«حروب الفضاء قادمة».. تحذيرات ماكرون تعيد رسم ملامح سباق التسلح

«حروب الفضاء قادمة».. تحذيرات ماكرون تعيد رسم ملامح سباق التسلح


تتجه الأنظار مجددًا إلى الفضاء بوصفه ساحة الصراع الأكثر حساسية في معركة النفوذ الدولي، بعدما أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون واحدة من أشد تحذيراته بشأن ما وصفه بـ”الحروب المقبلة التي ستبدأ من الفضاء».
هذه التصريحات، التي جاءت من مدينة تولوز، مركز الصناعات الجوية والفضائية الفرنسية ومقر القيادة العسكرية الفضائية الجديدة، أعادت رسم ملامح سباق تسلّح يتجاوز حدود الأرض، ويقترب من نقاط تمركز الأقمار الصناعية.
وكشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بصورة غير مسبوقة، أن روسيا تنفذ، منذ العام 2022، نشاطات تجسس متقدّمة في المدار، عقب إطلاق عمليتها العسكرية في أوكرانيا، مشيرًا إلى أن مركبات فضائية روسية راقبت الأقمار الصناعية الفرنسية، إلى جانب تعرض أنظمة الملاحة «GPS» لتشويش واسع النطاق، فضلًا عن هجمات إلكترونية استهدفت بنى تحتية فضائية حساسة.
وأكد ماكرون أن التهديد بات يتجاوز حدود التجسس التقليدي، ليصل إلى ما وصفه بـ”التهديد الصادم” المتمثل في احتمال وجود أسلحة نووية روسية في الفضاء، محذرًا من تبعات “كارثية” تطال العالم بأسره في حال تحوّل هذا السيناريو إلى واقع.وفي ظل هذه التطورات، أعلن ماكرون عن زيادة ضخمة في الإنفاق العسكري المخصص للفضاء، كاشفًا عن تخصيص 4.2 مليار يورو إضافية لتمويل النشاطات العسكرية الفضائية حتى عام 2030، في خطوة تُعد مؤشرًا مباشرًا إلى أن أوروبا باتت تعيد صياغة عقيدتها الدفاعية للتكيّف مع واقع جديد يفرضه التفوق الفضائي الروسي المتصاعد.

دلالات تصريحات ماكرون
ووفقًا للخبراء، تحمل رسالة ماكرون بُعدين أساسيين: أولهما اعتراف صريح بأن الفضاء لم يعد “ملاذًا آمنًا” أو مجرد مجال للأبحاث العلمية والاتصالات، بل تحول إلى منطقة اشتباك مفتوحة. أما البعد الثاني فهو تأكيده أن سباق السيطرة على المدار يزداد شراسة، وأن الدول التي تمتلك القدرة على تعطيل أو تدمير أقمار خصومها ستكون صاحبة اليد العليا في توازن القوى العالمي.
ويرى الخبراء أن الأقمار الصناعية أصبحت ركيزة للتجسس والملاحة وإدارة المعارك، وأن اقتراب المنظومات الروسية يثير شبهة استهداف محتمل لقدرات أوروبا، وذلك مع تزايد الحديث عن “حرب نجوم” جديدة بدأت ملامحها منذ 2019.
وقال العميد نضال زهوي، الخبير العسكري، إن ما يثير القلق، اليوم، ليس مجرد تحذيرات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بل إن التحذيرات من روسيا لم تعد حكرًا على فرنسا، بل صدرت أيضًا عن ألمانيا، حيث ظهرت مؤشرات تؤكد اقتراب أقمار صناعية روسية من نظيراتها الأوروبية.

تكنولوجيا المعلومات وأدوات تجسس
وأشار زهوي في تصريح لـ”إرم نيوز” إلى أن خطورة هذا الاقتراب تتفاقم في ظل الأهمية المتزايدة للأقمار الصناعية، التي لم تعد مخصصة للملاحة البحرية أو مراقبة المحاصيل أو خدمات الاتصالات فحسب، بل أصبحت ركيزة محورية في تكنولوجيا المعلومات، وأدوات التجسس، ومراقبة التحركات العسكرية، بالإضافة إلى كونها جزءًا من منظومة أسلحة التجسس الكبرى في العالم، إذ بات النطاق العسكري فيها أكبر بكثير من الاستخدام المدني.
وأضاف أن دمج الأقمار الصناعية مع أنظمة الـGPS جعلها عنصرًا رئيسًا في أحدث منظومات التسليح، وأن استخدامها العسكري بات يتفوق بوضوح على نطاقها المدني المتعلق بالاتصالات أو البث الإذاعي والتلفزيوني.وأكد الخبير العسكري أن سباق التسلح في الفضاء بدأ فعليًا، منذ العام 2019، مع عودة المنظومة الأوروبية المناهضة للأقمار الروسية القريبة من الأقمار الأوروبية، لافتًا إلى أن الروس والصينيين لم يقتربوا حتى الآن من الأقمار الأمريكية، لكنهم اتجهوا نحو الأقمار الأوروبية، الأمر الذي يثير احتمال «مفاجأة محتملة» في حال إقدام روسيا أو الصين على تدمير أقمار أوروبية.
وأوضح أن وزير الدفاع الألماني سبق أن حذّر من موسكو وبكين، وأن تقارير حديثة تكشف اقتراب الأقمار الروسية بشكل لافت من الأقمار الغربية.

مدارات روسية وأمريكية
وأضاف العميد نضال زهوي أن المدارات الروسية تختلف عن الأوروبية والأمريكية، سواء في المهام العسكرية أو المدنية، إذ تتحرك الأقمار الروسية والصينية في مدارات بيضاوية قريبة من المناطق الروسية، مقارنة بمدارات البحث العلمي الثابتة المخصصة لمراقبة المحاصيل وحركة الأرض.
أما المدارات العسكرية الروسية فهي منخفضة وقريبة من الأرض، على ارتفاع يبدأ من 200 كيلومتر ويصل إلى نحو 2000 كيلومتر، ما يعيد، وفق قوله، “حرب النجوم بصيغتها الحديثة».
وتابع: “المدارات العلمية الأوروبية والأمريكية ثابتة، وتعمل منظومات الناتو وإسرائيل على أقمار متحركة على ارتفاع 200 كيلومتر، وهو ما يسبب محدودية في جمع المعلومات في الحواف البؤرية، الأمر الذي يدفع الغرب إلى الاعتماد على كثافة كبيرة من الأقمار العسكرية».
وأشار إلى أن السيناريوهات المحتملة تتجه نحو تسريع عمليات التحصين الدفاعي الأوروبي التي انطلقت منذ 2019، مع توقع تعاون أعمق بين أوروبا والولايات المتحدة.

درس حرب النجوم
واعتبر أن درس “حرب النجوم”، التي أسقطت الاتحاد السوفيتي، حاضر بقوة لدى موسكو التي “تعلمت من الماضي وأصبحت تمتلك تروسًا قوية تمنع تفوق طرف واحد”، لافتًا إلى تعاون النظام الصيني “بيدو” مع روسيا وإيران.
وأضاف الخبير العسكري أن تحذير ماكرون “واقعي وليس مبالغة سياسية”، خاصة مع الإشارات الغربية المتزايدة حول نشاط روسيا والصين وإيران، التي تطلق سنويًا ما لا يقل عن 5 أقمار صناعية بالتعاون فيما بينها.

التوسع الأوروبي في الفضاء
من جانبه، قال المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية، كامل حواش، إن التوجه العام فيما يتعلق بالتجهيزات العسكرية يعتمد بشكل متزايد على التكنولوجيا الحديثة التي لم تكن متاحة قبل سنوات.
وكشف حواش في تصريح لـ”إرم نيوز” أن استخدام الطائرات المسيرة، على سبيل المثال، لم يكن رائجًا في السابق، لكنه أصبح، اليوم، عنصرًا أساسًا في معظم الحروب، إذ تُنفذ الهجمات دون الحاجة إلى وجود جيوش على الأرض.
وأضاف حواش أن هناك تخوفًا مستمرًا من هذا التوجه التكنولوجي الجديد، فضلًا عن اتساع نطاق الحروب السيبرانية التي تقوم على التشويش واستهداف البنى التحتية الرقمية.

الصراع في الفضاء
وأشار الخبير في الشؤون الأوروبية إلى أن ما يثير القلق، حاليًا، هو احتمال انتقال الصراع إلى الفضاء، وهو أمر بدأ العالم يلحظه وإن لم تصرح به معظم القيادات الدولية بشكل مباشر.
وكشف أن روسيا تسعى، على ما يبدو، إلى استهداف الأقمار الصناعية للدول المختلفة، وهي أقمار تؤدي أدوارًا حيوية، من بينها نظام الـGPS الذي يعتمد عليه المواطنون خلال السفر، واستخدام الخرائط الرقمية، إلى جانب أهميته الكبيرة خلال الحروب.
وتوقع أن يُستغل هذا النوع من التكنولوجيا بكثافة وبطريقة تخدم إسرائيل في حربها الأخيرة على غزة وملاحقة أهدافها.
ولفت حواش إلى أن أوروبا تضخ مليارات الدولارات في سبيل مواجهة ما تقوم به روسيا في إطار حروب الفضاء، معتبرًا أن فرنسا لن تتحرك منفردة في هذا المسار، بل سيأتي ضمن رؤية أوروبية مشتركة لمواجهة هذه المخاطر المتصاعدة.