موجة زرقاء فوق شبه الجزيرة:

الإيطاليون يستعدون لتتويج اليمين المتطرف...!

الإيطاليون يستعدون لتتويج اليمين المتطرف...!

-- المصعد الاجتماعي للطبقات الوسطى ليس معطوبًا فحسب، بل ستعاني الأجيال الشابة من وضع أسوأ من وضع آبائهم
-- طول عمر هذا التحالف سيعتمد كثيرًا على السياق الدولي، وأوكرانيا وأوروبا على وجه الخصوص
-- لا أحد يخشى عودة القمصان السوداء، والتهديد موجود في مكان آخر
-- مشروع جيورجيا ميلوني الأوروبي واضح، إنه مشروع أوروبا الأمم التي تمنح صلاحيات وطنية
-- ستكون انقسامات اليمين حاسمة عند تشكيل الحكومة، ففي القضايا الدولية، التحالف منقسم


يقترع الإيطاليون الأحد في انتخابات تشريعية مبكرة بعد استقالة رئيس الحكومة ماريو دراجي، في يوليو الماضي، بعد ان تخلى عنه حلفاؤه.
خلال سبعة عشر شهرًا، نجح الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي في تشكيل حكومة وحدة وطنية والبدء في إصلاحات لتحديث الإدارة والعدالة بشكل خاص.

وكان من المقرر الشروع في إصلاحات اخرى في النصف الثاني من عام 2022.
   عشية الانتخابات التشريعية في 25 سبتمبر، يحتلّ اسم الصفحات الأولى للجرائد، خارج حدود البلاد، اسم جيورجيا ميلوني، رئيسة فراتيلي ديتاليا. فحزب ما بعد الفاشية يتصدّر نوايا التصويت بنسبة 25 بالمائة من الأصوات، متقدماً على الحزب الديمقراطي بزعامة إنريكو ليتا، الذي فشل في تحقيق الوحدة في الوسط وعلى اليسار، وتتبع حركة 5 نجوم بنسبة 13 إلى 15 بالمائة.

  افتك الحزب زعامة الائتلاف اليميني متقدما على الرابطة بقيادة ماتيو سالفيني نسبة 12 بالمائة، وفورزا إيطاليا لرجل الاعمال الثمانيني سيلفيو برلسكوني نسبة 8 بالمائة. ويمكن لهذا التحالف أن يفوز بأكثر من 60 بالمائة من مقاعد البرلمان.

    وسيختار الإيطاليون خلال هذه الانتخابات ممثليهم في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، المجلسين اللذين لهما نفس الصلاحيات.
   هكذا، يبدو انه بعد المسيحية الديمقراطية ثم فورزا إيطاليا أو الرابطة، جاء دور فراتيلي ديتاليا. تتمتع ميلوني، بميزة رئيسية، وهي التجديد... انها شابة، والوحيدة التي بقيت في معارضة حكومة ماريو دراجي.

   أن “قطاعات كاملة من المجتمع تسعى إلى أن تكون ممثلة، يحلل ماسيميليانو فاليري، مدير سينسيس، وهو معهد أبحاث اجتماعي واقتصادي مشهور، لقد تغيّر العالم، ويبحث الإيطاليون عن الحماية من المخاطر الجديدة، مثل خطر التضخم بنسبة 10 بالمائة، والذي سيكون تأثيره أكثر خطورة من تأثير الوباء”.

 ويذكر الفيلسوف تكوينا، أن إيطاليا هي الدولة الغربية الوحيدة التي انخفضت فيها الأجور بنسبة 3 بالمائة منذ عام 1990، بينما ارتفعت بنسبة 30 بالمائة في ألمانيا وفرنسا. ان “المصعد الاجتماعي للطبقات الوسطى ليس معطوبًا فحسب، بل ستعاني الأجيال الشابة من وضع أسوأ من وضع آبائهم».

   وهذا ما لم يتوقعه اليسار، أو تغاضى عنه، كما يتفق معظم المراقبين. والأحد المقبل، قد يتراجع الحزب الديمقراطي بقيادة إنريكو ليتا إلى 20 فاصل 5 بالمائة، مما يرسل تحالف يسار الوسط الذي يقوده إلى المعارضة. ويرى كثيرون ان شرخا اليوم ينتصب بين الشعب واليسار الايطالي ، حيث عجز هذا الاخير على التعامل مع المشاكل الاقتصادية.
   ان الزحف مذهل... من 4 فاصل 3 بالمائة في الانتخابات التشريعية 2018، يمكن أن يمرّ فراتيلي ديتاليا إلى 24 بالمائة -25 بالمائة من الأصوات يوم الأحد. وهذا لا يعني أن ربع الناخبين الإيطاليين يتحسّرون على موسوليني، لكن من الصعب تجاهل جذور الحزب.

دعاية
   عام 1996، أوضحت جيورجيا ميلوني، في تقرير لقناة فرنسا 3، أن بينيتو موسوليني كان “سياسيًا جيدًا”... “كل ما فعله، كان من أجل إيطاليا، ولا نجد ذلك في السياسيين الذين مروا على مدى السنوات الخمسين الماضية”، قالت الناشطة الشابة.
   بالتأكيد، كانت رئيسة فراتيلي ديتاليا تبلغ من العمر 19 عامًا، وقد تغيّر خطابها كثيرًا. مستعدة للحكم، فهي تحافظ على انضباط قواتها، وبالتالي استبعدت، قبل أيام قليلة، مرشحًا أطلق العنان للإشادة بهتلر على الشبكات الاجتماعية. لكن داخل الحركة الاجتماعية الإيطالية، التي أسسها أنصار موسوليني بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت مسيرتها السياسية. تصف جيورجيا ميلوني نفسها بأنها “محافظة”، لكنها تحافظ على غموض علاقتها بالفاشية.

   تم تأسيس فراتيلي ديتاليا عام 2012 على أساس الحنين إلى عهد موسوليني، ويحتوي الشعار على شعلة ثلاثية الألوان الأخضر والأبيض والأحمر، مستعار من الحركة الاجتماعية الإيطالية السابقة، الوريث المباشر للفاشية.
   ومع ذلك، لا أحد يخشى عودة القمصان السوداء. والتهديد موجود في مكان آخر، يعتقد أستاذ العلوم السياسية كارلو جالي من جامعة بولونيا: “أحد المخاطر الرئيسية هو التغيير الجذري في السردية السياسية السائدة، في ما نعلّمه في المدرسة، على سبيل المثال.

ولد الدستور في إيطاليا من النضال ضد الفاشية، وولد من المقاومة، ومن بين الأحزاب التي لم تنضم إليه كانت الحركة الاجتماعية الإيطالية. تخيلوا ماذا يعني أن تروا ورثتها يصلون إلى السلطة من خلال صندوق الاقتراع.
 ليس الأمر أنهم فاشيون بالمعنى الصحيح، لا، لكن يمكن القول إنهم ليسوا مندمجين تمامًا في الشرعية الجمهورية».

تحالف واحد ومنافسة ثلاثية
   لكن فراتيلي ديتاليا لن يصعد إلى السلطة بمفرده. إنه تحالف يميني يقدم نفسه للناخبين. وتأتي الرابطة القومية بقيادة ماتيو سالفيني في المركز الثاني بنسبة 12 بالمائة من نوايا التصويت، بينما يحتل فريق فورزا إيطاليا بقيادة سيلفيو برلسكوني المركز الثالث بنسبة 6 بالمائة -7 بالمائة من الأصوات، وفقًا لاستطلاعات الرأي.

   «الديناميكية جيدة جدًا ليمين الوسط”، هذا ما يقوله ماركو فالبريزي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بولونيا، قبل ان يتابع: “ما زلت أقول يمين الوسط، لكن عنصر اليمين هو الطاغي. علاوة على ذلك، فإن السؤال اليوم هو ما إذا كان يمكن لقوتي اليمين المتطرف، فراتيلي ديتاليا والرابطة، الحصول على الأغلبية بمفردهما -بدون المكون الصغير المعتدل من حزب فورزا إيطاليا بزعامة برلسكوني. هذه فرضية ليست بعيدة الاحتمال على الإطلاق، والتي من شأنها أن تحوّل محور الحكومة بقوة نحو المكونات الأكثر راديكالية في الائتلاف».

   بناءً على استطلاعات الرأي، يحق لجورجيا ميلوني المطالبة بقيادة البلاد، الا ان الصراع سيكون مريرا داخل الائتلاف لتشكيل فريق حكومي قادر على الحصول على موافقة رئيس الجمهورية. باستثناء “عدد قليل من الشخصيات الكبيرة ذات الخبرة والمعترف بها من حكومات برلسكوني السابقة، فإن لليمين عدد قليل جدًا من الموظفين السياسيين، يعتقد كارلو جالي، وهذه مشكلة، لأن جودة الكادر مهمة، وكيف! المجهول الآخر هو إلى متى يمكن للتحالف أن يقاوم الانقسامات. رغم ما يجمع بينهم من قيم مشتركة “الأسرة التقليدية، والليبرالية الاقتصادية، والمسيحية، وما إلى ذلك”، إلا أن الأحزاب الثلاثة تشقّها أيضًا العديد من الاختلافات.

   تم تجميدها في بداية الحملة، بدأت في الظهور مجددًا، يشير أستاذ العلوم السياسية ماركو فالبريزي، الذي ذكر من بين الموضوعات الخلافية، استخدام أموال الاتحاد الأوروبي للتعافي -والتي تعد إيطاليا المستفيد الرئيسي منها -وتخصيصها، والإصلاحات التي يجب ان ترافقها؛ دعم أوكرانيا؛ المواقف بشأن العقوبات على روسيا، على سبيل المثال لا الحصر. وستكون هذه الانقسامات حاسمة عند تشكيل الحكومة. بشكل عام، فيما يتعلق بالقضايا الدولية، فإن التحالف منقسم».

ماذا عن أوروبا؟
   الشرخ الأول، وليس أقله، يتعلق بالاتحاد الأوروبي. ثالث اقتصاد من بين 27، تعدّ إيطاليا أيضًا من بين أفضل 10 قوى عالمية. وإذا كانت فورزا ايطاليا، بصفتها عضوًا في حزب الشعب الأوروبي في بروكسل، في قلب وأصول البناء الأوروبي، فمن الواضح أن الطرفين الآخرين يقفان إلى جانب الحكومات القومية وغير الليبرالية.

   الرابطة، هي عضو في مجموعة الهوية والديمقراطية، مع الحزب الحاكم في المجر، وفراتيلي ديتاليا، هو عضو في حزب المحافظين الأوروبيين والإصلاحيين مع الحزب الحاكم في بولندا، وأيضا مع اليمين المتطرف للديمقراطيين السويديين وحزب فوكس في إسبانيا. ان مشروع جيورجيا ميلوني الأوروبي واضح، إنه مشروع أوروبا الامم التي تمنح صلاحيات وطنية.

   الخلاصة، ليس هناك ما يضمن أن هذا الفريق غير المتجانس سيبقى متحداً. و”طول عمر هذا التحالف سيعتمد كثيرًا على السياق الدولي، وأوكرانيا وأوروبا على وجه الخصوص، يتوقع روبرتو ديليمونتي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الدولية الحرة للعلوم الاجتماعية في روما، إذا استمر الاتحاد الأوروبي في تخفيف القواعد الضريبية وزيادة الديون، كما فعل في أزمة كوفيد، فسوف يساعد ذلك الحكومة على الصمود. تم الإعلان عن ركود عام 2023، وعندما يعيش 10 بالمائة من السكان تحت خط الفقر، عندها ستكون عودة حكومة وحدة وطنية محتملة مع عدم استقرارها المزمن.

   ناهيك عن التنافس على القيادة بين ميلوني وسالفيني، أو خلافاتهما حول التنمية الاقتصادية بين شمال وجنوب البلاد، أو استجابتهما لأزمة الطاقة.
   وقد ظهر التنافس بين ميلوني وسالفيني حول ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء هذا الأسبوع. اقترح سالفيني خطة ضخمة لمساعدة الأسر والشركات، ورفضت ميلوني زيادة ديون البلاد، وهي ثاني أكبر ديون في منطقة اليورو.    وما هو ثقل فورزا إيطاليا في الميزان؟ هذا هو أحد المفاتيح لما بعد 25 سبتمبر. وفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة، في مواجهة يسار وسط مجزأ وتدحرج حركة 5 نجوم -رغم انتعاشها الان -فإن نسبة 47 بالمائة من الأصوات التي تُنسب إلى التحالف اليميني يمكن أن تترجم إلى أكثر من 60 بالمائة الى 65 بالمائة من المقاعد في البرلمان... أي موجة زرقاء فوق شبه الجزيرة بأكملها.