عندما يصبح الجديد قديمًا:
إسبانيا: هل خسر بوديموس روحه على طريق السلطة؟
-- ذهب إغليسياس لتغيير النظام، فقام النظام بتغييره لقــد حولــه إلى بيروقـراطـي من «الطبقــة المغلقـة»
-- تخلى بوديموس عن فكرة أن يكون حركــة ليتحول إلى حزب كلاسـيكي
-- منذ ديسمبر 2015، أصبح من المستحيل على الاشتراكيين تشكيل حكومة دون اتفاق مع بوديموس
-- أصبحت القواعد الإيديولوجية أكثر مرونة تدريجياً، ووضعت جانبا المقترحات الأكثر جذرية
-- عندما أدرك إغليسياس أنهم لن يتفوقوا على الحزب الاشتراكي، فرض استراتيجيته الخاصة: التعاون معه
المساواة، الاندماج، البيئة. كان من الممكن أن يواجهوا التحديات الكبرى لعصرنا. فقد كان لبوديموس ما يلزم، الفكر الاجتماعي وتجديد الأجيال، ولم نفعل ذلك”. أرييل جيريز صارم مع الحزب الذي ساهم في تأسيسه عام 2014. في اعقاب حركة الساخطين، في إسبانيا، التقطت مجموعة من المثقفين الشباب حالة التعطش للعدالة الاجتماعية، ووعدت بـ “تغيير النظام”، وممارسة السياسة بشكل مختلف، وإعادة السلطة للمواطنين. وبعد ست سنوات، قلب بوديموس المشهد السياسي في البلاد رأسا على عقب: لقد دخل الحكومة مؤخرا، وحوّل سياسات الاشتراكيين إلى اليسار، ولكن ما الذي تبقى من روح الساخطين؟ سياسياً، حقق هذا الحزب اليساري الراديكالي إنجازاً: وضع خمسة وزراء من صفوفه، من بين اثنين وعشرين، في الحكومة الائتلافية بقيادة الاشتراكي بيدرو سانشيز منذ يناير. “الشيوعيون، من خلال اليسار الموحد، مجموعات كبيرة على يسار الاشتراكية قبل عام 2014، حاولوا فعل نفس الشيء منذ عقود ولم يحققوا ذلك أبدًا، يُذكّر جايمي فيري دورا، مدير قسم العلوم السياسية في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، في حين “فعل بوديموس ذلك، في؟ خمسة؟ ست سنوات؟”
بابلو إغليسياس، الذي يقود الحزب كملك مطلق، هو اليوم النائب الثاني لرئيس الحكومة، ووزير الحقوق الاجتماعية، وأجندة 2030.
وكان على الحزب أن يعقد مؤتمره الثالث، فيستا أليغري 3، في 21 مارس، ولكن تم إلغاؤه بسبب جائحة كورونا فيروس. الفرصة مع ذلك سانحة للتقييم.
طريق طويلة
إلى قمة الدولة
كان المسار طويلا ومتعرجًا للوصول إلى هناك. تمت الدعوة للانتخابات العامة في 10 نوفمبر لمواجهة الانسداد الناتج عن نتائج الانتخابات التي قبلها، أبريل 2019. طالب بوديموس بدخول الحكومة الا ان بيدرو سانشيز، زعيم الحزب الاشتراكي الإسباني، لا يريد، رغم أن نتائج الاقتراع جعلت أصوات هذا الحزب ضرورية لتنصيب الاشتراكي... لم يتم التوصل إلى اتفاق، وامتنع بوديموس عن التصويت.
ليست هذه هي المرة الأولى التي ترفض فيها كتائب بابلو إغليسياس ترشيح الزعيم الاشتراكي. بعد الانتخابات العامة لعام 2015، سبق لهم ان صوتوا ضد اقتراح الحزب الاشتراكي، الذي قدم حكومة ائتلافية مع حزب يمين الوسط سيودادانوس.
وهنا ايضا، أجبر المأزق الإسبان على العودة إلى صناديق الاقتراع عام 2016.
ومنذ 20 ديسمبر 2015، أصبح من المستحيل على الاشتراكيين تشكيل حكومة دون اتفاق مع بوديموس. ففي ذاك اليوم، سجل حزب اليسار الراديكالي دخولا مدويا الى مجلس النواب... تسعة وستون مقعدًا من أصل 350.
ومع حزب سيودادانوس الشاب، أربعون نائبا، حطما الثنائية الحزبية التي كانت القاعدة. وحينها لم يطفئ بوديموس حتى شمعته الثانية.
ولد في يناير 2014، صنع الحزب مفاجأة في الانتخابات الأوروبية في نفس العام. وبإمكانيات محدودة للغاية، حصل على أكثر من مليون صوت، وأرسل خمسة نواب أوروبيين إلى برلمان ستراسبورغ.
وهكذا، أصبح بوديموس احدى الظواهر السياسية في تلك اللحظة، واكتسح صناديق الاقتراع.
«الساخطون»
أسطورة تأسيسه؟ حركة 15 مايو، وتسمى أيضًا حركة الساخطين. عام 2011، وضعت الأزمة الاقتصادية، التي اندلعت قبل ثلاث سنوات، إسبانيا على صفيح ساخن. أكثر من 40 بالمئة من البطالة بين الشباب، وتصاعد عمليات الإخلاء من السكن، وتوسع رقعة الفقر ... في 15 مايو 2011، بمناسبة مظاهرة أخرى ضد التقشف، قرر البعض احتلال الساحة الضخمة بويرتا ديل سول، في وسط مدريد، لليلة واحدة، ثم ليلتين، ثم عدة ليالٍ أخرى. انهم يدينون الثنائية الحزبية، ويتهمون الفساد والمصارف، بمصادرة صوتهم، والتسبب في تفقيرهم... إنهم يطالبون بديمقراطية أكثر تشاركية، ونظام أكثر عدالة، وكانوا مصدر الهام لحركة “ليلة وقوف” في فرنسا.
«كانت النواة المؤسسة لبوديموس، مجموعة من الأكاديميين من كلية العلوم السياسية في جامعة كومبلوتنسي”، يوضح مانويل ألفاريز تارديو. أستاذ تاريخ بجامعة خوان كارلوس بمدريد، قاد هذا الاخير فريقًا بحثيًا مكونًا من ثمانية أشخاص لتأليف كتاب يتتبع تاريخ بوديموس، من الأصول إلى صيف عام 2019: “بوديموس، عندما يصبح الجديد قديمًا”. “شارك بعضهم في حركة 15 مايو، وأدركوا أنها فرصة لبناء بديل سياسي. في البداية، قدموا أنفسهم كمنظمة سياسية مختلفة وجديدة جذريًا، وبهيكلة افقية».
مثاليو فالسين
هذه القصة هي أيضًا قصة مجموعة من الأصدقاء من جامعة كومبلوتنسي، معظمهم من الأساتذة الشباب.
من اليسار، يحلم هؤلاء المثقفون بتغيير العالم، ودون إدراك منهم، وضعوا أسس حزب سيدخل التاريخ. أرييل خيريز، طرف في المجموعة، يتذكر قائلاً: “لقد عملنا معًا في كلية العلوم السياسية، وخاصة في الأكاديمية النقدية، التي نتقاسمها مع “خوان كارلوس” مونديرو، وبابلو “إغليسياس”، وإنيغيو “إريخون” وكارولينا “بيسكانسا”. وإلى جانب لويس أليغري، هذه الأسماء الأربعة، هي أسماء القادة الخمسة الرئيسيين للحزب عند تأسيسه.
في عطلة نهاية الأسبوع، تجتمع المجموعة بأكملها في فالسين، وهي بلدة ريفية ليست بعيدة عن مدريد، حيث لجيريز منزل. يناقش أعضاؤها السياسة، ويعيدون تشكيل العالم، جالسين في المطعم الأرجنتيني “فندق العم بيبي”. في فصل الشتاء، يذهب آرييل جيريز للتزلج مع بابلو إغليسياس وإينيغو إريخون، وهما صديقان لا يفترقان في ذلك الوقت. في بدايتهم، “كان لهم خطاب ما بعد الماركسية، وشعبوي، أنهم ضد نظام التجارة الحرة المعولم، وضد الملكية الخاصة، يوضح مانويل ألفاريز تارديو، كانوا يعتزمون تجاوز الديمقراطية التمثيلية لإقامة ديمقراطية “حقيقية”، إنهم معادون للرأسمالية، بمعنى أن الديمقراطية يجب أن تكون بالنسبة لهم وسيلة لبناء مجتمع أكثر مساواة «.
ينتقدون دون كلل النخب السياسية والإعلامية والاقتصادية، التي يطلق عليها إغليسياس اسم “الطائفة المغلقة”، تعبير سيستخدمه لاحقا جان لوك ميلينشون في فرنسا.
تتالت النجاحات الانتخابية، ويعتقد أرييل جيريز انه “كان هناك شعور بإمكانية فتح ديناميكية تغيير يمنعها النظام القائم”. ويتمثل حلمهم في: تجاوز الحزب الاشتراكي ليصبحوا مركز ثقل اليسار ... لكن المعجزة لم تحدث أبداً.
«عندما أدرك إغليسياس أنهم لن يتجاوزوا الحزب الاشتراكي، فرض استراتيجيته الخاصة: التعاون مع الحزب الاشتراكي “، يطور مؤلف الكتاب عن تاريخ الحزب.
سيطرة إغليسياس
على الحزب
سيطر بابلو إغليسياس تدريجياً، وقد أطاح بمنافسيه الواحد تلو الآخر، وضمن ولاء قواته. وقام الحزب بتجنيد شباب يتعاونون معه، لا خبرة ولا قيم سياسية لهم، لكنهم طيّعون. واصبحت مؤتمرات بوديموس مناسبة لتصفية حسابات دموية، حيث يتم “التحكم في نتائجها من الألف إلى الياء”، وفق مانويل ألفاريز تارديو.
“خلال عملية مأسسة الحزب، رأينا كيف تغيرت قواعد اللعبة بطريقة محسوبة وقحّة”، يؤكد أرييل جيريز.
داخليا، اثارت التعددية الصراعات. يدعم “الايروخونيون”، إينيغو إريخون، وخطابه المعتدل واستعداده للتفاوض مع الحزب الاشتراكي. من جانبهم، يدعم “البابلويون”، بابلو إغليسياس وخطابه الراديكالي، الذي يدعو إلى معارضة الاشتراكيين.
تم حل النزاع أمام النشطاء في مؤتمر فيستا أليغري 2 عام 2017. ويمثل هذا التاريخ الاستيلاء النهائي على بوديموس من قبل زعيمه الحالي. “لقد قدمنا مشهد توظيف التوترات الداخلية في وسائل الإعلام بطريقة غير مسؤولة، مع سياسة هروب همجية “....” ربما كان تحدي إينيغو خاطئا، لكن قطع رأس شخص مثل كارولين ... “، يأسف الرجل الذي كان يتقاسم معهم دون حدود كل ما يرد في مناقشاتهم.
عزف كل على وتره منفردا وغنّى على ليلاه. وتم الكشف عن خريطة طريق كارولينا بيسكانسا لإسقاط إغليسياس وجلوس إينيغو إريخون على العرش، وقد أصبح الرجل الثاني، من قبل الصحافة عام 2018.
لم تعد بوديموس مجموعة من الأصدقاء يتحدثون عن السياسة في “فندق العم بيبي”، إنها آلة كبيرة تستحوذ على الكثير من السلطة ولها نواب في البرلمان. بين 2016 و2017، كان أرييل جيريز في لجنة السياسة الزراعية بالنظر الى تكوينه في مجلس النواب. “كنا بين الستين والثمانين في الفريق، الا ان القرارات اتخذت من قبل مجموعة من ستة أشخاص. كان من المستحيل عليهم استيعاب الأجندة التي أنتجها حزب لديه تنسيقيات في جميع أنحاء البلاد! كانت لدينا الوسائل والأشخاص المؤهلين والأفكار لتطوير عمل أوسع بكثير، لكنهم فضلوا منطق الهيمنة، متعللين بأفق خوض انتخابات مقبلة «.
إن مناورات سيد بوديموس تضعف الحزب، لكنها تعزز سلطته ومكانته. شيئًا فشيئًا، يدخل الحزب المولود من رحم حركة 15 مايو الصفوف: “إنهم يتخلون عن فكرة أن يكونوا حركة، ليتحولوا إلى حزب كلاسيكي”، يحلل الأكاديمي الذي تتبع تاريخ التنظيم. لقد أصبحت القواعد الإيديولوجية أكثر مرونة تدريجياً، ووضعوا جانبا مقترحاتهم الأكثر جذرية، وتركوا فكرة تجاوز الديمقراطية الحالية والتجارة الحرة... إنهم يريدون اليوم تغييرها أو تجاوزها بسياسات يومية «.
يراهن بابلو إغليسياس نفسه على التعاون مع الحزب الاشتراكي، بعد أن رفض هذا الخيار لفترة طويلة. “إنه متأكد الآن، من عدم وجود أصوات ناقدة داخل الحزب اذ سبق له ان عزز سلطته داخل بوديموس.»
من بين القادة الخمسة عند الانطلاق، بقي واحد فقط. “من حيث الحسابات الأنانية الصغيرة، لم أر فرقا بين اليسار واليمين”، يتحسّر آرييل جيريز. بالنسبة لي، يجب أن يكون هناك فرق. هل هي مشكلة الطبيعة البشرية؟ “ في مقال رأي بتاريخ 10 مايو، كتب صحفي من صحيفة الباييس اليومية: “ذهب إغليسياس لتغيير النظام، فقام النظام بتغييره... لقد حوله إلى بيروقراطي من “الطبقة المغلقة».
ربما... ولكن بالنسبة لمدير قسم العلوم السياسية في كومبلوتنسي، وهو شاهد مميز على هذه المغامرة، “من حركة 15 مايو انبثق حزب سمح بالمشاركة السياسية. وتطوّر تشكيلات أخرى، بقيت على الهامش، أفكارا ورؤى مثيرة للاهتمام، غير ان افكارها لا تملك تأثيرا كبيرا على المجتمع».
-- تخلى بوديموس عن فكرة أن يكون حركــة ليتحول إلى حزب كلاسـيكي
-- منذ ديسمبر 2015، أصبح من المستحيل على الاشتراكيين تشكيل حكومة دون اتفاق مع بوديموس
-- أصبحت القواعد الإيديولوجية أكثر مرونة تدريجياً، ووضعت جانبا المقترحات الأكثر جذرية
-- عندما أدرك إغليسياس أنهم لن يتفوقوا على الحزب الاشتراكي، فرض استراتيجيته الخاصة: التعاون معه
المساواة، الاندماج، البيئة. كان من الممكن أن يواجهوا التحديات الكبرى لعصرنا. فقد كان لبوديموس ما يلزم، الفكر الاجتماعي وتجديد الأجيال، ولم نفعل ذلك”. أرييل جيريز صارم مع الحزب الذي ساهم في تأسيسه عام 2014. في اعقاب حركة الساخطين، في إسبانيا، التقطت مجموعة من المثقفين الشباب حالة التعطش للعدالة الاجتماعية، ووعدت بـ “تغيير النظام”، وممارسة السياسة بشكل مختلف، وإعادة السلطة للمواطنين. وبعد ست سنوات، قلب بوديموس المشهد السياسي في البلاد رأسا على عقب: لقد دخل الحكومة مؤخرا، وحوّل سياسات الاشتراكيين إلى اليسار، ولكن ما الذي تبقى من روح الساخطين؟ سياسياً، حقق هذا الحزب اليساري الراديكالي إنجازاً: وضع خمسة وزراء من صفوفه، من بين اثنين وعشرين، في الحكومة الائتلافية بقيادة الاشتراكي بيدرو سانشيز منذ يناير. “الشيوعيون، من خلال اليسار الموحد، مجموعات كبيرة على يسار الاشتراكية قبل عام 2014، حاولوا فعل نفس الشيء منذ عقود ولم يحققوا ذلك أبدًا، يُذكّر جايمي فيري دورا، مدير قسم العلوم السياسية في جامعة كومبلوتنسي بمدريد، في حين “فعل بوديموس ذلك، في؟ خمسة؟ ست سنوات؟”
بابلو إغليسياس، الذي يقود الحزب كملك مطلق، هو اليوم النائب الثاني لرئيس الحكومة، ووزير الحقوق الاجتماعية، وأجندة 2030.
وكان على الحزب أن يعقد مؤتمره الثالث، فيستا أليغري 3، في 21 مارس، ولكن تم إلغاؤه بسبب جائحة كورونا فيروس. الفرصة مع ذلك سانحة للتقييم.
طريق طويلة
إلى قمة الدولة
كان المسار طويلا ومتعرجًا للوصول إلى هناك. تمت الدعوة للانتخابات العامة في 10 نوفمبر لمواجهة الانسداد الناتج عن نتائج الانتخابات التي قبلها، أبريل 2019. طالب بوديموس بدخول الحكومة الا ان بيدرو سانشيز، زعيم الحزب الاشتراكي الإسباني، لا يريد، رغم أن نتائج الاقتراع جعلت أصوات هذا الحزب ضرورية لتنصيب الاشتراكي... لم يتم التوصل إلى اتفاق، وامتنع بوديموس عن التصويت.
ليست هذه هي المرة الأولى التي ترفض فيها كتائب بابلو إغليسياس ترشيح الزعيم الاشتراكي. بعد الانتخابات العامة لعام 2015، سبق لهم ان صوتوا ضد اقتراح الحزب الاشتراكي، الذي قدم حكومة ائتلافية مع حزب يمين الوسط سيودادانوس.
وهنا ايضا، أجبر المأزق الإسبان على العودة إلى صناديق الاقتراع عام 2016.
ومنذ 20 ديسمبر 2015، أصبح من المستحيل على الاشتراكيين تشكيل حكومة دون اتفاق مع بوديموس. ففي ذاك اليوم، سجل حزب اليسار الراديكالي دخولا مدويا الى مجلس النواب... تسعة وستون مقعدًا من أصل 350.
ومع حزب سيودادانوس الشاب، أربعون نائبا، حطما الثنائية الحزبية التي كانت القاعدة. وحينها لم يطفئ بوديموس حتى شمعته الثانية.
ولد في يناير 2014، صنع الحزب مفاجأة في الانتخابات الأوروبية في نفس العام. وبإمكانيات محدودة للغاية، حصل على أكثر من مليون صوت، وأرسل خمسة نواب أوروبيين إلى برلمان ستراسبورغ.
وهكذا، أصبح بوديموس احدى الظواهر السياسية في تلك اللحظة، واكتسح صناديق الاقتراع.
«الساخطون»
أسطورة تأسيسه؟ حركة 15 مايو، وتسمى أيضًا حركة الساخطين. عام 2011، وضعت الأزمة الاقتصادية، التي اندلعت قبل ثلاث سنوات، إسبانيا على صفيح ساخن. أكثر من 40 بالمئة من البطالة بين الشباب، وتصاعد عمليات الإخلاء من السكن، وتوسع رقعة الفقر ... في 15 مايو 2011، بمناسبة مظاهرة أخرى ضد التقشف، قرر البعض احتلال الساحة الضخمة بويرتا ديل سول، في وسط مدريد، لليلة واحدة، ثم ليلتين، ثم عدة ليالٍ أخرى. انهم يدينون الثنائية الحزبية، ويتهمون الفساد والمصارف، بمصادرة صوتهم، والتسبب في تفقيرهم... إنهم يطالبون بديمقراطية أكثر تشاركية، ونظام أكثر عدالة، وكانوا مصدر الهام لحركة “ليلة وقوف” في فرنسا.
«كانت النواة المؤسسة لبوديموس، مجموعة من الأكاديميين من كلية العلوم السياسية في جامعة كومبلوتنسي”، يوضح مانويل ألفاريز تارديو. أستاذ تاريخ بجامعة خوان كارلوس بمدريد، قاد هذا الاخير فريقًا بحثيًا مكونًا من ثمانية أشخاص لتأليف كتاب يتتبع تاريخ بوديموس، من الأصول إلى صيف عام 2019: “بوديموس، عندما يصبح الجديد قديمًا”. “شارك بعضهم في حركة 15 مايو، وأدركوا أنها فرصة لبناء بديل سياسي. في البداية، قدموا أنفسهم كمنظمة سياسية مختلفة وجديدة جذريًا، وبهيكلة افقية».
مثاليو فالسين
هذه القصة هي أيضًا قصة مجموعة من الأصدقاء من جامعة كومبلوتنسي، معظمهم من الأساتذة الشباب.
من اليسار، يحلم هؤلاء المثقفون بتغيير العالم، ودون إدراك منهم، وضعوا أسس حزب سيدخل التاريخ. أرييل خيريز، طرف في المجموعة، يتذكر قائلاً: “لقد عملنا معًا في كلية العلوم السياسية، وخاصة في الأكاديمية النقدية، التي نتقاسمها مع “خوان كارلوس” مونديرو، وبابلو “إغليسياس”، وإنيغيو “إريخون” وكارولينا “بيسكانسا”. وإلى جانب لويس أليغري، هذه الأسماء الأربعة، هي أسماء القادة الخمسة الرئيسيين للحزب عند تأسيسه.
في عطلة نهاية الأسبوع، تجتمع المجموعة بأكملها في فالسين، وهي بلدة ريفية ليست بعيدة عن مدريد، حيث لجيريز منزل. يناقش أعضاؤها السياسة، ويعيدون تشكيل العالم، جالسين في المطعم الأرجنتيني “فندق العم بيبي”. في فصل الشتاء، يذهب آرييل جيريز للتزلج مع بابلو إغليسياس وإينيغو إريخون، وهما صديقان لا يفترقان في ذلك الوقت. في بدايتهم، “كان لهم خطاب ما بعد الماركسية، وشعبوي، أنهم ضد نظام التجارة الحرة المعولم، وضد الملكية الخاصة، يوضح مانويل ألفاريز تارديو، كانوا يعتزمون تجاوز الديمقراطية التمثيلية لإقامة ديمقراطية “حقيقية”، إنهم معادون للرأسمالية، بمعنى أن الديمقراطية يجب أن تكون بالنسبة لهم وسيلة لبناء مجتمع أكثر مساواة «.
ينتقدون دون كلل النخب السياسية والإعلامية والاقتصادية، التي يطلق عليها إغليسياس اسم “الطائفة المغلقة”، تعبير سيستخدمه لاحقا جان لوك ميلينشون في فرنسا.
تتالت النجاحات الانتخابية، ويعتقد أرييل جيريز انه “كان هناك شعور بإمكانية فتح ديناميكية تغيير يمنعها النظام القائم”. ويتمثل حلمهم في: تجاوز الحزب الاشتراكي ليصبحوا مركز ثقل اليسار ... لكن المعجزة لم تحدث أبداً.
«عندما أدرك إغليسياس أنهم لن يتجاوزوا الحزب الاشتراكي، فرض استراتيجيته الخاصة: التعاون مع الحزب الاشتراكي “، يطور مؤلف الكتاب عن تاريخ الحزب.
سيطرة إغليسياس
على الحزب
سيطر بابلو إغليسياس تدريجياً، وقد أطاح بمنافسيه الواحد تلو الآخر، وضمن ولاء قواته. وقام الحزب بتجنيد شباب يتعاونون معه، لا خبرة ولا قيم سياسية لهم، لكنهم طيّعون. واصبحت مؤتمرات بوديموس مناسبة لتصفية حسابات دموية، حيث يتم “التحكم في نتائجها من الألف إلى الياء”، وفق مانويل ألفاريز تارديو.
“خلال عملية مأسسة الحزب، رأينا كيف تغيرت قواعد اللعبة بطريقة محسوبة وقحّة”، يؤكد أرييل جيريز.
داخليا، اثارت التعددية الصراعات. يدعم “الايروخونيون”، إينيغو إريخون، وخطابه المعتدل واستعداده للتفاوض مع الحزب الاشتراكي. من جانبهم، يدعم “البابلويون”، بابلو إغليسياس وخطابه الراديكالي، الذي يدعو إلى معارضة الاشتراكيين.
تم حل النزاع أمام النشطاء في مؤتمر فيستا أليغري 2 عام 2017. ويمثل هذا التاريخ الاستيلاء النهائي على بوديموس من قبل زعيمه الحالي. “لقد قدمنا مشهد توظيف التوترات الداخلية في وسائل الإعلام بطريقة غير مسؤولة، مع سياسة هروب همجية “....” ربما كان تحدي إينيغو خاطئا، لكن قطع رأس شخص مثل كارولين ... “، يأسف الرجل الذي كان يتقاسم معهم دون حدود كل ما يرد في مناقشاتهم.
عزف كل على وتره منفردا وغنّى على ليلاه. وتم الكشف عن خريطة طريق كارولينا بيسكانسا لإسقاط إغليسياس وجلوس إينيغو إريخون على العرش، وقد أصبح الرجل الثاني، من قبل الصحافة عام 2018.
لم تعد بوديموس مجموعة من الأصدقاء يتحدثون عن السياسة في “فندق العم بيبي”، إنها آلة كبيرة تستحوذ على الكثير من السلطة ولها نواب في البرلمان. بين 2016 و2017، كان أرييل جيريز في لجنة السياسة الزراعية بالنظر الى تكوينه في مجلس النواب. “كنا بين الستين والثمانين في الفريق، الا ان القرارات اتخذت من قبل مجموعة من ستة أشخاص. كان من المستحيل عليهم استيعاب الأجندة التي أنتجها حزب لديه تنسيقيات في جميع أنحاء البلاد! كانت لدينا الوسائل والأشخاص المؤهلين والأفكار لتطوير عمل أوسع بكثير، لكنهم فضلوا منطق الهيمنة، متعللين بأفق خوض انتخابات مقبلة «.
إن مناورات سيد بوديموس تضعف الحزب، لكنها تعزز سلطته ومكانته. شيئًا فشيئًا، يدخل الحزب المولود من رحم حركة 15 مايو الصفوف: “إنهم يتخلون عن فكرة أن يكونوا حركة، ليتحولوا إلى حزب كلاسيكي”، يحلل الأكاديمي الذي تتبع تاريخ التنظيم. لقد أصبحت القواعد الإيديولوجية أكثر مرونة تدريجياً، ووضعوا جانبا مقترحاتهم الأكثر جذرية، وتركوا فكرة تجاوز الديمقراطية الحالية والتجارة الحرة... إنهم يريدون اليوم تغييرها أو تجاوزها بسياسات يومية «.
يراهن بابلو إغليسياس نفسه على التعاون مع الحزب الاشتراكي، بعد أن رفض هذا الخيار لفترة طويلة. “إنه متأكد الآن، من عدم وجود أصوات ناقدة داخل الحزب اذ سبق له ان عزز سلطته داخل بوديموس.»
من بين القادة الخمسة عند الانطلاق، بقي واحد فقط. “من حيث الحسابات الأنانية الصغيرة، لم أر فرقا بين اليسار واليمين”، يتحسّر آرييل جيريز. بالنسبة لي، يجب أن يكون هناك فرق. هل هي مشكلة الطبيعة البشرية؟ “ في مقال رأي بتاريخ 10 مايو، كتب صحفي من صحيفة الباييس اليومية: “ذهب إغليسياس لتغيير النظام، فقام النظام بتغييره... لقد حوله إلى بيروقراطي من “الطبقة المغلقة».
ربما... ولكن بالنسبة لمدير قسم العلوم السياسية في كومبلوتنسي، وهو شاهد مميز على هذه المغامرة، “من حركة 15 مايو انبثق حزب سمح بالمشاركة السياسية. وتطوّر تشكيلات أخرى، بقيت على الهامش، أفكارا ورؤى مثيرة للاهتمام، غير ان افكارها لا تملك تأثيرا كبيرا على المجتمع».