عليها التزام أخلاقي واستراتيجي استعدادا للأسوأ:

أفغانستان: أخيرًا، تدرك واشنطن خطورة انقلاب الأوضاع

أفغانستان: أخيرًا، تدرك واشنطن خطورة انقلاب الأوضاع

- تسيطر طالبان الآن على 144 مقاطعة من أصل 398 مقاطعة في البلاد
- أوضحت الولايات المتحدة أنه لا يزال بإمكانها شن غارات جوية بعيدة المدى ضد أهداف إرهابية
- خطة إجلاء الأفغان الذين عملوا لصالح الأمريكيين موضع ترحيب، لكنها لا تترجم الثقة في مستقبل البلاد
- الحكومة الأفغانية يمكن أن تنهار في غضون ستة أشهر من مغادرة الأمريكيين
- السؤال المطروح اليوم هو إلى أي مدى ستحافظ الولايات المتحدة على وجود لها في أفغانستان


تبدو سياسة الولايات المتحدة في أفغانستان منذ بعض الوقت، وكأنها سلسلة لا تنتهي من المقترحات، حيث يخسر الجميع في النهاية. والإعلان الأخير عن خطط لإخراج عشرات الآلاف من المواطنين الأفغان الذين عملوا مع الأمريكيين من البلاد في الأشهر المقبلة ليس استثناءً.
   من ناحية، هي عملية منتظرة منذ وقت طويل. فحتى في أفضل السيناريوهات، فإن رحيل الولايات المتحدة سيعرّض، في كل الأحوال، الأفغان الذين عملوا لصالح الجيش الامريكي (كمترجمين أو غير ذلك) للانتقام من طالبان. ومن ناحية أخرى، من الصعب تخيّل إجراء من شأنه أن يُظهر تدنّي الثقة في قدرة الحكومة الأفغانية ورئيسها، أشرف غني -الذي التقى في واشنطن الرئيس جو بايدن في البيت الأبيض في يونيو –على احتواء طالبان. وعلى عاتق الولايات المتحدة التزام أخلاقي واستراتيجي للاستعداد لأسوأ سيناريو ممكن، مما يجعله أكثر احتمالا.

أعمال انتقامية محتملة
   وتنطوي الخطة، التي أوردتها العديد من وسائل الإعلام، على نقل ما بين 20 الفا ومائة ألف أفغاني (موظفو الولايات المتحدة وعائلاتهم) خارج البلاد هذا الصيف، قبل الموعد النهائي في 11 سبتمبر الذي حدده جو بايدن للانسحاب الكامل للقوات الأمريكية. ولا شك أنه سيتم نقلهم إلى موقع طرف ثالث آمن قبل الوصول أخيرًا إلى أمريكا. وجزيرة غوام، التي تنتمي إلى الولايات المتحدة، هي واحدة من الاحتمالات التي تم النظر فيها.
   «الأشخاص الذين ساعدونا لن يتم التخلي عنهم”، صرح الرئيس الأمريكي للصحفيين، مشيرا إلى أن العملية قد بدأت. وهكذا يستجيب البيت الأبيض للضغوط السياسية المتزايدة من الكونجرس وجماعات حقوق الإنسان بشأن هذه القضية -التأخير والروتين يعرقلان برنامج التأشيرات للأفغان الذين عملوا مع القوات الأمريكية، والذين يتعرضون للخطر، ويخشى ان يطالهم انتقام طالبان. .
   أخبرتني كيمي جيوا، المتحدثة باسم النائب سيث مولتون، الذي قام بحملة نشطة من اجل ان تعطي الإدارة الأولوية لعمليات الإجلاء، عبر البريد الإلكتروني، أنه من السابق لأوانه التعليق، حيث لم يتم الكشف عن تفاصيل الخطة بعد. ومع ذلك، فقد حددت “الأشياء الثلاثة التي يجب ان تتوفر لجعل هذا الالتزام حقيقة واقعة: (1) خطة عمليّة مفصلة، (2) شخص مسؤول لينجز المشروع، و (3) ضمانة باستمرار المهمة حتى النهاية».

«لحظة سايغون»
   يخضع أكثر من 18 ألف شخص مع عائلاتهم حاليًا لعملية القبول، والتي تستغرق 600 يومًا على الأقل، بينما من المقرر مغادرة الولايات المتحدة في أقل من 80 يومًا.   «ما زلت متفائلًا بأن هذا الجهد الجديد يمكن أن ينقذ الأرواح، لكن الطريقة الفوضوية التي يتم التعاطي بها تعرّض الناس للخطر”، أكد نوح كوبورن، عالم الأنثروبولوجيا في كلية بينينجتون الذي يدرس أفغانستان، وكتب مؤخرًا تقريرًا عن برنامج تأشيرات الهجرة الخاصة للأفغان:”لقد خلق حالة من الفوضى حقًا، لأنه فجأة ظهرت كل هذه الأسئلة حول ما إذا كانت المعايير أو الأرقام قد تغيرت «.   ويشير كوبيرن، إلى أن الإعلان يمكن تفسيره أيضًا على أنه إشارة إلى أن القادة الأمريكيين “لا يثقون مطلقًا في الحكومة الأفغانية” لضمان حماية مواطنيها، و “لا يريدون ممارسة ضغوط دبلوماسية وموارد مالية لدعم السلطة القائمة «.
   وإذا تم نقل الأفغان مؤقتًا إلى غوام، فسيكون لذلك بعض الصدى التاريخي، حيث أن معظم اللاجئين الفيتناميين الذين وصلوا إلى الولايات المتحدة بعد سقوط سايغون، والبالغ عددهم 125 ألفًا، قد مروا من هناك عام 1975. علاوة على ذلك، فإن الأمر الذي يبعث على الخجل هو إلى أي مدى يبدو أن الجمهوريين، الذين ينتقدون بايدن، مبتهجون باحتمال رؤيته يواجه “لحظة سايغون”، لكن لا يمكننا أن نكون متفائلين جدًا بشأن فرص الحكومة الأفغانية ضد طالبان في الوقت الحالي.
   ربما لا تزال الحكومة تسيطر على المدن الكبرى، لكن طالبان تسيطر الآن على 144 من 398 مقاطعة في البلاد، وفقًا لمجلة الحرب الطويلة، بينما كان تحت سيطرتها 75 فقط في أبريل، قبل أن يعلن بايدن انسحاب قواته. القوات الحكومية تتخلى بسرعة عن مواقعها. وفي الآونة الأخيرة، فر 134 جنديًا أفغانيًا من هجوم لطالبان عبر الحدود إلى طاجيكستان، حيث وجدوا ملاذًا.

تقدم طالبان
   ويقال إن العديد من الطوائف الأفغانية بصدد تشكيل ميليشيات محلية لمواجهة انهيار قوات الأمن الوطني. وبحسب تقرير لشبكة إن بي سي، فإن قيادة طالبان نفسها فوجئت بسرعة فتوحاتها، ويشاع إنها تعمد إبطاء تقدمها في بعض الأماكن من أجل تجنب استفزاز الأمريكيين دون داعٍ قبل رحيلهم.
   كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن تقييمًا استخباريًا أمريكيًا حديثًا، خلص إلى أن الحكومة الأفغانية يمكن أن تنهار في غضون ستة أشهر من مغادرة الأمريكيين، بينما كان التقدير السابق عامين. ومن غير المحتمل أن يؤدي أي من هذا إلى إبطاء وتيرة الانسحاب، المتقدم على الروزنامة أصلا، وقد اكتمل نصفه تقريبًا. والسؤال المطروح اليوم، هو إلى أي مدى ستحافظ الولايات المتحدة على وجود لها في أفغانستان بعد ذلك.   ذكرت وكالة أسوشيتد برس يوم الجمعة، أن حوالي 650 جنديًا أمريكيًا سيبقون في أماكنهم، ولكن بشكل أساسي لتوفير الأمن الدبلوماسي. في حين أوضحت الولايات المتحدة، أنها لا تزال قادرة على شن غارات جوية بعيدة المدى ضد أهداف إرهابية تعتبرها تهديدًا للبلاد، ومن غير الواضح تحت أي ظروف قد تستخدم الولايات المتحدة سلاحها الجوي لوقف تقدم طالبان.   ويتضمن اقتراح الميزانية الأخير لإدارة بايدن، مظروفًا بقيمة 3.3 مليار دولار لتمويل قوات الأمن الأفغانية (بزيادة قدرها 300 مليون دولار عن السنة المالية السابقة)، بالإضافة إلى 266 مليون دولار من المساعدات الإنسانية.

خطوة كبيرة إلى الوراء
   قبل بضعة أشهر، بدا أن أفضل أمل للبلاد هو المحادثات الجارية للتوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة بين طالبان والحكومة. وبالنظر إلى التقدم السريع الذي أحرزته في الأسابيع الأخيرة، من المرجح أن تحجم طالبان عن تقديم تنازلات. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين مؤخرًا، إن الولايات المتحدة “تدرس الآن بعناية شديدة دوافع طالبان لمعرفة ما إذا كانت تفكر بجدية في حل سلمي للصراع.»   وإذا كان من الصعب تخيّل ما يمكن أن يبطئ زخم طالبان في هذه المرحلة، فإن ما ستفعله الجماعة، إذا وصلت إلى السلطة، يظل أكثر غموضا. وبالنظر إلى خلفيتها عندما حكمت البلاد قبل عام 2001، هناك الكثير من الأسباب للخوف من الأعمال الانتقامية ضد الذين عملوا مع القوات الدولية أو الحكومة الأفغانية، وكذلك المذابح ضد الأقليات مثل الهزارة، وخطوة كبيرة إلى الوراء في مجال حقوق المرأة.   ومع ذلك، يشير بعض الخبراء، إلى أن قادة طالبان لا يريدون استعادة مكانة المنبوذين التي لازمتهم في ذلك الوقت؛ لذلك يمكنهم محاولة إيجاد حل وسط مع خصومهم. إن أفضل أمل لتجنب كارثة إنسانية صريحة في الأسابيع المقبلة يتوقّف في المقام الأول على حكمة وحسن نية طالبان -مما يعطي فكرة جيدة إلى حد ما عن الوضع الحالي.