سنة الانتخابات الكبرى بلا منازع

ألمانيا: حزب المستشارة ميركل في ورطة كبرى...!

ألمانيا: حزب المستشارة ميركل في ورطة كبرى...!

-- الأغلبية دون حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي أصبحت ممكنة
-- لم يعرف بعد مرشح حزب المستشارة وحزب الخضر
-- المرشح الوحيد المعلن عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ذيل الاستطلاعات
-- بعد أنجيلا ميركل التي لن تترشح، لا توجد أي شخصية قوية تتطلع إلى المســـتشـــارية
-- كانت الانتخابات الإقليمية الأخيرة مناسبة للتصويت العقابي، والاتحاد المسيحي الديمقراطي هو من تمت معاقبته


   قبل ستة أشهر من الانتخابات العامة، سجّل حزب المستشارة في الأيام الأخيرة فشلا ذريعا في الانتخابات الإقليمية في بادن فورتمبيرغ ورينلاند بالاتينات، التي فاز بها حزب الخضر في الحالة الأولى، والحزب الاشتراكي الديمقراطي في الحالة الثانية. وهذه الهزيمة، تجعل نتائج الانتخابات الوطنية في 26 سبتمبر، والتي ستتميز بانسحاب ميركل، غير مؤكدة. وهذه الاخيرة تدفع ثمن عدة قضايا مرتبطة بالأزمة الصحية. الآن فكرة الأغلبية دون حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي تكتسب أرضية.    بدأت “سنة الانتخابات الكبرى” في ألمانيا. وقد بعث اقتراع 14 مارس في بادن فورتمبيرغ وراينلاند بالاتينات، برسائل متعددة تثير أسئلة أكثر من تقديمها اجوبة لاستراتيجيي الأحزاب السياسية في برلين. وقبل ستة أشهر من الانتخابات التشريعية في 26 سبتمبر، أصبحت الشكوك بشأن الاقتراع الوطني أكبر من أي وقت مضى. هناك ثلاث رسائل رئيسية من محطة 14 مارس الانتخابية: الأولى، أن رؤساء الحكومات المنتهية ولايتهم مهمّون أكثر من أحزابهم السياسية. والثانية، أن المناقشات حول حكومة فيدرالية مستقبلية لن يقودها حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، حزب المستشارة، قد بدأت الآن. والثالثة، أن نتائج أقصى اليمين متدنية، أقل من 10 بالمائة في كل من الولايتين.

  تعود انتصارات حزب الخضر في بادن فورتمبيرغ والحزب الاشتراكي الديمقراطي في راينلاند بالاتينات، قبل كل شيء، إلى شعبية رئيسي الحكومتين. حققت مالو درير في ماينز ووينفريد كريتشمان في شتوتغارت، نتائج لا يمكن لحزبيهما إلا أن يحلما بها على المستوى الوطني.
   بعد عشر سنوات على رأس الحكومة الإقليمية في شتوتغارت، قام السيد كريتشمان بتحسين نتائجه إلى 32 فاصل 4 بالمائة من الأصوات -بينما على المستوى الوطني، تجاوز حزب الخضر علامة 20 بالمائة في استطلاعات الرأي، وهي نتيجة ليست سيئة، مقارنة بنسبة 8 فاصل 9 بالمائة التي حصلوا عليها في انتخابات 2017. أما مالو درير، فقد حافظت تقريبا على نتيجتها قبل خمس سنوات بنسبة 35 فاصل 7 بالمائة، وهي نسبة أعلى بكثير من أرقام الحزب الاشتراكي الديمقراطي في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني، حيث لا يزال أقل بكثير من 20 بالمائة وفي المركز الثالث خلف الخضر. وتظهر نتائج الاقتراع أيضًا، أن الناخبين يثقون في السيدة دراير والسيد كريتشمان شخصيًا أكثر من ثقتهم في الحزبين السياسيين.

   وهذا يطرح مشكلة كبيرة للأطراف المعنية. صحيح، انه في أغسطس 2020، عيّن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتز، نائب المستشار الحالي، مرشحه لمنصب المستشارية في انتخابات 26 سبتمبر. لكن منذئذ، لم يتمكن الحزب الاشتراكي الديمقراطي من الصعود في استطلاعات الرأي فوق 16-17 بالمائة حيث يحلّق منذ بداية تحالفه الثالث مع ميركل. ويجب ألا ننسى أن حزبه، من خلال تصويت مناضليه نهاية عام 2019، رفض ان يكون شولتز زعيما له. لذلك لا يبدو هذا الأخير الشخصية الأساسية التي يمكنها إنقاذ الاشتراكية الديمقراطية -حتى وإن كان يأمل في إثبات العكس.

من سيكون مرشح
حزب الخضر؟
   من ناحية أخرى، يتعرض حزب الخضر لضغوط منذ انتخابات 14 مارس لاتخاذ القرار الذي سبق أن اتخذه الحزب الاشتراكي الديمقراطي. من يجب أن يكون المرشح للمستشارية؟ هذا تحدٍ لحزب هو في الأصل معارضة للنظام السياسي “البرجوازي».
   منذ أن تفوق على الحزب الاشتراكي الديمقراطي في المركز الثاني في استطلاعات الرأي، ظل رئيساه المشاركان، أنالينا بربوك وروبرت هابيك، يقولان إنهما يسعيان الآن إلى المركز الأول. ولا يزال يتعين عليهما الاتفاق على اسم من سيحتل هذا المركز الأول، فهناك مقعد واحد فقط، ولا مجال لمستشارين اثنين حيث أن من تقاليد هذا الحزب الشاب، أن يكون هناك دائمًا توازن بين الذكور والإناث على جميع مستويات المسؤولية. وسيتعين عليه الاختيار بين الرئيسين المشاركين. ومنذ الاقتراع الاخير، أصبح هذا الاختيار مُلحًا.

   لا شك أنه إذا طالبت أنالينا بربوك بهذا الموقع، فستحصل عليه. بجانب أولاف شولتز والمرشح المسيحي الديمقراطي -سواء كان أرمين لاشيت، الزعيم الجديد لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، أو ماركوس سودر، الاتحاد المسيحي الاجتماعي البافاري-ستكون أصغر امرأة وخاصة المرأة الوحيدة -بديل حقيقي لاختيار الاستمرارية مع الميركلي أرنيم لاشيت، إذا تم اختياره كمرشح، أو مع أولاف شولتز الذي لا يزال نائب مستشار الحكومة المنتهية ولايتها.
   السؤال الأول، إذن، غداة 14 مارس: من هي الشخصيات القوية التي ستنجح في الحملة القادمة وتتطلع إلى المستشارية؟ بعد أنجيلا ميركل التي لن تترشح مطلقا، لا يوجد أحد. ولا يزال المرشح الوحيد المعلن عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي متخلفًا عن الركب. ومن جهة حزب المستشارة وحزب الخضر، لا نعرف من سيكون المرشح... سؤال مفتوح.

المعركة بين
لاشيت وسودر
   سيكون الأمر صعبا على الثنائي الاتحاد المسيحي الديمقراطي - الاتحاد المسيحي الاجتماعي. كرّس لاشيت نفسه كرئيس جديد لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي، لكنه لم يبرز بعد كزعيم فعّال ومحفّز، ويعاب عليه انه يرد الفعل متأخرا جدا.
   مساء يوم 14 مارس، والفشل المزدوج لحزبه، الذي حقق أسوأ نتائج له في ولايتين كانتا لعقود من معاقل الاتحاد المسيحي الديمقراطي، لم يتحدث الزعيم الجديد أمام الكاميرات وغابت كلمات العزاء أو التشجيع عامة لاستعادة الزخم للخطوة التالية، واكتفى بملاحظة أن المستشارية لن تكون تلقائيًا من نصيب ائتلاف الاتحاد المسيحي الديمقراطي -الاتحاد المسيحي الاجتماعي. في استطلاعات الرأي، عاد هذا الائتلاف إلى مستواه المتوسط قبل الأزمة الصحية – 30 بالمائة أو أقل.

   من جانبه، سارع رئيس الاتحاد المسيحي الاجتماعي، السيد سودر، إلى استنكار “الضربة التي وجهت إلى قلب الاتحاد”، داعيا إلى بذل جهود جديدة في الأشهر الستة المقبلة مع “فريق جديد مستقبلي”، دون أن يطلب صراحةً تعديلا حكوميا.
   كان بإمكانه أن يفعل ذلك، لأن صورة هذه الحكومة، بقيادة أنجيلا ميركل، ليست جيدة. في الآونة الأخيرة، اضطر ثلاثة نواب من الاتحاد المسيحي الديمقراطي - الاتحاد المسيحي الاجتماعي إلى الاستقالة من مجموعتهم البرلمانية (استقال اثنان منهم أيضًا من ولايتهما) ومن حزبهم، لتورّطهم في قضايا شخصية تتعلق بصفقات الكمامات في سياق الأزمة الصحية، وحققوا أرباحًا شخصية ضخمة من أزمة تحاول حكومتهم ووزير الصحة، ينس سبان، احتواءها.
   ورغم إدانة هذا السلوك على الفور من قبل كل من قادة الاتحاد المسيحي الديمقراطي والاتحاد المسيحي الاجتماعي، باعتباره غير مقبول تمامًا ولا يتوافق مع منصب المنتخب، إلا أن صورة الحكومة التي تحكم بشكل سيئ قد انتصرت، لأن “قضية الكمامات” هذه تضاف إلى حالات أخرى تتعلق بالفحوصات وتنظيم التطعيم والتأخر في تنفيذ المساعدات المالية للشركات وبشكل عام إدارة الأزمة من خلال مجلس الوزراء -الرؤساء والمستشارة الذي لا يبدو أنه يتّبع أي استراتيجية متماسكة، ولا يمارس أي متابعة منسجمة للقرارات المتخذة، والتي يتم التشكيك في أسسها القانونية باستمرار. وتقول التحاليل، إن الانتخابات الإقليمية كانت مناسبة للتصويت العقابي، وكان الاتحاد المسيحي الديمقراطي، قبل غيره، من تمت معاقبته.

  مع ذلك، حافظ السيد لاشيت والسيد سودر على عزمهما الاتفاق فيما بينهما “بين عيد الفصح وعيد العنصرة” على اختيار المرشح للمستشارية. ويظهر الثاني كرجل قوي، نشط في مواجهة الأزمة، حاضر في كل مكان وفي وسائل الإعلام، لكنه زعيم حزب مقصور على بافاريا. في حين ان الأول، هو زعيم حزب الأغلبية في “الاتحاد”، وهو الذي يعرف كيف يجمّع، ويفرض الاعتدال، ويسير على خطى أنجيلا ميركل، لكنه في نفس الوقت يبدو رخوا. هذه، بالطبع، كاريكاتور، ولكن سيكون مهمّا مراقبة أداء كل منهما في الأسابيع القادمة.

أغلبية بدون الاتحاد المسيحي الديمقراطي؟
   أحد جوانب النتائج الانتخابية في الولايتين كان مفاجئًا بشكل خاص. لم تتمكن السيدة دراير فقط من الاستمرار في الحكم من خلال ما يسمى ائتلاف “إشارة المرور” -الأحمر (الحزب الاشتراكي الديمقراطي)، والأصفر (ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر)، والخضر، وبقي الاتحاد المسيحي الديمقراطي في المعارضة، ولكن، نفس هذا التحالف سيكون الآن ممكنا في شتوتغارت، حيث أعرب الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الديمقراطي الحر عن استعدادهما لتشكيل ائتلاف مع حزب الخضر. وهذه إحدى استنتاجات 14 آذار: الأغلبية بدون حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي ممكنة.
   وقد سارع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بتبنّي هذه الفكرة في حملته التشريعية، محددًا، بالطبع، أنه سيكون رئيس مثل هذه الأغلبية -وهو أمر غير مؤكد على الإطلاق. وظلت مسألة ما إذا كان مستعدًا لدخول حكومة بقيادة الخضر دون إجابة.

   السؤال الثاني: هل حكومة فيدرالية بدون حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي / الاتحاد المسيحي الاجتماعي ممكنة حقًا؟ لم يعد من الممكن استبعاد هذا. حتى السيد لاشيت والسيد سودر يحذران: لم نكسب المستشارية بعد. لذلك سيكون من الضروري أن نراقب بعناية في الأسابيع المقبلة سلوك لاشيت وسودر، وخطابات قيادة الخضر، ومواقف قادة الحزب الديمقراطي الحر.
   أخيرًا، يجب ألا ننسى أيضًا اليمين المتطرف (حزب البديل من أجل ألمانيا)، الذي فشل فعلا بتدحرجه إلى أقل من 10 بالمائة، لكنه قد يستعيد قوته في الانتخابات المقبلة يوم 6 يونيو في ولاية سكسونيا أنهالت، حيث لا يزال البديل من أجل ألمانيا هو التشكيل الثاني في البرلمان بنسبة 24 فاصل 3 بالمائة من الأصوات، وهو ليس بعيدًا عن حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي... فهل سنشهد مفاجأة أخرى؟