أزمة كوسوفو تعود مجدداً... ماذا يحصل؟

أزمة كوسوفو تعود مجدداً... ماذا يحصل؟


وقَعَت مناوشات بين مُحتجِّين مسلحين من أصل صربي وشرطة كوسوفو. وسبب تلك المناوشات أنّ كوسوفو أمرت منذ فترة السائقين بتسليم اللوحات المعدنية الصادرة من صربيا واستبدالها بلوحات من كوسوفو.
وفي 10 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، شرعَ الصرب الذين يعيشون في شمال كوسوفو في إقامة المتاريس. وتصدى لهم سكان كوسوفو، وأغلقت شرطة كوسوفو نقاط التفتيش الحدودية بين البلدين. وتبع ذلك تكدُّس مروري كبير، وكذلك تبادل لإطلاق النار على نطاق محدود، شملَ استخدام قنبلة صوتية. وقد هدأت وتيرة إطلاق النار، لكن التهديدات تصاعدت.

ردة فعل مبالغ فيها
وفي هذا الإطار، قال المحلل الأمريكي جورج فريدمان في موقع “بوليتيكل فيوتشرز”: قد تبدو عملية تبادل إطلاق النيران ردة فعل مُبالغاً فيها، لكن هذه هي طبيعة منطقة البلقان. فهي منطقة صغيرة نسبياً تضم عدداً كبيراً من الجنسيات المختلفة، وحدودها السياسية لا تُطابق الحدود العرقية. وفي التسعينيات، اندلعت حرب أهلية وحشية بين تلك الجماعات العرقية. على سبيل المثال، الصرب مسيحيون والبوسنيون مسلمون. ويعيش الصرب والمسلمون على مقربةٍ من بعضهم بعضاً. وشملت الحرب الأهلية التي اندلعت معسكرات اعتقال، حيث لقي 100 ألف بوسني حتفهم، وهو الرقم الذي أنكره الصرب. ومع ذلك، لا أحد يُشكك في أنّ هذه الحرب كانت دموية.

مخاوف من وقوع
 مذبحة جديدة
وأضاف فريدمان: كاد القتال يمتد إلى كوسوفو الواقعة جنوب صربيا. والكوسوفيون مسلمون من أصل ألباني يعيشون في منطقة تُطالب بها صربيا. وعندما بدأت القوات الصربية تدخل كوسوفو، شعرت الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية التي تعلم بالمذبحة التي ارتُكبت في البوسنة بالقلق حيال احتمالات وقوع مذبحة أخرى في كوسوفو. ونفَّذت طائرات حلف شمال الأطلسي، التي كانت بريطانية وأمريكية في المقام الأول، ضربات جوية لإجبار الصرب على الرحيل. وتَوَسَّع القصف وصولاً إلى صربيا، وشمل هجمات على العاصمة بلغراد. وأسفرت هذه الضربات عن سقوط عدد كبير من الضحايا من المواطنين الصرب.
وأرادت الولايات المتحدة أن تصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع الصرب، غير أن الرئيس الصربي رفض مطلبها بسبب الغضب الذي اجتاحه من قصف بلغراد، وخشية أن يواجه اتهامات جنائية في لاهاي، وهو ما حدث في نهاية المطاف. ولمَّا تعذَّر استسلام صربيا، استمرت الضربات الجوية.
تواصل أمريكي روسي لوقف إطلاق النار
وأوضح فريدمان: تواصلت الولايات المتحدة مع الروس الذين كانت علاقتهم وثيقة بالصرب. فأقنعهم الروس بقبول وقف إطلاق النار. وفي المقابل، توقَّع الروس أن يُعاملوا على أنهم مُحتلون مُكافئون لصربيا وكوسوفو، إذ فرضوا وقف إطلاق النار على جميع المناطق بوصفهم على قدم المساواة مع حلف شمال الأطلسي. وينكر الأمريكيون أنهم اتفقوا مع الروس على ذلك، بينما يزعم الروس بأنه ما من سبب يدعوهم إلى التفاوض مع حلف شمال الأطلسي سوى ذاك السبب. ووصلت القوات الروسية إلى مطار كوسوفو كي تعمل عمل قوات حفظ السلام. فأحاطت بهم قوات حلف شمال الأطلسي، وأجبرتهم على الرحيل. وكان لهذه الواقعة أثر كبير جداً على صعود نجم فلاديمير بوتين وانعدام ثقته في الولايات المتحدة. فقد أقنعته تلك الواقعة بأن الولايات المتحدة تريد أن تسحق روسيا، فارتقى إلى منصب الرئيس واعداً بألّا يسمح بأن تُعامل روسيا بازدراء مُستقبلاً أبداً.
ولذلك، يتقاتل الكوسوفيون والصرب على اللوحات المعدنية للسيارات وما إلى ذلك. وما يبدو تافهاً في أعين الآخرين ليس بالأمر التافه هنا. ففي منطقة البلقان، الذكريات قديمة قِدم الزمن ولا تَغْفِر. ودول البلقان تُؤثر في كل شيء حولها. فقد بدأت الحرب العالمية الأولى في البوسنة. ولكن بالنسبة لزماننا، غرست نهاية حرب كسوفو في الروس انعدام الثقة في الولايات المتحدة.
والآن، هناك حرب تورّطت فيها روسيا والولايات المتحدة. وهي لا تصبُّ في مصلحة روسيا إلى الآن. عند الاشتباك في حرب، يُعدُّ إجبار العدو على صرف انتباهه عنصراً محورياً، خاصّةً عندما يكون الطريق، على أفضل السيناريوهات بالنسبة لروسيا، مسدوداً. لقد بحثوا عن سبل أخرى لصرف انتباه الأوكرانيين، غير أن الذين يتعين تشتيت انتباههم هم الأمريكيون.

تقارب صربي روسي
وأشار فريدمان إلى وجود تقارُب بين صربيا وروسيا، كعادتهما منذ زمن بعيد. والولايات المتحدة لها تاريخ مديد في المنطقة. ولن يُغيِّر أي صراع آخر بين صربيا وكوسوفو بحدِ ذاته مسار الحرب الأوكرانيّة، لكنه ربما تسبب بفقدان الأمريكيين تركيزهم إذا أرسلوا قواتهم لحماية كوسوفو، وهو التزام واجب عليهم نوعاً منذ التسعينيات. على أي حال، ليس لدى روسيا الكثير لتخسره، وصربيا على أهبة الاستعداد دوماً للاشتباك مع كوسوفو.
ويقول فريدمان: لقد بدأنا بإطلاق نار طفيف بين صربيا وكوسوفو بسبب أمور أسخف من أن يصدقها أحد. لنفترض أن سببَ تبادل إطلاق النيران لم يكن يَمُتُّ بصلةٍ بأمور تافهة، وإنما بحاولة إعادة إشعال حرب كوسوفا مجدداً. إذا كان الروس يريدون مصدر إلهاء محدود التكلفة والمخاطر، فلديهم الكثير من الأوراق التي يمكنهم استغلالها مع صربيا. وبالطبع كانت هناك صدامات من قبل، غير أنّ الصدامات لا تنتهي. والسؤال لا يتعلق بكيفية اندلاعها، وإنما بما تُفضي إليه وتتمخض عنه. ولذلك، فمراقبة الحدود الصربية الكوسوفيّة ربما كانت تستحق العناء، وفق التحليل.