خالد بن محمد بن زايد يشهد جانباً من منافسات الألعاب الرقمية الهجينة في «دورة ألعاب المستقبل 2025»
لعب التصويت المجدي دورًا رئيسيًا في كل معسكر
الرئاسية: ماكرون-لوبان، كل شيء تغيّر ... ما عداهما...!
• هذه هي المرة الأولى منذ 41 عامًا، مع جيسكار وميتران، نشهد المبارزة نفسها مرتين على التوالي
• لبس ماكرون، عباءة مرشح الوحدة الوطنية في مواجهة مخاطر اليمين المتطرف
• متقدما على مارين لوبان في الجولة الأولى، يعرف الرئيس/ المرشح أن عليه إقناع اليسار
• مفتاح الجولة الثانية بين أيدي ناخبي ميلينشون وفرنسا المتمردة
• انهيار الأحزاب القديمة ومعركة ماكرون ضد مشروع حضاري آخر
لم تخطئ استطلاعات الرأي. بعد عدة أشهر من حملة انتخابية وجولة أولى غير مؤكدة، يعرف الفرنسيون الآن لمن سيصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. ولئن تعطي هذه المواجهة بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان انطباعًا باننا امام مشهد يتكرر، فذلك لأنه -بخلاف سيناريو مشابه لعام 2017 -كانت النتيجة منتظرة، فقبل أيام قليلة من الجولة الأولى، توقعت جميع معاهد استطلاع الراي تقريبًا هذه النتيجة.
انخفاض الإقبال
توقع الخبراء أيضا إقبالا ضعيفا، وهو ما تأكد. توجّه 74 بالمائة من الناخبين إلى مكاتب الاقتراع يوم الأحد، وفقًا لتقديرات إبسوس سوفرا ستيريا. وهذا أقل بكثير من عام 2017 (77 فاصل 8 بالمائة) و2012 (79 فاصل 5 بالمائة) و2007 (83 فاصل 8 بالمائة).
ويجب أن نعود إلى عام 2002، و "زلزال" تأهّل جان ماري لوبان، لنعثر على أقل نسبة مشاركة في الانتخابات الرئاسية (71 فاصل 6 بالمائة).
ويمكن تفسير خيبة الأمل هذه بعدة أسباب، منها تنامي عدم الثقة في الطبقة السياسية. "هذا الامتناع المتزايد عن التصويت، يؤكد شكلاً من أشكال رفض العرض السياسي، وخاصة بين الشباب الذين ينتقدون بشدة حقيقة أن المسؤولين المنتخبين لا يلبون انتظاراتهم. ان فكرة أن المجتمع الفرنسي غير منصف تحوز الأغلبية في فرنسا"، كما يرى أستاذ العلوم السياسية لوك روبان، مذكرا أن الامتناع عن التصويت "دائما متعدد العوامل". كما جمّد وباء كوفيد ثم الحرب في أوكرانيا، في الأسابيع الأخيرة، الحملة الانتخابية.
ماكرون يتصدر
تصدّر الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون (الجمهورية إلى الأمام) الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بنسبة 27 فاصل 6 بالمائة من الأصوات وفقًا لتقديرات معاهد استطلاعات الراي، تليه المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان (التجمع الوطني) بحصولها على 23 بالمائة من الأصوات.
وراءها، حقق المرشح اليساري المتطرف جان لوك ميلينشون (الاتحاد الشعبي) أفضل نتيجة له في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بنسبة 22 فاصل 2 بالمائة من الأصوات.
لا يوجد تصويت خفي لإريك زيمور (استعادة فرنسا). بعد منافسته اللصيقة لمرشحة حزب التجمع الوطني، انتهى الكرونيكور اليميني المتطرف بنتيجة بعيدة جدًا عن أفضل استطلاعاته: 7 فاصل 2 بالمائة.
فاليري بيكريس، مرشحة الجمهوريين، حققت نتيجة ضعيفة، وهي أسوأ نتيجة لليمين البرلماني في ظل الجمهورية الخامسة بنسبة 4 فاصل 8 بالمائة فقط، يليها مرشح الخضر يانيك جادو الذي حصل على 4 فاصل 7 بالمائة من الأصوات. وأخيرًا، في نهاية حملة مرّة، بنسبة 1 فاصل 7 بالمائة، جاءت الاشتراكية آن هيدالغو خلف جان لاسال (3 فاصل 1 بالمائة) والشيوعي فابيان روسيل (2 فاصل 3 بالمائة)، ونيكولا دوبون-آيجنان (2 فاصل 1 بالمائة)، لتحقق أدنى درجة للحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية.
واحتلّ اليسار المتطرف التروتسكي مؤخرة المجموعة: حصلت ناتالي أرثود على صفر فاصل 7 بالمائة، وفيليب بوتو على صفر فاصل 6 بالمائة.
التصويت المجدي كان ناجعا
كما في عام 2017، يجد إيمانويل ماكرون ومارين لوبان نفسيهما في المباراة النهائية الرئاسية. الرجل الثالث في الجولة الأولى، جان لوك ميلينشون فشل بفارق ضئيل خلف مرشحة الحزب الوطني. وقد دعا ناخبيه الى عرقلة أقصى اليمين.
بالتأكيد أن ملصق المباراة النهائية الرئاسية هو نفسه قبل خمس سنوات، بعد أن سمعنا كثيرا عن أن الفرنسيين لا يرغبون في ذلك. وهذه هي المرة الأولى منذ 41 عامًا، مع جيسكار وميتران عامي 1974 و1981، نشهد نفس المبارزة مرتين على التوالي. علاوة على ذلك، خلال هذه الحملة الحقيقية-المزيفة والخطيرة، وكذلك تنوع الأبطال (قليلاً)، حيث لاح الثنائي فاليري بيكريس وخاصة إيريك زمور في وقت ما انّ بإمكانهما المنافسة على مرتبة بطلة التجمّع الوطني. اما على اليسار، نجح جان لوك ميلينشون، كما في عام 2017، في النهاية بإنجاز "ريمونتادا" مذهلة: المركز الثالث، بفارق ضئيل عن مارين لوبان، رقم أفضل من الذي حققه قبل خمس سنوات.
لكن كل شيء حدث وكأن الأزمات المتكررة، والوباء ثم الحرب في أوكرانيا، قد أعادت الأسبقية إلى "محترفي" السياسة. لقد لعب التصويت المجدي دورًا رئيسيًا في كل معسكر. رغم الخيانات داخل عائلتها -بالمعنى الحرفي والمجازي -فقد استطاعت مارين لوبان من امتصاص ناخبين محتملين لزمور؛ وفاز ميلينشون بأصوات يسار مشتت على طريقة البزل. اما ماكرون، بعد أن أطلق -وربما بالغ -ناقوس الخطر ضد زحف لوبان، أعاد تعبئة ناخبيه، ولا شك انه نهب أصواتا من الجمهوريين.
انهيار الأحزاب القديمة
إن الصفعة الأشد كانت من نصيب فاليري بيكريس. لم يتم إقصاء الجمهوريين فقط من الدور الثاني للمرة الثانية على التوالي، لكنهم لم يكونوا متأكدين حتى مساء الأحد من تعويض نفقات حملتهم، بنتيجة 4 فاصل 8 بالمائة، أي 15 نقطة أقل من فيون عام 2017. ورغم القوس القصير في الانتخابات التمهيدية، فقد عانى الحزب اليميني الكبير السابق من تمزقه بين الوسطية الليبرالية للمكرونيين واليمين الراديكالي أو المتطرف لـ زمور أو حتى لوبان. و انتهى الصمت المطبق لنيكولا ساركوزي، الذي ما زالت مكانته كآخر رئيس لحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية سابقًا حتى الآن تؤثر بشدة في هذه العائلة، من القضاء على ترشّح بيكريس.
واعتبارًا من مساء الأحد، تُظهر تصريحات إريك سيوتي، الذي لا يستبعد التصويت على الأرجح لمارين لوبان، أن إعادة التشكيل على اليمين جارية فعلا. "الجبناء سيذهبون إلى هذا الجانب أو ذاك، اتركوهم يذهبون، انتقد الأمين العام للحزب أوريلين برادييه. والأمر متروك للآخرين لإرسال رسالة سياسية. من جهته، الحزب الاشتراكي، المحتضر منذ 6 بالمائة بينوا هامون عام 2017، فقد طرح هذه المرة أرضا بصورة مذلة مع آن هيدالغو عند أقل من 2 بالمائة، متفوقًا عليه كل من الشيوعي فابيان روسيل وجان لاسال غير المصنف.
خيبة أمل جادو وفشل زمور
إن نتيجته البالغة 4.7 بالمائة بعيدة جدًا، عن نجاحات الانتخابات الأوروبية لعام 2019 والنشوة بالانتخابات البلدية لعام 2020 التي شهدت غزو الخضر لمدن كبيرة مثل ليون أو بوردو أو ستراسبورغ. لا شك أن يانيك جادو، بالإضافة إلى التصويت المجدي لميلينشون من اليسار، يدفع ثمن قيادته لحملة كانت رخوة للغاية، وليست جذرية بما يكفي، لإغواء الشباب الأكثر حساسية لقضية البيئة. وقد يكون دفع ثمن إدانته للطاقة النووية، في وقت تظهر فيه آثار الحرب في أوكرانيا أن هذه الطاقة تحمي فرنسا من الارتهان للغاز الروسي.
وماذا حدث لحملة الكاتب الجدلي الذي تحول إلى سياسي وأحدث ضجة في استطلاعات الخريف؟ هو نفسه يعترف بــ "أخطاء" ولكنه يرى خاصة أصل انهياره في ... غزو بوتين لأوكرانيا. شاهد إيريك زمور، وهو المعجب الدائم بالرئيس الروسي، مقاطع فيديوهات الى جانب تصريحاته تعرض بكثافة، ونتائجه تتدهور بنفس الوتيرة. ورغم ازدرائه لمنافسته، الا انه اصطدم بخبرة المعسكر الليبيني. يؤكد فيليب أوليفييه، صهر ومستشار مارين لوبان، أن "الانتخابات الرئاسية ليست نادٍ للمعجبين ولا تخاض بمجرد ضربات".
دعوات كبار المهزومين
بالنسبة للرئيس المنتهية ولايته، فإن تقدمه يبدو عريضا، لكنه ليس بالضرورة كافياً لضمان الفوز في الجولة الثانية. خاصة أن مارين لوبان تعمل على تشكيل جبهة مناهضة لماكرون من خلال النهل من اليسار إلى اليمين. وسواء بين المتطرفين والأكثر اعتدالًا، كما أظهر خطابها على طريقة شيراك –خيّل للجميع أنهم يستمعون لصدى "الانقسام الاجتماعي" لعام 1995 -مساء الأحد. لا يقتصر الأمر على عدم امتلاك إيمانويل ماكرون، على الورق، احتياطيا كبيرا من الأصوات، ولكن إضافة إلى ذلك، لا يزال الغضب المناهض للنظام يتردد بقوة في البلاد، مما يجعل التحول في السلطة ممكنًا.
لكل هذا، لم يتردد ماكرون في توجيه نداء ملح للناخبين اليساريين على وجه الخصوص -أولئك المحبطين من فترة ولايته الاولى التي مالت إلى اليمين -من خلال الالتزام بتشكيل ما وراء "الاختلافات"، "حركة سياسية كبرى للوحدة والعمل". وكانت المكالمات أو تعليمات التصويت من كبار المهزومين منتظرة بفارغ الصبر يوم الأحد. دعت آن هيدالغو ويانيك جادو وفاليري بيكريس وجان لوك ميلينشون صراحة إلى سدّ الطريق على مارين لوبان، وبالتالي بشكل أو بآخر التصويت لماكرون. في حين طلب إريك زمور من ناخبيه التصويت لمنافسته السابقة في أقصى اليمين.
مرشح الوحدة الوطنية
"لا شيء سيكون مثل قبل!"، كان هناك "عالم ما بعد" وباء كوفيد-19، وسيكون هناك الآن "عالم ما بعد" الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2022. ألقى إيمانويل ماكرون كلمة أمام نشطائه وحلفائه وجزء من حكومته دعا فيها إلى تجمّع أكبر. "أريد الوصول إلى جميع الذين يرغبون في العمل من أجل فرنسا، وأنا مستعد لبناء شيء جديد للجمع بين المعتقدات والحساسيات المتنوعة، لبناء حركة سياسية كبيرة للوحدة والعمل في خدمة أمتنا"، أعلن من المنصة.
وتبنى الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، تماشياً مع اجتماعه في لاديفانس، موقف مرشح الوحدة الوطنية في مواجهة مخاطر "اليمين المتطرف". إنها حملة جديدة تمامًا تبدأ بالنسبة له، وسيتعين عليه خلالها السعي للحصول على احتياطي أصوات اليسار، وفي المقام الأول بين ناخبي جان لوك ميلينشون.
كانت النتيجة، أعلى مما كان متوقعًا في الأيام الأخيرة، ولكن لا يزال يتعين عليه الفوز بالجولة الثانية. والجميع يراقب جان لوك ميلينشون و22 بالمائة. لم يعد ناخبو فاليري بيكريس بحكم هزال نتيجتها يشكلون مشكلة، فبعد تحويل الحزب الاشتراكي إلى رماد، ربح إيمانويل ماكرون رهانه: سحق يمين الحكومة... "الميزة أنه لم يعد من المجدي النظر إلى اليمين: إنهم جميعًا معنا"، يبتسم أحد أعضاء الحكومة.
ومع ذلك، "لم يحسم أي شيء"، يكرر كوادر الجمهورية الى الامام وهم على حق. بالتأكيد أن احتياطي الأصوات المتاحة أقل ضد ماكرون مما كان متوقعا، ولكن لا يزال السؤال يتعلق بالانتقال من 27 فاصل 6 بالمائة إلى 50 بالمائة زائد صوت واحد في 24 أبريل، ويرفض مساعدو ماكرون أي حسابات انتخابية، وأي استراتيجية استهداف. يقول أوليفييه دوسوبت: "الاحتياطي، يجب الذهاب للفوز به في كل مكان، في كل مكان! المطلوب ان نستقطب الجميع ".
المفتاح عند ميلينشون
"اللعبة أقل وضوحا بكثير مما كانت عليه من قبل، ومن يعتمد مقاربة حسابية، هو ميت"، يقول جان بابتيست دجباري. ويرى أحد أعضاء فريق الحملة: سيكون هناك 30 بالمائة ماكرون و30 بالمائة لوبان و40 بالمائة يمتنعون عن التصويت في ناخبي فرنسا المتمردة. للجميع داخل فرنسا الى الامام نفس الخطاب، سواء كانوا من أبناء حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية أو الحزب الاشتراكي: الهجوم على ناخبي فرنسا المتمردة. "كثيرون من اليسار صوتوا لملينشون دون أن يكونوا ميلينشونيين، وانما اعتمدوا التصويت المجدي، انهم مرتبطون بقيم الجمهورية، ويجب استقطابهم"، يؤكد دوسوبت.
كيف؟ لا يوجد ستة وثلاثون حلًا. جميعهم يؤيدون نفس التكتيك: تسليط الضوء على التدابير الاجتماعية اليسارية لبرنامج إيمانويل ماكرون، والتي اعتبرها البعض غير مرئية خلال الجزء الأول من الحملة. ولكن بطريقة خفية، إذا كان ذلك ممكنا. "يجب ألا نعطي انطباعًا باننا نمارس التعرج، فالبلد على اليمين، وهذه حقيقة، يجب ألا نقلل من شأنها"، يحذر أحد الوزراء.
ويُجمع فريق ماكرون على ضرورة عرض الاجراءات اليسارية للديمقراطيين الاشتراكيين الذين صوتوا لملينشون، ومحاربة التمييز، والتضامن النشط، وربط المعاشات بالتضخم" وذلك في عملية إغواء شاملة.
علاوة على ذلك، فإن السياسة، التي في انتخابات رئاسية على الطراز الفرنسي، ليست مجرد مسألة جوهرية، يأخذ الشكل مكانًا بارزًا، وتسبّب غياب إيمانويل ماكرون طيلة شهر في ارباك الكثير من أنصاره. لم يتبق سوى أسبوعين من الحملة في مبارزة غير مؤكدة ضد "مشروع حضاري آخر"، بحسب وزيرة الدولة لشؤون الشباب، لذا يجب تسريع الوتيرة. "سيكون الوضع متوترا، يجب أن نرى المرشح أكثر من ذلك بكثير، يهمس أحد الوزراء، يجب أن يكون في كل مكان، مع الناس، كل يوم".
يقال إن ماكرون سيفضل التنقّل الى المناطق التي حقق فيها التجمع الوطني نتائج مهمة خلال هذه الجولة الأولى وسيهتم بتفكيك برنامج مارين لوبان قدر الإمكان. اذن، انطلقت الحملة، وأفسحت مسيرة الرئيس النشطة الطريق لسباق الأمتار الاخيرة للمرشح.
ماكرون سيفوز في الجولة الثانية
وبحسب استطلاعات للرأي أجريت مساء الأحد، سيفوز الرئيس المنتهية ولايته بنسبة 54 بالمائة في الجولة الثانية، مقابل 46 بالمائة لمارين لوبان. وبالتفصيل، فإن 27 بالمائة من ناخبي جان لوك ميلينشون سيلجؤون إلى إيمانويل ماكرون، و21 بالمائة إلى منافسته.
و59 بالمائة من ناخبي يانيك جادو، و43 بالمائة من ناخبي فاليري بيكريس، و7 بالمائة من ناخبي إريك زمور، يمكنهم التصويت لصالح ماكرون. في المقابل، تستقطب مارين لوبان 8 بالمائة من ناخبي يانيك جادو، و27 بالمائة من ناخبي فاليري بيكريس، و79 بالمائة من ناخبي إريك زمور.
• لبس ماكرون، عباءة مرشح الوحدة الوطنية في مواجهة مخاطر اليمين المتطرف
• متقدما على مارين لوبان في الجولة الأولى، يعرف الرئيس/ المرشح أن عليه إقناع اليسار
• مفتاح الجولة الثانية بين أيدي ناخبي ميلينشون وفرنسا المتمردة
• انهيار الأحزاب القديمة ومعركة ماكرون ضد مشروع حضاري آخر
لم تخطئ استطلاعات الرأي. بعد عدة أشهر من حملة انتخابية وجولة أولى غير مؤكدة، يعرف الفرنسيون الآن لمن سيصوتون في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية. ولئن تعطي هذه المواجهة بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان انطباعًا باننا امام مشهد يتكرر، فذلك لأنه -بخلاف سيناريو مشابه لعام 2017 -كانت النتيجة منتظرة، فقبل أيام قليلة من الجولة الأولى، توقعت جميع معاهد استطلاع الراي تقريبًا هذه النتيجة.
انخفاض الإقبال
توقع الخبراء أيضا إقبالا ضعيفا، وهو ما تأكد. توجّه 74 بالمائة من الناخبين إلى مكاتب الاقتراع يوم الأحد، وفقًا لتقديرات إبسوس سوفرا ستيريا. وهذا أقل بكثير من عام 2017 (77 فاصل 8 بالمائة) و2012 (79 فاصل 5 بالمائة) و2007 (83 فاصل 8 بالمائة).
ويجب أن نعود إلى عام 2002، و "زلزال" تأهّل جان ماري لوبان، لنعثر على أقل نسبة مشاركة في الانتخابات الرئاسية (71 فاصل 6 بالمائة).
ويمكن تفسير خيبة الأمل هذه بعدة أسباب، منها تنامي عدم الثقة في الطبقة السياسية. "هذا الامتناع المتزايد عن التصويت، يؤكد شكلاً من أشكال رفض العرض السياسي، وخاصة بين الشباب الذين ينتقدون بشدة حقيقة أن المسؤولين المنتخبين لا يلبون انتظاراتهم. ان فكرة أن المجتمع الفرنسي غير منصف تحوز الأغلبية في فرنسا"، كما يرى أستاذ العلوم السياسية لوك روبان، مذكرا أن الامتناع عن التصويت "دائما متعدد العوامل". كما جمّد وباء كوفيد ثم الحرب في أوكرانيا، في الأسابيع الأخيرة، الحملة الانتخابية.
ماكرون يتصدر
تصدّر الرئيس المنتهية ولايته إيمانويل ماكرون (الجمهورية إلى الأمام) الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية بنسبة 27 فاصل 6 بالمائة من الأصوات وفقًا لتقديرات معاهد استطلاعات الراي، تليه المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبان (التجمع الوطني) بحصولها على 23 بالمائة من الأصوات.
وراءها، حقق المرشح اليساري المتطرف جان لوك ميلينشون (الاتحاد الشعبي) أفضل نتيجة له في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، بنسبة 22 فاصل 2 بالمائة من الأصوات.
لا يوجد تصويت خفي لإريك زيمور (استعادة فرنسا). بعد منافسته اللصيقة لمرشحة حزب التجمع الوطني، انتهى الكرونيكور اليميني المتطرف بنتيجة بعيدة جدًا عن أفضل استطلاعاته: 7 فاصل 2 بالمائة.
فاليري بيكريس، مرشحة الجمهوريين، حققت نتيجة ضعيفة، وهي أسوأ نتيجة لليمين البرلماني في ظل الجمهورية الخامسة بنسبة 4 فاصل 8 بالمائة فقط، يليها مرشح الخضر يانيك جادو الذي حصل على 4 فاصل 7 بالمائة من الأصوات. وأخيرًا، في نهاية حملة مرّة، بنسبة 1 فاصل 7 بالمائة، جاءت الاشتراكية آن هيدالغو خلف جان لاسال (3 فاصل 1 بالمائة) والشيوعي فابيان روسيل (2 فاصل 3 بالمائة)، ونيكولا دوبون-آيجنان (2 فاصل 1 بالمائة)، لتحقق أدنى درجة للحزب الاشتراكي في الانتخابات الرئاسية.
واحتلّ اليسار المتطرف التروتسكي مؤخرة المجموعة: حصلت ناتالي أرثود على صفر فاصل 7 بالمائة، وفيليب بوتو على صفر فاصل 6 بالمائة.
التصويت المجدي كان ناجعا
كما في عام 2017، يجد إيمانويل ماكرون ومارين لوبان نفسيهما في المباراة النهائية الرئاسية. الرجل الثالث في الجولة الأولى، جان لوك ميلينشون فشل بفارق ضئيل خلف مرشحة الحزب الوطني. وقد دعا ناخبيه الى عرقلة أقصى اليمين.
بالتأكيد أن ملصق المباراة النهائية الرئاسية هو نفسه قبل خمس سنوات، بعد أن سمعنا كثيرا عن أن الفرنسيين لا يرغبون في ذلك. وهذه هي المرة الأولى منذ 41 عامًا، مع جيسكار وميتران عامي 1974 و1981، نشهد نفس المبارزة مرتين على التوالي. علاوة على ذلك، خلال هذه الحملة الحقيقية-المزيفة والخطيرة، وكذلك تنوع الأبطال (قليلاً)، حيث لاح الثنائي فاليري بيكريس وخاصة إيريك زمور في وقت ما انّ بإمكانهما المنافسة على مرتبة بطلة التجمّع الوطني. اما على اليسار، نجح جان لوك ميلينشون، كما في عام 2017، في النهاية بإنجاز "ريمونتادا" مذهلة: المركز الثالث، بفارق ضئيل عن مارين لوبان، رقم أفضل من الذي حققه قبل خمس سنوات.
لكن كل شيء حدث وكأن الأزمات المتكررة، والوباء ثم الحرب في أوكرانيا، قد أعادت الأسبقية إلى "محترفي" السياسة. لقد لعب التصويت المجدي دورًا رئيسيًا في كل معسكر. رغم الخيانات داخل عائلتها -بالمعنى الحرفي والمجازي -فقد استطاعت مارين لوبان من امتصاص ناخبين محتملين لزمور؛ وفاز ميلينشون بأصوات يسار مشتت على طريقة البزل. اما ماكرون، بعد أن أطلق -وربما بالغ -ناقوس الخطر ضد زحف لوبان، أعاد تعبئة ناخبيه، ولا شك انه نهب أصواتا من الجمهوريين.
انهيار الأحزاب القديمة
إن الصفعة الأشد كانت من نصيب فاليري بيكريس. لم يتم إقصاء الجمهوريين فقط من الدور الثاني للمرة الثانية على التوالي، لكنهم لم يكونوا متأكدين حتى مساء الأحد من تعويض نفقات حملتهم، بنتيجة 4 فاصل 8 بالمائة، أي 15 نقطة أقل من فيون عام 2017. ورغم القوس القصير في الانتخابات التمهيدية، فقد عانى الحزب اليميني الكبير السابق من تمزقه بين الوسطية الليبرالية للمكرونيين واليمين الراديكالي أو المتطرف لـ زمور أو حتى لوبان. و انتهى الصمت المطبق لنيكولا ساركوزي، الذي ما زالت مكانته كآخر رئيس لحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية سابقًا حتى الآن تؤثر بشدة في هذه العائلة، من القضاء على ترشّح بيكريس.
واعتبارًا من مساء الأحد، تُظهر تصريحات إريك سيوتي، الذي لا يستبعد التصويت على الأرجح لمارين لوبان، أن إعادة التشكيل على اليمين جارية فعلا. "الجبناء سيذهبون إلى هذا الجانب أو ذاك، اتركوهم يذهبون، انتقد الأمين العام للحزب أوريلين برادييه. والأمر متروك للآخرين لإرسال رسالة سياسية. من جهته، الحزب الاشتراكي، المحتضر منذ 6 بالمائة بينوا هامون عام 2017، فقد طرح هذه المرة أرضا بصورة مذلة مع آن هيدالغو عند أقل من 2 بالمائة، متفوقًا عليه كل من الشيوعي فابيان روسيل وجان لاسال غير المصنف.
خيبة أمل جادو وفشل زمور
إن نتيجته البالغة 4.7 بالمائة بعيدة جدًا، عن نجاحات الانتخابات الأوروبية لعام 2019 والنشوة بالانتخابات البلدية لعام 2020 التي شهدت غزو الخضر لمدن كبيرة مثل ليون أو بوردو أو ستراسبورغ. لا شك أن يانيك جادو، بالإضافة إلى التصويت المجدي لميلينشون من اليسار، يدفع ثمن قيادته لحملة كانت رخوة للغاية، وليست جذرية بما يكفي، لإغواء الشباب الأكثر حساسية لقضية البيئة. وقد يكون دفع ثمن إدانته للطاقة النووية، في وقت تظهر فيه آثار الحرب في أوكرانيا أن هذه الطاقة تحمي فرنسا من الارتهان للغاز الروسي.
وماذا حدث لحملة الكاتب الجدلي الذي تحول إلى سياسي وأحدث ضجة في استطلاعات الخريف؟ هو نفسه يعترف بــ "أخطاء" ولكنه يرى خاصة أصل انهياره في ... غزو بوتين لأوكرانيا. شاهد إيريك زمور، وهو المعجب الدائم بالرئيس الروسي، مقاطع فيديوهات الى جانب تصريحاته تعرض بكثافة، ونتائجه تتدهور بنفس الوتيرة. ورغم ازدرائه لمنافسته، الا انه اصطدم بخبرة المعسكر الليبيني. يؤكد فيليب أوليفييه، صهر ومستشار مارين لوبان، أن "الانتخابات الرئاسية ليست نادٍ للمعجبين ولا تخاض بمجرد ضربات".
دعوات كبار المهزومين
بالنسبة للرئيس المنتهية ولايته، فإن تقدمه يبدو عريضا، لكنه ليس بالضرورة كافياً لضمان الفوز في الجولة الثانية. خاصة أن مارين لوبان تعمل على تشكيل جبهة مناهضة لماكرون من خلال النهل من اليسار إلى اليمين. وسواء بين المتطرفين والأكثر اعتدالًا، كما أظهر خطابها على طريقة شيراك –خيّل للجميع أنهم يستمعون لصدى "الانقسام الاجتماعي" لعام 1995 -مساء الأحد. لا يقتصر الأمر على عدم امتلاك إيمانويل ماكرون، على الورق، احتياطيا كبيرا من الأصوات، ولكن إضافة إلى ذلك، لا يزال الغضب المناهض للنظام يتردد بقوة في البلاد، مما يجعل التحول في السلطة ممكنًا.
لكل هذا، لم يتردد ماكرون في توجيه نداء ملح للناخبين اليساريين على وجه الخصوص -أولئك المحبطين من فترة ولايته الاولى التي مالت إلى اليمين -من خلال الالتزام بتشكيل ما وراء "الاختلافات"، "حركة سياسية كبرى للوحدة والعمل". وكانت المكالمات أو تعليمات التصويت من كبار المهزومين منتظرة بفارغ الصبر يوم الأحد. دعت آن هيدالغو ويانيك جادو وفاليري بيكريس وجان لوك ميلينشون صراحة إلى سدّ الطريق على مارين لوبان، وبالتالي بشكل أو بآخر التصويت لماكرون. في حين طلب إريك زمور من ناخبيه التصويت لمنافسته السابقة في أقصى اليمين.
مرشح الوحدة الوطنية
"لا شيء سيكون مثل قبل!"، كان هناك "عالم ما بعد" وباء كوفيد-19، وسيكون هناك الآن "عالم ما بعد" الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2022. ألقى إيمانويل ماكرون كلمة أمام نشطائه وحلفائه وجزء من حكومته دعا فيها إلى تجمّع أكبر. "أريد الوصول إلى جميع الذين يرغبون في العمل من أجل فرنسا، وأنا مستعد لبناء شيء جديد للجمع بين المعتقدات والحساسيات المتنوعة، لبناء حركة سياسية كبيرة للوحدة والعمل في خدمة أمتنا"، أعلن من المنصة.
وتبنى الرئيس الفرنسي المنتهية ولايته، تماشياً مع اجتماعه في لاديفانس، موقف مرشح الوحدة الوطنية في مواجهة مخاطر "اليمين المتطرف". إنها حملة جديدة تمامًا تبدأ بالنسبة له، وسيتعين عليه خلالها السعي للحصول على احتياطي أصوات اليسار، وفي المقام الأول بين ناخبي جان لوك ميلينشون.
كانت النتيجة، أعلى مما كان متوقعًا في الأيام الأخيرة، ولكن لا يزال يتعين عليه الفوز بالجولة الثانية. والجميع يراقب جان لوك ميلينشون و22 بالمائة. لم يعد ناخبو فاليري بيكريس بحكم هزال نتيجتها يشكلون مشكلة، فبعد تحويل الحزب الاشتراكي إلى رماد، ربح إيمانويل ماكرون رهانه: سحق يمين الحكومة... "الميزة أنه لم يعد من المجدي النظر إلى اليمين: إنهم جميعًا معنا"، يبتسم أحد أعضاء الحكومة.
ومع ذلك، "لم يحسم أي شيء"، يكرر كوادر الجمهورية الى الامام وهم على حق. بالتأكيد أن احتياطي الأصوات المتاحة أقل ضد ماكرون مما كان متوقعا، ولكن لا يزال السؤال يتعلق بالانتقال من 27 فاصل 6 بالمائة إلى 50 بالمائة زائد صوت واحد في 24 أبريل، ويرفض مساعدو ماكرون أي حسابات انتخابية، وأي استراتيجية استهداف. يقول أوليفييه دوسوبت: "الاحتياطي، يجب الذهاب للفوز به في كل مكان، في كل مكان! المطلوب ان نستقطب الجميع ".
المفتاح عند ميلينشون
"اللعبة أقل وضوحا بكثير مما كانت عليه من قبل، ومن يعتمد مقاربة حسابية، هو ميت"، يقول جان بابتيست دجباري. ويرى أحد أعضاء فريق الحملة: سيكون هناك 30 بالمائة ماكرون و30 بالمائة لوبان و40 بالمائة يمتنعون عن التصويت في ناخبي فرنسا المتمردة. للجميع داخل فرنسا الى الامام نفس الخطاب، سواء كانوا من أبناء حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية أو الحزب الاشتراكي: الهجوم على ناخبي فرنسا المتمردة. "كثيرون من اليسار صوتوا لملينشون دون أن يكونوا ميلينشونيين، وانما اعتمدوا التصويت المجدي، انهم مرتبطون بقيم الجمهورية، ويجب استقطابهم"، يؤكد دوسوبت.
كيف؟ لا يوجد ستة وثلاثون حلًا. جميعهم يؤيدون نفس التكتيك: تسليط الضوء على التدابير الاجتماعية اليسارية لبرنامج إيمانويل ماكرون، والتي اعتبرها البعض غير مرئية خلال الجزء الأول من الحملة. ولكن بطريقة خفية، إذا كان ذلك ممكنا. "يجب ألا نعطي انطباعًا باننا نمارس التعرج، فالبلد على اليمين، وهذه حقيقة، يجب ألا نقلل من شأنها"، يحذر أحد الوزراء.
ويُجمع فريق ماكرون على ضرورة عرض الاجراءات اليسارية للديمقراطيين الاشتراكيين الذين صوتوا لملينشون، ومحاربة التمييز، والتضامن النشط، وربط المعاشات بالتضخم" وذلك في عملية إغواء شاملة.
علاوة على ذلك، فإن السياسة، التي في انتخابات رئاسية على الطراز الفرنسي، ليست مجرد مسألة جوهرية، يأخذ الشكل مكانًا بارزًا، وتسبّب غياب إيمانويل ماكرون طيلة شهر في ارباك الكثير من أنصاره. لم يتبق سوى أسبوعين من الحملة في مبارزة غير مؤكدة ضد "مشروع حضاري آخر"، بحسب وزيرة الدولة لشؤون الشباب، لذا يجب تسريع الوتيرة. "سيكون الوضع متوترا، يجب أن نرى المرشح أكثر من ذلك بكثير، يهمس أحد الوزراء، يجب أن يكون في كل مكان، مع الناس، كل يوم".
يقال إن ماكرون سيفضل التنقّل الى المناطق التي حقق فيها التجمع الوطني نتائج مهمة خلال هذه الجولة الأولى وسيهتم بتفكيك برنامج مارين لوبان قدر الإمكان. اذن، انطلقت الحملة، وأفسحت مسيرة الرئيس النشطة الطريق لسباق الأمتار الاخيرة للمرشح.
ماكرون سيفوز في الجولة الثانية
وبحسب استطلاعات للرأي أجريت مساء الأحد، سيفوز الرئيس المنتهية ولايته بنسبة 54 بالمائة في الجولة الثانية، مقابل 46 بالمائة لمارين لوبان. وبالتفصيل، فإن 27 بالمائة من ناخبي جان لوك ميلينشون سيلجؤون إلى إيمانويل ماكرون، و21 بالمائة إلى منافسته.
و59 بالمائة من ناخبي يانيك جادو، و43 بالمائة من ناخبي فاليري بيكريس، و7 بالمائة من ناخبي إريك زمور، يمكنهم التصويت لصالح ماكرون. في المقابل، تستقطب مارين لوبان 8 بالمائة من ناخبي يانيك جادو، و27 بالمائة من ناخبي فاليري بيكريس، و79 بالمائة من ناخبي إريك زمور.