بعد ستة أشهر من بدء القتال

أيــــن تتجــــه الحـــــرب في أوكـــــرانيا…؟

أيــــن تتجــــه الحـــــرب في أوكـــــرانيا…؟

- يشير السياق إلى أن أياً من الجيشين لا يملك حاليا القدرة على تحقيق تقدم باهر
- الدعم الغربي يمكن أن ينهار إذا ركد الوضع على الجبهة لفترة طويلة
- مصير أوكرانيا يتوقّف بشكل كبير على الإرادة السياسية الغربية


   هجمات مضادة أوكرانية، وجيش روسي منهك، وعقوبات اقتصادية يتأخر تأثيرها، وجمود دبلوماسي: بعد ستة أشهر من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أصبحت جميع المكونات جاهزة لحرب استنزاف “لا نهاية لها” يقول الخبراء.
   في 24 فبراير، أرسل فلاديمير بوتين عشرات الآلاف من الجنود إلى أوكرانيا، مما أدى إلى اندلاع حرب على نطاق غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية. غزو، أودى حتى الآن بحياة أكثر من 5500 مدني أوكراني وشرد أكثر من 14 مليونًا، وفق الأمم المتحدة.
   وبينما يقدر الجيش الأوكراني أنه خسر أكثر من 9 الاف جندي في القتال، فإن روسيا من جانبها “خسرت على الأرجح ما بين 70 و80 ألف جندي”، وهو عدد يشمل القتلى والجرحى، بحسب آخر الأرقام التي قدمها البنتاغون. وشهدت موسكو أيضًا تدمير جزء كبير من مواردها المادية، منها آلاف الدبابات والمعدات الثقيلة من جميع الأنواع، وفقًا لعدة مصادر غربية.

النتيجة: بعد ستة أشهر من القتال، ما زالت أوكرانيا صامدة، وروسيا تجد صعوبة في تحقيق مكاسب.
   تشارلز فيليب ديفيد، مؤسس كرسي راؤول داندوراند للدراسات الاستراتيجية والدبلوماسية، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية كوالالمبور، وإريك أويليت، الأستاذ المتخصص في القيادة العسكرية الاستراتيجية واتخاذ القرار في كلية القوات الكندية، سيساعدوننا على فهم أفضل الى أين وصلت الحرب، وخصوصا، إلى أين تتجه.

المعارك تدخل مرحلة جديدة
   تميزت الأشهر الأولى من الحرب خاصة بالهجمات الروسية، الا ان المد قد ينقلب، حيث توقف القتال على الجبهة تقريبًا.
   يفتقر الجيش الروسي إلى الطاقة، وفي نفس الوقت، يبدو أن أوكرانيا تريد أن تأخذ زمام المبادرة في القتال. وهي تستعد لشن هجمات على مدن استراتيجية معينة تسيطر عليها روسيا، ولا سيما في خيرسون، جنوب البلاد، وحتى بشكل أكثر تواضعا في خاركيف في الشمال. وإذا نجحت في الاستيلاء على هذه المدن، يمكن أن تحقق تقدمًا متواضعًا، ولكنه يثير الاهتمام في المناطق التي تسيطر عليها روسيا”، حسب تحليل إيريك أويليه.
   ويعتقد تشارلز فيليب ديفيد، أن هذه الهجمات، بالإضافة إلى تلك التي نفذتها القوات الأوكرانية في شبه جزيرة القرم في الأسابيع الأخيرة، يمكن أن “تخلط أوراق روسيا” وتجبرها على إعادة تحديد أهدافها.
   ويرى الباحث ان “فلاديمير بوتين يدرك جيدًا أن هدفه الأولي، الذي يتمثل في الاستيلاء على أكبر قدر من الأراضي، أصبح بعيد المنال، بل وحتى انتحارا. ولذلك سيسعى إلى ترسيخ مكاسبه بدلاً من تسريع تقدمه».
   سياق، لن يمنع الهجمات المستهدفة على أي من الجانبين، لكنه يشير إلى أنّ أيّا من الجيشين لا يملك حاليا القدرة على تحقيق تقدم كبير.

الأسلحة الغربية مسألة حياتية لأوكرانيا
     ويشير الخبراء إلى أن مصير أوكرانيا يتوقّف بشكل كبير على الإرادة السياسية الغربية.
   «لا شك أن كييف استطاعت الوقوف في وجه موسكو إلى حد كبير بفضل المساعدة العسكرية من حلفائها. لذلك ستكون أوكرانيا قادرة على الدفاع عن نفسها طالما استمرت في تلقي هذه المساعدة، ولكن هذا هو ضعفها ايضا”، يقول إيريك أويليت.
   ومع ذلك، فإن هذا الدعم يمكن أن ينهار إذا ركد الوضع على الجبهة لفترة طويلة، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوينزلاند، تشارلز فيليب ديفيد.
   لا تزال أوكرانيا القضية الأولى بالنسبة لحلفائها، لكن هذا قد يتغير. عندما تستمر النزاعات وتصبح مجمدة، فإنها تبدأ في دخول غياهب النسيان... وهذا ما يحدث دائما».

   ويبدو أن روسيا تريد المراهنة على تجميد القتال، يعتقد إيريك أويليه.
    «ترسل روسيا أفضل قواتها حيث يبدو أن أوكرانيا تريد التقدم وتستبدلهم بقوات أقل جودة حيث لا تشعر بالتهديد. لذلك لن تكون للروس القدرة على المضي قدمًا وهم يعرفون ذلك. وأعتقد أن هذا يظهر أنهم يستعدون لتجميد القتال على أمل أن تتنازل أوكرانيا في نهاية المطاف عن أراض».
   هذا الأسبوع، أصر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أيضًا، على أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى للتفاوض مع أوكرانيا من أجل تجميد الجبهة واستعادة الأنفاس.

العقوبات الاقتصادية تضر بالجيش الروسي
     ومع ذلك، فإن إطالة أمد الصراع لن يكون بالضرورة لصالح موسكو. وحتى لو كانت آثار العقوبات الاقتصادية التي اتخذت ضدها بطيئة في هزّها، فإنها تسبب صداعا لقواتها، يؤكد الأستاذ في الكلية العسكرية، إيريك أويليت.
   ويشير الى ان “صعوبة استيراد القطع الإلكترونية تؤثر على إنتاج الأسلحة، بما في ذلك المدرعات والعربات الثقيلة والصواريخ الموجهة، وهذه مشكلة، لأن روسيا خسرت الكثير منذ بداية الصراع».
   ومع ذلك، يوضح إيريك أوليه، أنه إذا كان هدف موسكو هو تجميد القتال فعلا، فيمكن لجيشها تحقيق ذلك بأسلحة أقل جودة.   لكن تشارلز فيليب ديفيد لا يتزحزح: ستؤدي العقوبات في النهاية إلى الإضرار بالاقتصاد الروسي.
   «لم ينهر الروبل وقد لا ينهار أبدًا. ومع ذلك، أعتقد أن العقوبات على تصدير الموارد الطبيعية، وخاصة الغاز، ستؤدي في النهاية إلى ضرر. لا توجد جبهة موحدة في الوقت الحالي، لأن بعض الدول الأوروبية، وخاصة ألمانيا، بحاجة إلى هذه الموارد على المدى القصير. لكن على المدى الطويل، أعتقد أن هناك رغبة حقيقية لإغلاق الحنفية. ويبقى أن نرى ما إذا كان الدعم الاقتصادي من دول مثل الصين والهند سيكون كافياً لروسيا «.

لا تزال مخاطر التصعيد تلوح في الأفق
    وبما أن نهاية الصراع لا تزال بعيدة جدًا، تظل مخاطر التصعيد في الأشهر المقبلة قائمة إلى حد كبير.
   وماذا عن التهديد النووي الذي لوحت به روسيا في بداية الصراع؟ إنه ضعيف الآن، يقول الأستاذ في كلية القوات الكندية، إيريك أويليت، مشيرا الى ان “استخدام الأسلحة النووية سيغير بشكل كبير طبيعة الحرب، وسيكون بمثابة دعوة للغرب، وهذا هو آخر شيء تحتاجه روسيا الآن».   إن القلق الرئيسي يتعلق بمحطة زابوريجيا للطاقة النووية، وهي الأكبر في أوروبا. ويشير تشارلز فيليب ديفيد إلى أن الجيش الروسي، الذي يسيطر على المحطة منذ شهور، يستخدمها لشن هجمات ضد القوات الأوكرانية القريبة، مما يثير مخاوف من وقوع حادث نووي. ولهذا السبب، يعتقد أن “الخطر النووي لا يزال مرتفعا».
   «لم نصل إلى نهاية مفاجآتنا”... يختم تشارلز فيليب ديفيد.