برلين: «النبأ السار هو أن الكرملين يريد حلاً تفاوضياً»

أوكرانيا ترفض أي حوار مع روسيا.. وترحيب واسع بمبادرة الحبوب

أوكرانيا ترفض أي حوار مع روسيا.. وترحيب واسع بمبادرة الحبوب


تسعى روسيا جاهدة إلى إيجاد “حل تفاوضي” في حربها مع أوكرانيا المستمرة منذ فبراير(شباط) الماضي، وسط تعنت ورفض من كييف لأي مبادرة، واشتراطها لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الروسية قبل إجراء أي حوار.

أتباع بوتين
ورفضت أوكرانيا تصريحات للمستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر لمجلة شتيرن الأسبوعية ومحطة آر.تي.إل/إن.تي.في، قال فيها “النبأ السار هو أن الكرملين يريد حلاً تفاوضياً”، مضيفاً “اتفاق الحبوب هو أول نجاح وقد يمتد ببطء إلى وقف لإطلاق النار».ورداً على ذلك، وصف مستشار الرئاسة الأوكراني ميخايلو بودولياك شرودر بأنه “صوت البلاط الملكي الروسي”، وأوضح أن اتفاق الحبوب لن يؤدي إلى مفاوضات، وأضاف “إذا كانت موسكو تريد الحوار فالكرة في ملعبها، أولاً وقف إطلاق النار وانسحاب القوات ثم إجراء (حوار) بناء».
وبدوره، قال وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أمس الأربعاء: “لا يوجد شيء أكثر سخرية من أتباع بوتين الذين يقولون إن روسيا مستعدة لمحادثات السلام”، مضيفاً أن القصف اليومي للأراضي الأوكرانية يشير إلى عكس ذلك، وتابع “نسمع ونرى هذا الاستعداد كل يوم في صورة ضربات المدفعية والإرهاب الصاروخي ضد المدنيين وجرائم الفظائع الجماعية، روسيا لا تزال تركز على الحرب، وأي شيء آخر هو مجرد خداع».
وفي الوقت نفسه، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمته اليومية عبر الفيديو أمس إنه “من المثير للاشمئزاز ببساطة أن يعمل القادة السابقون للدول القوية ذات القيم الأوروبية لصالح روسيا، التي تقاتل ضد هذه القيم”، على الرغم من أنه لم يذكر شرودر بالاسم.


المساعدة من الصين
ونقلت صحيفة جنوب الصين الصباحية اليوم الخميس عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قوله إن بلاده تسعى إلى فرصة للتحدث مباشرة مع نظيره الصيني شي جين بينغ، للمساعدة في إنهاء حربها مع روسيا.
وفي مقابلة مع الصحيفة، حث الرئيس الأوكراني بكين على استخدام نفوذها السياسي والاقتصادي الهائل على موسكو لوضع حد للقتال، وقال حسبما أفاد تقرير الصحيفة “إنها دولة قوية جداً واقتصادها قوي، لذا فإن بوسعها التأثير على روسيا سياسياً واقتصادياً، كما أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة».

انتقادات لشرودر
وعلى الرغم من الحرب الروسية ضد أوكرانيا، لا يرى المستشار الألماني الأسبق جيرهارد شرودر أي سبب للنأي بنفسه عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال: “لقد شجبت الحرب مراراً كما تعلمون، لكن هل سيكون الابتعاد الشخصي عن فلاديمير بوتين مفيداً حقاً لأي فرد؟، هل يجب أن أرد على كل استفزاز؟، أنا لست كذلك، اتخذت قرارات في هذا الأمر وأنا متمسك بها وأعلنت بوضوح: ربما يمكنني أن أكون مفيداً مرة أخرى، فلماذا يجب إذن أن أعتذر؟».
ويتعرض شرودر لانتقادات منذ فترة طويلة بسبب قربه من بوتين وصناعة النفط والغاز الروسية، وعندما سئل في المقابلة أنه بالنأي يمكنه على الأقل توضيح موقفه الأخلاقي، أجاب “عجباً، هذا جنون، انظر، أنا عضو في نادي للجولف بالقرب من هانوفر، اشتكى عضو آخر لأنه كان عليه أن يراني هناك من وقت لآخر، لكنني أتلقى أيضاً الكثير من الرسائل من ألمانيا التي تقول: من الجيد أنه لا يزال هناك شخص يبقي قنوات الاتصال مفتوحة مع روسيا في الصراع الحالي».
ويرى العديد من المنتقدين بمن فيهم من صفوف حزبه الاشتراكي الديمقراطي، أن شرودر لم ينأ بنفسه بما يكفي عن روسيا، وخلال الأيام المقبلة تعتزم لجنة تحكيم تابعة للحزب في منطقة هانوفر اتخاذ قرار بشأن طرد محتمل لشرودر من الحزب، ومع ذلك فإن العوائق القانونية لفرض عقوبات من الحزب على شرودر أو حتى طرده من الحزب كبيرة للغاية.

بنية أمنية
وانتقد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشدة الهيكل الأمني العالمي ووصفه بأنه غير مناسب على الإطلاق، مشيراً ليس فقط إلى الحرب في بلاده، ولكن أيضاً إلى الصراعات في البلقان وتايوان والقوقاز.
وقال في كلمته اليومية عبر الفيديو: “كل هذه المواقف تبدو مختلفة، على الرغم من أنها موحدة بعامل واحد، وهو أن البنية الأمنية العالمية لم تنجح”، متهماً روسيا مرة أخرى بـ “انتهاك القانون الدولي في غزوها غير المبرر لأوكرانيا.
ووصف زيلينسكي عام 2014 بأنه “نقطة تحول، سمح بعدها المجتمع الدولي ببساطة لروسيا بالإفلات من العقاب على أعمال غير قانونية مثل ضمها شبه جزيرة القرم أو إسقاط رحلة الخطوط الجوية الماليزية رقم 17 فوق منطقة دونباس في شرق أوكرانيا».
وأضاف “الحرب في أوكرانيا أظهرت مدى هشاشة الحرية”، مشيراً إلى أن العالم بحاجة إلى بنية أمنية عالمية فعالة تضمن عدم تمكن أي دولة من استخدام الإرهاب مرة أخرى ضد دولة أخرى، كما اتهم روسيا بالتظاهر فقط بأنها منفتحة على مفاوضات السلام، معتبراً أنه “إذا كانت موسكو تريد حقاً حلاً سلمياً للصراع، ما كانت لتعيد تجميع صفوفها حالياً في جنوب أوكرانيا».

تبادل الأسرى
وأعلن مسؤول روسي أمس أن كييف وموسكو تبادلتا أسرى وجثامين للقتلى جراء الصراع 27 مرة منذ بدء الحرب، ونقلت وكالة أنباء إنترفاكس الروسية عن نائب وزير الدفاع الروسي ألكسندر فومين قوله خلال إحاطة إعلامية أمام الملحقيات العسكرية الأجنبية: “بمشاركة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، كان من الممكن أيضاً تنظيم حوار مع كييف حول تبادل أسرى الحرب وجثث القتلى من الجنود، وقد تم تنفيذ 27 عملية من هذا القبيل حتى الآن».
وأضاف أنه تم تشكيل لجنة طبية دائمة في وزارة الدفاع الروسية لفحص المرضى والجرحى من أسرى الحرب، وتعمل اللجنة وفق التوصيات والمبادئ المستندة إلى اتفاقية جنيف.
يشار إلى أن مفاوضات تبادل الأسرى هي إحدى القنوات الدبلوماسية الأخيرة المتبقية بين موسكو وكييف بعد انهيار المحادثات بشأن التوصل إلى تسوية سلمية للصراع في أوكرانيا، حيث تمت أكبر عملية لتبادل الأسرى في يونيو(حزيران) الماضي، عندما بادل كل طرف 144 أسير حرب.
وظهرت مؤخراً عدة مقترحات لاستغلال هذه القنوات لإعادة إطلاق مفاوضات السلام، في محاولة لإنهاء القتال الذي بدأ في فبراير(شباط) الماضي عندما غزت القوات الروسية أوكرانيا، وأوضح فومين أن إخلاء مصنع أزوفستال للصلب في ماريوبول تم الاتفاق عليه أيضاً عبر هذه القناة، حيث تم الإفراج عن ما يربو على 3 آلاف شخص من بينهم مئات المدنيين، وذكر أن “العمليات كانت ذات طابع إنساني بحت».

الصراع على الغاز
ومن جهتها، أعلنت مجموعة غازبروم الروسية العملاقة للغاز أمس، أنّ استعادة توربين سيمنز الضروري لتشغيل خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 1” الذي يمدّ أوروبا بالغاز، أمر “مستحيل” بسبب العقوبات المفروضة على موسكو.
وقالت في بيان إنّ “أنظمة العقوبات في كندا وفي الاتحاد الأوروبي وفي المملكة المتحدة، إضافة إلى تناقضات الموقف الحالي في ما يتعلّق بالالتزامات التعاقدية لسيمنز تجعل من المستحيل تسليم التوربين”، وقد تزيد هذه التصريحات من قلق الدول الأوروبية التي تشتبه في أنّ موسكو تسعى إلى البحث عن حجة لتأخير عودة هذا التوربين وبالتالي لخفض إمدادات الغاز، في إطار التوترات المتصاعدة حول أوكرانيا.
وقالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي إن “إعادة التوربين إلى ألمانيا التي تنتقدها أوكرانيا بشدة قرار صعب”، وأضافت في مؤتمر صحافي في مونتريال “الرئيس فلاديمير بوتين يحاول استخدام قضية التوربين هذه كوسيلة لإثارة الخلاف بين الحلفاء داخل مجموعة السبع».
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إن “الرئيس الروسي حاول التفريق بيننا، ليست هناك فرصة ولا حتى ضئيلة أن ينجح بوتين في تقسيمنا، لقد كان من الخطأ الاعتماد على الغاز الروسي الرخيص».
كما اتهم المستشار الألماني أولاف شولتس، روسيا بأنها مسؤولة عن عرقلة تسليم توربين موجود حالياً في ألمانيا، ولا يمكن تشغيل خط أنابيب الغاز نورد ستريم بشكل طبيعي من دونه، كما تقول موسكو، وقال “لا يوجد سبب يمنع التسليم”، موضحاً أن كل ما على روسيا فعله هو تقديم المعلومات الجمركية الضرورية لنقله إلى روسيا».
ورأى أن موسكو بذلك تبعث رسالة ملتبسة إلى العالم بأسره من خلال التشكيك في رغبتها “لوفاء بالتزاماتها في المستقبل، كما فتح الباب أمام مواصلة تشغيل محطات الطاقة النووية في ألمانيا، وقال إنه “من المنطقي الإبقاء على محطات الطاقة النووية الثلاث المتبقية في ألمانيا قيد التشغيل رغم خطط وقفها».
وأكد أنه “في ما يتعلق بإمدادات الطاقة في ألمانيا، فإن المحطات النووية الثلاث الأخيرة هي فقط لإنتاج الكهرباء، وفقط لنسبة صغيرة منها”، وأوضح أنه “ليس على مشغّلي خط الأنابيب سوى القول إنهم يريدون التوربين وأن يقدموا المعلومات الجمركية الضرورية لنقله إلى روسيا».

حظر واردات الذهب
وفي سياق منفصل، حظرت سويسرا التي تضمّ عدّة معامل لصهر سبائك الذهب بدورها الواردات الروسية لهذا المعدن الثمين، وفق ما أفادت الحكومة، وقد حذا المجلس الفدرالي (الذي يقوم مقام الحكومة في سويسرا) حذو الاتحاد الأوروبي الذي فرض في 21 يوليو(تموز) الماضي، في جملة العقوبات المفروضة على موسكو منذ اجتياحها أوكرانيا، حظراً على استيراد الذهب من روسيا.
وأوضح المجلس الفدرالي في بيانه أن الحظر دخل حيّز التنفيذ أمس، وبموجب هذه العقوبات الجديدة تحظر سويسرا شراء الذهب وما أنتج منه في روسيا أو استيراده أو نقله، وتُعرف سويسرا بمواقفها الحيادية لكنها خرجت عن حيادها المعهود في الأيام التي تلت اندلاع النزاع في أوكرانيا، سائرة على خطى الاتحاد الأوروبي مع فرض عقوبات، وكان موقفها بشأن حظر واردات الذهب محطّ ترقّب شديد.

مبادرة الحبوب
وأشيد باتفاق الحبوب الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا باعتباره نصراً دبلوماسياً نادراً في خضم حرب مستمرة منذ أكثر من 5 أشهر، ولم تحرز جهود مبدئية في المراحل الأولى من الصراع أي تقدم باتجاه السلام.وغادرت السفينة رازوني ميناء أوديسا الأوكراني المطل على البحر الأسود في ساعة مبكرة من صباح يوم الإثنين الماضي، وعلى متنها 26527 طناً من الذرة متجهة إلى ميناء طرابلس اللبناني.
وقلل الرئيس الأوكراني فولوديمر زيلينسكي من أهمية تصدير أول شحنة حبوب من بلاده منذ بدء الغزو الروسي، قائلاً إن السفينة تحمل جزءاً صغيراً جداً من المحصول الذي يتعين على كييف بيعه للمساعدة في إنقاذ اقتصادها المدمر.وقال لطلاب في أستراليا عبر الإنترنت إن “هناك حاجة لمزيد من الوقت لمعرفة ما إذا كانت شحنات حبوب أخرى ستلحق بالشحنة الأولى”، وأضاف “في الآونة الأخيرة فقط، بفضل الأمم المتحدة وبالاشتراك مع تركيا، أصبح لدينا أول سفينة تنقل حبوباً، وإن كانت لا تمثل أي شيء فإننا نأمل أن يستمر هذا النشاط».وأوضح أنه يتعين على أوكرانيا، التي كانت من أكبر منتجي الحبوب في العالم قبل الحرب، تصدير 10 ملايين طن من الحبوب على الأقل للمساعدة بشكل عاجل في خفض عجز ميزانيتها البالغ 5 مليارات دولار شهرياً.

حصاد ينتظره العالم
وقال مسؤول تركي كبير إن 3 سفن قد تغادر الموانئ الأوكرانية يومياً بعد أن نجحت السفينة رازوني في مغادرة ميناء أوديسا، بينما قال وزير البنية التحتية الأوكراني إن 17 سفينة أخرى محملة بمنتجات زراعية تنتظر الإبحار.
وقال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال أمس، إن توقعات بلاده لمحصول 2022 في زمن الحرب زادت إلى 65-67 مليون طن من الحبوب مقارنة مع 60 مليون طن في السابق، وتوقعت سلطات أوكرانيا زيادة إنتاج المحاصيل خلال الموسم المقبل بنسبة 10% على الرغم من الحرب الدائرة بها، وقال وزير الزراعة الأوكراني ميكولا زولسكي إن “كييف تتوقع حصاد ما بين 65 إلى 67 مليون طن من الحبوب والبذور الزيتية، في زيادة عن التقدير الأولي الذي يشير إلى إنتاج 60 مليون طن».
وأضاف شميهال أنه تم بالفعل حصاد 12 مليون طن من المحاصيل، مشيراً إلى أنه “بالمجمل، صدرنا 3.2 مليون من بين 5 ملايين طن كانت مطلوبة في يونيو(حزيران) الماضي، وذلك في الوقت الذي تزداد فيه الصادرات تدريجياً عن طريق السكك الحديدية والطرق وموانئ الدانوب».
وفي الوقت نفسه، فإن الإفراج عن ملايين الأطنان من الحبوب التي كانت مخزنة في موانئ البحر الأسود شهد أيضاً ترحيباً واسعاً باعتباره بادرة أمل في أوكرانيا، المعروفة باسم سلة خبز أوروبا، وقال شميهال: “الموانئ البحرية توسع هذه القدرات بشكل كبير، ويحصل المزارعون على فرص جديدة لبيع منتجاتهم».وأعلن وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، أن مزيداًمن السفن المحملة بالحبوب الأوكرانية جاهزة للمغادرة، وقال في تغريدة على تويتر إن “السفن ستصل إلى عملاء أجانب وستساعد في تجنب الجوع، إذا التزمت روسيا بالتزاماتها بموجب مبادرة الحبوب التي توسطت فيها الأمم المتحدة».