قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إن انتخاب زهران ممداني عمدةً لمدينة نيويورك يشكّل لحظة سياسية لافتة، بعدما خاض حملة غير تقليدية اعتمدت على التواصل المباشر ووسائل التواصل الاجتماعي، ونجح من خلالها في كسر هيمنة المؤسسة السياسية التقليدية.ورغم أن الصحيفة لم تؤيد حملته في المرحلة التمهيدية، بسبب مخاوف تتعلق ببرنامجه وحداثة تجربته، إلا أنها شددت على أن نجاحه ضرورة لمستقبل مدينة يعاني سكانها من ارتفاع تكاليف المعيشة، وتراجع جودة الخدمات.وأضافت الصحيفة في مقال افتتاحي أن نيويورك تحتاج إلى قيادة قادرة على تحقيق نتائج واقعية ملموسة، تتجاوز الشعارات وتستوعب دروس تجارب المدن الأخرى.
تحديات كبرى ومسارات إصلاح واضحة
وتابعت أن أمام العمدة الجديد فرصة لتصحيح مسار الحكم في المدن الكبرى، التي شهدت في السنوات الأخيرة إخفاقات في ملفات الإسكان، والنقل، والأمن، والتعليم. وأشارت إلى أن الحل يكمن في التركيز على الإنجازات القابلة للقياس، لا الوعود النظرية.
وفيما يلي 6 محاور رأت الافتتاحية أنها يجب أن تكون في صلب برنامج العمل:
1-   الإسكان: معالجة أزمة التكلفة والندرة
وأوضحت أن أزمة الإسكان في نيويورك سببها الرئيس ضعف البناء الجديد منذ الستينيات. ورأت أن ممداني اتخذ خطوة إيجابية حين تراجع عن رفضه لتوسيع دور القطاع الخاص في البناء.
وقالت الصحيفة إن الهدف المطلوب هو الوصول إلى بناء50  ألف وحدة سكنية سنوياً خلال العقد القادم، لمواجهة طلب يُقدّر بنصف مليون وحدة.
2-    النقل: جعل الحافلات والقطارات أسرع
وأضافت أن سرعة المواصلات أهم من مجانيّتها. فالحافلات في نيويورك تسير ببطء شديد، ما ينعكس على حياة الملايين. وأشارت الافتتاحية إلى أن المقياس المقترح للنجاح هو رفع متوسط سرعة الحافلات إلى 10 أميال-ساعة، ورفع متوسط سرعة مترو الأنفاق من 17 إلى 20 ميلاً-ساعة.
3-   رعاية الأطفال: توسيع الوصول وخفض التكلفة
وقالت إن تكلفة رعاية الأطفال تستنزف ربع دخل العائلات، وإن تقديم رعاية شاملة هدفٌ نبيل لكنه يتطلب تمويلاً غير متاح بالكامل حالياً. لكن يمكن تحقيق تقدم ملموس عبر تحسين نظام الحضانة للأطفال بعمر 3 سنوات، وتقريب الخدمات من الأحياء. وذكرت الافتتاحية أن الهدف هو توفير مقعد مناسب وقريب لكل طفل في سن الثالثة بحلول نهاية 2027.
4-    الأمن العام: استعادة الشعور بالأمان
وتابعت أن الجريمة انخفضت مقارنة بالعامين الماضيين، لكنها ما زالت أعلى من مستويات ما قبل الجائحة. ودعت إلى مزيج بين تعزيز الشرطة وتطوير بدائل للتعامل مع الحالات النفسية والاجتماعية. وقالت إن الهدف هو خفض المعدل السنوي للجرائم الكبرى بنحو25  ألف جريمة ليعود إلى مستوى أواخر العقد الماضي.
5-   التعليم: مركزية القرار أساس النجاح
ورأت الافتتاحية أن مقترح ممداني بتفكيك سلطة إدارة المدارس يشكّل خطأً كبيراً. فالتجارب الناجحة في ولايات مثل ميسيسيبي ولويزيانا، وفي شيكاغو، اعتمدت على توحيد السياسات والمحاسبة. وأوضحت أن الهدف هو رفع نسب الإتقان في المرحلة المتوسطة التي تبلغ حالياً: 29%  في القراءة، و23%  في الرياضيات، وهي نسب وصفتها الافتتاحية بأنها :غير مقبولة».
6-   الوظائف والاقتصاد المحلي: دعم الأعمال الصغيرة
وقالت إن رجال الأعمال متوجسون من خطاب العمدة الجديد، لكنه يملك فرصة لتبديد المخاوف عبر إصلاح البيئة التنظيمية ودعم المشاريع الصغيرة، التي تعاني من الإغلاق أكثر من الافتتاح. وقالت إن الهدف هو زيادة عدد الشركات الصغيرة بنسبة 10%  خلال الولاية الأولى.
القيادة بين الرمزية والفعالية
أوضحت أن ممداني يدخل التاريخ كأول عمدة مسلم، وأصغر من يتولى المنصب منذ قرن، وأول مهاجر يتولاه منذ سبعينيات القرن العشرين. لكن الرمزية وحدها لا تكفي. فهناك مخاوف حقيقية تتعلق بخبرته الإدارية وخطابه السياسي الحاد في السابق.
وعليه، نصحت الصحيفة بأن يختار ممداني فريق قيادة يعتمد على الكفاءة، لا الانتماء الأيديولوجي، يركز على النتائج اليومية المحسوسة، ويتجنب الصراعات الرمزية التي تستنزف الطاقة السياسية.
النجاح رهن بالعمل لا بالشعارات
وختمت نيويورك تايمز بالتأكيد على أن نجاح ممداني يعني نجاح المدينة نفسها، وأن بناء نيويورك أكثر أماناً وأقل تكلفة وأكثر كفاءة سيكون دليلاً على أن الحكم التقدمي يمكن أن يتجاوز الشعارات إلى إنجازات حقيقية.