رغم معرفته بالوضع في أمريكا الوسطى

افتقار بايدن الرهيب لتشخيص أزمات أمريكا اللاتينية

افتقار بايدن الرهيب لتشخيص أزمات أمريكا اللاتينية

• تعتبر الكلفة السياسية لفوضى الحدود كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة
• قد يكون لإهمال واشنطن جيرانها الجنوبيين عواقب وخيمة
• لا تمثل أمريكا اللاتينية سوى 8 بالمائة من سكان العالم، لكنها تسجل 28 بالمائة من وفيات كورونا في العالم
• تستفيد موسكو وبكين إلى أقصى حد من الأسبقية الممنوحة لهما من عدم اهتمام الولايات المتحدة
• معالجة أزمة أمريكا الوسطى لا ينبغي أن تأتي على حساب أمريكا اللاتينية


   يعيش ما يقرب من 34 مليون شخص في غواتيمالا والسلفادور وهندوراس. إن مشاكل بلدان أمريكا الوسطى هائلة، بل إن مشاكل بقية أمريكا اللاتينية أكثر هولا. وحتى الآن، عالج جو بايدن وفريقه أزمة الهجرة الحادة الناجمة عن موجة المهاجرين من أمريكا الوسطى الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة.
   يدرك الرئيس الأمريكي جيدًا الوضع في أمريكا الوسطى، منذ عام 2014، عهد إليه الرئيس باراك أوباما بإدارة أزمة الهجرة في ذلك الوقت. وقد أدى ذلك إلى قيام بايدن، نائب الرئيس آنذاك، بإجراء تحقيق كامل في الوضع. وما ان وصل إلى البيت الأبيض، أزاح دونالد ترامب جانباً التقدم، الضئيل بالتأكيد، الذي أحرزه بايدن في ذلك الوقت، وركّز على بناء جدار بين المكسيك والولايات المتحدة.

اليوم، يجد بايدن نفسه في مواجهة نفس التحديات، وهذه المرة كرئيس. تعتبر الكلفة السياسية لفوضى الحدود كبيرة بالنسبة للولايات المتحدة، لذا فإن السيطرة على الأزمة يمثل أولوية للبيت الأبيض. لكن ما العمل لبقية أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي؟ ماذا تقول سياسة الولايات المتحدة في هذا؟
    ظل هذا الإهمال من جانب واشنطن لجيرانها في الجنوب هو القاعدة لعقود، حيث تعتبر مشاكل الولايات المتحدة دائما أكثر جدية وإلحاحا من مشاكل أمريكا اللاتينية. لكن تجاهل أزمات أمريكا اللاتينية قد يكون له عواقب وخيمة هذه المرة.

ديمقراطية في خطر
   إن القرن الحادي والعشرين ليس حقبة سعيدة لأمريكا اللاتينية. العملاقان في الإقليم -البرازيل والمكسيك -يقودهما شعبويون يجدون سعادة في النيكروفيليا الأيديولوجية، ويدعون بشكل أعمى إلى أفكار سبق اختبارها ولم تسفر عن أي شيء.

   ومع ذبول الأحزاب السياسية في المنطقة، وانهيار الاقتصاد، أصبحت الديمقراطية في خطر. في بيرو، سيتنافس مرشحان احلاهما مر في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. في الإكوادور، سيتعين على الرئيس المنتخب، الذي يبدو عقلانيًا، التعامل مع كونغرس مجزأ وفاسد، مما قد يجعل حكمه صعبًا للغاية. الشيلي، التي كانت مستقرة سياسياً في العقود الأخيرة، لم تعد كذلك، والأرجنتين لا تزال هي الأرجنتين، بل أسوأ. أما البرازيل، فهي تستعد لصراع جبابرة الشعبوية: بولسونارو ضد لولا. وفي الوقت الذي تفشل فيه السياسة ويتبادل السياسيون الشتائم، فإن أمريكا اللاتينية، التي لا تمثل سوى 8 بالمائة من سكان العالم، تسجل 28 بالمائة من الوفيات المرتبطة بفيروس كورونا في العالم.

   في حقبة أخرى في الولايات المتحدة، حاولت حكومة ديمقراطية وسطية تنشيط الاقتصادات ووجدت طرقًا لحماية الديمقراطية. إن تحفيز التجارة بين أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة، على سبيل المثال، فكرة وثيقة الصلة بالموضوع. اليوم، لم يتم حتى ذكر ذلك، ولسبب وجيه: الروح المناهضة للعولمة التي تسود داخل الحزب الديمقراطي.

   كسّر تقليدا عمره ثلاثة عقود، لم يطلب الرئيس بايدن حتى من الكونغرس (الذي يسيطر عليه حزبه) سلطة التفاوض على اتفاقات تجارية مع دول أخرى. وسيكون لاتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والبرازيل، والتي يمكن أن تنضم إليها دول أخرى، تأثير إيجابي كبير. لسوء الحظ، لا أحد يعتقد أنه يمكن القيام بذلك. لم يأتِ فريق بايدن حتى بأفكار جديدة بخصوص نيكاراغوا وفنزويلا، رغم أن الديمقراطية لم تعد موجودة في هذين البلدين.

بمثابة الدرس
   إليكم الحقيقة: تخلت واشنطن عن أمريكا اللاتينية أثناء الوباء. واضطر حلفاؤها الأبديون إلى التفاوض بشأن اللقاحات الروسية والصينية. من جانبهما، تستفيد موسكو وبكين إلى أقصى حد من المزايا الممنوحة لهما من عدم اهتمام الولايات المتحدة. وقد اكتفت حكومة بايدن بتحذير حلفائها الإقليميين من أن تبني تكنولوجيا هواوي كجزء من تطوير شبكاتها للجيل الخامس أمر غير مقبول. في غضون ذلك، توزع الصين ملايين اللقاحات في المنطقة.

   في أمريكا اللاتينية، تتعرض الديمقراطية لاختبار قاس. الزعماء ذوو الميول غير الديمقراطية لا يحكمون الآن البرازيل والمكسيك فحسب، بل يحكمون أيضًا الأرجنتين وبوليفيا وقريبًا بيرو. في كولومبيا، بعد مرور أكثر من عام على الانتخابات، يتصدّر مرشح يساري متطرف الانتخابات، وبذلك يمكن أن تفقد الولايات المتحدة أقوى حليف لها.

   يجب أن يثير هذا الوضع قلق واشنطن. في النهاية، إذا كان فشل ثلاث دول صغيرة في أقصى شمال أمريكا الوسطى يمكن أن يلحق الكثير من الضرر بحدودها الجنوبية، فليس من الصعب تخيل ما يمكن أن يحدث إذا حدث نفس الشيء في أكبر البلدان. يجب أن تكون حالة فنزويلا، التي ولّدت حتى الان ما يقرب من 6 ملايين مهاجر، بمثابة الدرس: يمكن للديمقراطيات الكبرى أيضًا أن تنهار وتزعزع استقرار بقية المنطقة.    المؤكد، أن هذه الأزمة في أمريكا الوسطى تستحق الاهتمام. ويجب التغلّب  على القوى التي تدفع عائلات بأكملها إلى مغادرة بلدانها أو إرسال أطفالها الصغار وحدهم في رحلة خطيرة للغاية. ومع ذلك، فإن معالجة أزمة أمريكا الوسطى لا ينبغي أن تأتي على حساب أمريكا اللاتينية.

----------------------------------------------
* كاتب في العديد من أكبر الصحف العالمية، وعضو فخري في مؤسسة كارنجي للسلام الدولي. وكان رئيس تحرير فورين بوليسي طيلة 14 عاما. قبل وصول شافيز إلى السلطة، كان وزير التجارة والصناعة ومدير البنك المركزي الفنزويلي والمدير التنفيذي للبنك الدولي. وهو مؤلف لأكثر من اثني عشر كتابًا منها الكتاب الأسود للاقتصاد العالمي: المهربون والمتاجرون والمزورون، ونهاية السلطة: من غرف الاجتماعات إلى ساحات المعارك ومن الكنائس إلى الدول، لماذا أن تكون مسؤولًا لم يعد كما كان من قبل.