قد تواجه صعوبات في تسديدها:

إلى أي مدى ستتمكن روسيا من دفع فاتورة حربها...؟

إلى أي مدى ستتمكن روسيا من دفع فاتورة حربها...؟

-- إذا حافظت روسيا على إيقاع إرسال ما يقرب من 50 صاروخًا يوميًا، فقد تنفد ذخيرتها بسرعة
-- منذ 24 فبراير، تفقد روسيا ما لا يقل عن 70 مركبة كل يوم، وبهذا المعدل ستكون قد خسرت 2400 بنهاية مارس
-- الحرب باهظة الثمن ومكلفة، وروسيا بصدد تعلم ذلك على حسابها
-- لا يمكن للكرملين أن يخاطر بتركيز كل قواته على الأراضي الأوكرانية

-- منذ 24 فبراير، تفقد روسيا ما لا يقل عن 70 مركبة كل يوم، وبهذا المعدل ستكون قد خسرت 2400 بنهاية مارس

   «في الحرب، الأرقام وحدها لا تقدم أي أفضليّة أو أسبقية. “لا تتقدم بالاعتماد على القوة العسكرية حصريًا “... عند غزو أوكرانيا، ربما كان ينبغي على فلاديمير بوتين اتباع نصيحة صن تسو، الجنرال الصيني الشهير في القرن السادس قبل الميلاد، الذي ظل خالدا بفضل عمله الشهير في الاستراتيجية العسكرية “فن الحرب».
   تجدر الإشارة الى إنه منذ 24 فبراير، تاريخ بدء الهجوم الروسي على جارتها الأوكرانية، تكبد جيش فلاديمير بوتين القوي خسائر مادية هائلة.
   بعد 19 يومًا من الصراع، فقدت قوات فلاديمير بوتين أكثر من 1308 مركبة عسكرية، وفقـــًا لأوريكس، وهو مراقـــب مســـتقل يســــرد بشــــكل موثـــوق خسائر الجيش الروســــي بفضــــل المعلومــات الواردة من مصــــادر مفتوحـــة.     منـــذ 24 فبراير، تفقـــد روســيا ما لا يقل عن 70 مركبة كل يوم.

عدد الدبابات أكثر من الجيش الكندي بأكمله
   ومن بين الخسائر الروسية، هناك 217 دبابة، و138 مركبة قتالية مصفحة، و116 مركبة لنقل القوات، و13 طائرة، و15 مروحية (بيانات 15 مارس 2022).
 وبهذا المعدل، ستكون قد خسرت 2400 بنهاية مارس. وبما أن الامر يتعلق بالخسائر الموثقة فقط، والتي توجد لها صور أو مقاطع فيديو، فإن هذا التجميع هو بالتأكيد أقل من الواقع، يحذر ألكسيس رابين، الباحث المقيم في مرصد النزاعات متعددة الأبعاد في كرسي راؤول داندوراند من جامعة كيبيك في مونتريال، ومؤلف العديد من الدراسات حول الموضوع.

    هذه الـ 217 دبابة التي دمرتها روسيا أو تخلت عنها، هي أكثر بكثير من 82 دبابة تمتلكها كندا ... وتقريباً عدد دبابات الجيش الألماني (266 وحدة)، وفقاً لبيانات مؤشر غلوبال فاير باور اندكس.
   بالنسبة لثاني أكبر جيش في العالم، قد تبدو هذه الخسائر محدودة، على وجه الخصوص لأن روسيا تمتلك أكثر من 12 ألف دبابة (وأكثر من 30 ألف مركبة مدرعة، المحرر). ويوضح السيد رابين أنه باستثناء أنها ليست جميعها صالحة للاستخدام، فان بعضها يعود إلى الحرب الباردة ولا يمكن نشرها في الميدان.
   علاوة على ذلك، لا يمكن لروسيا أن تخاطر بتركيز كل قواتها على الأراضي الأوكرانية، لأنها تخشى ان تبقى مكشوفة في مكان آخر. لذلك يجب أن تحتفظ ببعضها في الاحتياط.

فاتورة متفجرة
   وبغض النظر عن المدى الحقيقي لاحتياطياتها من المعدات العسكرية، ترى روسيا أن الفاتورة الأوكرانية تتضخم بشكل واضح.
   ولإعطاء فكرة، سعر شراء طائرة مقاتلة من نوع سوخوي – 34 هو 46 مليون دولار كندي. وقد خسرت روسيا أربعة منها. وسبق ان فقدت 43 دبابة من نوع تي -80، يقدر سعرها بنحو 3.8 مليون دولار. ويمكننا أن نذكر أيضًا طائرات الهليكوبتر الهجومية الخمس من نوع مي-24 والتي كلفة الواحدة منها 46 مليون دولار.
   ووفقًا لـ “أوريكس”، خسرت روسيا أيضًا ثمانية أنظمة دفاع مضادة للطائرات من طراز تونجوسكا، وتكلفة الواحدة تزيد عن 20 مليون دولار لأحدث الأنظمة.    إلى هذه الأرقام، يمكننا أيضًا إضافة ما يقرب من 900 صاروخ طويل المدى من نوع كاليبر أطلقتها روسيا، وفقًا لأحدث الأرقام الصادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية. وسعر الوحدة حوالي 1.5 مليون دولار.

     وإذا حافظت روسيا على ايقاع إرسال ما يقرب من 50 صاروخًا يوميًا، فإنها تخاطر بنفاد الذخيرة بسرعة وتضطر إلى مراجعة بعض استراتيجياتها، وفقدان بعض قوّتها الضاربة في نفس الوقت.   

«هناك أشياء يمكن أن يفعلها الروس في الأيام الأولى للصراع، لكنهم لن يعودوا قادرين على فعلها بنفس الطريقة إذا استمر النزاع”، يؤكد السيد رابين مرة أخرى.
   و”بمجرد نفاد صواريخ كروز، لا يمكن استبدالها بهذه السهولة. إذا أراد الروس تنفيذ ضربات بعيدة المدى دون المخاطرة بإدخال طائرات إلى المجال الجوي الأوكراني، فسيتعين عليهم إرسال طائرات مع خطر فقدانها وعدم القدرة على تنفيذ الضربة، لأنه تم اسقاطها».

لا توجد مشكلة تمويل
 على المدى القصير
    ولئن تبدو تكلفة الحرب باهظة بالنسبة لروسيا، فانه سيكون في غاية الصعوبة تسديدها، لأن العقوبات الدولية تتهاطل من جميع الجهات منذ بدء الهجوم في أوكرانيا.     حسب جياكومو كانديان، الأستاذ المساعد في مدرسة الدراسات العليا التجارية مونتريال، يمكن ان تجبر روسيا على النبش في احتياطيات الذهب الموجودة لديها في الخارج، ويقدر مخزونها بأكثر من 75 مليار دولار.
   و”بوسع البنك المركزي الروسي استخدام جزء كبير من هذه الاحتياطيات، على الأقل في المدى القصير. ولهذا السبب لن تكون هناك مشكلة في تمويل الحرب في أوكرانيا في الأسابيع أو الأشهر المقبلة. في المقابل، إذا استمر الصراع، يمكن التشكيك في القدرة على تمويل الحرب”، يحذر المتخصص في الاقتصاد التطبيقي.    ورغم العقوبات المفروضة على روسيا اليوم، المؤكد وفقًا للسيد كانديان: “طالما أن روسيا قادرة على تصدير الهيدروكربونات، خاصة إلى أوروبا، فإنها ستكون قادرة على تمويل الحرب».

مساعدات الصين الخجولة
   ومن أجل الالتفاف على العقوبات الغربية، قد تميل روسيا إلى اللجوء إلى الصين. وبحسب معلومات من صحيفة نيويورك تايمز، طلبت موسكو أيضًا مساعدة اقتصادية وعسكرية من بكين.    بالنسبة إلى يان روش، رئيس المرصد الجيوسياسي والأستاذ في قسم الجغرافيا في جامعة كيبيك في مونتريال، من غير المرجح أن تستجيب الصين لطلب جارتها.
   «من وجهة نظر عسكرية، هناك فرصة ضئيلة للغاية لتحرك الصينيين، لأن هؤلاء يؤيدون حلًا عقلانيا من أجل وقف تصعيد الموقف، ويدعون إلى حل سلمي. لذلك فإن إرسال المساعدة العسكرية يتعارض مع خطابهم «.     ومن خلال الاستجابة بشكل إيجابي لروسيا، سيلعب الصينيون لعبة خطرة للغاية، وفقًا للسيد روش، لأنهم سيضعون أنفسهم في موقف الداعم لطرف في النزاع بطريقة ملموسة.

   في المقابل، يمكن ترجمة دعم بكين على المستوى الاقتصادي، حيث تدين الصين منذ بداية الصراع العقوبات الغربية.
   «قد تؤدي العقوبات المفروضة على الغاز الروسي إلى إعادة هيكلة الإنتاج الروسي تجاه الصين وآسيا بشكل عام، وهي ظاهرة بدأت عام 2014 مع الحرب في شبه جزيرة القرم”، يوضح يان روش.
  ان “فكرة الخطاب الصيني تقول، لن تحلوا النزاع بإجراءاتكم، فنحن لا ننحاز إلى أي طرف، وسنستمر في التعامل مع روسيا”. المثير للاهتمام في المستقبل هو معرفة إلى أي مدى سيُنظر إلى هذا التوسع في المبادلات الاقتصادية بين روسيا والصين على أنه محاولة من الصين للتخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية الغربية... ستكون مسألة تأويل.

لا نهاية سريعة
 في الأفق
    روسيا معزولة دبلوماسياً، ومخنقة اقتصادياً، وتخضع لاحتواء عسكري، وسيتعين عليها العمل من اجل الا تتورط في المستنقع الأوكراني.
خاصة أن الخسائر المادية تضاف إلى خسائر بشرية يصعب تقديرها حيث تتفاوت الحصيلة: من 498 ضحية، وفقًا للتقرير الرسمي الوحيد لروسيا، إلى أكثر من 12 الفا وفقًا للجيش الأوكراني.
   «نتساءل عما سيحدث في الأسابيع المقبلة، يقول الكسيس رابين، هل سيلعبون الوقت من خلال الحفاظ على تطويق المدن التي لا تزال تقاوم “لا سيما كييف وخاركيف وماريوبول” وقصفها بشكل مكثف حتى تسقط من تلقاء نفسها؟ أم أن الروس سيحاولون بدلاً من ذلك، في مرحلة ما، دخول هذه المدن لأخذها؟».

   وبحسب الباحث، قد يميل الروس إلى الانتظار لتفادي الخسائر، حتى لا يكون الاستيلاء على هذه المدن مكلفًا بالنسبة لهم رجالًا وماديًا.
   «لكن هذا الخيار قد يستغرق وقتًا وستحتاج روسيا إلى نجاح عسكري كبير قريبًا لتظهر للشعب الروسي أن جيشها يتقدم، وأنه قادر على كسب الحرب” يشرح الباحث.

   وفي الحالتين، يمكن توقّع استمرار الحرب لفترة طويلة قادمة، حيث يبدو أن الوضع على الأرض مغلق في الوقت الحالي.
    وعلى أمل أن يتذكر فلاديمير بوتين مفاهيم أخرى من صن تسو: “الحرب مثل النار، عندما تطول، فإنها تعرّض للخطر أولئك الذين أثاروها”، أو أيضا “الأساسي يكمن في الانتصار وليس في العمليات المطولة».   وفي الوقت الحالي، لا يوجد نصر روسي في أوكرانيا.