يأتي 40 بالمائة من ناخبيه من هذه الفئة

الإنجيليون البيض، رأس حربة الترامبية...!

الإنجيليون البيض، رأس حربة الترامبية...!

-- الشعور القوي بالتعرض للتهديد يفسر دعمهم غير المشروط والعنيف لدونالد ترامب
-- يرون التمييز ضد البيض أكثر أهمية من التمييز ضد السود
-- الطبيعة المتطرفة لمواقفهم تبعدهم عن المسيحيين الآخرين
-- لا يمنحون الحزب الجمهوري ناخبيه فحسب، بل تزوده أيضًا بسلاحه الأيديولوجي
-- تخلى الإنجيليون البيض عن الحزب الديمقراطي بعد قانون حقوق التصويت عام 1960
-- الإنجيليون البيض يعتبرون أن الثقافة الأمريكية قد تغيّرت إلى الأسوأ منذ الخمسينات
-- يفضلون دولة ذات غالبية مسيحية، في حين تؤيد المجموعات الأخرى التنوع الديني


   أظهرت الانتخابات الرئاسية الأمريكية أن البروتستانت الإنجيليين البيض يظلون العمود الفقري لترامب، والعمود الفقري للحزب الجمهوري. ورغم أنهم لا يتجاوزون 18 بالمائة من السكان، فإنهم يمثلون حوالي ربع الناخبين.  بقيت تعبئتهم الانتخابية أعلى بكثير من المتوسط.
 وعشية الانتخابات، قال 90 بالمائة منهم إنهم واثقون من أنهم سيصوتون، وصوت ما يقرب من 80 بالمائة لصالح دونالد ترامب. ووصلت هذه النسبة إلى 89 بالمائة في جورجيا و86 بالمائة في ولاية كارولينا الشمالية.   وفي الولايات الجنوبية، يشكلون السد الذي يحاول منع الموجة القوية للتغيير الديموغرافي والثقافي. وفي المجموع، يأتي ما يقرب من 40 بالمائة من ناخبي ترامب من هذه الفئة من السكان.
   لا تمنح مجموعة الإنجيليين البيض الحزب الجمهوري ناخبيه فحسب، بل تزوده أيضًا بعموده الفقري الأيديولوجي، الذي يعد الدفاع عن تفوق الرجل الابيض ركيزته الأساسية.

وحول هذا الموضوع ارتبطت علاقتهم بترامب، الذي يمثل في أعينهم مبعوث الله المكلف بالدفاع عن رؤيتهم للمجتمع.     ويعتقد روبرت جونز، رئيس المعهد العام لأبحاث الدين، ومؤلف كتاب “أبيض طويل جدًا: إرث تفوق البيض في المسيحية الأمريكية”، الصادر في يوليو 2020، أن ارتباط الإنجيليين البيض بدونالد ترامب لم يكن مضمونا رغم دعوته للحفاظ على تفوق العرق الأبيض، ولكن بسببه. وقد أظهر مسح القيم الأمريكية في سبتمبر الماضي، على سبيل المثال، أن الغالبية العظمى من الإنجيليين البيض يعتقدون أن مقتل الأمريكيين السود مجرد حوادث معزولة، وإنهم يرفضون فكرة أن العبودية والتمييز الطويل الذي تعرضوا له يمكن أن يفسر الصعوبة التي يواجهها السود في النجاح في المجتمع الأمريكي.

   للتذكير، تخلى الإنجيليون البيض عن الحزب الديمقراطي بعد قانون حقوق التصويت لعام 1960، وأصبحوا قوة سياسية نشطة في أوائل السبعينات للدفاع عن الحظر المفروض على المواعدة بين الأعراق والذي تم تقديمه عام 1950 في جامعة بوب جونز -وهي جامعة مسيحية إنجيلية أصولية خاصة -وألغي عام 2000. وبررت إدارة هذه الجامعة في ذلك الوقت هذا الحظر بحجة أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن الله خلق البيض والسود. ولم تقبل جامعة بوب جونز الطلاب السود حتى السبعينات.

   إن الإنجيليين البيض هم أيضًا في طليعة المدافعين عن حظر الإجهاض، ولم يعتبروه رهانا سياسيا الا في أوائل الثمانينات ثم جعلوه أحد معاركهم الرئيسية. إنهم يعتقدون أن المجتمع الأمريكي أصبح أكثر “لينًا وأنثويًا” ويعارضون زواج المثليين.
   وحسب زعيم ديمقراطي، فإن الأمريكيين الذين يفضلون تفوق البيض، يصوتون للجمهوريين، والذين ليسوا كذلك يصوتون للديمقراطيين. وهذه الرؤية هي بلا شك اختزالية، ولكن لا شك في أن واحدة من الانقسامات الرئيسية في المجتمع الأمريكي لا تزال تلك التي تقيم تعارضا بين المسكونين بالحنين إلى بلد يسيطر فيه البيض على الآخرين، وأن التصويت الهائل للإنجيليين البيض لترامب يكشف صمود ومقاومة هذا الحنين.

جماعة في موقع دفاعي
   بين 2009 و2019، شهد البروتستانت الإنجيليين البيض انخفاضًا في نسبتهم من السكان الأمريكيين من 21 بالمائة إلى 18 بالمائة، بينما انخفض غير المنتمين إلى دين من 15 إلى 28 بالمائة في نفس الوقت (مركز بيو للأبحاث). بشكل عام، انخفض عدد السكان المسيحيين بالكامل من 77 بالمائة إلى 65 بالمائة.
   وحدث هذا التطور من خلال عملية استبدال الأجيال من الأقدم إلى الأصغر من الأجيال الأربعة الحالية، وتمثل نسبة المسيحيين، على التوالي، 84 بالمائة و76 بالمائة و67 بالمائة و49 بالمائة من أفراد هذه الأجيال، بينما يمثل غير المنتسبين 10 بالمائة و17 بالمائة و25 بالمائة و40 بالمائة.

   وبين 2009 و2019، مرّ عدد المسيحيين من 178 إلى 167 مليونًا، بينما انخفض عدد غير المنتسبين من 39 إلى 68 مليونًا. وصوّت السكان الذين يتزايد عددهم بسرعة بنسبة الثلثين لصالح بايدن. ويصف روبرت جونز الوضع الحالي للإنجيليين البيض على النحو التالي: “آلة استعادة الزمن، حيث يكون للتصويت الضخم للمسيحيين الإنجيليين البيض تأثير في إعادة عقارب الساعة الديموغرافية إلى الوراء بنحو عقد».

   إن الإنجيليين البيض، بسبب تعبئتهم القوية، يخفون صعود شباب متعدد الأعراق وجماهير علمانية إلى حد كبير. ويوضح جونز، أن الجيل زاد، الذي ولد أعضاؤه بعد عام 1996، ولم يتم تضمينهم في المسح أعلاه، “أكثر تقدمية في عدد من الرهانات، وأكثر دعمًا لمجتمع تعددي دينيًا وعرقيا، ويتقبلون بشكل خاص رسالة الحزب الديمقراطي «.

   وهكذا يشعر الإنجيليين البيض بالتهديد. وعند سؤالهم عما إذا كان هناك تمييز ضد البيض والسود، يقول 75 بالمائة من الأمريكيين إن السود يتعرضون للتمييز، و32 بالمائة البيض. والإنجيليون البيض هم الوحيدون الذين يعتقدون أن التمييز ضد البيض أكثر أهمية من التمييز ضد السود. فبالنسبة لهم المسالة العنصرية موجودة ولكن البيض هم الضحايا الرئيسيون. وعلى النقيض من ذلك، يعتقد غير المنتسبين بأغلبية ساحقة أن السود هم الذين يتعرضون للتمييز.

   الإنجيليون البيض هم الأكثر عددا (67 بالمائة) بين من يعتبرون أن الدين يفقد تأثيره في المجتمع الأمريكي. لكن في نفس الوقت، تميل الطبيعة المتطرفة لمواقفهم إلى إبعادهم عن المسيحيين الآخرين. فبينما صوتوا عام 2020 بأغلبية ساحقة، كما في عام 2016، لصالح ترامب، قام الكاثوليك والبروتستانت غير الإنجيليين هذه المرة بتقسيم أصواتهم بين المرشحين. عند الكاثوليك البيض، الفارق الذي كان 24 نقطة عام 2016 لصالح ترامب، أصبح 13 نقطة فقط عام 2020 (58 بالمائة مقابل 71 بالمائة عام 2016).

   فيما يتعلق بمسألة العدالة العرقية، كتب جونز: “هناك تصدّع في جدار المسيحيين البيض: الكاثوليك البيض أقل انجذابًا إلى الخطاب العنيف الذي يصاحب مخاوف   الإنجيليين البيض. لديهم نظرة أكثر خيرية للمهاجرين والمسلمين والأمريكيين السود والمثليين”. وربما ساهمت حقيقة أن بايدن هو ثاني رئيس كاثوليكي بعد كينيدي، في تطور التصويت الكاثوليكي الأبيض. وهكذا فإن الكنيسة الكاثوليكية منقسمة مثل الشعب الأمريكي كله.
   الإنجيليون البيض هم الأكثر عددا أيضًا (57 بالمائة) بين الذين يعتبرون أن الثقافة الأمريكية قد تغيّرت إلى الأسوأ منذ الخمسينات، وهم المجموعة الوحيدة التي عبّرت عن تفضيلها لدولة ذات غالبية مسيحية، في حين أن المجموعات الأخرى تؤيد التنوع الديني.

   كتبت دانا ميلبانك: “لقد أصبح الإنجيليون البيض، في الجوهر، جزيرة معزولة بعيدة عن الشاطئ، ويبتعد سكانها ببطء، ولكن بثبات، عن البر الرئيسي الأمريكي. وستفقد جزيرة الإنجيليين البيض المتلاشية تأثيرها على أمريكا في نهاية المطاف. وهذا الشعور القوي بالتعرض للتهديد يفسر دعم الإنجيليين البيض غير المشروط والمعبر عنه بطريقة هجومية لدونالد ترامب.

   على سبيل المثال، صرح مؤخرًا أحد أعضاء مركز فالكيرك للأبحاث التابع للجامعة الإنجيلية الخاصة جامعة ليبرتي، ديفيد هاريس جونيور: “إذا كنتم مؤمنين، وتعتقدون مثلي أن الله عيّن دونالد ترامب لقيادة هذا البلد، وأنه سيعاد انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، إذن أيها الأصدقاء، عليكم أن تحموا قلوبكم، وعليكم حماية سلامكم... نحن الآن في حالة حرب”. من جانبه، يعتقد جيم غارلو، قس إنجيلي، أن هدف وزارته هو تقديم مبادئ الحكم الإنجيلية للقادة السياسيين. وقال: “السيد بايدن والسيدة هاريس على رأس أيديولوجية معادية للمسيح ومناهضة للكتاب المقدس في جوهرها.

   إن خوف الإنجيليين من فقدان سلطتهم السياسية، تم التعبير عنه بشكل أوضح على قناة فوكس نيوز مؤخرًا على لسان السناتور عن ولاية كارولينا الجنوبية ليندسي جراهام، وهو نفسه مسيحي إنجيلي، يقف حاليًا في الخطوط الأمامية في محاولة إبطال التصويت الرئاسي لجورجيا لصالح بايدن: “إذا لم يتحدَّ الجمهوريون نظام الانتخابات الأمريكية ويغيرونه، فلن يتم انتخاب رئيس جمهوري آخر مرة أخرى... بهذه الكلمات القليلة قيل كل شيء.