إجلاء أم تواطؤ سياسي.. تطورات جديدة في قضية التمويل الليبي لساركوزي
تنظر محكمة فرنسية في قضية ألكسندر جوهري، المتهم بأداء دور محوري في تمويل ليبي مزعوم لحملة نيكولا ساركوزي الرئاسية عام 2007. في مشهد أقرب إلى أفلام الجاسوسية، وخلال المعركة الرئاسية الفرنسية لعام 2012، غادر بشير صالح، أحد أبرز رجال نظام القذافي، الأراضي الفرنسية على متن طائرة خاصة، في عملية إجلاء مثيرة للجدل، وسط تساؤلات حول تورط شخصيات سياسية وأمنية نافذة.
وبعد أكثر من عقد، تعود القضية إلى الواجهة مع محاكمة جوهري، إذ تكشف خفايا هذه العملية الغامضة، وسط اتهامات بتمويل سري لحملة ساركوزي؛ فهل كان مجرد خروج آمن لصديق قديم، أم محاولة متعمدة لطمس أدلة محرجة؟
خصصت جلسة يوم الاثنين الماضي للنظر في دور بشير صالح، المسؤول المالي لنظام القذافي، الذي يُحاكم غيابيًا، وتؤكد جهات الادعاء أن القضية لا تتعلق فقط بمساعدة «صديق» لفرنسا، بل بإجلاء شخصية تمتلك أسرارًا قد تكون محرجة.
وفي 3 مايو/أيار 2012، وبين جولتي الانتخابات الرئاسية الفرنسية، أقلعت طائرة خاصة من مطار لو بورجيه في ضواحي باريس نحو وجهة غامضة.
وكانت الطائرة من طراز «فالكون 7 إكس»، ولم يكن على متنها سوى راكب واحد، بشير صالح، المسؤول المالي البارز في نظام القذافي، الذي كان مطلوبًا بموجب إشعار أحمر من الإنتربول، وفقًا لمحطة «فرانس إنفو» الفرنسية.
عملية إجلاء
أم تواطؤ سياسي؟
استُؤجرت الطائرة من قبل ألكسندر جوهري، الوسيط المثير للجدل ذي العلاقات القوية داخل أوساط السلطة الفرنسية، خاصة في التيار اليميني، واليوم، بعد 13 عامًا، يقف جوهري أمام القضاء في محاكمة تركز على شبهات تمويل ليبي لحملة ساركوزي عام 2007. وبينما لا يزال بشير صالح، البالغ 79 عامًا، هاربًا، يحاول جوهري الدفاع عن دوره في عملية الإجلاء السريعة.
وبحسب الادعاء، أدى صالح دورًا محوريًا في «اتفاق الفساد» بين ساركوزي والقذافي، نظرًا لامتلاكه معلومات دقيقة عن الأموال التي يُزعم أنها دُفعت للحملة الانتخابية.
روايتان متناقضتان
رغم أن بشير صالح كان يتنقل بحرية داخل فرنسا، تغير الوضع بعد أن نشرت منصة «ميديا بارت» تقريرًا في أبريل/نيسان 2012، زُعم فيه وجود وثيقة تؤكد تمويل حملة ساركوزي من قبل القذافي، موقعة من رئيس المخابرات الليبية وموجهة إلى صالح. وقد أنكر ساركوزي صحة الوثيقة، لكنه أعلن أنه في حال كان صالح مطلوبًا، فسيتم تسليمه للإنتربول، ما عجّل بالتحرك.
في 3 مايو/أيار 2012، التقى جوهري صالح، وبرنارد سكوارسيني، المدير السابق للمخابرات الفرنسية، لمناقشة وضع صالح.
وبينما يرى القضاة أن الاجتماع تم «تحت برج إيفل»، يصر جوهري على أنه جرى في فندق شانغري-لا، على بعد 700 متر.
وأضاف أن صالح هو من طلب المغادرة، مدعيًا أن السبب كان «لمساعدة رئيس النيجر»، الذي كان يخشى تداعيات انهيار ليبيا على بلاده. أما وجود سكوارسيني، فيبرره جوهري بأن صالح كان «مصدرًا مهمًا في مكافحة الإرهاب».
وعندما استفسرت المحكمة عن كيفية تمكن صالح من السفر بحرية رغم إشعار الإنتربول، رد جوهري قائلاً: «لا توجد رقابة مشددة على الطائرات الخاصة».
وأوضح أن صالح استخدم اسمه الحقيقي لتجنب اعتراضه من قبل أي فصيل ليبي عند وصوله إلى نيامي.
أسرار أم «قصص
لا أهمية لها»؟
وواصلت المحكمة استجواب جوهري حول احتمال امتلاك صالح أسرارًا حساسة، لكنه رد قائلاً: «كانت لديه أسراره الخاصة»، دون الإشارة إلى أي معلومات تتعلق بساركوزي، ومع ذلك، لم يقتنع الادعاء، مشيرًا إلى احتمال أن يكون خروج صالح مرتبطًا بضغط سياسي لمنع كشف تمويل الحملة.
وبعد وصوله إلى النيجر، انتقل صالح لاحقًا إلى جنوب أفريقيا، إذ نجا عام 2018 من محاولة اغتيال غامضة، وبينما يؤكد محاموه أن الحادث كان «هجومًا مدبرًا»، يقلل جوهري من أهميته، زاعمًا أنه كان مجرد «سرقة مسلحة عادية».
واليوم، يبقى بشير صالح مختبئًا في مكان مجهول، ويرفض العودة إلى فرنسا لأسباب أمنية، أما جوهري، فيعد القضية مجرد «قصص لا أهمية لها» وفق تعبيره. ومع استمرار المحاكمة، يجري ترقب شهادة نيكولا ساركوزي خلال الأيام المقبلة، إذ قد تكشف الجلسات تفاصيل جديدة تهدد بإعادة خلط أوراق المشهد السياسي الفرنسي.