رئيس الدولة ورئيس بيلاروسيا يبحثان علاقات البلدين وعدداً من القضايا الإقليمية والدولية
باستخدام التصويت الإلكتروني:
اختراق الانتخابات الأمريكية في أقل من دقيقتين...!
قبل عشر سنوات من المصباح المتوهج، قدم توماس إديسون عام 1869 أول “مسجل تصويت” كهربائي حاصل على براءة اختراع. ولئن أصبحت معدات التصويت الإلكترونية منذئذ أكثر تعقيدًا، فإن جدلا صاخبا يدور، أكثر من أي وقت مضى، حول موثوقيتها. خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2012، كان الحديث حينها عن عيوب تصميم آلات التصويت الأكثر استخدامًا. ومنذ ذلك الحين، أقنعت الشكوك حول تدخل روسيا في أعقاب الانتخابات الرئاسية لعام 2016 الكونغرس بمنح أكثر من 400 مليون دولار كمساعدة لدعم الولايات التي لا تزال مجهزة بنظام التسجيل الإلكتروني المباشر، من أجل استبدالها بآلات تؤمّن طباعة مستند يمكن التحقق منه. كما ظهرت العديد من المؤسسات البحثية والجمعيات التي تجمع بين قراصنة ومتخصصين في مجال الأمن وأكاديميين ومصنعي الآلات.
فوضى التمهيدية: نذير شؤم
رأت جورجيا في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في 9 يونيو فرصة لاختبــــار آلات التصويت الجديدة. عام 2018، كشــــفت انتخابـــــات التجديد النصفي الكارثية (ندد المرشح الديمقراطي بعد ذلك بمحـــو أكثــــر من مليـــــون ناخب من القوائم منذ عام 2012، كان نصفهم عن طريق الخطأ) ، الخروقـــــات الأمنيـة الصارخة للمعدات القديمة.
تشهد جورجيا وعاصمتها أتلانتا، مسقط رأس مارتن لوثر كينغ، اضطرابات يمكن أن تكون بمثابة علامات تنذر بتغيير: أعمال شغب بعد وفاة جورج فلويد، وفضيحة إعدام أحمد أربيري، واستقالة رئيس الشرطة، واشتباكات بين عمدة الحزب الديمقراطي كيشا لانس بوتومز، وحاكمها الجمهوري براين كيمب (الذي يقاضيها بتهمة “إساءة استخدام السلطة” بعد أن فرضت ارتداء الكمامات)، وانتخاب أول عضو في الكونغرس بأفكار مؤيدة لحركة “كيو أنون»...
واحدة من أكثر الولايات كثافة سكانية في الولايات المتحدة، لجورجيا (بماضيها الثقيل من التمييز العنصري) 16 من كبار الناخبين، وهي متجذرة تاريخيًا في المعسكر الجمهوري. الا ان الجورجيين يمكن أن يجعلوا منها ولاية محورية في انتخابات نوفمبر الرئاسية.
متجاهلة المعارضة الشعبية (15 بالمائة من الجورجيين يعيشون تحت خط الفقر)، قررت حكومة الولاية استثمار 107 مليون دولار في تجديد أسطول معدات التصويت. وبحلول فجر 9 يونيو، كان الآلاف من سكان أتلانتا ينتظرون أمام مراكز الاقتراع، واستمرت الطوابير حتى وقت متأخر من المساء، مما ادى إلى تمديد ساعات فتح المكاتب.
«لقد كانت فوضوية للغاية”، تلخص ناخبة، وتكشف الشهادات عن أربع إلى سبع ساعات من الانتظار. لم تكن قواعد التباعد الاجتماعي هي المسؤولة الوحيدة: فقد تسببت معدات التصويت الجديدة في الكثير من المخاوف، وكانت بشكل غريب رجع صدى لتلك التي ارتبطت بالمعدات التي اعتُبرت قديمة.
«تأكدوا من عدم
حذف تصويتكم»
قامت العمدة كيشا لانس بوتومز، التي كانت مدرجة على قائمة نواب جو بايدن المحتملين، بتغريد مباشر لتشجيع الجورجيين (“من فضلكم لا تسمحوا بقمع تصويتكم، يرجى البقاء في الطابور”)، وحثهم على التحلي بالصبر، وبطلب بطاقة مؤقتة في حالة حدوث خلل.
ولئن فتحت بعض مراكز الاقتراع متأخرة عدة ساعات (في مواجهة الاقبال الكبير، لم تتمكن مراكز الاقتراع من الإغلاق إلا عدة ساعات بعد الوقت المحدد)، كان على البعض الآخر أن يقرر رمي المنديل وبقاء المكاتب مغلقة.
بعد طول انتظار، بدأ الناخبون بالتوقيع على قائمة تسجيل إلكترونية على جهاز لوحي. ثم تم إعطاؤهم بطاقة لإدخالها في جهاز وسم أوراق الاقتراع الذي يقرأ التعليمات لعرض الخيارات التي سيتم التحقق من صحتها على الشاشة (التي تعمل باللمس)، ثم طبع، في النهاية، ورقة تلخص المعلومات.
لكن لا يزال يتعين تجهيز المكاتب بالآلات الجديدة: فبعضها لم يصل إلى وجهته مطلقًا، والبعض الآخر تم تسليمه برموز غير صحيحة أو غير كاملة، مما أدى إلى إغراق الموظفين في عدم القدرة على برمجتها. كما لم يتم تدريب مسؤولي مكاتب الاقتراع مسبقًا، ولم يتسنى لهم تشغيل المعدات.
في مكان آخر، كانت الأجهزة اللوحية هي التي لم تعمل، أو اوراق التحقق من الصحة هي التي رفضت الطباعة، واستبدلت بأوراق يدوية مؤقتة ذاب مخزونها الضعيف بشكل متهور بسرعة كبيرة.
اختلالات أو سوء إدارة، التشخيص مرير للناخبين الذين لم يختاروا التصويت بالبريد (اختار مليون مواطن في جورجيا عدم التنقّل) والذي لم تؤخذ بعين الاعتبار.
في 9 يونيو، تم الإدلاء بـ 2.1 مليون صوت (جاء الديموقراطيون بأعداد أكبر من الجمهوريين). وعلى غرار عام 2018، كانت المدن أو الأحياء التي يغلب عليها الأمريكيون السود هي الأكثر تضررًا. هل هي نتيجة الصدفة؟ رفعت منظمة الحقوق العادلة دعوى قضائية العام الماضي للاحتجاج على التخصيص المنخفض لآلات وسم أوراق الاقتراع في الدوائر الانتخابية التي يغلب عليها الأمريكيون من أصل أفريقي.
في بعض الأحياء، استوعبت آلة واحدة جميع الناخبين، مما أدى إلى ساعات انتظار. وعند سؤاله عن أسباب الكارثة، قام وزير الدولة الجمهوري براد رافنسبيرغر، بإلقاء اللوم على “عدم الكفاءة غير المقبولة” لمنظمي الانتخابات (المحليين). وفي 8 سبتمبر، أعلن عن نيته فتح تحقيق في تسجيل حوالي ألف صوت مزدوج (على الرغم من إعادة بطاقة اقتراع الغائبين، إلا أن بعضهم جاء للتصويت).
ان نموذج انتخابات التجديد النصفي أو الانتخابات التمهيدية، لا يبشر بخير. وقد حذر الخبراء من أن هناك فرصة ضئيلة لاستبدال المعدات أو حتى إصلاحها قبل نوفمبر، بسبب ضيق الوقت وفي سياق متوتر بشكل خاص.
التعاون بين
قراصنة والحكومة
يجسم تعاقب الهنات في جورجيا التنبيهات التي أطلقها بلا كلل متخصصون مثل براد فريدمان. يحقق الصحفي منذ عشرين عامًا في إخفاقات أنظمة التصويت الإلكتروني. “إذا واجهت دفاتر الاقتراع، وقوائم الحضور التي تظهر على الشاشة، أدنى خطأ ولم يكن لمراكز الاقتراع المعنية أي احتياطي لأوراق الاقتراع المطبوعة، فإن الكارثة مضمونة».
وتتقاسم المحامية جينيفر كوهن شكوك فريدمان. وهذا هو أحد الأسباب التي دفعت العديد من المحللين إلى إصدار تحذيرات جدية ضد شراء آلات جديدة من نوع جهاز وسم أوراق الاقتراع، لكن مسؤولي الانتخابات في 250 دائرة على الأقل في جميع أنحاء البلاد تجاهلوها. وقد تم تجهيز المقاطعات البالغ عددها 159 في جورجيا بها «.
وإذا كانت أجهزة التأشير على أوراق الاقتراع قد حظيت بالترحيب، فذلك لأنه كان يُنظر إليها على أنها حل رباني: من خلال طباعة ملخص، تسمح الآلات بالتحقق. قبل ذلك، كان النظام الإلكتروني للتسجيل المباشر المزود بشاشة تعمل باللمس يضمن تصويتًا إلكترونيًا بنسبة 100 بالمئة، دون أي بيانات مطبوعة. وقد تم فرضه بموجب قانون مساعدة أمريكا على التصويت الذي أقره الكونغرس عام 2002، مما جعل من المستحيل إثبات أي تزوير أو خطأ.
لقد أثبت خبراء الأمن أو الاساتذة أو الطلاب منذئذ ميل هذه الآلات لإحداث خلل في الخيارات المشار إليها وتعديلها. كما تم تسليط الضوء على المخاطر التي يمثلها أسلوب تشغيلهم المستند إلى استخدام البرامج التي يمكن تعديلها عن بُعد. ومع ذلك، لم يختفوا تمامًا: بسبب نقص الأموال أو بسبب المعارك السياسية، ستصوت لويزيانا وساوث كارولينا وجزء من نيوجيرسي والعديد من الولايات القضائية في جميع أنحاء البلاد في 3 نوفمبر على أجهزة نظام التسجيل الإلكتروني المباشر.
في أغسطس، كان من المفترض أن تستضيف لاس فيغاس الإصدار الجديد من ديفكون، أكبر حدث قرصنة في العالم. تم إطلاق قرية التصويت الخاصة بهم عام 2017، وهي نجمة بلا منازع:
يوحد المتخصصون الأمنيون والمحامون والباحثون والقراصنة جهودهـــــــم لتقويـــــض عينـــــة تمثيليـــــة من المعدات المســــــتخدمة في مراكز الاقتراع الأمريكية.
عام 2019، كانت فريستهم المفضلة هي آلة تم تطويرها حديثًا بتكلفة كبيرة بواسطة داربا، وهي وكالة حكومية أمريكية مكرسة للبحث التكنولوجي المطبق في مجال الأمن. ويرى مدير برنامج داربا، لينتون سالمون، في مشاركتهم في قرية التصويت فرصة “لتطوير أدوات تسمح لنا بأن نكون أفضل تسليحًا في مواجهة الهجمات عن بُعد”. وقد تم فحص الأجهزة الأخرى، التي عهد بها المصنعون الرئيسيون (حذرين في الماضي، قرروا التعاون مع قراصنة القبعة البيضاء، قراصنة غير مجرمين).
في هذه الصناعة، تسيطر نظم وبرمجيات انتخابية (التي استحوذت على موزع آلات ديبولد) على السوق إلى حد كبير. حوالي 60 بالمائة إلى 70 بالمائة من معدات التصويت الأمريكية مختومة بختم نظم التصويت دومينيون. وفي سياق الهيمنة هذا، تدين جينيفر كوهن افتقار الشركة المصنعة إلى الأخلاقيات جراء الدعم المالي الذي قدمته للحزب الجمهوري منذ عام 2013.
«الترخيص للغش»
التقرير الأخير المكون من سبعة وأربعين صفحة، والذي نشرته ديفكون عقب هذا “القرصنة ثون” واضح: آلات الجيل الجديد ليست معصومة من الخطأ.
هناك برامج قديمة (تمت كتابة بعض البرامج في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أو حتى التسعينات)، وقد سبق رصد حالات شاذة في معدات نظام التسجيل الإلكتروني المباشر وتم تكرارها في الأجهزة الهجينة. وتخطئ هذه الأخيرة أيضًا من خلال المبالغة: تلخص ماسحات أوراق الاقتراع الضوئية المعلومات في رمز شريطي لتشفير التحقق، أما في حالة الخطأ فيتم رفض الاقتراع وعدم تسجيل التصويت.
يجب أن تكون الأجهزة الهجينة، التي تجمع بين الشاشة والورق (جهاز وسم أوراق الاقتراع وماسح ضوئي مدمجان في نفس الجهاز)، متصلة بنظام داخلي يسهل مهاجمته. والعديد منها، تم تصنيعها بواسطة “نظم وبرمجيات انتخابية” أو بواسطة منافستها “نظم التصويت دومينيون” (التي زودت جورجيا بأجهزتها الجديدة)، بها عيب تصميمي حاسم: الماسح الضوئي الذي يتحقق ويسجل المعلومات التي تمت قراءتها في البطاقة المطبوعة بواسطة الآلة يمكنه بعد ذلك إضافة أصوات، تمر مرور الكرام دون الانتباه اليها.
ولفت أستاذان من جامعتي بيركلي وبرينستون، الانتباه إلى خيار في البرنامج يسمى “الإرسال التلقائي”. عند التصويت، يجب على الناخب تحديد المربع “استخدام البث التلقائي” أو “لا تستخدم” -دون معرفة ما يدور حوله -وإلا فسيتم شطب بطاقة اقتراعه. ومن ثم فإن الشركات المصنعة تمنح ببراءة النظام “رخصة الغش...».
أخيرًا، في حالة حدوث اختلال (ذا أصل فني أو إجرامي)، يستغرق الأمر ما بين خمسة عشر وعشرين دقيقة لإيقاف التشغيل، ثم التشغيل مرة أخرى وتأمين المعدات، مع المخاطرة بتوليد فترات انتظار أطول في مكاتب التصويت.
في العام الماضي، أعلنت “نظم وبرمجيات انتخابية” أنها أوقفت تصنيع الآلات التي لا تحتوي على بطاقات اقتراع ورقية (ومع ذلك، لم يتم سحب مخزونات الآلات القديمة الأقل تكلفة من البيع). وفي يونيو 2019، بدأت العلامة التجارية في عملية لوبيينغ داخل الكونغرس، معلنة أنها تتفهم أهمية فرض مسار ورقي، وهو أثر مطبوع يسمح بالتدقيق، بعد الشكوك حول تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية 2016.
لكن هل الناخبين على وعي بهذه المخاطر؟ في الحقيقة، عدد قليل من الناخبين يتحققون من المعلومات المطبوعة على بطاقات اقتراعهم.
عام 2008، نظم أستاذ في جامعة أيوا، انتخابات رئاسية وهمية باستخدام الآلات الأكثر استخدامًا. ومن خلال البرمجة المسبقة للآلة لجعلها تغيّر كل صوت لصالح المرشح الآخر، توقع رد فعل قوي من المشاركين. وفي الواقع، قام ثلث هؤلاء فقط بفحص بطاقات اقتراعهم ولاحظوا الخلل.
وعلى مدى العقد الماضي، أجرى جيه أليكس هالديرمان، الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، العديد من الدراسات المماثلة. وكانت النتائج أكثر إثارة للقلق: أظهر ما بين 40 بالمئة و93 بالمئة من الناس إيمانًا أعمى بآلة التصويت، ولم يلقوا نظرة خاطفة حتى على بطاقات الاقتراع المطبوعة.
الثورة من خلال
البطاقة الورقية؟
يجب أن نحذر ابتسامتها اللطيفة: راشيل توباك، المتخصصة في الهندسة الاجتماعية، من أخطر القراصنة. منذ عام 2017، تحتل المركز الثاني على منصة قراصنة قرية التصويت. استغرق الأمر أقل من دقيقتين فقط لتخترق آلة هجينة تستخدم في ثماني عشرة ولاية، وذلك باستخدام مفتاح يو اس بي فقط، والة ثانية، أقل شيوعًا وانتشارا، انهارت في نصف التوقيت.
«يتطلب ‘منجزي’ الوصول المادي إلى الجهاز. وإذا كنت خلف ستارة أو لم ينتبه المراقبون لي، فلن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة لسحب المفتاح والوصول إلى الإعدادات وتنفيذ الهجوم».
يمكن تصوّر أن الآلات، بما أنها غير متصلة بشكل عام بالإنترنت، لا يمكن مهاجمتها عن بعد. هذا خطأ، كما يؤكد أندرو أبيل، الأستاذ في جامعة برينستون. ان برمجة الآلات تتم عشية الانتخابات بواسطة بطاقات يتم تحميل معلوماتها من جهاز كمبيوتر متصل. لذلك، يمكن تعديل المعلومات من المصدر. هذا دون احتساب بعض الإهمال الذي يرتكبه المصنعون: المكونات المصنوعة في الصين، والمعلومات المخزنة في صربيا أو في أمازون كلاود، برنامج قابل للتعديل عن بُعد...
سأل أحد المراسلين راشيل توباك: “ولكن ماذا نقول للأشخاص الذين يشاهدون مقاطع فيديوهات القرصنة التي تبثينها، ويعتقدون أن تصويتهم غير مهم؟”،
وكان ردها بعدم الاعتماد كثيرا على آلات التصويت.
وأضافت لتطمأن: المتخصصون الأمنيــــــــون هم أول من تطـــــــوع لإدارة مراكـــــز الاقتـــــراع. “الطريقة الوحيدة لضـمان انتخابات آمنة بنسبة 100 بالمئة هي عدم التصويت، لذلك، بدلاً من الامتناع عن التصويت، من الأفضل ممارسة الضغط على حكومة ولايتك والمطالبة بإجراء عمليات تدقيق».
حل آخر يتمثل في فرض البطاقة المكتوبة يدويًا، والتي يناضل من اجلها المزيد من الخبراء.
هذا ما فعلته مقاطعة أثينا كلارك في جورجيا في الانتخابات التمهيدية. تم اتخاذ القرار في مارس (اثر اختبار غير حاسم للآلات الجديدة)، بعد أن طرحت اللجنة الانتخابية قانونًا محليًا ينص على إمكانية اللجوء إلى بطاقات الاقتراع الورقية التقليدية إذا “ثبت أن استخدام الآلات مستحيل أو غير عملي”.
ويبدو أن عد أوراق الاقتراع (يدويًا أيضًا) قد انتهى دون عوائق، بعيدًا عن المناقشات الساخنة التي أثارت غضب بقية الولاية... فهل تحذو السلطات الأخرى حذوها؟
فوضى التمهيدية: نذير شؤم
رأت جورجيا في الانتخابات التمهيدية الرئاسية في 9 يونيو فرصة لاختبــــار آلات التصويت الجديدة. عام 2018، كشــــفت انتخابـــــات التجديد النصفي الكارثية (ندد المرشح الديمقراطي بعد ذلك بمحـــو أكثــــر من مليـــــون ناخب من القوائم منذ عام 2012، كان نصفهم عن طريق الخطأ) ، الخروقـــــات الأمنيـة الصارخة للمعدات القديمة.
تشهد جورجيا وعاصمتها أتلانتا، مسقط رأس مارتن لوثر كينغ، اضطرابات يمكن أن تكون بمثابة علامات تنذر بتغيير: أعمال شغب بعد وفاة جورج فلويد، وفضيحة إعدام أحمد أربيري، واستقالة رئيس الشرطة، واشتباكات بين عمدة الحزب الديمقراطي كيشا لانس بوتومز، وحاكمها الجمهوري براين كيمب (الذي يقاضيها بتهمة “إساءة استخدام السلطة” بعد أن فرضت ارتداء الكمامات)، وانتخاب أول عضو في الكونغرس بأفكار مؤيدة لحركة “كيو أنون»...
واحدة من أكثر الولايات كثافة سكانية في الولايات المتحدة، لجورجيا (بماضيها الثقيل من التمييز العنصري) 16 من كبار الناخبين، وهي متجذرة تاريخيًا في المعسكر الجمهوري. الا ان الجورجيين يمكن أن يجعلوا منها ولاية محورية في انتخابات نوفمبر الرئاسية.
متجاهلة المعارضة الشعبية (15 بالمائة من الجورجيين يعيشون تحت خط الفقر)، قررت حكومة الولاية استثمار 107 مليون دولار في تجديد أسطول معدات التصويت. وبحلول فجر 9 يونيو، كان الآلاف من سكان أتلانتا ينتظرون أمام مراكز الاقتراع، واستمرت الطوابير حتى وقت متأخر من المساء، مما ادى إلى تمديد ساعات فتح المكاتب.
«لقد كانت فوضوية للغاية”، تلخص ناخبة، وتكشف الشهادات عن أربع إلى سبع ساعات من الانتظار. لم تكن قواعد التباعد الاجتماعي هي المسؤولة الوحيدة: فقد تسببت معدات التصويت الجديدة في الكثير من المخاوف، وكانت بشكل غريب رجع صدى لتلك التي ارتبطت بالمعدات التي اعتُبرت قديمة.
«تأكدوا من عدم
حذف تصويتكم»
قامت العمدة كيشا لانس بوتومز، التي كانت مدرجة على قائمة نواب جو بايدن المحتملين، بتغريد مباشر لتشجيع الجورجيين (“من فضلكم لا تسمحوا بقمع تصويتكم، يرجى البقاء في الطابور”)، وحثهم على التحلي بالصبر، وبطلب بطاقة مؤقتة في حالة حدوث خلل.
ولئن فتحت بعض مراكز الاقتراع متأخرة عدة ساعات (في مواجهة الاقبال الكبير، لم تتمكن مراكز الاقتراع من الإغلاق إلا عدة ساعات بعد الوقت المحدد)، كان على البعض الآخر أن يقرر رمي المنديل وبقاء المكاتب مغلقة.
بعد طول انتظار، بدأ الناخبون بالتوقيع على قائمة تسجيل إلكترونية على جهاز لوحي. ثم تم إعطاؤهم بطاقة لإدخالها في جهاز وسم أوراق الاقتراع الذي يقرأ التعليمات لعرض الخيارات التي سيتم التحقق من صحتها على الشاشة (التي تعمل باللمس)، ثم طبع، في النهاية، ورقة تلخص المعلومات.
لكن لا يزال يتعين تجهيز المكاتب بالآلات الجديدة: فبعضها لم يصل إلى وجهته مطلقًا، والبعض الآخر تم تسليمه برموز غير صحيحة أو غير كاملة، مما أدى إلى إغراق الموظفين في عدم القدرة على برمجتها. كما لم يتم تدريب مسؤولي مكاتب الاقتراع مسبقًا، ولم يتسنى لهم تشغيل المعدات.
في مكان آخر، كانت الأجهزة اللوحية هي التي لم تعمل، أو اوراق التحقق من الصحة هي التي رفضت الطباعة، واستبدلت بأوراق يدوية مؤقتة ذاب مخزونها الضعيف بشكل متهور بسرعة كبيرة.
اختلالات أو سوء إدارة، التشخيص مرير للناخبين الذين لم يختاروا التصويت بالبريد (اختار مليون مواطن في جورجيا عدم التنقّل) والذي لم تؤخذ بعين الاعتبار.
في 9 يونيو، تم الإدلاء بـ 2.1 مليون صوت (جاء الديموقراطيون بأعداد أكبر من الجمهوريين). وعلى غرار عام 2018، كانت المدن أو الأحياء التي يغلب عليها الأمريكيون السود هي الأكثر تضررًا. هل هي نتيجة الصدفة؟ رفعت منظمة الحقوق العادلة دعوى قضائية العام الماضي للاحتجاج على التخصيص المنخفض لآلات وسم أوراق الاقتراع في الدوائر الانتخابية التي يغلب عليها الأمريكيون من أصل أفريقي.
في بعض الأحياء، استوعبت آلة واحدة جميع الناخبين، مما أدى إلى ساعات انتظار. وعند سؤاله عن أسباب الكارثة، قام وزير الدولة الجمهوري براد رافنسبيرغر، بإلقاء اللوم على “عدم الكفاءة غير المقبولة” لمنظمي الانتخابات (المحليين). وفي 8 سبتمبر، أعلن عن نيته فتح تحقيق في تسجيل حوالي ألف صوت مزدوج (على الرغم من إعادة بطاقة اقتراع الغائبين، إلا أن بعضهم جاء للتصويت).
ان نموذج انتخابات التجديد النصفي أو الانتخابات التمهيدية، لا يبشر بخير. وقد حذر الخبراء من أن هناك فرصة ضئيلة لاستبدال المعدات أو حتى إصلاحها قبل نوفمبر، بسبب ضيق الوقت وفي سياق متوتر بشكل خاص.
التعاون بين
قراصنة والحكومة
يجسم تعاقب الهنات في جورجيا التنبيهات التي أطلقها بلا كلل متخصصون مثل براد فريدمان. يحقق الصحفي منذ عشرين عامًا في إخفاقات أنظمة التصويت الإلكتروني. “إذا واجهت دفاتر الاقتراع، وقوائم الحضور التي تظهر على الشاشة، أدنى خطأ ولم يكن لمراكز الاقتراع المعنية أي احتياطي لأوراق الاقتراع المطبوعة، فإن الكارثة مضمونة».
وتتقاسم المحامية جينيفر كوهن شكوك فريدمان. وهذا هو أحد الأسباب التي دفعت العديد من المحللين إلى إصدار تحذيرات جدية ضد شراء آلات جديدة من نوع جهاز وسم أوراق الاقتراع، لكن مسؤولي الانتخابات في 250 دائرة على الأقل في جميع أنحاء البلاد تجاهلوها. وقد تم تجهيز المقاطعات البالغ عددها 159 في جورجيا بها «.
وإذا كانت أجهزة التأشير على أوراق الاقتراع قد حظيت بالترحيب، فذلك لأنه كان يُنظر إليها على أنها حل رباني: من خلال طباعة ملخص، تسمح الآلات بالتحقق. قبل ذلك، كان النظام الإلكتروني للتسجيل المباشر المزود بشاشة تعمل باللمس يضمن تصويتًا إلكترونيًا بنسبة 100 بالمئة، دون أي بيانات مطبوعة. وقد تم فرضه بموجب قانون مساعدة أمريكا على التصويت الذي أقره الكونغرس عام 2002، مما جعل من المستحيل إثبات أي تزوير أو خطأ.
لقد أثبت خبراء الأمن أو الاساتذة أو الطلاب منذئذ ميل هذه الآلات لإحداث خلل في الخيارات المشار إليها وتعديلها. كما تم تسليط الضوء على المخاطر التي يمثلها أسلوب تشغيلهم المستند إلى استخدام البرامج التي يمكن تعديلها عن بُعد. ومع ذلك، لم يختفوا تمامًا: بسبب نقص الأموال أو بسبب المعارك السياسية، ستصوت لويزيانا وساوث كارولينا وجزء من نيوجيرسي والعديد من الولايات القضائية في جميع أنحاء البلاد في 3 نوفمبر على أجهزة نظام التسجيل الإلكتروني المباشر.
في أغسطس، كان من المفترض أن تستضيف لاس فيغاس الإصدار الجديد من ديفكون، أكبر حدث قرصنة في العالم. تم إطلاق قرية التصويت الخاصة بهم عام 2017، وهي نجمة بلا منازع:
يوحد المتخصصون الأمنيون والمحامون والباحثون والقراصنة جهودهـــــــم لتقويـــــض عينـــــة تمثيليـــــة من المعدات المســــــتخدمة في مراكز الاقتراع الأمريكية.
عام 2019، كانت فريستهم المفضلة هي آلة تم تطويرها حديثًا بتكلفة كبيرة بواسطة داربا، وهي وكالة حكومية أمريكية مكرسة للبحث التكنولوجي المطبق في مجال الأمن. ويرى مدير برنامج داربا، لينتون سالمون، في مشاركتهم في قرية التصويت فرصة “لتطوير أدوات تسمح لنا بأن نكون أفضل تسليحًا في مواجهة الهجمات عن بُعد”. وقد تم فحص الأجهزة الأخرى، التي عهد بها المصنعون الرئيسيون (حذرين في الماضي، قرروا التعاون مع قراصنة القبعة البيضاء، قراصنة غير مجرمين).
في هذه الصناعة، تسيطر نظم وبرمجيات انتخابية (التي استحوذت على موزع آلات ديبولد) على السوق إلى حد كبير. حوالي 60 بالمائة إلى 70 بالمائة من معدات التصويت الأمريكية مختومة بختم نظم التصويت دومينيون. وفي سياق الهيمنة هذا، تدين جينيفر كوهن افتقار الشركة المصنعة إلى الأخلاقيات جراء الدعم المالي الذي قدمته للحزب الجمهوري منذ عام 2013.
«الترخيص للغش»
التقرير الأخير المكون من سبعة وأربعين صفحة، والذي نشرته ديفكون عقب هذا “القرصنة ثون” واضح: آلات الجيل الجديد ليست معصومة من الخطأ.
هناك برامج قديمة (تمت كتابة بعض البرامج في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أو حتى التسعينات)، وقد سبق رصد حالات شاذة في معدات نظام التسجيل الإلكتروني المباشر وتم تكرارها في الأجهزة الهجينة. وتخطئ هذه الأخيرة أيضًا من خلال المبالغة: تلخص ماسحات أوراق الاقتراع الضوئية المعلومات في رمز شريطي لتشفير التحقق، أما في حالة الخطأ فيتم رفض الاقتراع وعدم تسجيل التصويت.
يجب أن تكون الأجهزة الهجينة، التي تجمع بين الشاشة والورق (جهاز وسم أوراق الاقتراع وماسح ضوئي مدمجان في نفس الجهاز)، متصلة بنظام داخلي يسهل مهاجمته. والعديد منها، تم تصنيعها بواسطة “نظم وبرمجيات انتخابية” أو بواسطة منافستها “نظم التصويت دومينيون” (التي زودت جورجيا بأجهزتها الجديدة)، بها عيب تصميمي حاسم: الماسح الضوئي الذي يتحقق ويسجل المعلومات التي تمت قراءتها في البطاقة المطبوعة بواسطة الآلة يمكنه بعد ذلك إضافة أصوات، تمر مرور الكرام دون الانتباه اليها.
ولفت أستاذان من جامعتي بيركلي وبرينستون، الانتباه إلى خيار في البرنامج يسمى “الإرسال التلقائي”. عند التصويت، يجب على الناخب تحديد المربع “استخدام البث التلقائي” أو “لا تستخدم” -دون معرفة ما يدور حوله -وإلا فسيتم شطب بطاقة اقتراعه. ومن ثم فإن الشركات المصنعة تمنح ببراءة النظام “رخصة الغش...».
أخيرًا، في حالة حدوث اختلال (ذا أصل فني أو إجرامي)، يستغرق الأمر ما بين خمسة عشر وعشرين دقيقة لإيقاف التشغيل، ثم التشغيل مرة أخرى وتأمين المعدات، مع المخاطرة بتوليد فترات انتظار أطول في مكاتب التصويت.
في العام الماضي، أعلنت “نظم وبرمجيات انتخابية” أنها أوقفت تصنيع الآلات التي لا تحتوي على بطاقات اقتراع ورقية (ومع ذلك، لم يتم سحب مخزونات الآلات القديمة الأقل تكلفة من البيع). وفي يونيو 2019، بدأت العلامة التجارية في عملية لوبيينغ داخل الكونغرس، معلنة أنها تتفهم أهمية فرض مسار ورقي، وهو أثر مطبوع يسمح بالتدقيق، بعد الشكوك حول تدخل روسي في الانتخابات الرئاسية 2016.
لكن هل الناخبين على وعي بهذه المخاطر؟ في الحقيقة، عدد قليل من الناخبين يتحققون من المعلومات المطبوعة على بطاقات اقتراعهم.
عام 2008، نظم أستاذ في جامعة أيوا، انتخابات رئاسية وهمية باستخدام الآلات الأكثر استخدامًا. ومن خلال البرمجة المسبقة للآلة لجعلها تغيّر كل صوت لصالح المرشح الآخر، توقع رد فعل قوي من المشاركين. وفي الواقع، قام ثلث هؤلاء فقط بفحص بطاقات اقتراعهم ولاحظوا الخلل.
وعلى مدى العقد الماضي، أجرى جيه أليكس هالديرمان، الأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، العديد من الدراسات المماثلة. وكانت النتائج أكثر إثارة للقلق: أظهر ما بين 40 بالمئة و93 بالمئة من الناس إيمانًا أعمى بآلة التصويت، ولم يلقوا نظرة خاطفة حتى على بطاقات الاقتراع المطبوعة.
الثورة من خلال
البطاقة الورقية؟
يجب أن نحذر ابتسامتها اللطيفة: راشيل توباك، المتخصصة في الهندسة الاجتماعية، من أخطر القراصنة. منذ عام 2017، تحتل المركز الثاني على منصة قراصنة قرية التصويت. استغرق الأمر أقل من دقيقتين فقط لتخترق آلة هجينة تستخدم في ثماني عشرة ولاية، وذلك باستخدام مفتاح يو اس بي فقط، والة ثانية، أقل شيوعًا وانتشارا، انهارت في نصف التوقيت.
«يتطلب ‘منجزي’ الوصول المادي إلى الجهاز. وإذا كنت خلف ستارة أو لم ينتبه المراقبون لي، فلن يستغرق الأمر سوى دقيقة واحدة لسحب المفتاح والوصول إلى الإعدادات وتنفيذ الهجوم».
يمكن تصوّر أن الآلات، بما أنها غير متصلة بشكل عام بالإنترنت، لا يمكن مهاجمتها عن بعد. هذا خطأ، كما يؤكد أندرو أبيل، الأستاذ في جامعة برينستون. ان برمجة الآلات تتم عشية الانتخابات بواسطة بطاقات يتم تحميل معلوماتها من جهاز كمبيوتر متصل. لذلك، يمكن تعديل المعلومات من المصدر. هذا دون احتساب بعض الإهمال الذي يرتكبه المصنعون: المكونات المصنوعة في الصين، والمعلومات المخزنة في صربيا أو في أمازون كلاود، برنامج قابل للتعديل عن بُعد...
سأل أحد المراسلين راشيل توباك: “ولكن ماذا نقول للأشخاص الذين يشاهدون مقاطع فيديوهات القرصنة التي تبثينها، ويعتقدون أن تصويتهم غير مهم؟”،
وكان ردها بعدم الاعتماد كثيرا على آلات التصويت.
وأضافت لتطمأن: المتخصصون الأمنيــــــــون هم أول من تطـــــــوع لإدارة مراكـــــز الاقتـــــراع. “الطريقة الوحيدة لضـمان انتخابات آمنة بنسبة 100 بالمئة هي عدم التصويت، لذلك، بدلاً من الامتناع عن التصويت، من الأفضل ممارسة الضغط على حكومة ولايتك والمطالبة بإجراء عمليات تدقيق».
حل آخر يتمثل في فرض البطاقة المكتوبة يدويًا، والتي يناضل من اجلها المزيد من الخبراء.
هذا ما فعلته مقاطعة أثينا كلارك في جورجيا في الانتخابات التمهيدية. تم اتخاذ القرار في مارس (اثر اختبار غير حاسم للآلات الجديدة)، بعد أن طرحت اللجنة الانتخابية قانونًا محليًا ينص على إمكانية اللجوء إلى بطاقات الاقتراع الورقية التقليدية إذا “ثبت أن استخدام الآلات مستحيل أو غير عملي”.
ويبدو أن عد أوراق الاقتراع (يدويًا أيضًا) قد انتهى دون عوائق، بعيدًا عن المناقشات الساخنة التي أثارت غضب بقية الولاية... فهل تحذو السلطات الأخرى حذوها؟