اتفاق الهند وباكستان .. هدنة أم «وصفة» لحروب مقبلة؟
انتهت مواجهة عسكرية من 4 أيام بين الهند وباكستان إلى وقف لإطلاق النار في اتفاق «مبهم» برعاية الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ترى مجلة «فورين بوليسي» أنه ترك الوضع بين الجارين النوويين «على حافة الانهيار». وبشكل مفاجئ في نهاية الأسبوع الماضي، توقّف القتال بين نيودلهي وإسلام أباد، وبدا أن التدخل الأمريكي قد نجح في صدِّ الخصمين النوويين، إلا أن إعلان ترامب عن «وقف إطلاق نار كامل وفوري» يُخفي واقعاً أكثر خطورة.
وتجاوزت الأزمة الهندية الباكستانية الأخيرة خطوات التصعيد بسهولة مثيرة للقلق، فبعدما قفزت التهديدات الدبلوماسية مباشرة إلى ضربات عبر الحدود في غضون أيام، بينما انخرطت باكستان في استعراض نووي بإعلانها عن اجتماع هيئة قيادتها النووية، انتهت الاشتباكات «فجأة» بوساطة أمريكية في 10 مايو. ووفق «فورين بوليسي»، فإن الاتفاق «المفاجئ والغامض» يعزّز خط الأساس الخطير الذي نشأ عليه الصراع، ما يعني أن صراعات في المستقبل القريب أو البعيد يُرجح أن تندلع وتتصاعد بشكل أكثر حدة، ولأسباب مكررة، مثل «هجوم إرهابي» أو نزاع على المياه، أو مسيّرة طائشة قد تُشعل عاصفة نارية لا يمكن احتواؤها. وتصف المجلة الاتفاق الذي توصّل إليه ترامب بين الهند وباكستان بأنه «وقفة مؤقتة وخطيرة في أعمالهما العدائية طويلة الأمد»، لافتة إلى «مزاعم» الطرفين بإعلان النصر، وتعلّقهما بسرديات متضاربة، إذ تقول نيودلهي إن ضربات صواريخ براهموس أجبرت إسلام أباد على السعي إلى السلام، بينما تُعزي الأخيرة الفضل في ذلك إلى إشاراتها النووية ومناوراتها الدبلوماسية. ومع تأجج الحماس القومي في كلا البلدين، لم يُسهم وقف إطلاق النار في معالجة المظالم الكامنة بين الهند وباكستان، أو في إرساء قواعد جديدة، بل إنه مهّد الطريق لاندلاع أزمات مستقبلية بوتيرة أسرع وأكثر حدة، إذ تقف منطقة جنوب آسيا الآن في حالة حرجة بين سلام غير مستقر وحرب كارثية.
ولا تستبعد «فورين بوليسي»، أن تكون الجولة المقبلة الصراع أقوى وبمستويات تصعيد أعلى، خاصة أن الجولة الأخيرة شهدت حضوراً نوعياً لأسلحة تستفيد من التقدم التكنولوجي، مثل الصواريخ الأسرع من الصوت وأسراب الطائرات المسيرة. كما أن المقلق أكثر، غياب عقيدة نووية مشتركة، فعلى عكس الإطار الأمريكي السوفيتي خلال الحرب الباردة، تفتقر الهند وباكستان إلى بروتوكولات واضحة للتواصل أثناء الأزمات، مما يزيد من احتمالية إساءة تفسير الإشارات، ومع حرص كلا البلدين على التأكيد على أهمية الأسلحة النووية أو إنكارها، تظل المنطقة على بُعد خطوة واحدة من الكارثة الكبرى. في صيف 1999 اشتبكت القوات الهندية والباكستانية في مرتفعات مقاطعة كارجيل في الجزء الخاضع لإدارة الهند من كشمير، وبعد أن احتلت القوات الباكستانية مواقع هندية عبر الحدود المتنازع عليها، والمعروفة باسم خط السيطرة، شنت الهند عمليات عسكرية لاستعادة تلك المواقع، مما أدى إلى قتال عنيف استمر شهرين، قُتل فيه أكثر من 520 جندياً هندياً وما يُقدر بنحو 2000 إلى 4000 جندي باكستاني.
وفي النهاية، توسط الرئيس الأمريكي الأسبق، بيل كلينتون، في انسحاب متوتر أعاد الهدوء الهش على طول خط السيطرة، لأكثر من عقدين، تخلل هذا السلام الهش مناوشات متقطعة، لكن الهند وباكستان تجنّبتا الحرب المباشرة.
أما الاتفاق الحالي الذي قاده ترامب، ترى «فورين بوليسي» أنه وقفة مؤقتة وخطيرة في أعمالهما العدائية طويلة الأمد، خلافاً لمعركة 1999 التي أعادت ضبط سلم التصعيد وبشّرت بسنوات من الاستقرار النسبي.