الدفاعي سيحظى بالأولوية، فإننا سنكون في خطر». لم يكن يُعلن نيته إرسال «أبناء» فرنسا للموت على الجبهات، بل كان يُعيد التأكيد على هذه الحقيقة البديهية: إذا دخلت فرنسا الحرب، فسيموت جنود. لذلك، فإن الإعداد النفسي ضروري. يُوضح رئيس أركان الجيش، الجنرال بيار شيل: «الجيوش تربح المعارك، لكن الأمم تربح الحروب». إذا اضطرت فرنسا لخوض صراع مع روسيا، فلن تفعل ذلك بمفردها. بصفتها عضوًا في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، ستفعل ذلك ضمن تحالف قوي. الاتحاد الأوروبي، كمعظم دوله الأعضاء، يستعد لهذا الأمر أيضاً. ولكن هل سيكون جاهزا؟ عندما سُئل المفوض الأوروبي للدفاع، أندريوس كوبيليوس، عن هذا الموضوع من قبل صحيفة لا كروا، أجاب قائلاً: «نعلم من أجهزة استخباراتنا أن روسيا ستختبر قدرتنا على تطبيق المادة 5 من حلف شمال الأطلسي حيث تلتزم كل دولة عضو بمساعدة الدولة التي تتعرض للهجوم، في غضون ثلاث أو أربع سنوات. نحن نستعد لهذا الأمر وسنكون جاهزين».