ليس واضحاً مدى استعداد أمريكا للذهاب بعيداً

إيكونوميست: الاتفاق أفضل من حرب عالمية ثالثة بسبب تايوان

إيكونوميست: الاتفاق أفضل من حرب عالمية ثالثة بسبب تايوان

توقّعت مجلّة “إيكونوميست” البريطانية أن يكون نزاع بين أمريكا والصين حول تايوان أسوأ من الحرب الدموية الدائرة حالياً في أوروبا. التوترات مرتفعة والقوات الأمريكية تنتقل للتركيز على عقيدة جديدة تعرف باسم “الفتك الموزع”، والمصمم لإضعاف الهجمات الصاروخية الصينية. خلال الأسبوع الماضي، اخترقت عشرات المقاتلات الصينية “منطقة تحديد الدفاع الجوي” فوق تايوان، وهذا الأسبوع، شجب وزير الخارجية الصيني ما سماه استراتيجية أمريكا في “الاحتواء والقمع الشاملين، وهي لعبة حياة أو موت محصلتها صفرية». ومع تسلح أمريكا في آسيا ومحاولتها تعبئة حلفائها، يلوح سؤالان في الأفق: هل هي مستعدة للمخاطرة بحرب مباشرة مع قوة نووية أخرى للدفاع عن تايوان، وهو أمر لم تكن مستعدة لفعله من أجل أوكرانيا؟ ومن خلال التنافس العسكري مع الصين في آسيا، هل يمكن أن تطلق الحرب نفسها التي تحاول منعها؟.
 
ترى المجلة أنه لا أحد يمكن أن يكون متأكداً من كيفية بدء اجتياح تايوان. بإمكان الصين استخدام تكتيكات “المنطقة الرمادية” الإكراهية، رغم أنها ليست أعمالاً حربية بالضبط، وذلك من أجل محاصرة الجزيرة وتقويض اقتصادها ومعنوياتها. ويمكنها إطلاق هجمات صاروخية استباقية على قواعد أمريكية في غوام واليابان مفسحة المجال أمام هجوم برمائي. بما أن تايوان قادرة على مقاومة هجوم بمفردها لبضعة أيام أو أسابيع فقط، قد يتصاعد أي نزاع سريعاً نحو مواجهة بين القوتين العظميين.
 
عوضاً عن الخنادق وهجمات الموجات البشرية في أوكرانيا، يمكن أن تشمل حرب حول تايوان جيلاً جديداً من الأسلحة، مثل الصواريخ الفرط صوتية والأسلحة المضادة للأقمار الاصطناعية، الأمر الذي سيتسبب بدمار غير متصور ويطلق انتقاماً لا يمكن توقعه. تايوان هي المورد الأساسي لأشباه الموصلات المتطورة حول العالم. ستفرض أكبر ثلاثة اقتصادات، أمريكا والصين واليابان، العقوبات معرقلة التجارة العالمية. ستحث أمريكا أوروبا وأصدقاء آخرين على فرض حظر ضد الصين. لم تعد الحرب احتمالاً بعيداً لأن مقايضة غير معلنة قد تلاشت. منذ السبعينات، امتنعت أمريكا عن تشجيع تايوان على إعلان الاستقلال رسمياً وعن إطلاق وعد علني بالدفاع عنها. وبينما لم تستبعد استخدام القوة، قالت الصين إنها ستفضل إعادة توحيد سلمية.

لكن هذه المواقف تغيرت. قالت وكالة الاستخبارات المركزية إن الرئيس الصيني شي جين بينغ طلب من جيش التحرير الشعبي الصيني أن يستعد لاجتياح بحلول 2027. وقال الرئيس جو بايدن إن أمريكا ستدافع عن تايوان لو هاجمتها الصين، رغم أن مساعديه يقولون إن سياسة أمريكا لم تتغير. لم يعد التوازن العسكري يصب بوضوح في مصلحة أمريكا، كما كان الحال في التسعينات. وتغير الرأي العام في تايوان حيث لا يفضل إعادة التوحيد سوى 7 في المئة من التايوانيين.
 
الخطاب العسكري يتصاعد
تولد بعض الأفعال عناوين إخبارية بارزة مثل زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايبيه العام الماضي. ثمة أحداث أخرى غير مرئية تقريباً مثل القطع الغامض لكابلات الإنترنت تحت الماء عن جزر تايوانية بعيدة. كذلك، توقفت الدبلوماسية. لم يتحدث كبار المسؤولين الدفاعيين في كلا البلدين منذ نوفمبر.
خلال حادثة منطاد التجسس الأخيرة، فشل “خط ساخن” حين لم ترد الصين على اتصال أمريكي. وازداد المنسوب الحربي في الخطابات الموجهة للجماهير المحلية سواء في الحملات الانتخابية الأمريكية، أو من قبل كبار قادة الصين. ما يراه طرف على أنه فعل دفاعي هادف لحماية خطوطه الحمراء يصفه الآخر كمحاولة عدوانية هادفة إلى تقويض طموحاته
 
هل أمريكا مستعدة للدفاع عنها فعلاً؟
حسب المجلة نفسها، ليس واضحاً مدى استعداد أمريكا للذهاب بعيداً في الدفاع عن تايوان. ليست الجزيرة عبارة عن دومينو. لدى الصين بعض الخطط الإقليمية أبعد منها، لكنها لا تريد اجتياح أو حكم كل آسيا بشكل مباشر. وليس واضحاً عدد التايوانيين الذين يرون الصين تهديداً أو الذين يتمتعون بالاندفاع للقتال. إذا لم تلتزم أمريكا بالدفاع عن الجزيرة، فمصداقية مظلتها الأمنية ستتعرض لشكوك خطيرة. بعض الدول الآسيوية ستستوعب الصين أكثر. قد تسعى كوريا الجنوبية واليابان إلى أسلحة نووية. سيعزز ذلك وجهة النظر الصينية القائلة إن مصالح الدول تأتي قبل الحريات الفردية المنصوص عنها في الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.
 
لضبط الموقف
لكن يجب على المساعدة التي تتلقاها تايوان أن تردع هجوماً صينياً من دون أن تستفزه. تحتاج أمريكا إلى أخذ حسابات شي بالاعتبار. إن ضمانة أمنية أمريكية على بياض قد تشعر تايوان بالجرأة لإعلان استقلالها بشكل رسمي وهو خط أحمر بالنسبة إلى الرئيس الصيني. إن الوعد بحضور عسكري أمريكي أكبر في تايوان قد يدفع الصين إلى شن الاجتياح الآن. لكن اجتياحاً فاشلاً سيكلف شي والحزب الشيوعي غالياً. تحتاج أمريكا إلى ضبط موقفها: إعادة طمأنة شي بأن خطه الأحمر لم يمس مع إقناعه بأن الاعتداء يحمل مخاطر غير مقبولة. ليس الهدف حل قضية تايوان بل تأجيلها.
 
من جهتها، تفادت تايوان الاستفزاز. لم تعلن رئيستها تساي إينغ وين الاستقلال لكن عليها أن تعزز الإنفاق الدفاعي كي تنجو من دون مساعدة أمريكية وعبر تهيئة مدنييها لمقاومة تكتيكات المنطقة الرمادية، من المعلومات المضللة إلى التلاعب بالتصويت. من جهتها، يجب على أمريكا بذل جهد أكبر لإعادة طمأنة الصين وردعها. عليها تفادي التصرفات الرمزية التي تستفز الصين من دون تعزيز قدرة تايوان على الدفاع عن نفسها. وعليها مواصلة تحديث قواتها المسلحة وحشد حلفائها. وينبغي عليها الاستعداد لكسر حصار مستقبلي عبر تخزين الوقود والتخطيط لمساعدات جوية وتوفير روابط إنترنت احتياطية وبناء إجماع بين الحلفاء على العقوبات. تخلص المجلة إلى أن أمريكا والصين لن تتفقا أبداً على تايوان. لكن لديهما مصلحة مشتركة في محاولة تفادي حرب عالمية ثالثة. لكن للأسف إن الأرضية المشتركة المحتملة بينهما تتقلص. بشكل ما، على النظامين المتخاصمين إيجاد طريقة للتعايش معاً بطريقة أقل خطورة.