متطوعون روس في صفوف الجيش الأوكراني
«حرية روسيا».. فيلق يقاتل «كرهاً في بوتين»
يقاتل عدد من المتطوعين الروس في صفوف الجيش الأوكراني تحت اسم “فيلق حرية روسيا”، الذي صنفته موسكو، بأنه “جماعة إرهابية”، وفقاً لوكالة أنباء روسية، يحظر هذا التصنيف أنشطة المنظمة في روسيا ويعرّض أفرادها ومناصريها لخطر التعرض لعقوبات شديدة تصل إلى السجن المؤبد.
وقال مكتب المدعي العام الروسي في بيان على “تيليغرام” إن “المحكمة العليا أصدرت هذا التصنيف بناء على طلبه”، مضيفاً أن “المنظمة تسعى لتقويض الأسس الدستورية لروسيا والانقلاب على السلطة في البلاد، بما في ذلك عن طريق شن أعمال إرهابية».
«فيلق حرية روسيا»
تأسس “فيلق حرية روسيا” مع بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، وهو يشكل جزءاً من كتائب متطوعين دوليين يقاتلون إلى جانب الجيش الأوكراني وشعاره يمثل قبضة تحمل عبارتي “روسيا و”حرية».
ومن جانبه، قال ضابط أوكراني، طالباً عدم كشف هويته: “إنهم مقاتلون متحمسون ومحترفون، ويقومون بمهمتهم على أكمل وجه”، بحسب “فرنس برس».
ولا يسمح القانون الأوكراني للمواطنين الروس بالخدمة في القوات الأوكرانية المسلحة النظامية، لذلك تم إنشاء “الفيلق الروسي».
وخلال العام الماضي، وجدت السلطات الأوكرانية أن المئات من المواطنين الروس الآخرين، سواء الذين يعيشون بالفعل في أوكرانيا أو غيرهم ممن عبروا بوسائل سرية عبر الحدود، تطوعوا للقتال.
كما يضم الفيلق أيضاً جنوداً سابقين بالجيش الروسي قرروا الهروب من روسيا وهم “مقاتلون متمرسون”، بحسب تقارير إعلامية.
ويقول الخبير العسكري الأوكراني أوليغ غدانوف: “إنهم يشاركون في الحرب، لكن تأثيرهم ليس كبيراً بسبب عددهم المحدود”، مضيفاً: “أهميتهم سياسية. إنه لأمر جيد لأوكرانيا أن تكون قادرة على إثبات أن هناك روساً يدعمون الديمقراطية والحرية ويقاتلون في الجانب الصحيح».
«لست خائناً»
وفي يناير -كانون الثاني، التقى المتحدث باسم الفيلق الروسي الذي يعرف باسم “سيزار”، والمنحدر من سانت بطرسبرغ، حيث كان اختصاصي علاج طبيعي، مراسلي وكالة “فرانس برس”، وقادهم إلى أنقاض دير أرثوذكسي في منطقة دولينا التي استعادها الجيش الأوكراني في الخريف.
وخلال المقابلة، قال سيزار الذي يبلغ من العمر 50 عاماً: “لا أحارب الوطن الأم، بل أحارب نظام بوتين والاستبداد”، مضيفاً: “لست خائناً. أنا وطني وروسي حقيقي”، وأردف : “روسيا تحتضر، اذهبوا إلى القرى وستجدون سكارى ومدمني مخدرات ومجرمين».
وتابع قائلاً، إن “الفيلق يضم “مئات عدة” من المتطوعين الروس”، مضيفاً أن “مقاتلين من الفيلق يحاربون في مدينة باخموت التي تشهد معارك ضارية منذ أشهر».
ويرى سيزار الذي يقدم نفسه على أنه أنه “قومي يميني” أنه لا يمكن الإطاحة بنظام فلاديمير بوتين إلا بالقوة، مضيفاً “الكفاح المسلح مجرد بداية لصراع سيبلغ ذروته يوماً ما في روسيا».
وأضاف في حديثه للصحافيين: “سنكسر عظامهم (القوات الروسية) على الجبهة، ثم ستندلع حرب أهلية داخل روسيا، وسيجد بوتين أن هناك العديد من الوحوش الأخرى جاهزة للانقلاب عليه وأكله”، على حد قوله.
وأكد سيزار أن “العدد الدقيق لهؤلاء المتطوعين سري للغاية ولا يمكن الوصول إلى مواقعهم».
وأطفاله الأربعة والانتقال إلى كييف. ويقول سيزار: “يعيشون أيضاً في خوف من القصف والبرد، لكنهم يؤيدون خياراتي».
وخلال مشاركتهم في المعارك، قتل بعض أعضاء الفيلق جنوداً من روسيا، ويقول سيزار إنه “قتل 34 جندياً روسياً على الأقل منذ يونيو (حزيران) الماضي.
وأشارت تقارير إعلامية إلى خضوع المقاتلين في الفيلق لمقابلات واختبارات النفسية وحتى لجهاز كشف الكذب تحسباً لأي محاولة اختراق، وبمجرد أن يصبح الجندي عضوا في الوحدة، تظل هويته السابقة سرية، ولا يُعرف إلا بالاسم الرمزي، لضمان سلامة أسرته.
وكشف المتحدث باسم الفيلق، أن “مئات الروس الذين، بعد أن تلقوا تدريباً لمدة شهرين، انتشروا في مايو (أيار) الماضي في منطقة دونباس المنجمية في شرق أوكرانيا التي تحاول موسكو احتلالها بالكامل».
وتشكل منطقتا لوغانسك ودونيتسك معاً إقليم دونباس، المركز الصناعي لأوكرانيا الذي تسيطر عليه روسيا الآن جزئياً، وتسعى للسيطرة عليه كاملاً، وفقاً لرويترز. ويشارك الفيلق الروسي حالياً في قتال على طول الخطوط الأمامية بين دونيتسك وباخموت، حيث يخدم أعضاؤها في مجموعات متفرقة مثل “فرق الهاون ومشغلي الطائرات دون طيار».
وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “تيليغرام” و”تويتر” و “إنستغرام”، ينشر فيلق “حرية روسيا” بشكل أساسي مقاطع فيديو دعائية، ويزعم أنه تلقى آلاف الطلبات.
أسباب الانضمام للفيلق
ووفقاً لصحيفة “التايمز” البريطانية: روى الشاب الروسي المعروف فقط باسمه الحركي “زازار”، البالغ من العمر 18 عاماً، قصة التحاقه بفيلق حرية روسيا، وقال إنه “اختلف مع مدرس في مدرسته بعدما وصف “العملية الخاصة” بأنها “فاشية».
وبعد فترة وجيزة من بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، أزعجه اللامبالاة السياسية لأصدقائه في المدرسة وأثارت القيود المفروضة على التعبير في روسيا في عهد بوتين استياءه من إحساسه بالحرية، بحسب ما ذكر للصحيفة، وقال إن “المجتمع الروسي مطيع ... وصبور على القهر، لا توجد حرية حقيقية”، مشيراً إلى أن “قول الحقيقة في روسيا هو فعل يمكن أن يتم احتجازك بسببه».
والصيف الماضي، اضطر زازار إلى حذف منشورين ينتقدان الحرب على “فكونتاكتي”، المعادل الروسي لموقع “فيس بوك”، بعد أن زارت الشرطة منزله وهددت باعتقاله، حسب “التايمز».
وواجه الشاب الروسي مزيداً من التضييق من المسؤولين عندما رفض المشاركة في أمر المدرسة للطلاب بعمل تكوين في الفناء على شكل حرف «Z» وهو الرمز المرادف للدعم الروسي للعملية العسكرية في أوكرانيا.
وفي النهاية، قبل 4 أشهر، اتخذ زازار إجراءات جذرية، وحزم حقائبه وغادر منزله في غرب روسيا وتوجه نحو أوكرانيا. وفي الوقت الحالي يقاتل الشاب الروسي المنشق في صفوف القوات الأوكرانية بصفته عضوا في “فيلق حرية روسيا».
ويقول زازار عن احتمال قتل إخوانهم الروس: “إنها فكرة صعبة لكنها شيء أعتقد أنه يمكنني القيام به».
ونشرت مواقع أوكرانية، مقطع فيديو لشاب روسي أخر يبلغ من العمر 18 عاماً، عبر حدود الروسية الأوكرانية سيراً على الأقدام للانضمام إلى فيلق “حرية روسيا»
أما الجندي الروسي السابق، ويبلغ من العمر 33 عاماً، قال إن “كل شخص في روسيا لديه نوع من الاختيار، إما أن يقبلوا التعبئة أو لا”، مضيفاً “ كان خياري المجيء إلى هنا والقتال ضد النظام، بدلاً من التعبئة والذهاب لمحاربة الأوكرانيين، لم يكن جمع الزهور والاحتجاج كافيين، يجب أن تكون معركة لتحدي بوتين، وتبدأ ثورتنا هنا في أوكرانيا».
وفي الإطار، قال نائب رئيس بنك Gazprombank المملوك للدولة إيغور فولوبوف، في مقطع فيديو، إنه “هرب من روسيا، احتجاجاً على بوتين وانضم إلى “فيلق حرية روسيا».
ويشار إلى أن فولوبوف ولد في أوكرانيا لكنه لم يكن مواطناً، عندما انهار الاتحاد السوفيتي، من ثم حصل على الجنسية الروسية.
ويقول العامل المتحدر من تولياتي عاصمة السيارات الروسية على بعد 800 كيلومتر جنوب شرق موسكو، يرى تيخي (40عاماً)، إن “دوافعهم شخصية أكثر من كونها سياسية».
ووفق “فرانس برس”، فإن هذا الشاب الأربعيني ينتمي إلى عائلة مختلطة، فزوجته التي التقاها في روسيا أوكرانية. ويقول الرجل، وهو أب لطفلين كان يزور عائلته في كييف عندما بدأت الحرب: “لم نكن سنفهم لو بقينا في روسيا”. لم يعودوا قط إلى روسيا، وانضم إلى صفوف الجيش الأوكراني ضمن الفيلق، وانقطع كل اتصال تقريباً مع عائلته في روسيا التي لا تفهم خياره.
وتابع: “لقد خضعوا لغسل دماغ. لكنني أعلم أنهم قلقون عليّ”. وقطع علاقاته مع أصدقائه. ويضيف ساخراً: “إنهم جالسون على أريكتهم في روسيا ويكررون سنحرر أوكرانيا».
ومن دون ندم، يقول إنه “يعتبر الجنود الروس “ أعداء” ، و”سيفجر نفسه بقنبلة يدوية على أن يتم أسره” على يد قوات موسكو.
وتقدم تيخي بطلب للحصول على الجنسية الأوكرانية، لكنه لن يتمكن من الحصول عليها حتى تنتهي الحرب. ويوضح: “في الوقت الحالي لا يزال لدي جواز سفر العدو”، في إشارة إلى جواز السفر الروسي.
وينتشر عناصر الفيلق (وهم تابعون أساساً لسلاح المدفعية تحت قيادة ضباط أوكرانيين) في مدينة باخموت، إحدى أكثر النقاط الساخنة على الجبهة الشرقية، التي كانت مسرحاً منذ أشهر لمعارك ضارية بين القوات الروسية والأوكرانية.
وخلال الأيام الماضية، حذر قادة أوكرانيون من أن الوضع على الأرض يزداد صعوبة مع تصعيد روسيا محاولاتها لتطويق باخموت وإعلان أول انتصار كبير لها منذ أكثر من 6 أشهر بعد عدد من المعارك الطاحنة في الحرب.