آلام في الرقبة والعمود الفقري والأكتاف واليد
الاستخدام المفرط للتكنولوجيا.. كيف تتجنب أضرارها وأعراضها الجانبية؟
ساعات طويلة من العمل المكتبي يقضيها قطاع كبير من الناس في العالم، جالسين على المكاتب ينظرون إلى شاشات الكمبيوتر، وبعد انتهاء عملهم يجلس عدد كبير منهم على الأريكة في منزله ممسكاً بهاتفه المحمول كأنه وسيلته للاسترخاء والراحة، وعلى مدار اليوم لا ينفصل عن الأجهزة التكنولوجية بجميع أنواعها.
هذه الحال لها تأثير كبير في صحة الإنسان بأشكال متعددة، أبرزها آلام العظام والرقبة والعمود الفقري، إذ تعتمد أعمال قطاع كبير من الأشخاص على الجلوس ساعات طويلة أمام شاشات الكمبيوتر بلا حراك، إضافة إلى صغار السن الذين يمضون ساعات طويلة ممسكين بالهواتف أو الأجهزة اللوحية أو حتى ذراع الألعاب الإلكترونية.
أعراض جديدة
نتج من هذا الوضع ظهور مصطلحات جديدة أضيفت إلى الأعراض والحالات المعروفة في عالم طب العظام، التي يتعامل معها أطباء العظام بصورة مستمرة، ومن بينها "رقبة التقنية" أو "متلازمة عنق النص"، وهو مصطلح يشير إلى آلام الرقبة المزمنة الناتجة من الوضع المائل للرأس عند استخدام الأجهزة الإلكترونية لفترات طويلة، وعند الثبات على هذا الوضع فترات طويلة، مما يؤدي إلى زيادة الضغط على عضلات الرقبة والعمود الفقري، بالتالي ألم وتيبس في الرقبة والكتفين وحتى مناطق أخرى من الجسم.
وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة "مايو كلينيك" الأميركية، يزن متوسط رأس الشخص البالغ ما بين 4.5 و5.5 كيلوغرام، لكن ثنيه للأمام بصورة مستمرة بزاوية 45 درجة للنظر إلى الهاتف الجوال أو الجهاز اللوحي يمكن أن يزيد بصورة كبيرة من احتمالية الحصول على "رقبة تقنية".
وأظهرت دراسة أجرتها جمعية تقويم العمود الفقري البريطانية، أن الإفراط في استخدام الهواتف المحمولة يتسبب في كثير من المشكلات الصحية لما يقرب من 45 في المئة ممن هم دون الـ30، وأبرزها الآلام الحادة في الظهر والرقبة.
أستاذ جراحة العظام بجامعة عين شمس خالد عمارة، يقول "مع أي تطور تكنولوجي تحدث تغيرات في حياة البشر مثلما حدث وقت اختراع السيارات على سبيل المثال، فنتج من ذلك أن الناس أصبحوا يمشون لمسافات أقل، ويعتمدون على السيارات والمواصلات عموماً، مما أدى إلى إصابتهم بضعف في عضلات الساقين والفخذين، فحالياً عضلات أرجل البشر أضعف من أمثالهم الذين عاشوا قبل 200 أو 300 سنة، وليس الحل بالطبع في عدم استخدام السيارات وإنما في تعويض هذا الضعف بالرياضة وتقوية العضلات. الشيء نفسه حدث مع اختراع الكمبيوتر والموبايل والشاشات عموماً، التي أصبحت جزءاً رئيساً من حياة البشر لا يمكن الاستغناء عنها، لكن لابد أيضاً من العمل على تعويض الضرر والمشكلات المترتبة على استخدامها".
ويوضح عمارة "عندما يتابع الإنسان شيئاً باهتمام يكون في البداية جالساً بصورة جيدة، لكن مع الاستغراق في التركيز يبدأ بالجلوس في وضعيات خاطئة تسبب ألماً في الرقبة والعمود الفقري والأكتاف والظهر، من هنا فثمة ضرورة لتعديل طبيعة العمل لتكون صحية بصورة أكبر، ومراقبة الوقت المنقضي أمام الشاشات حتى لو وضع الشخص منبهاً لتذكيره بأن عليه القيام وتغيير وضعية جسمه كل ساعة على سبيل المثال".
نمط الكورونا
مع انتشار جائحة كورونا عام 2020 وما تبعها من حظر وجلوس في المنازل لفترات طويلة، وكذلك اعتماد فكرة العمل من المنزل التي فضلتها بعض الشركات واعتمدتها في قطاع من أعمالها حتى بعد انتهاء الجائحة، كانت واحدة من النتائج المترتبة على هذا الوضع انتشار آلام الظهر نتيجة قلة الحركة والجلوس لفترات طويلة وزيادة الوزن عند بعض الناس، وأشار المتخصصون إلى أن العمل من المنزل يتطلب تخصيص مكان بسيط يتلاءم مع الجلوس لساعات طويلة أمام الكمبيوتر، بعكس ما يفعله كثيرون من العمل على طاولة الطعام، أو على أريكة غرفة المعيشة، أو حتى وضع اللابتوب على الأرجل والجلوس في الفراش، فكلها أوضاع خاطئة ينتج منها ألم شديدة في الظهر والرقبة.
يشير مصطلح "إصبع الزناد التكنولوجي" إلى حال تشنج أو انغلاق في الأصابع وبخاصة الإبهام نتيجة الاستخدام المفرط للأجهزة التكنولوجية مثل الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، وتحدث هذه الحال بسبب التهاب الأوتار في الأصابع نتيجة للحركات المتكررة والتشنج الناتج من استخدام هذه الأجهزة.
ظهر كذلك مصطلح "إبهام الهاتف الذكي"، وهو يشير إلى الآلام والالتهابات التي قد تصيب إبهام اليد نتيجة الاستخدام المفرط للهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، بخاصة عند التصفح أو الكتابة لفترات طويلة نتيجة الإجهاد الذي يحدث للأوتار والعضلات وينتج منه ألم وتورم وحتى صعوبة في الحركة، وقد يحدث هذا أيضاً عند الاستخدام المفرط لذراع الألعاب الإلكترونية لفترات طويلة.
يقول عمارة "تأثرت اليد باستخدام الأجهزة التكنولوجية بأشكال مختلفة، من بينها استعمال الماوس الخاص بالكمبيوتر لفترات طويلة، وثبات اليد على هذا الوضع له أضرار كثيرة نتيجة الجلوس في وضع خاطئ مع أعصاب مشدودة لفترة طويلة. في الوقت نفسه لا بد من مراعاة الوضعية المناسبة للجلوس، وأن تكون الشاشة في مستوى العين فلا يثني الرقبة للأسفل لفترات طويلة، واختيار كرسي مريح بظهر مستقيم حتى يجلس الشخص وظهره مفرود".
تقليل الأخطار
في السنوات الأخيرة أصبح هناك انتشار كبير للأعراض كافة المرتبطة بنتائج وتأثيرات استخدامات الأجهزة التكنولوجية في العمود الفقري والأيدي بين الشباب وصغار السن نتيجة الاستخدام المفرط للهواتف، فنشرت دراسة بعنوان "تأثير استخدام الهواتف الذكية في أعراض الجهاز العضلي الهيكلي لطلاب الجامعات" في مجلة الطب المهني والبيئي، أجريت على 200 طالب في جامعات أميركية، ووجدت أن الطلاب الذين يستخدمون الهواتف لأكثر من أربع ساعات يعانون بصورة أكبر آلام الظهر والرقبة، وكلما كانت الأوضاع غير صحيحة مثل الانحناء المفرط للرأس زادت الأعراض بصورة أكبر.
وباعتبار أن التكنولوجيا الحديثة وأجهزة الهاتف المحمول لا تفارق أيدينا، ولا مفر من العمل لساعات طويلة أمام شاشات الكمبيوتر، فمن الضروري اعتماد نظام حياة يهدف لتقليل الأضرار التي تتسبب فيها على العمود الفقري والأكتاف والرقبة واليد.
يقول أستاذ جراحة العظام "لا بد من الحرص على تحسين حال العضلات لمواجهة الضغط الذي تتعرض له عن طريق ممارسة الرياضة يومياً، أو في الأقل ثلاث مرات أسبوعياً لمدة نصف ساعة أو أكثر، واختيار أي نوع رياضة مناسب بحسب الظروف، سواء الذهاب للجيم أم الجري أم الأيروبكس، أو حتى التمرينات في المنزل، فالرياضة بكل صورها مهمة جداً لتقوية العضلات، وأخيراً لا بد من تحديد وقت لاستخدام الموبايل،
والتعامل معه باعتدال، والحرص على عدم الإمساك به بوضع خطأ، وترشيد أسلوب التعامل مع التكنولوجيا بصورة عامة حفاظاً على أنفسنا من أضرارها وأعراضها الجانبية".