مقابلة تكشف بعض سمات شخصيته:
الرئيس دونالد ترامب... معيز ولو طارت...!
-- مقابلة مع ترامب تقول الكثير عن الرجل الذي يسعى لإعادة انتخابه وسط وباء قاتل
-- حمّل ترامب مسؤولية كل اخفاق للآخرين، ولم يعترف أنه ارتكب أي أخطاء أو زلّة
-- من الصعب تخيل كيف سيكون ترامب قادرًا على إقناع أولئك الذين لم يكسبهم بعد لقضيته
-- رغم أن الوقائع تشير إلى أن الوضع أبعد ما يكون عن الانفراج، يصر دونالد على أنه يتحسن
-- إن الحقائق والوقائع الوحيدة التي تهم هي تلك التي تناسبه أو تلك التي يخترعها لتزيين قصصه
مقابلة دونالد ترامب مع الصحفي جوناثان سوان، التي تم نشرها على موقع أكسيوس الإخباري وبثت الاثنين على شيكة إتش بي أو، تستحق المشاهدة والاستماع إليها بالتأكيد. إنها توضح العديد من جوانب شخصية الرئيس الأمريكي وتضرب مثالاً لأي صحفي يفكر في مقابلة أبطال المراوغة، وإذا جاز لي استخدام المصطلح التقني، الهراء. مقابلة دامت نصف ساعة يمكن رؤيتها هنا:
تكشف المقابلة صراحة بعض سمات شخصية الرئيس: ولعه بالدوران، وعدم نزاهته الفكرية المقترنة بازدراء الوقائع والاستهانة بها؛ ورفض الاعتراف بمسؤوليته أو أخطائه؛ ونرجسيته، وخاصة، افتقاره إلى التعاطف.
رئيس دوّار
يبدأ سوان بسؤال يطالب ترامب بشرح فلسفته حول “التفكير الإيجابي”، الذي يجعله يرى ان جميع المواقف والظروف لصالحه. الا ان الرئيس حوّل المناقشة إلى ما قدّمه على أنه النجاح الباهر لإدارته في التعامل مع أزمة فيروس كورونا... بداية جيدة.
وكالعادة، عاد الى قراره بتقييد الدخول من الصين وأوروبا، كما لو كان هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن القيام به في الأيام الأولى من الأزمة.
وبسماعه يتحدث، نكاد نعتقد انه لو لم يكن موجودا، لما فعل أحد أي شـــــيء حيال هذا الوباء، وللقي ملايين الأمريكيين حتفهم.
وفي ضوء ذلك، فإن أكثر من 150 ألف حالة وفاة تعزى إلى الفيروس تمثل نجاحًا كبيرًا، ولكن يجب على المرء أن يكون ساذجًا تمامًا للاعتقاد أنه مع أي رئيس آخر لن يتم فعل أي شيء. وبسبب “تدوير وقلب” أفعاله لتحويل الكارثة إلى نجاح، انتهى به الأمر إلى إقناع قاعدته الحزبية. والمثير للدهشة هو أنه يصر على الاعتقاد بأن الناخبين الذين لم يستقطبهم بعد سيسحرهم بهذا النوع من التدوير وقلب الحقائق.
أكاذيب وعدم
الأمانة الفكرية
صحيح أن الولايات المتحدة أكثر من قام باختبارات تقصي كوفيد-19 من أي دولة أخرى. ومع ذلك، يصر ترامب على أن هذا العدد الكبير من الاختبارات، التي وصفها بالنجاح المذهل لإدارته، هو الذي يفسر العدد الكبير من الحالات المبلغ عنها في الولايات المتحدة. وقد جاء إلى المقابلة مسلحا برسوم بيانية وإحصائيات قال إنها تثبت النجاح.
ورغم أن الوقائع تشير إلى أن الوضع أبعد ما يكون عن الانفراج في الولايات المتحدة، إلا أنه يصر على أنه يتحسن. ورغم أن الحقائق تظهر بوضوح أن حصيلة القتلى في الولايات المتحدة هي واحدة من أسوأ الخسائر في العالم، إلا أن ترامب يصر على القول إنها واحدة من أفضلها.
وعندما واجهه سوان بالقول إن أهم إحصائية يجب اخذها في الاعتبار، والتي تملك الولايات المتحدة فيها أحد أسوأ السجلات في العالم، هي نسبة عدد الوفيات من السكان، رد عليه ترامب، “ لا لا يمكنكم فعل ذلك».
ردّ الصحفي: “لماذا تقول إنني لا أستطيع فعل ذلك؟”، غير ان ترامب تهرّب من الموضوع فورًا وانتقل الى شيء اخر. بالنسبة لترامب، إن الحقائق والوقائع الوحيدة التي تهم هي تلك التي تناسبه أو تلك التي يخترعها لتزيين قصصه.
فعندما لا تناسبه الحقائق، كما هو الحال في تقارير المخابرات الأمريكية التي تشير إلى أن روسيا دفعت مكافآت الى طالبان التي قتلت أمريكيين في أفغانستان، فإنه يلوم “الأخبار الزائفة».
إنكار المسؤولية
وطوال المقابلة، حمّل ترامب مسؤولية كل الاخفاقات على أكتاف شخص آخر، دون ان ينسى الإشارة إلى مدى فداحة الأمور لو لم يكن هنا ليعتني بها. ولم يعترف في أي وقت من المقابلة أنه ارتكب أي أخطاء أو زلّة... لا جديد...
نرجسية
وأيا كانت المسألة المطروحة، يضع ترامب نفسه دائمًا في قلب التاريخ. على سبيل المثال، عندما يطلب منه سوان التعليق على حياة وعمل النائب الديمقراطي جون لويس، بطل الحقوق المدنية المتوفى مؤخرًا، كل ما وجده ترامب ليقوله بشأنه هو أن لويس رفض المشاركة في حفل تنصيبه وفي خطابه عن حالة الاتحاد، ليحوّل وجهة المحادثة لسرد مزاياه الذاتية، مدعيا أنه الرئيس الذي بذل قصارى جهده لصالح الأمريكيين من أصل أفريقي، باستثناء محتمل لإبراهام لينكولن. ومن الواضح أن هذا ادعاء مثير للسخرية ولا أساس له، ولكن من فرط تكراره أصبح يصدّقه.
انعدام التعاطف
منذ بداية هذه الأزمة، لم يبد أبدًا تعاطفًا مع الضحايا، باستثناء مقتطفات من خطابات كتبها أشخاص آخرون وتلاها بشكل اخرق. ربما تكون اللحظة الأكثر كشفًا في المقابلة هي عندما ادعي ترامب أن الوباء تحت السيطرة، وسأله سوان كيف يمكنه أن يقول هذا بينما لا يزال الآلاف يموتون. رد ترامب: الناس يموتون... هكذا هي الامور. لا أثر للتعاطف مع أولئك الذين يعانون من المرض أو اقرباء الضحايا. ويشير هذا الجزء من المقابلة الى الفرص القوية لمشاهدته كثيرًا في الإعلانات التجارية المناهضة لترامب. قد يكون الرئيس وحاشيته تحت الانطباع بأنه اجتاز هذه المقابلة ببراعة. ومع ذلك، ما لم يكن الشخص من عبدة شخصية ترامب، فمن المستحيل أن نرى في هذه المقابلة شيئا اخر سوى أنها كارثة.
لم يتبق سوى 13 أسبوعًا في هذه الحملة، و13 أسبوعًا فترة طويلة جدًا، ولكن إذا كانت هذه المقابلة من صنف المقبّلات لما ينتظرنا، فمن الصعب تخيل كيف سيكون ترامب قادرًا على إقناع أولئك الذين لم يكسبهم بعد لقضيته حتى يتدارك تأخّره الكبير في استطلاعات نوايا التصويت، بما في ذلك في جميع الولايات الرئيسية.
*أستاذ العلوم السياسية / مركز الدراسات والبحوث الدولية في جامعة مونريال لتنمية المعرفة حول الرهانات الدولية
-- حمّل ترامب مسؤولية كل اخفاق للآخرين، ولم يعترف أنه ارتكب أي أخطاء أو زلّة
-- من الصعب تخيل كيف سيكون ترامب قادرًا على إقناع أولئك الذين لم يكسبهم بعد لقضيته
-- رغم أن الوقائع تشير إلى أن الوضع أبعد ما يكون عن الانفراج، يصر دونالد على أنه يتحسن
-- إن الحقائق والوقائع الوحيدة التي تهم هي تلك التي تناسبه أو تلك التي يخترعها لتزيين قصصه
مقابلة دونالد ترامب مع الصحفي جوناثان سوان، التي تم نشرها على موقع أكسيوس الإخباري وبثت الاثنين على شيكة إتش بي أو، تستحق المشاهدة والاستماع إليها بالتأكيد. إنها توضح العديد من جوانب شخصية الرئيس الأمريكي وتضرب مثالاً لأي صحفي يفكر في مقابلة أبطال المراوغة، وإذا جاز لي استخدام المصطلح التقني، الهراء. مقابلة دامت نصف ساعة يمكن رؤيتها هنا:
تكشف المقابلة صراحة بعض سمات شخصية الرئيس: ولعه بالدوران، وعدم نزاهته الفكرية المقترنة بازدراء الوقائع والاستهانة بها؛ ورفض الاعتراف بمسؤوليته أو أخطائه؛ ونرجسيته، وخاصة، افتقاره إلى التعاطف.
رئيس دوّار
يبدأ سوان بسؤال يطالب ترامب بشرح فلسفته حول “التفكير الإيجابي”، الذي يجعله يرى ان جميع المواقف والظروف لصالحه. الا ان الرئيس حوّل المناقشة إلى ما قدّمه على أنه النجاح الباهر لإدارته في التعامل مع أزمة فيروس كورونا... بداية جيدة.
وكالعادة، عاد الى قراره بتقييد الدخول من الصين وأوروبا، كما لو كان هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن القيام به في الأيام الأولى من الأزمة.
وبسماعه يتحدث، نكاد نعتقد انه لو لم يكن موجودا، لما فعل أحد أي شـــــيء حيال هذا الوباء، وللقي ملايين الأمريكيين حتفهم.
وفي ضوء ذلك، فإن أكثر من 150 ألف حالة وفاة تعزى إلى الفيروس تمثل نجاحًا كبيرًا، ولكن يجب على المرء أن يكون ساذجًا تمامًا للاعتقاد أنه مع أي رئيس آخر لن يتم فعل أي شيء. وبسبب “تدوير وقلب” أفعاله لتحويل الكارثة إلى نجاح، انتهى به الأمر إلى إقناع قاعدته الحزبية. والمثير للدهشة هو أنه يصر على الاعتقاد بأن الناخبين الذين لم يستقطبهم بعد سيسحرهم بهذا النوع من التدوير وقلب الحقائق.
أكاذيب وعدم
الأمانة الفكرية
صحيح أن الولايات المتحدة أكثر من قام باختبارات تقصي كوفيد-19 من أي دولة أخرى. ومع ذلك، يصر ترامب على أن هذا العدد الكبير من الاختبارات، التي وصفها بالنجاح المذهل لإدارته، هو الذي يفسر العدد الكبير من الحالات المبلغ عنها في الولايات المتحدة. وقد جاء إلى المقابلة مسلحا برسوم بيانية وإحصائيات قال إنها تثبت النجاح.
ورغم أن الوقائع تشير إلى أن الوضع أبعد ما يكون عن الانفراج في الولايات المتحدة، إلا أنه يصر على أنه يتحسن. ورغم أن الحقائق تظهر بوضوح أن حصيلة القتلى في الولايات المتحدة هي واحدة من أسوأ الخسائر في العالم، إلا أن ترامب يصر على القول إنها واحدة من أفضلها.
وعندما واجهه سوان بالقول إن أهم إحصائية يجب اخذها في الاعتبار، والتي تملك الولايات المتحدة فيها أحد أسوأ السجلات في العالم، هي نسبة عدد الوفيات من السكان، رد عليه ترامب، “ لا لا يمكنكم فعل ذلك».
ردّ الصحفي: “لماذا تقول إنني لا أستطيع فعل ذلك؟”، غير ان ترامب تهرّب من الموضوع فورًا وانتقل الى شيء اخر. بالنسبة لترامب، إن الحقائق والوقائع الوحيدة التي تهم هي تلك التي تناسبه أو تلك التي يخترعها لتزيين قصصه.
فعندما لا تناسبه الحقائق، كما هو الحال في تقارير المخابرات الأمريكية التي تشير إلى أن روسيا دفعت مكافآت الى طالبان التي قتلت أمريكيين في أفغانستان، فإنه يلوم “الأخبار الزائفة».
إنكار المسؤولية
وطوال المقابلة، حمّل ترامب مسؤولية كل الاخفاقات على أكتاف شخص آخر، دون ان ينسى الإشارة إلى مدى فداحة الأمور لو لم يكن هنا ليعتني بها. ولم يعترف في أي وقت من المقابلة أنه ارتكب أي أخطاء أو زلّة... لا جديد...
نرجسية
وأيا كانت المسألة المطروحة، يضع ترامب نفسه دائمًا في قلب التاريخ. على سبيل المثال، عندما يطلب منه سوان التعليق على حياة وعمل النائب الديمقراطي جون لويس، بطل الحقوق المدنية المتوفى مؤخرًا، كل ما وجده ترامب ليقوله بشأنه هو أن لويس رفض المشاركة في حفل تنصيبه وفي خطابه عن حالة الاتحاد، ليحوّل وجهة المحادثة لسرد مزاياه الذاتية، مدعيا أنه الرئيس الذي بذل قصارى جهده لصالح الأمريكيين من أصل أفريقي، باستثناء محتمل لإبراهام لينكولن. ومن الواضح أن هذا ادعاء مثير للسخرية ولا أساس له، ولكن من فرط تكراره أصبح يصدّقه.
انعدام التعاطف
منذ بداية هذه الأزمة، لم يبد أبدًا تعاطفًا مع الضحايا، باستثناء مقتطفات من خطابات كتبها أشخاص آخرون وتلاها بشكل اخرق. ربما تكون اللحظة الأكثر كشفًا في المقابلة هي عندما ادعي ترامب أن الوباء تحت السيطرة، وسأله سوان كيف يمكنه أن يقول هذا بينما لا يزال الآلاف يموتون. رد ترامب: الناس يموتون... هكذا هي الامور. لا أثر للتعاطف مع أولئك الذين يعانون من المرض أو اقرباء الضحايا. ويشير هذا الجزء من المقابلة الى الفرص القوية لمشاهدته كثيرًا في الإعلانات التجارية المناهضة لترامب. قد يكون الرئيس وحاشيته تحت الانطباع بأنه اجتاز هذه المقابلة ببراعة. ومع ذلك، ما لم يكن الشخص من عبدة شخصية ترامب، فمن المستحيل أن نرى في هذه المقابلة شيئا اخر سوى أنها كارثة.
لم يتبق سوى 13 أسبوعًا في هذه الحملة، و13 أسبوعًا فترة طويلة جدًا، ولكن إذا كانت هذه المقابلة من صنف المقبّلات لما ينتظرنا، فمن الصعب تخيل كيف سيكون ترامب قادرًا على إقناع أولئك الذين لم يكسبهم بعد لقضيته حتى يتدارك تأخّره الكبير في استطلاعات نوايا التصويت، بما في ذلك في جميع الولايات الرئيسية.
*أستاذ العلوم السياسية / مركز الدراسات والبحوث الدولية في جامعة مونريال لتنمية المعرفة حول الرهانات الدولية