الهدف تجاوز القدرات المعرفية البشرية
الذكاء الاصطناعي المتقدم هل يهدد وجودنا؟
يجادل كثر اليوم بتأثير الذكاء الاصطناعي الحالي وتهديده للبشر وعقولهم ووظائفهم ونمط حياتهم، لكن ماذا إذا علمنا أننا ما زلنا في الطور الضعيف والضيق من الذكاء الاصطناعي، وأن الهدف أبعد مما وصل إليه اليوم بكثير، فالهدف هو ذكاء اصطناعي فائق، يعرف بأنه كائن افتراضي يمتلك ذكاءً يفوق ذكاء أذكى العقول البشرية وأكثرها موهبة، ويقال إنه آخر اختراع ستخترعه البشرية على الإطلاق.
محاكاة التعقيد
ربما تكون هذه الفكرة الأكثر خيالاً على الإطلاق، نظراً إلى تعقيد الدماغ البشري وقدراته الإبداعية اللانهائية وصفاته التي تعتمد على التحليل المعمق والنقد، لذا يعتقد أن محاكاته الدقيقة على مستويات متقدمة لن تكون بهذه السهولة.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن أي آي" سام ألتمان في مقال على مدونته "مع الذكاء الفائق، يمكننا فعل أي شيء"، موضحاً أنه يمكن للأدوات فائقة الذكاء أن تسرع الاكتشافات والابتكارات العلمية بصورة هائلة تتجاوز بكثير ما نستطيع القيام به بمفردنا، بالتالي زيادة الوفرة والازدهار بصورة هائلة، وأضاف "يبدو هذا ضرباً من الخيال العلمي الآن، بل من الجنون حتى مجرد الحديث عنه".
والحقيقة أن المتخصصين في المجال يجادلون بأن كل ما وصل إليه الذكاء الاصطناعي، لم يتجاوز حتى اليوم المراحل التطويرية الأولى، وعلى رغم قدرات الأنظمة الحالية واختلافاتها، فإنها لا تزال ضمن إطار الأمثلة الضعيفة أو محدودة النطاق.
لكن نظام الذكاء الفائق الذي يتحدثون عنه لا يزال في طوره النظري فحسب، ولم يوجد بصورة فعلية حتى اللحظة، إذ يعد إنشاء الذكاء الاصطناعي الفائق موضوعاً نظرياً ومعقداً للغاية، ويسبق إنشاءه الانتهاء من إنجاز تطورات كبيرة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، والأهم أنه يتطلب تحقيق الذكاء الاصطناعي العام أولاً كشرط أساس، ومع ذلك يعتقد عدد من الباحثين أن إنشاء الذكاء الاصطناعي الفائق أمر لا مفر منه.
الذكاء الاصطناعي الفائق
والذكاء الاصطناعي الفائق (ASI)، ويعرف أيضاً بـ(super AI) أو (superintelligent AI)، عبارة عن نظام افتراضي قائم على البرمجيات، يتمتع بقدرات فكرية تفوق ما لدى البشر في مجموعة واسعة من الفئات والمجالات، إذ إن الهدف هو تصميم ذكاء اصطناعي يتجاوز المحاكاة البسيطة للدماغ ليؤدي أية وظيفة معرفية بصورة أفضل من الإنسان، ليتمتع بجميع قدرات الذكاء الاصطناعي العام والبشري.
وبذلك سيتمكن الذكاء الفائق من اتخاذ القرارات بصورة مستقلة وتصحيح الأخطاء وحل المشكلات المعقدة التي لم يتمكن من حلها البشر بعد على المستوى التقني والعلمي، إضافة إلى الاختراع والاكتشاف في مفهومهما الأوسع، والأهم من هذا كله القدرة على التحسين الذاتي، كأن يتمكن من تحسين ذكائه.
من الذكاء الضيق إلى العام إلى الفائق
وفي الوصول إلى الذكاء الفائق نحتاج أولاً تحقيق الذكاء الاصطناعي العام، فنحن لا نزال في طور الذكاء الاصطناعي الضيق ونحتاج تجاوزه مروراً بالذكاء العام لنصل إلى الفائق.
وتصمم خوارزميات الذكاء الضيق لأداء مهمة واحدة أو مجموعة محددة من المهام، ويتفوق فيها لكن من دون أن يمتلك خاصية تعميم المعرفة المكتسبة على مهام أخرى، أي إنه يعتمد على بيانات مبرمجة مسبقاً ولا يمكنه فهم العالم ويتطلب تدخلاً بشرياً.
أما الذكاء الاصطناعي العام، وهو الهدف المعلن اليوم لجميع المؤسسات الرائدة في الذكاء الاصطناعي، سيكون بإمكانه (بعد تطويره)، فهم العالم وتعلم وتطبيق الذكاء لحل المشكلات على نطاق واسع وبمرونة كما يفعل البشر، وسيكون الذكاء الاصطناعي العام قادراً على مطابقة قدرات الخبراء البشريين في جميع المهام المعرفية وتجاوز قدراتهم، ولكن لأغراض محددة.
وحتى يكون نموذج ذكاء فائق يجب أن يتفوق على القدرات البشرية في مجموعة من المهام بمستوى عال جداً، فالهدف من الذكاء الاصطناعي المتقدم هو تجاوز القدرات المعرفية البشرية، التي تحد منها القيود الكيماوية والبيولوجية للدماغ البشري، ويعتقد العلماء أن الخطوة الأولى في تطوير تقنية الذكاء الاصطناعي الفائق هي بناء ذكاء اصطناعي عام، أي إن الجيل المقبل من الذكاء الاصطناعي هو جسر عبور للذكاء الفائق.
علوم الحاسوب وتكنولوجيا الحوسبة الفائقة
ويتطلب الذكاء الاصطناعي الفائق أيضاً تطوراً كبيراً في علوم الحاسوب وتكنولوجيا الحوسبة الفائقة، فهو في حاجة إلى خوارزميات تعلم أكثر تقدماً تستطيع الاستلهام من طريقة عمل الدماغ البشري لتمكين وتحسين أداء الذكاء الاصطناعي، ليصل إلى مرحلة يستطيع فيها التعامل من دون الحاجة إلى برمجة صريحة.
وكذلك سيساعد على بنائه وجود شبكة عصبية اصطناعية أكثر تعقيداً وقوة وتقدماً ونماذج لغوية كبيرة، نظراً إلى تطلبه الوصول إلى مجموعات ضخمة من البيانات للتعلم وتطوير فهم العالم، وسوف تساعده معالجة اللغة الطبيعية على فهم اللغة الطبيعية والتواصل مع البشر، ويتطلب الذكاء الاصطناعي المتعدد الوسائط الذي سيمكن الذكاء الفائق من معالجة وتفسير أنواع متعددة من مدخلات البيانات لأداء المهام واتخاذ القرارات، وبخاصة أننا نشهد اليوم تقدماً في نماذج الذكاء الاصطناعي المتعددة الوسائط.
ويحتاج الذكاء الاصطناعي الفائق إلى استخدام نوع جديد من الحوسبة يطلق عليه اسم حوسبة التشكيل العصبي، وهي أنظمة أجهزة مستوحاة من الهياكل العصبية والتشابكية للدماغ البشري، يمكنها معالجة البيانات وتخزينها على الخلية العصبية نفسها بدلاً من الحاجة إلى مناطق منفصلة لكل منها.
وكذلك يتطلب الحوسبة أو الخوارزميات التطورية وهي صورة من صور التحسين الخوارزمي المستوحى من التطور البيولوجي، تصمم على أساس الانتقاء الطبيعي والتطور الدارويني، بإمكانها أن تحل المشكلات من طريق تنفيذ تكراري لمجموعة من الحلول المرشحة من خلال محاكاة عملية الانتقاء الطبيعي بصورة فعالة.
خطر وجودي
يعتقد بعض الخبراء أن الذكاء الاصطناعي الفائق يشكل خطراً وجودياً على البشرية وقد يؤدي إلى كارثة عالمية إذا لم يُنظم بصورة صحيحة، فتقنيات بهذه القدرات المعرفية الفائقة، في حال وجودها، ستكون خارج القدرة على التنبؤ والسيطرة، وستتمكن من تحسين وتعديل نفسها، مما يعني تغيير تقنياتها والتصرف بطرق لا يستطيع البشر التنبؤ بها أو التحكم بها أو حتى فهمها.
وقد يتطور الأمن السيبراني ويُمكَّن بالذكاء الاصطناعي ومعه البرمجة والتأثير السياسي بطرق تلحق الضرر، إلى حد تشكيل أخطار وجودية على البشر، مثل سيطرة نظام على الأسلحة النووية والقضاء على البشر أو جميع أشكال الحياة على الأرض،
كما سيكون بإمكانها أن تحسن بصورة كبيرة القوة التدميرية للأسلحة العسكرية والحروب.
علاوة على ذلك،
قد تسيء الدول والشركات والمنظمات الأخرى استخدام التكنولوجيا، مثل جمع كميات هائلة من البيانات الشخصية أو ترسيخ التحيزات والتمييز من خلال خوارزميات متحيزة.
وإذا أردنا تقريب هذه الفكرة النظرية أكثر، سيكون علينا الاستعانة بالخيال العلمي الذي أعطانا أمثلة وصوراً تجسد الكلام النظري هذا بصورة واقعية على آلات أو أنظمة فائقة الذكاء،
فالروبوت الفضائي "آر تو دي تو" (Artoo-Detoo) الذي قدمه لنا فيلم حرب النجوم كان بإمكانه إجراء عمليات تقنية متعددة تتجاوز قدرات الإنسان، وكذلك قدم لنا فيلم ملحمة الفضاء "هال 9000" (HAL 9000)،
وهو برنامج حاسوبي يمكنه التحكم في تشغيل المركبة الفضائية "ديسكفري ون" بين النجوم بأكملها والتفاعل مع طاقم رواد الفضاء الموجودين على السفينة.
ومساعد الذكاء الاصطناعي المتقدم (J.A.R.V.I.S.) في فيلم الرجل الحديدي، كان بإمكانه فهم اللغة الطبيعية والتواصل من خلالها والتحكم في بدلة الرجل الحديدي،
وأصبح لاحقاً جوهر وعي الروبوت "فيجن".