السيناريو المُتصور جديرٌ بفيلم كارثي :

التايوانيون يخشون غزو الصين جزيرتَهم بحلول عام 2027


ماء، طعام، ضمادات شاش، مناديل ورقية، قناع تنفس، قفازات... في فيديو على يوتيوب بعنوان «عملية 2027»، تُعدد الصحفية التايوانية الشهيرة فان تشي-في العناصر الموجودة في حقيبة النجاة الخاصة بها.
 تقول: «هذا الشريط اللاصق « تستخدمه عند التواء كاحلها!»، في إشارة إلى مسلسل أمريكي يتخيل عالمًا ما بعد نهاية العالم تستخدمه فيه الشخصية الرئيسية في هذا المسلسل الذي يحمل عنوان «ذا لاست أوف أس « .
 مؤخرًا، لاقت حقائب النجاة رواجًا كبيرًا على وسائل التواصل الاجتماعي، مدفوعةً بشائعات عن «زلزال هائل» محتمل، ومخاوف من غزو صيني. وبالفعل: من 9 إلى 18 يوليو، تدرب الجيش التايواني لأول مرة في تاريخه لصد «هجوم محتمل من الصين في عام 2027 « .السيناريو المُتصور هذا العام جدير بفيلم كارثي: سيتدرب الجيش على الرد على أساليب المضايقة المختلفة التي قد يستخدمها الجيش الصيني، سواءً في حالة إنزال أو هجوم. خنق تايوان بصمت، دون إثارة يقظة دونالد ترامب. تُعدّل الصين استراتيجيتها «لإعادة توحيد» الجزيرة الديمقراطية المتمردة، في ظل الولاية الثانية لبطل «أمريكا أولاً». وبينما تُفاوض على هدنة تجارية هشة مع البيت الأبيض، تُكتم ثاني أكبر قوة عالمية، في الوقت المناسب، طموحها المُعلن لضم الإقليم الذي يبلغ عدد سكانه 23 مليون نسمة إلى البر الرئيسي، بهدف عزله بشكل أفضل في مواجهة رئيس أمريكي مُتحفظ بشأن تايبيه.

تفاخر ترامب بتهديده «بقصف» بكين إذا حاول الرئيس شي جين بينغ غزو الجزيرة خلال اجتماع انتخابي مع المانحين، وفقًا لتسجيل صوتي نشرته شبكة. CNN «كنتُ مع شي جين بينغ، وقلتُ له إن ذهب إلى تايوان، فسأقصف بكين بقنابل كريهة. لن يكون لديّ خيار. قال لي إنه لا يصدقني إلا بنسبة 10% هذا ما جاء في كتاب جديد لصحفيين أمريكيين بعنوان «2024: قصة استعادة السلطة».
تتناقض هذه التصريحات السرية مع تصريحات الرئيس وأفعاله العلنية، الذي لم يُفوّت فرصةً لانتقاد تايوان منذ عودته إلى المكتب البيضاوي، مما يُثير الشكوك حول نواياه. بعد اتهامه الجزيرة بـ»سرقة» صناعة أشباه الموصلات الأمريكية باستهداف شركة TSMC، يُهددها ترامب برسوم جمركية بنسبة 25%، تمامًا مثل اليابان وكوريا الجنوبية، وهما قاعدتان عسكريتان رئيسيتان في المنطقة. تُثير هذه الضربات قلقًا في الجزيرة، بينما يُؤكد الرئيس الأمريكي على «علاقات ممتازة» مع «صديقه» شي.في حين عبّر جو بايدن علنًا عن عزمه الدفاع عسكريًا عن تايوان في حال تعرضها لهجوم، يُخفي مؤلف كتاب «فن الصفقة» نفسه وراء «غموض استراتيجي» سابق للقوة العالمية الرائدة، واعدًا بصفقات أسلحة جديدة. هذا يُغذي الدعاية الصينية، التي تسعى لتقويض معنويات الرأي العام التايواني من خلال التأكيد على أنه «وحيد» ودون دعم دولي في مواجهة عملاق يبلغ عدد سكانه 1.3 مليار نسمة. 
 غزو برمائي استثنائي
 في الوقت الذي يسعى فيه شي جين بينغ إلى إبرام اتفاقية تجارية مع واشنطن لتحقيق الاستقرار في اقتصاده المتعثر، دعا نظيره إلى ضبط النفس في قضية تايوان، ذات الأهمية الوجودية للحزب. قال شي في مكالمة هاتفية في 5 يونيو-حزيران إن على الولايات المتحدة التعامل مع هذه القضية «بحذر» حتى لا تجرّ «الجماعة الانفصالية» المؤيدة لـ»الاستقلال» أمريكا والصين إلى «مواجهة خطيرة» أو حتى «صراع» .
في ظلّ تباطؤ اقتصادي، وعمليات تطهير تُضعف قيادة الجيش، وشائعات داخلية حول توازن القوى في بكين، تُصبح الأولوية للاستقرار في مواجهة مُثير المشاكل الأمريكي الذي استعرض قوته في إيران. تعود آخر المناورات الرئيسية لجيش التحرير الشعبي الصيني إلى أبريل-نيسان، قبل أن تُحقق القوتان العالميتان الرائدتان اختراقًا في ملف التجارة بدءًا من مايو-أيار، خلال مفاوضات في جنيف ثم لندن. يقول شي ينهونغ، الأستاذ الفخري في جامعة رينمين في بكين: «تايوان ليست الأولوية في الوقت الحالي، بل هي في المقام الأول ضمان الاستقرار الاقتصادي».
 مع ذلك، دون التخلي عن «المهمة التاريخية» لإعادة التوحيد، التي أكد عليها شي، الذي يحلم بتحقيق بادرة ماو الثورية التي لم تُنجز بعد. و هو يحثّ جنرالاته على العمل بكامل طاقتهم بحلول عام 2027، بمناسبة الذكرى المئوية لجيش التحرير الشعبي، مما يُثير شبح غزو برمائي استثنائي. 
تُتيح عودة ترامب إلى السلطة فرصًا جديدة للاقتراب من الكأس المقدسة، حيث يُنتقد الرئيس تايبيه وحلفاءَها في منطقة آسيا والمحيط الهادي. 
ويتوقع ديفيد سانتورو، الرئيس التنفيذي لمنتدى المحيط الهادي، وهو مركز أبحاث مقره هونولولو، أن «ولاية ترامب الثانية تُتيح للصين فرصًا لعزل تايوان، في الوقت الذي تُزعزع فيه حلفاء الولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادي. 
ستواصل الصين تعزيز نفوذها، ولكن دون أن تصل إلى حد الصدام، على عكس روسيا في أوكرانيا»

استراتيجية 
«الأفعى العاصرة
 ذكّرت الضربات الأمريكية ضد إيران، الشريك الرئيسي لبكين، المكتب السياسي بعدم قدرة مضيف البيت الأبيض على التنبؤ بتصرفاته وقدرته على استخدام الأسلحة العسكرية، على الأقل في نطاق محدود. ويطالبون باستمرار استراتيجية «الأفعى العاصرة» التي تهدف إلى خنق فريستهم بصمت وبطء، من خلال زيادة مناورات الحصار وعمليات التضليل التي تستهدف الرأي العام التايواني.
 وبينما يلوحون بخطر ضربة خاطفة على الجزيرة،الذي يستعد له جيش التحرير الشعبي الصيني بمسيرات إجبارية ردّ النظام الشيوعي بلا مبالاة على مناورات هان كوانغ، الجارية حتى 18 يوليو-تموز، والتي تُعدّ الأكبر على الإطلاق التي ينشرها الجيش التايواني. وصرح متحدث باسم وزارة الدفاع بازدراء بأن هذه المناورات، التي تضم 22 ألف جندي لمواجهة غزو صيني، «ليست سوى خدعة». وصرح جيانغ بين في 8 يوليو-تموز قائلاً: «مهما كانت الأسلحة المستخدمة، لا تستطيع تايوان الصمود أمام سيف جيش التحرير الشعبي الحاد المُشَوَّر ضد الاستقلال». هذه عبارات عدائية مألوفة، تُساهم في الحرب النفسية للنظام، الذي تُجري قواته المسلحة العديد من عمليات محاكاة حصار لتايوان منذ انتخاب الرئيس لاي تشينغ تي عام 2024.
 يُظهر غزو فلاديمير بوتين لكييف الطبيعة الخطرة للمغامرة العسكرية التي تبدو وكأنها جائزة كبرى، لكنها تُقدّم أيضًا دروسًا عملياتية قيّمة لاستراتيجيي الحزب الشيوعي، لا سيما في مجالي حرب الطائرات بدون طيار والخداع النووي. سيساعدهم هذا على الاستعداد بشكل أفضل لاجتماع عام 2027، عام المؤتمر الوطني المقبل للحزب، حيث يعتزم شي الفوز بولاية رابعة دون منازع. وصرح خبير سياسي مستقل في بكين، طلب عدم الكشف عن هويته: «إنه اجتماع بالغ الأهمية. سيحتاج إلى اتخاذ إجراء بشأن تايوان بحلول عام 2027. إن الغزو واسع النطاق محفوف بالمخاطر، وقد يلجأ شي إلى عملية محدودة، مثل الاستيلاء على جزيرة في المضيق». 
مع استهداف جزيرتي بيسكادوريس وماتسو، بعيدًا عن القواعد الأمريكية في غوام وأوكيناوا، تبدو هذه التعهدات بمثابة تحذير لتايوان، التي كانت تُعتبر سابقًا جزءًا من تايوان، في حين أنها ستثير المشاعر القومية في القارة، في ظل مناخ من التنافس العلني مع أمريكا.