في أوج أزمة فيروس كورونا:
إيطاليا: المتحفظ الحصيف جوزيبي كونتي ينتقم...!
-- يتعاطف الإيطاليون مع مبتدئ تبيّن أنه مناور ماهر، يقوم بالإصلاحات التي تحتاجها البلاد
-- زعامة ماكرون على الساحة الأوروبية تساعد الإيطالي على كسب معركته
-- إذا لم تتحرك أوروبا، فهناك خطر حدوث موجة قومية أقوى
-- بدل الكوميديا دي لارتي للسياسة الايطالية، تنتصب تراجيديا مختلفة تماما مع ظهور فيروس كورونا
-- كشفت الأزمة عن محور غير متوقع ماكرون -كونتي، بعد عامين من الجفاء الفرنسي الإيطالي الشديد
من كان يتنبأ عندما تم تعيينه رئيسًا لحكومة الشعبويين في ،2018 بأنه سيظل هنا اليوم؟ ومع ذلك، من أزمة سياسية إلى دراما صحية، فرض كونتي نفسه. وها أن إيطاليا، التي اجتاحها فيروس كورونا، تشيد به. إن قلب الطاولة دائمًا ما يترك بصمته، حتى لمّا تعقد القمة الأوروبية عن طريق الفيديو. وخاصة، عندما يكون المؤلف المتألق هو رئيس حكومة إيطالي يتسم بالرصانة ظاهريا، وأنيق الهندام، يفيض المشهد على الشاشة.
لقد أسعد جوزيبي كونتي يوم الخميس 26 مارس، مواطنيه في شبه الجزيرة بمعارضته العلنية للتنازلات البسيطة التي وضعها المجلس الأوروبي للتعامل مع الأزمة الصحية والمالية والاجتماعية لفيروس كورونا.
تحدّ رمزي، موجه إلى المستشارة أنجيلا ميركل، التي كانت دائما معادية –وكما بتنا نعلم اليوم، مهما كانت الأحداث -لأي شكل من أشكال تجميع الديون بين الدول الأوروبية. فلا مجال، في هذه الظروف، لإحداث “سندات كورونا».
البلد الأكثر تضررا من الوباء «أكثر من خلاف، كانت هناك مواجهة قاسية وصريحة”، شرح لاحقا كونتي،
مشيرا بإصبعه إلى المستشارة، ونظيرها الهولندي مارك روتي ودول الشمال الأخرى غير المستعدة الى ترك دول جنوب الاتحاد ينالون من جواربهم الصوفية. لكن اتضح أن إيطاليا هي الدولة الأكثر تضررا من وباء كوفيد -19 (ما يقارب من 14 ألف قتيل حتى 3 أبريل)، والبلاد التي لديها أعلى دين في منطقة اليورو.
لقد مر وقت طويل، لم يمنح فيه الإيطاليون –الساخطون على أوروبا قبل فيروس كورونا وحتى قبل أزمة المهاجرين -أحد زعمائهم هذا المنسوب من الحب، والمكانة العالية. وتجدر الإشارة الى أن كونتي لم ينتظر القمة الأوروبية لإثارة بروكسل بسبب شللها وعجزها وكذلك الدول المجاورة لافتقارها “المثير للاشمئزاز” إلى التضامن.
في استطلاع أجراه معهد ديموس اند بي لفائدة صحيفة لا ريبوبليكا في منتصف مارس، اعتبر 94 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع أن الإجراءات التي اتخذها رئيس الحكومة الإيطالية للحد من الوباء “إيجابية”. بالإضافة إلى ذلك، يدعمه 71 بالمئة من مواطنيه من خلال منحه درجة تفوق أو تساوي 6 على 10. ولإغلاق القوس، يشير نفس الاستطلاع، إلى أن 80 بالمائة من الإيطاليين يعتقدون أن شبه الجزيرة تتصرف “أفضل أو أفضل بكثير” من دول أوروبية أخرى في مكافحة الفيروس كورونا.
ان “نسبة الشعبية المرتفعة هذه، لا نظير لها منذ عشر سنوات على الأقل، يحظى بها رئيس حكومة”، يشير المؤرخ الإيطالي مارك لازار، ولكن يجب تنسيب تفسير هذا الذي تحقق. من ناحية، لأنه يأتي في حالة هلع وخوف وقلق شديد بسبب الفيروس. وثانيًا، لأن الشعبية التي يُبارك بها كونتي، تتعلق بوظيفته المؤسسية أكثر من ارتباطها بشخصه. وسنرى ما سيعطي هذا بعد انتهاء الأزمة، لكني أعتقد أن كل هذا هش. «
لقد سبق ان ظهرت، هنا وهناك، توترات، وأحيانًا مخاوف من أعمال شغب، امام النقص في الإمدادات أو المساعدة الموعودة التي لا تصل. ومهما كان المصير الذي سيحفظه التاريخ لـ جوزيبي كونتي، يجب الاعتراف بأن أستاذ القانون الخاص، المتحفظ، اصيل مقاطعة فوجيا، في جنوب شرق ايطاليا، قد حقق، على أقل تقدير، مسيرة مدهشة.
إنه ذاك المغمور، والنكرة تمامًا عند الجمهور العريض، الذي جلس في 1 يونيو 2018 على كرسي رئاسة المجلس. وأكثر جوانبه إثارة، هو أنه زوّق، وفقًا للصحافة الإيطالية، سيرته الذاتية بالدراسة في جامعة نيويورك وفي جامعة السوربون، ولا أثر لذلك في ارشيف الكليات المذكورة.
ان شخصيته السياسية غامضة: لئن أبدى تعاطفًا خفيًا مع حركة 5 نجوم الشعبوية بزعامة بيبي غريلو، الكوميدي الإيطالي، فقد سبق له ان ترك أيضًا إعجابًا ما بالاشتراكي الديمقراطي ماتيو رينزي.
وسيط بين سالفيني ودي مايو
هذا الحرباء، كان مناسبا تمامًا للفائزين الكبيرين في الانتخابات التشريعية لعام 2018، ماتيو سالفيني، زعيم الرابطة (أقصى اليمين)، ولويجي دي مايو، خليفة غريلو على رأس حركة 5 نجوم. ولتكون الأمور واضحة، حصل الزعيمان على لقب نائب رئيس الحكومة.
كونتي موجود فقط لاحتساب النقاط، ومحاولة التوسط عندما ينجرف “الكابتن” سالفيني من خلال دوره في “الدوتشي الجديد” (المرشد، لقب بينيتو موسولينى) ، الذي يحب تقليد حركاته. باختصار، يبدو أن “البروفيسور” محاصر بين هذين الحصنين الصاخبين. “إنه ليس أميرًا في المنتدى، فبمظهره النظيف والانيق، وطريقته في التحدث بإيطالية عفا عليها الزمن مع عيب طفيف في النطق، لكن لطفه يثير التعاطف”، يقول بيترو ديل ري، صحفي في لا ريبوبليكا.
لا أحد يدفع ثمناً باهظاً على مثل ذاك التحالف الغريب، بل وأقل من ذلك، مقابل كاتبه الشاحب، جوزيبي كونتي. تحت وطأة الحضور الإعلامي الطاغي لرئيس الرابطة، والاحراج الاستفزازي المذهل لـ” دي مايو” من خلال مشاركته في مظاهرة للسترات صفراء في منطقة باريسية (استدعى إيمانويل ماكرون سفيره في روما، في خطوة نادرة)، تفرّغ رئيس الحكومة للشؤون الخارجية، متحمّلا وزر الخطاب المشكك في اوروبا لرئيسيه، مع الحرص على عدم ارتكاب المحظور مع بروكسل.
«من خجول إلى خروف
مصاب بداء الكلب»
عندما انحرف سالفيني عن المسار، مزهوّا بانتصاره في الانتخابات الأوروبية في مايو 2019، ومطالبا بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في الصيف الماضي، فجأة انتفض كونتي محذرا وموبخا، من أعلى منبر مجلس الشيوخ، رئيس الرابطة، الجالس على مقاعد الحكومة، منتقدا لعبته المزدوجة الدائمة، ومنددا بجهله الشديد بعمل المؤسسات، امام دهشة أعضاء مجلس الشيوخ الملتهبين حماسة.
انقلاب التحالف: “الرجل الخجول تحول إلى خروف مصاب بداء الكلب”، قال معجبا مسؤول منتخب حضر ذاك اليوم الشهير من أغسطس في قصر ماداما، مقر مجلس الشيوخ في روما. حركة 5 نجوم، التي فقدت الكثير من بريقها بعد هزيمتها في الانتخابات الأوروبية، التفتت هذه المرة إلى الحزب الديمقراطي، الحزب السابق لماتيو رينزي.
بالمرونة التي كان متهما بها، تخلى كونتي عن بدلة تحالف كان يميل بشكل خطير إلى أقصى اليمين، ليرتدي ملابس تليق أكثر برئيس حكومة يميل هذه المرة نحو وسط اليسار.
وبما أنه عرف كيف يقف ضد “الكابيتانو”، أكد ذاته أمام دي مايو، بل وتمكّن من تشكيل فريق حكومي في قبضته، اختفى منه أصحاب الوزن الثقيل من حركة 5 نجوم، باستثناء دي مايو نفسه، الذي نُفي إلى الشؤون الخارجية.
في خريف عام 2019، بدأ الإيطاليون ينظرون بتعاطف إلى هذا المبتدئ الذي تبيّن أنه مناور ماهر، ويقوم بالإصلاحات التي تحتاجها البلاد. ولكن بدلاً من الكوميديا دي لارتي للسياسة الايطالية، إنها تراجيديا مختلفة تماما ستلعب فصولها في بداية العام، مع ظهور فيروس كورونا.
في 22 فبراير، تم اكتشاف الحالة الأولى لفيروس كورونا في بلدة صغيرة من كودونيو، في لومبارديا. ثم عشرات ومئات وآلاف الحالات الأخرى في المناطق المزدهرة في الشمال.
بعد اثني عشر يومًا، أمر مجلس وزراء استثنائي بإغلاق المدارس والجامعات في جميع أنحاء البلاد. ثم تبع ذلك حصار شامل فُرض على لومبارديا.
“لكن كونتي أخطأ بإعلانه المتسرّع، منح الإيطاليين الجنوبيين الذين يعملون في الشمال وقتًا للعودة إلى أسرهم، وبالتالي نشر الفيروس في البلاد”، يتهم نائب من الوسط. “بالطبع تخبّط، وتأخّر في حظر كل شيء، لكننا كنا أول بلد أوروبي متضرر، ومن كان سيعرف كيف يدير أزمة غير مسبوقة بإتقان كامل ؟
ينسّب الصحفي
بيترو ديل ري.
في إيطاليا الغارقة في حداد، وتعيش كابوس نهاية عالم، حيث يأس العائلات وهي ترى هذه الصفوف من التوابيت المصطفة بكل برود، وهي تبكي على أولئك المتوفين الذين لا يمكنهم أن يودعوهم أو يمنحوهم بعض المواساة، يمثل جوزيبي كونتي، بدرجات متفاوتة، “أبو الأمة”. “يجب أن تدار مثل هذه الحالة بالأغلبية والمعارضة معا، لا يمكن للحكومة أن تنجح وحدها”، يقرّ جورجيو سيلي النائب عن فورزا إيطاليا، الحزب اليميني بزعامة سيلفيو برلسكوني.
النائب الأوروبي عن حركة الى الامام! الإيطالي ساندرو غوزي، الوزير السابق في حكومة رينزي، أصدر حكما بين منزلتين. “ يترك كونتي وزيره دي مايو، الذي احتفظ بسترته الصفراء، يقوم بدعاية غير لائقة مؤيدة للصين، وروسيا، وكوبا مع هذه البعثات من الأطباء، لكنه يدافع عن مواقفنا بشكل جيد مع بروكسل بشأن سندات اليورو”. ويراهن غوزي على استبدال كونتي بحكومة وحدة وطنية بعد الأزمة، بقيادة “رجل مناسب” جديد: لماذا لا يكون الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي؟
ماكرون-كونتي،
ثنائي مدهش
لقد كشفت الأزمة عن محور غير متوقع ماكرون -كونتي، بعد عامين من الجفاء الفرنسي الإيطالي الشديد. في صدام مع سالفيني ودي مايو، حافظ الرئيس الفرنسي دائمًا على “خط اتصال مع كونتي”، يقر الإليزيه. في 27 فبراير، التقى الزعيمان، في تجاوز للتحذيرات الصحية، الجنينية حينها، بالجماهير في نابولي، حيث عقدا قمة ثنائية.
«لقد تم طرح مسألة الإلغاء”، اعترف مستشار في الاليزيه، وقرر الرئيس الإبقاء على الزيارة لأن العكس سيكون إشارة سيئة لإيطاليا. في الواقع، هو نفسه اقترح نابولي، مدينته الإيطالية المفضلة، ووافق كونتي».
وعندما انزعج الإيطاليون من نكتة سيئة في البرنامج الساخر “غرولند” ،عن البيتزا بفيروس كورونا، أو صيغة مزعجة من المتحدث باسم الحكومة، سيبيث ندياي، لعب الرئيس الفرنسي ورقة التهدئة في مقابلة مع كبريات الصحف الإيطالية. والأهم من ذلك، أنه يدعم الإيطالي في سعيه إلى “سندات كورونا”، حيث جمع تسع دول لتوقيع رسالة مفتوحة في هذا الصدد، مستهدفا ضمنيًا أنجيلا ميركل، والتي صنعت ضوضاء عارمة. “إن زعامة الرئيس ماكرون على الساحة الأوروبية، تساعد جوزيبي كونتي، يؤكد مستشار الإليزيه، إذا لم تتحرك أوروبا، فهناك خطر حدوث موجة قومية أقوى».
في محنة الوباء، سيبقى الخميس، 2 أبريل يوما مميّزا لإيطاليا. أولاً، قدّمت أورسولا فون دير لين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في إيجاز صحفي، “اعتذارها للإيطاليين” عن رد الفعل المتأخر للاتحاد. والأفضل من ذلك، أن سيدة الاتحاد الأوروبي الألمانية، عضد ميركل السابقة، تعد، على اذاعة أوروبا 1، بـ “خطة مارشال لتأمين مستقبلنا”... بالنسبة لجوزييي كونتي، انتقام “الحصيف المتحفظ”؟
-- زعامة ماكرون على الساحة الأوروبية تساعد الإيطالي على كسب معركته
-- إذا لم تتحرك أوروبا، فهناك خطر حدوث موجة قومية أقوى
-- بدل الكوميديا دي لارتي للسياسة الايطالية، تنتصب تراجيديا مختلفة تماما مع ظهور فيروس كورونا
-- كشفت الأزمة عن محور غير متوقع ماكرون -كونتي، بعد عامين من الجفاء الفرنسي الإيطالي الشديد
من كان يتنبأ عندما تم تعيينه رئيسًا لحكومة الشعبويين في ،2018 بأنه سيظل هنا اليوم؟ ومع ذلك، من أزمة سياسية إلى دراما صحية، فرض كونتي نفسه. وها أن إيطاليا، التي اجتاحها فيروس كورونا، تشيد به. إن قلب الطاولة دائمًا ما يترك بصمته، حتى لمّا تعقد القمة الأوروبية عن طريق الفيديو. وخاصة، عندما يكون المؤلف المتألق هو رئيس حكومة إيطالي يتسم بالرصانة ظاهريا، وأنيق الهندام، يفيض المشهد على الشاشة.
لقد أسعد جوزيبي كونتي يوم الخميس 26 مارس، مواطنيه في شبه الجزيرة بمعارضته العلنية للتنازلات البسيطة التي وضعها المجلس الأوروبي للتعامل مع الأزمة الصحية والمالية والاجتماعية لفيروس كورونا.
تحدّ رمزي، موجه إلى المستشارة أنجيلا ميركل، التي كانت دائما معادية –وكما بتنا نعلم اليوم، مهما كانت الأحداث -لأي شكل من أشكال تجميع الديون بين الدول الأوروبية. فلا مجال، في هذه الظروف، لإحداث “سندات كورونا».
البلد الأكثر تضررا من الوباء «أكثر من خلاف، كانت هناك مواجهة قاسية وصريحة”، شرح لاحقا كونتي،
مشيرا بإصبعه إلى المستشارة، ونظيرها الهولندي مارك روتي ودول الشمال الأخرى غير المستعدة الى ترك دول جنوب الاتحاد ينالون من جواربهم الصوفية. لكن اتضح أن إيطاليا هي الدولة الأكثر تضررا من وباء كوفيد -19 (ما يقارب من 14 ألف قتيل حتى 3 أبريل)، والبلاد التي لديها أعلى دين في منطقة اليورو.
لقد مر وقت طويل، لم يمنح فيه الإيطاليون –الساخطون على أوروبا قبل فيروس كورونا وحتى قبل أزمة المهاجرين -أحد زعمائهم هذا المنسوب من الحب، والمكانة العالية. وتجدر الإشارة الى أن كونتي لم ينتظر القمة الأوروبية لإثارة بروكسل بسبب شللها وعجزها وكذلك الدول المجاورة لافتقارها “المثير للاشمئزاز” إلى التضامن.
في استطلاع أجراه معهد ديموس اند بي لفائدة صحيفة لا ريبوبليكا في منتصف مارس، اعتبر 94 بالمئة ممن شملهم الاستطلاع أن الإجراءات التي اتخذها رئيس الحكومة الإيطالية للحد من الوباء “إيجابية”. بالإضافة إلى ذلك، يدعمه 71 بالمئة من مواطنيه من خلال منحه درجة تفوق أو تساوي 6 على 10. ولإغلاق القوس، يشير نفس الاستطلاع، إلى أن 80 بالمائة من الإيطاليين يعتقدون أن شبه الجزيرة تتصرف “أفضل أو أفضل بكثير” من دول أوروبية أخرى في مكافحة الفيروس كورونا.
ان “نسبة الشعبية المرتفعة هذه، لا نظير لها منذ عشر سنوات على الأقل، يحظى بها رئيس حكومة”، يشير المؤرخ الإيطالي مارك لازار، ولكن يجب تنسيب تفسير هذا الذي تحقق. من ناحية، لأنه يأتي في حالة هلع وخوف وقلق شديد بسبب الفيروس. وثانيًا، لأن الشعبية التي يُبارك بها كونتي، تتعلق بوظيفته المؤسسية أكثر من ارتباطها بشخصه. وسنرى ما سيعطي هذا بعد انتهاء الأزمة، لكني أعتقد أن كل هذا هش. «
لقد سبق ان ظهرت، هنا وهناك، توترات، وأحيانًا مخاوف من أعمال شغب، امام النقص في الإمدادات أو المساعدة الموعودة التي لا تصل. ومهما كان المصير الذي سيحفظه التاريخ لـ جوزيبي كونتي، يجب الاعتراف بأن أستاذ القانون الخاص، المتحفظ، اصيل مقاطعة فوجيا، في جنوب شرق ايطاليا، قد حقق، على أقل تقدير، مسيرة مدهشة.
إنه ذاك المغمور، والنكرة تمامًا عند الجمهور العريض، الذي جلس في 1 يونيو 2018 على كرسي رئاسة المجلس. وأكثر جوانبه إثارة، هو أنه زوّق، وفقًا للصحافة الإيطالية، سيرته الذاتية بالدراسة في جامعة نيويورك وفي جامعة السوربون، ولا أثر لذلك في ارشيف الكليات المذكورة.
ان شخصيته السياسية غامضة: لئن أبدى تعاطفًا خفيًا مع حركة 5 نجوم الشعبوية بزعامة بيبي غريلو، الكوميدي الإيطالي، فقد سبق له ان ترك أيضًا إعجابًا ما بالاشتراكي الديمقراطي ماتيو رينزي.
وسيط بين سالفيني ودي مايو
هذا الحرباء، كان مناسبا تمامًا للفائزين الكبيرين في الانتخابات التشريعية لعام 2018، ماتيو سالفيني، زعيم الرابطة (أقصى اليمين)، ولويجي دي مايو، خليفة غريلو على رأس حركة 5 نجوم. ولتكون الأمور واضحة، حصل الزعيمان على لقب نائب رئيس الحكومة.
كونتي موجود فقط لاحتساب النقاط، ومحاولة التوسط عندما ينجرف “الكابتن” سالفيني من خلال دوره في “الدوتشي الجديد” (المرشد، لقب بينيتو موسولينى) ، الذي يحب تقليد حركاته. باختصار، يبدو أن “البروفيسور” محاصر بين هذين الحصنين الصاخبين. “إنه ليس أميرًا في المنتدى، فبمظهره النظيف والانيق، وطريقته في التحدث بإيطالية عفا عليها الزمن مع عيب طفيف في النطق، لكن لطفه يثير التعاطف”، يقول بيترو ديل ري، صحفي في لا ريبوبليكا.
لا أحد يدفع ثمناً باهظاً على مثل ذاك التحالف الغريب، بل وأقل من ذلك، مقابل كاتبه الشاحب، جوزيبي كونتي. تحت وطأة الحضور الإعلامي الطاغي لرئيس الرابطة، والاحراج الاستفزازي المذهل لـ” دي مايو” من خلال مشاركته في مظاهرة للسترات صفراء في منطقة باريسية (استدعى إيمانويل ماكرون سفيره في روما، في خطوة نادرة)، تفرّغ رئيس الحكومة للشؤون الخارجية، متحمّلا وزر الخطاب المشكك في اوروبا لرئيسيه، مع الحرص على عدم ارتكاب المحظور مع بروكسل.
«من خجول إلى خروف
مصاب بداء الكلب»
عندما انحرف سالفيني عن المسار، مزهوّا بانتصاره في الانتخابات الأوروبية في مايو 2019، ومطالبا بإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في الصيف الماضي، فجأة انتفض كونتي محذرا وموبخا، من أعلى منبر مجلس الشيوخ، رئيس الرابطة، الجالس على مقاعد الحكومة، منتقدا لعبته المزدوجة الدائمة، ومنددا بجهله الشديد بعمل المؤسسات، امام دهشة أعضاء مجلس الشيوخ الملتهبين حماسة.
انقلاب التحالف: “الرجل الخجول تحول إلى خروف مصاب بداء الكلب”، قال معجبا مسؤول منتخب حضر ذاك اليوم الشهير من أغسطس في قصر ماداما، مقر مجلس الشيوخ في روما. حركة 5 نجوم، التي فقدت الكثير من بريقها بعد هزيمتها في الانتخابات الأوروبية، التفتت هذه المرة إلى الحزب الديمقراطي، الحزب السابق لماتيو رينزي.
بالمرونة التي كان متهما بها، تخلى كونتي عن بدلة تحالف كان يميل بشكل خطير إلى أقصى اليمين، ليرتدي ملابس تليق أكثر برئيس حكومة يميل هذه المرة نحو وسط اليسار.
وبما أنه عرف كيف يقف ضد “الكابيتانو”، أكد ذاته أمام دي مايو، بل وتمكّن من تشكيل فريق حكومي في قبضته، اختفى منه أصحاب الوزن الثقيل من حركة 5 نجوم، باستثناء دي مايو نفسه، الذي نُفي إلى الشؤون الخارجية.
في خريف عام 2019، بدأ الإيطاليون ينظرون بتعاطف إلى هذا المبتدئ الذي تبيّن أنه مناور ماهر، ويقوم بالإصلاحات التي تحتاجها البلاد. ولكن بدلاً من الكوميديا دي لارتي للسياسة الايطالية، إنها تراجيديا مختلفة تماما ستلعب فصولها في بداية العام، مع ظهور فيروس كورونا.
في 22 فبراير، تم اكتشاف الحالة الأولى لفيروس كورونا في بلدة صغيرة من كودونيو، في لومبارديا. ثم عشرات ومئات وآلاف الحالات الأخرى في المناطق المزدهرة في الشمال.
بعد اثني عشر يومًا، أمر مجلس وزراء استثنائي بإغلاق المدارس والجامعات في جميع أنحاء البلاد. ثم تبع ذلك حصار شامل فُرض على لومبارديا.
“لكن كونتي أخطأ بإعلانه المتسرّع، منح الإيطاليين الجنوبيين الذين يعملون في الشمال وقتًا للعودة إلى أسرهم، وبالتالي نشر الفيروس في البلاد”، يتهم نائب من الوسط. “بالطبع تخبّط، وتأخّر في حظر كل شيء، لكننا كنا أول بلد أوروبي متضرر، ومن كان سيعرف كيف يدير أزمة غير مسبوقة بإتقان كامل ؟
ينسّب الصحفي
بيترو ديل ري.
في إيطاليا الغارقة في حداد، وتعيش كابوس نهاية عالم، حيث يأس العائلات وهي ترى هذه الصفوف من التوابيت المصطفة بكل برود، وهي تبكي على أولئك المتوفين الذين لا يمكنهم أن يودعوهم أو يمنحوهم بعض المواساة، يمثل جوزيبي كونتي، بدرجات متفاوتة، “أبو الأمة”. “يجب أن تدار مثل هذه الحالة بالأغلبية والمعارضة معا، لا يمكن للحكومة أن تنجح وحدها”، يقرّ جورجيو سيلي النائب عن فورزا إيطاليا، الحزب اليميني بزعامة سيلفيو برلسكوني.
النائب الأوروبي عن حركة الى الامام! الإيطالي ساندرو غوزي، الوزير السابق في حكومة رينزي، أصدر حكما بين منزلتين. “ يترك كونتي وزيره دي مايو، الذي احتفظ بسترته الصفراء، يقوم بدعاية غير لائقة مؤيدة للصين، وروسيا، وكوبا مع هذه البعثات من الأطباء، لكنه يدافع عن مواقفنا بشكل جيد مع بروكسل بشأن سندات اليورو”. ويراهن غوزي على استبدال كونتي بحكومة وحدة وطنية بعد الأزمة، بقيادة “رجل مناسب” جديد: لماذا لا يكون الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي؟
ماكرون-كونتي،
ثنائي مدهش
لقد كشفت الأزمة عن محور غير متوقع ماكرون -كونتي، بعد عامين من الجفاء الفرنسي الإيطالي الشديد. في صدام مع سالفيني ودي مايو، حافظ الرئيس الفرنسي دائمًا على “خط اتصال مع كونتي”، يقر الإليزيه. في 27 فبراير، التقى الزعيمان، في تجاوز للتحذيرات الصحية، الجنينية حينها، بالجماهير في نابولي، حيث عقدا قمة ثنائية.
«لقد تم طرح مسألة الإلغاء”، اعترف مستشار في الاليزيه، وقرر الرئيس الإبقاء على الزيارة لأن العكس سيكون إشارة سيئة لإيطاليا. في الواقع، هو نفسه اقترح نابولي، مدينته الإيطالية المفضلة، ووافق كونتي».
وعندما انزعج الإيطاليون من نكتة سيئة في البرنامج الساخر “غرولند” ،عن البيتزا بفيروس كورونا، أو صيغة مزعجة من المتحدث باسم الحكومة، سيبيث ندياي، لعب الرئيس الفرنسي ورقة التهدئة في مقابلة مع كبريات الصحف الإيطالية. والأهم من ذلك، أنه يدعم الإيطالي في سعيه إلى “سندات كورونا”، حيث جمع تسع دول لتوقيع رسالة مفتوحة في هذا الصدد، مستهدفا ضمنيًا أنجيلا ميركل، والتي صنعت ضوضاء عارمة. “إن زعامة الرئيس ماكرون على الساحة الأوروبية، تساعد جوزيبي كونتي، يؤكد مستشار الإليزيه، إذا لم تتحرك أوروبا، فهناك خطر حدوث موجة قومية أقوى».
في محنة الوباء، سيبقى الخميس، 2 أبريل يوما مميّزا لإيطاليا. أولاً، قدّمت أورسولا فون دير لين، رئيسة المفوضية الأوروبية، في إيجاز صحفي، “اعتذارها للإيطاليين” عن رد الفعل المتأخر للاتحاد. والأفضل من ذلك، أن سيدة الاتحاد الأوروبي الألمانية، عضد ميركل السابقة، تعد، على اذاعة أوروبا 1، بـ “خطة مارشال لتأمين مستقبلنا”... بالنسبة لجوزييي كونتي، انتقام “الحصيف المتحفظ”؟