البوسنة والهرسك تترنّح:

أيّ سيناريوهات في مواجهة صعود الانفصاليين...؟

أيّ سيناريوهات في مواجهة صعود الانفصاليين...؟

-- يمكن للبعض استغلال الانحرافات الناشئة عن اتفاقية دايتون، غير أن هذه الاتفاقات تظل الحصن ضد أي انحراف شديد
-- تحتاج البوسنة إلى التطلع إلى المستقبل، وليس إلى الماضي، وإلى المصالحة وليس إلى تفاقم العداوات
-- حتى لو تم تقليصها إلى وجود رمزي، تحتفظ القوة الأوروبية بتأثير رادع


    في 9 يناير، تم الاحتفاء بالذكرى الثلاثين لجمهورية البوسنة الصربية بحضور القوميين الروس والأوروبيين، وبقيادة المايسترو ميلوراد دوديك، العضو الحالي في الرئاسة البوسنية الثلاثية.    وبالنظر إلى الماضي الحزين لبلد شهد صدام مجتمعاته المختلفة، يخشى البعض العودة إلى العنف. فإلى أي مدى يمكن أن تذهب انفصالية جمهورية صربسكا في طموحاتها؟ وما هي عواقب مثل هذه الخطوة على البلقان؟ قراءة في الأوضاع مع هنري زيبر دي فابياني، باحث مشارك في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، ودبلوماسي سابق.

   *لماذا محتوى احتفال 9 يناير هذا مثير للقلق؟
   - لا يسعنا إلا أن نقلق ازاء أحد أعراض الجمود وحتى التراجع: تحتاج البوسنة والهرسك إلى التطلع إلى المستقبل، وليس إلى الماضي، وإلى المصالحة وليس إلى تفاقم العداوات. لا يمكن الاستخفاف بالاستحضار المشؤوم لإحدى الحلقات التي أدت قبل ثلاثين عامًا إلى الحرب والى حصار سراييفو، رغم التدخلات المروعة للميليشيات التي تجتذب الصائدين في المياه العكرة القادمين من روسيا أو من أماكن أخرى.

   خصوصا، أن هذا الاحتفال محزن في حد ذاته، لأنه يوضح مدى رفض جزء كبير من الطبقة الحاكمة في البوسنة والهرسك بناء بلد وفقًا لسيادة القانون، وخدمة لرفاهية الشعب. ان ميلوراد دوديك هو نموذج اقصى الى حد الكاريكاتير للمصلحة الذاتية والفساد. فالدولة الوظيفية لا تهمه، بل على العكس تمامًا: رغم انه عضو في الرئاسة الجماعية لجمهورية البوسنة والهرسك، فإن لا هدف له سوى إضعاف الدولة المركزية. والأكثر إثارة للقلق، هو أن جمهورية صربسكا تعلن هدفها المتمثل في تفكيك بعض ما سجل من تقدم تم إحرازه منذ اتفاقيات دايتون، ولا سيما إنشاء جيش جمهوري للبوسنة والهرسك واختفاء جيوش الكيانات.

   *في عملية لي ذراع مع المؤسسات المركزية للبوسنة والهرسك، هل يستطيع القوميون الصرب تحقيق طموحهم في إعادة التوحيد مع صربيا؟ وبأية عواقب؟
   - لا ينبغي الخلط بين رغبة جمهورية صربسكا في الانفصال والتوحيد المحتمل لصرب البوسنة والهرسك مع صربيا. لن يكون الخيار الثاني في مصلحة صربيا، المرشحة الجادة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والتي تحافظ فرنسا معها على حوار مستمر. وتشهد على ذلك زيارة وزير خارجيتها لباريس منتصف ديسمبر المنقضي. وقد حيا وزير الخارجية الفرنسي لو دريان بهذه المناسبة افتتاح مجموعة فصول بهدف التحضير للعضوية (الأجندة الخضراء والاتصال): فما هي الفائدة التي ستجدها بلغراد في تقويض هذه العملية من خلال التعاون مع سياسيين قوميين من بانيا لوكا؟

   كما أنه لا يوجد سبب جاد للاعتقاد بجدوى وإمكانية تحقيق سيناريو انفصالي خالص من شأنه أن يؤدي إلى انهيار البوسنة والهرسك. تظل سلامة هذه الاخيرة وسيادتها مضمونة باتفاقات دايتون التي وقعتها الدول الثلاث المعنية (البوسنة والهرسك، وكرواتيا، وصربيا) والكيانان المكونان للبوسنة والهرسك، مع شهود، فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا وعقوبة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وحتى لو تم تقليصها إلى وجود رمزي، تحتفظ القوة الأوروبية (يوفور) بتأثير رادع.

  يمكن للحركات القومية المحلية، فضلاً عن المناورات الغامضة المرتبطة بقوى من خارج البلقان، أن تستمر في استغلال الانحرافات الناشئة عن اتفاقية دايتون، غير ان هذه الاتفاقات تظل بمثابة حصن ضد أي انحراف شديد.

   *فرضت الولايات المتحدة للتو عقوبات على ميلوراد دوديك لأنه يهدد استقرار المنطقة. هل هذه العقوبات كافية؟ وهل نتوقع ردة فعل روسي لدعم دوديك؟ وعلى نطاق أوسع، هل يثير استعراض القوة هذا قلق ما يسمى بالمجتمع الدولي، وأوروبا على وجه الخصوص؟
   - لا يمكن استبعاد عقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي. وهي عقوبات يمكن أن تكون رادعة شريطة أن تستهدف القادة الفاسدين الذين تعتبر ثروتهم مظهرا من مظاهر حكم الكليبتوقراطية التي يعاني منها السكان. علاوة على ذلك، ستواصل القوى خارج غرب البلقان محاولة استغلال الوضع: روسيا، ولكن أيضًا تركيا أو الصين.

   مع شركائها في الاتحاد الأوروبي، اختارت فرنسا، اتباع مقاربة منهجية وبنّاءة تهدف إلى هيكلة أفضل لتقدم دول غرب البلقان الست في تقاربها مع أوروبا. هذه العملية متطلبة ومكلفة لكل منها، كما انها تشدّد على التعاون داخل المنطقة. والمؤتمر الذي سيتم تنظيمه تحت الرئاسة الفرنسية، في يونيو 2022، يجب أن يوفر آفاقًا أكثر تحفيزًا من العقوبات.
   بعد قولي هذا، يجب ألا نقلل من قدرة الخارج، مدعوما بقوات مغمورة في أعماق البلاد، على الأذى. ومع شركائها، تسعى فرنسا جاهدة لتحديد شخصيات مستقبلية، تظل نادرة جدا، والتي يمكن أن تشكل في نهاية المطاف أرضًا خصبة قادرة على ضمان جيل جديد من المواطنين قادر على تهميش القوى القومية. التحدي هائل، لكن هناك بصيص أمل.

عن موقع معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية