هامش مناورته السياسية محدود:

ألمانيا: أولاف شولتز، مستشار تجاوزته الأحداث...؟

ألمانيا: أولاف شولتز، مستشار تجاوزته الأحداث...؟

-- يتمتع المستشار الألماني بسلطة أقل بكثير من سلطة الرئيس الفرنسي
-- تغيير الأغلبيـــة في البوندســتاغ يلوح في الأفق
-- لديه دائمًا نفس الاستراتيجية: تقييم المخاطر قبل اتخاذ القرارات


   خلاف مع أوكرانيا، خلاف مع الخضر حول تسليم الأسلحة، وانزعاج بين الديمقراطيين الاشتراكيين بشأن صلاتهم بروسيا ... يعطي الزعيم الألماني انطباعًا بأنه ليس في مستوى التحديات والرهانات.
   هل يمتلك أولاف شولتز أكتافا قوية بما يكفي لقيادة ألمانيا؟ إن افتقاره إلى التصميم فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، يثير في كل الاحوال قلق الأوروبيين، وخاصة في الشرق، حيث يتساءلون عما إذا كان قد اختار معسكره حقًا.

  يتهمه السفير الأوكراني في برلين، أندريه ميلنيك، بأنه يلعب دور الطابور الخامس للكرملين، وبأنه يفتقر إلى العمق. فبينما تكافح أوكرانيا للدفاع عن وجودها، يعتمد المستشار مواقف “رخوة” تصنع خلافات دبلوماسية لا اهمية لها، يتحسّر هذا الدبلوماسي، مضيفا “ليس هذا ما هو متوقع من رجل دولة».
  في الواقع، رفض المستشار الذهاب إلى كييف لأن رئيس الجمهورية الفيدرالية، فرانك فالتر شتاينماير، أُعتبر شخصية غير مرغوب فيها هناك بسبب سياسته الموالية لروسيا في العقود الأخيرة.

 أضعف مستشار في تاريخ الجمهورية الاتحادية
   في موقف دفاعي باستمرار، لم يتمكن أولاف شولتز من الخروج من دوامة النقد ضد حوكمة مليئة بالتناقضات. في كل مقابلة، عليه أن يبرر بشأن مماطلته، ولا سيما تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا، وهو الأمر الذي رفضه لفترة طويلة، أو بشأن حظر الطاقة، وهو ما يرفضه.
   «إنه رجل حذر للغاية، يقول ماركوس ليندن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ترير وعضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي. لديه دائمًا نفس الاستراتيجية: تقييم المخاطر قبل اتخاذ القرارات”. ولتبرير تردده في تسليم مواد هجومية، حذر شولتز الألمان من “حرب نووية” محتملة. وبعد أيام قليلة من تصريحاته المثيرة للقلق، تراجع ...
   انقلاب يفسره ما يتمتع به من هامش مناورة سياسية محدود للغاية. “يتمتع المستشار الألماني بسلطة أقل بكثير من سلطة الرئيس الفرنسي”، يذكّر ماركوس ليندن.

 يجب أن يحسب حسابا للبرلمان، فالحزب الاشتراكي الديمقراطي حصل على 25 بالمائة فقط من الأصوات في الانتخابات التشريعية، مما يجعله أضعف مستشار في تاريخ الجمهورية الاتحادية. “لا يمكن أن يُطلب منه أن يكون في فئة الوزن الثقيل، بينما هو من وزن الريشة فقط”، يحلل جيرد ميلكه، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ماينز. يضاف إلى ذلك، حقيقة أن هذا المستشار يقود لأول مرة ألمانيا في “زيجة ثلاثية”. الخضر والليبراليون، الذين فازوا معا بعدد من الأصوات يماثل عدد الحزب الاشتراكي الديمقراطي، يمارسان أقصى قدر من الضغط عليه لتسليم أسلحة هجومية إلى كييف.

التباس الاشتراكيين الديمقراطيين مع روسيا
   من ناحية أخرى، يجب على شولتز أن يأخذ في الحسبان الانزعاج الشديد للحزب الاشتراكي الديمقراطي، الذي لا يزال مذهولًا من الغزو الروسي.
“فشل اليسار الألماني في تقاربه الاقتصادي مع موسكو، كان بمثابة تسونامي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، يُذكّر جيرد ميلكه، لا يزال قسم كبير، ليس مواليًا لروسيا في حد ذاته، مرتبطًا بسياسة الانفراج في الشرق التي دافع عنها سابقًا ويلي براند».
   وفي هذا السياق، تغيير الأغلبية في الجمعية الفيدرالية (البوندستاغ) يلوح في الافق، بينما لم يتجاوز شولتز الستة أشهر منذ توليه منصبه.
نظريا، يستطيع الخضر والليبراليون إدارة ألمانيا مع مستشار محافظ.

وليس من قبيل الصدفة أن زعيم المعارضة، فريدريش ميرز، سافر إلى كييف للقاء فولوديمير زيلينسكي هناك -قبل أولاف شولتز. رحلة تمت المبالغة في تغطيتها اعلاميا..

 وذلك في علاقة بالانتخابات الإقليمية في 15 مايو في شمال الراين وستفاليا، المنطقة الأكثر كثافة سكانية في ألمانيا.
   هذا الخطر، حدده شولتز. إنه يضع في اعتباره صدمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1982، عندما تمت الإطاحة بمعلمه المستشار الديمقراطي الاشتراكي هيلموت شميدت في البرلمان بسبب انقلاب الحزب الليبرالي الصغير في “أزمة اليورو”.

 وهكذا أصبح هيلموت كول مستشارًا للبلاد دون حتى الذهاب إلى صناديق الاقتراع. إن “التهديد بوجود أغلبية أخرى في البرلمان حقيقي”، يرى تورستن فاس، أستاذ العلوم السياسية بجامعة برلين الحرة. “ميرز ينتظر بصبر دوره لتولي السلطة. وتتمثل فكرته في تكرار انقلاب عام 1982، من خلال تقديم اقتراح بحجب الثقة ضد شولتز”، يضيف ماركوس ليندن.

قريب من أزمة حكومية
  لقد قرر الزعيم الجديد لليمين المحافظ تركيز كل هجومه على تردد شولتز.
ومن خلال التهديد بتقديم للبوندستاغ، في نهاية أبريل، اقتراحًا لصالح تسليم أسلحة ثقيلة، والذي كان المستشار لا يزال يعارضه حينها، نجح في أول عملية لزعزعة الاستقرار: كان على أولاف شولتز التنازل لمنع تغيير نواب الأغلبية معسكرهم وتفجير أزمة حكومية.
  يجب على المستشار، الذي لم يكن ابدا جيدًا في مجال الاتصال، أن يصحح بشكل عاجل استراتيجيته في هذا المجال.
فعندما كان الأمين العام للحزب الاشتراكي، أطلق عليه لقب “شولزومات” لإجاباتــه الجاهزة.
علما ان خطيبين موهوبين، يحجبانه على الساحة السياسية الألمانية: فريدريك ميرز، وخصوصا روبرت هابيك، وزير الخضر الشهير للاقتصاد والمناخ، والذي يُطلق عليه من الان “مستشار الظل».

   ان الجزء الأصعب على قائمة الانتظار: تنفيذ “التحوّل” الذي وعد به شولتز الألمان في البوندستاغ في 27 فبراير. وعلى وجه الخصوص، التجديد الكامل لجيش في حالة مزرية قدم من أجله تمويلًا خاصًا بقيمة 100 مليار يورو، ما زال لا يُعرف كيف سيموله. خاصة أن وزير المالية، الليبرالي كريستيان ليندنر، يريد العودة الى الصرامة في الميزانية عام 2023.
بالإضافة إلى ذلك، لم يبدأ بعد تنفيذ الانتقال الطاقي، المشروع الرئيسي للحكومة. “في الوقت الحالي، تميل الحرب إلى توحيد أحزاب التحالف”، يرى جيرد ميلكه، والصعوبات الحقيقية ستبدأ مع القرارات الأولى بشأن سياسة المناخ ...