قد تعاني فرنسا أكثر من غيرها من الانفصال
التضامن الأوروبي في الأمم المتحدة على محك بريكست
تبنى مجلس الأمن الدولي في العاشر من كانون الثاني-يناير قراراً إنسانياً بشأن سوريا، صوّتت لصالحه ألمانيا وبلجيكا واستونيا وفرنسا، غير أنّ المملكة المتحدة اعتمدت الموقف الأميركي وامتنعت عن التصويت، في انقسام أوروبي نادر جداً وينذر بانقسامات أخرى في مرحلة ما بعد بريكست.
يقلل بعض الدبلوماسيين من أهمية ما جرى، ويذكرّون بأنّ التصويت ليس إلا قرارا سياسيا وطنيا قبل أي اعتبار. ولكن ثمة آخرين يستنتجون خلاصات قاطعة بشأن موقف لندن الغريب خلال التصويت.
ويقول مسؤول في الأمم المتحدة لفرانس برس، من دون ذكر اسمه، إنّ “المملكة المتحدة تستقل”. ويعتبر أنّ الأمر “قد لا يتبدّل كثيراً خلال المباحثات، وإنّما قد يؤثر على عمليات التصويت التي تحتاج إلى قرار بشأن استخدام حق النقض “الفيتو” من عدمه».
وتحوز لندن، دائمة العضوية في مجلس الأمن، على حق النقض على غرار باريس وواشنطن وموسكو وبكين.
ويتابع المسؤول الأممي أنه بحلول بريكست في 31 كانون الثاني/يناير “فإنّ المملكة المتحدة لن تكون ملزمة بالمواقف الأوروبية”، مضيفاً أنّها “قد تلعب أمام الولايات المتحدة نفس الدور الذي تلعبه الصين أمام روسيا، إذ غالبا ما تتخذ مواقف مساندة لها».
ويتوقع عدد من الدبلوماسيين في الأمم المتحدة أن “يكون للتقارب ما بين دونالد ترامب وبوريس جونسون أثر».
وسيؤدي بريكست من الناحية العملية إلى خروج المملكة المتحدة من كل اجتماعات التنسيق الأوروبية التي تنعقد بانتظام في نيويورك. وينص البند 34 من معاهدة الاتحاد الأوروبي على أنّ الأعضاء المنتمين إلى مجلس الأمن “يتشاورون” و”يدافعون” عن مصالح التكتل داخل هذه الهيئة. ويرتقب أن تصدر بروكسل توجيهات بالخصوص بدءاً من الأول من شباط/فبراير.
لكن برغم ذلك، فإنّ الدول الأوروبية تنتظر من لندن أن تواصل “تعاوناً صادقاً” مع شركائها الأوروبيين خلال المرحلة الانتقالية التي يرتقب أن تمتد لنحو 11 شهرا. وتأمل هذه الدول باتباع مبدأ المعاملة بالمثل. ويعتبر عدد من الدبلوماسيين أنّه سيتم التعامل مع المواقف المشتركة استناداً إلى قاعدة “كل حالة على حدة”، بيد أنّهم يبدون رغبتهم في أن تحافظ المملكة المتحدة على “استعدادها لمواصلة العمل بانسجام” مع الاتحاد الأوروبي بخصوص ملفات مختلفة على غرار إيران وكوريا الشمالية.
وحتى اللحظة، حافظت باريس وبرلين ولندن على جبهة موحدة في مواجهة قرار الولايات المتحدة الانسحاب من الاتفاق الدولي الخاص بالملف النووي الإيراني الموقع عام 2015. وخلال الأشهر الأخيرة، طالبت العواصم الثلاث بشكل مشترك، في ما يخص الملف الكوري الشمالي، بعقد جلسات لمجلس الأمن عقب كل تجربة بالستية تجريها بيونغ يانغ، كما أنّها أصدرت إعلانا مشتركا يصر على إبقاء العقوبات الدولية المفروضة. وقد تعاني فرنسا أكثر من غيرها داخل مجلس الأمن من بريكست. ففي سياق المباحثات الثلاثية -الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا- كانت باريس ولندن تظهران جبهة أوروبية موحدة في وجه إدارة أميركية تتصف بتقلباتها. ولكن في المستقبل، قد تعاني فرنسا أمام شريكيها.
وفي عام 2022، قد تجد فرنسا نفسها الدولة الأوروبية الوحيدة بين 15 عضوا في مجلس الأمن في حال حلّت ألبانيا بدلاً من استونيا في سياق التناوب على المقاعد ال10 للأعضاء غير الدائمين وفي حال لم تنتخب ايرلندا للحلول في مقعد في حزيران/يونيو المقبل.
ويتساءل المسؤول في الأمم المتحدة: هل ستقترب المملكة المتحدة من مجموعة “كانز” (كندا، استراليا ونيوزيلندا) ذات الأعضاء المنضوين ضمن الكومنولث؟ أو أنّها ستغرّد وحيدة على غرار روسيا والصين واليابان؟
ويعتبر الدبلوماسي أنّه في هذه الحالة “قد يتم جذب (البريطانيين) باتجاه المدار الأميركي».
وسيتعيّن على لندن أن تعزز بعثتها الدبلوماسية في نيويورك لأنّ البعثة الأوروبية لن تمثلها في اجتماعات الأمم المتحدة المتعددة.
وتعذّر الحصول على أي تعليق من البعثة الدبلوماسية البريطانية بشأن مستقبل تموقعها ضمن مجلس الأمن أو ضمن الجمعية العامة للأمم المتحدة.