رئيس الدولة ونائباه يهنئون رئيس بنين ورئيسة الاتحاد السويسري بذكرى اليوم الوطني لبلديهما
سيرة ذاتية تشطب الصورة الكاريكاتورية:
الزعيم السوفياتي ليونيد بريجنيف «البطل المضاد»...!
-- لم يكن بريجنيف أبدًا صاحب رؤية أو متعصبًا أو ليبراليًا، إنه براغماتي ومحافظ في الوقت نفسه
-- لم تكن لبريجنيف شراسة ستالين، ولا حماسة خروتشوف، ولا جرأة جورباتشوف
-- إعادة تقييم عمله وشخصيته وانتزاعه من خانة الازدراء التي ظل سجينًا فيها
حكم ليونيد بريجنيف الاتحاد السوفياتي طيلة ثمانية عشر عامًا، أقصر من ستالين ولكن لفترة أطول من خروتشوف، الذي خلفه عام 1964. وحسب المؤرخ أندريه كوزوفوي، الذي خصص له سيرة ذاتية، “بريجنيف البطل المضاد” (بيرين، 2021)، ترك صورة سلبية عنه، صورة زعيم غير كفء، انتهازي وفاسد. ويعتقد المؤلف أن الوقت قد حان لوضع حد لتلك الصورة الكاريكاتورية من أجل محاولة فهم دوافع رجل سوف يسجل التاريخ أنه أمر بغزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968، ثم غزو أفغانستان عام 1979 .
على عكس أسلافه اللامعين (لينين وستالين وخروتشوف) وخلفه الأكثر شهرة (جورباتشوف)، لم يكن ليونيد بريجنيف، الذي كان الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي والرجل الأول للشيوعية العالمية من عام 1964 إلى عام 1982، لم يكن موضوعًا لأدب تاريخي غزير، وخاصة باللغة الفرنسية. ولأنه كان أحد المسؤولين عن التدمير الذاتي للنظام، ولأن اسمه لا يزال مرتبطًا بـ “ركود” البلاد، وهي الخطوة الأولى نحو انهيارها النهائي، فقد أُلقي به، إن لم يكن في طي النسيان، على الأقل، في مرتبة دنيا في تاريخ الاتحاد السوفياتي. ورغم طول عمره السياسي (ثمانية عشر عامًا على رأس البلاد)، والدور الذي لعبه في “الحرب الباردة”، فإنه ظهر في وقت لاحق باعتباره الحلقة الضعيفة في السلطة السوفياتية.
وفي سيرته الذاتية (بيرين، 2021)، التي خصصها له، يسعى المؤرخ الشاب أندريه كوزوفوي، المحاضر في التاريخ الروسي بجامعة ليل، إلى إعادة تقييم عمل الزعيم السوفياتي السابق وشخصيته.
ويكتب: “حان الوقت لانتزاع بريجنيف من زنزانة الازدراء التي يظل سجينًا فيها».
لا يسعى المؤلف إلى إعادة الاعتبار للشخصية، ولا يتعاطف مع النظام السوفياتي، ولا يتسامح مع من جسّدوه. فوالده، الشاعر فاديم كوزوفوي، الذي أهدى له كتابه، ووالدته، إيرينا إميليانوفا، التي روت في “أساطير شارع بوتابوف” (فايارد، 2002، وفي طبعات الجيب منشورات سيرت 2020) حب والدتها، أولغا إيفينسكا، لبوريس باسترناك، عانا من قسوة الغولاغ قبل ولادته عام 1975.
الحقيقة أكثر تعقيدًا
مطاردة المنشقين، رغم أنها أقل حدة، لم تتوقف في عهد بريجنيف. لذلك ليس لدى أندريه كوزوفوي سبب للرضا عن الأمين العام السابق.
لكنه يريد، كمؤرخ، أن يتجاوز “الرؤية الكاريكاتورية” التي تجعل منه، من بين ألقاب أخرى تُنسب إليه بسهولة، “جبانًا”، “مخطئًا”، “كسولًا” أو “فاسدًا”، للوصول الى “واقع أكثر تعقيدًا».
وبإعادة النظر في مسيرته، ومقارنة سلوكه بسلوك أسياد الكرملين الآخرين، قبله أو بعده، يبدو أنه لم تكن لليونيد بريجنيف سلطة وشراسة ستالين، ولا حماسة خروتشوف المجازفــــة في بعض الأحيان، ناهيك عن جرأة وحكمة جورباتشوف.
الا انه لم تكن تنقصه بعض الخصال. وكان لا بد ان يختلف مع خروتشوف حتى يقول هذا الأخير، عندما سئل عن اسم خليفته المحتمل، في مجلس خاص: “أي شخص غير ذلك الأحمق!».
ويقول هذا الحكم السطحي الكثير حول انفعالات خروتشوف، أكثر من قيمة بريجنيف. وإذا استثنينا سنواته الأخيرة عندما أضعفه المرض وفقد مصداقيته لدى حاشيته، فقد أعطى لنفسه صورة يرثى لها، فهو يظهر نفسه، خلال حياته، أحيانًا “رصين ومجتهد”، وأحيانًا، دبلوماسي ماهر، وأحيانًا اخرى “ذكي وعقائدي”، منتبها دائمًا إلى رأي أقرانه. وفيما يتعلق بالستالينية، فهو “الرجل الذي يريد تضميد الجروح ومصالحة السوفيات مع ماضيهم».
بريجنيف ليس “عملاقًا سياسيًا”، كما يقول المؤلف، ولا شخصية مشتعلة، بل هو عكس البطل الذي أراد أن يكون. ولئن نجح في الوصول إلى القمة والبقاء فترة طويلة، يشرح أندريه كوزوفوي، فان ذلك يعود إلى “قدرته على التصرف كبطل مضاد”. “بريجنيف البطل المضاد”، هو عنوان الكتاب، وهي الأطروحة التي يدافع عنها المؤلف: “لم يكن بريجنيف أبدًا صاحب رؤية أو متعصبًا أو ليبراليًا”، إنه “براغماتي” و”محافظ” في الوقت نفسه .
التدخل في تشيكوسلوفاكيا وأفغانستان
ماذا تبقى من سلطة ليونيد بريجنيف بعد ثمانية عشر عامًا من حكمه؟ من السجل الذي أعده المؤلف بدقة، نحتفظ، في الجانب السلبي، بالتدخلين العسكريين اللذين يحملان بصمته، في تشيكوسلوفاكيا أولاً، عام 1968، حيث ينطبق ما سيطلق عليه “عقيدة بريجنيف”، اي “السيادة المحدودة” للدول الشيوعية. ثم في أفغانستان، عام 1979، حيث غرق الاتحاد السوفياتي في حرب خاسرة.
وفي الحالتين، حاول تجنب الأسوأ قبل أن يقرر التحرك. تاريخيا، شوهت الغزوتان سمعته بشكل دائم.
وفي الجانب الإيجابي، يبقى الهجوم الدبلوماسي الواسع الذي قاده الاتحاد السوفياتي تجاه الولايات المتحدة، والذي أدى إلى تنظيم مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، وتوقيع قانون هلسنكي النهائي عام 1975. أن مؤتمرات قمة نيكسون -بريجنيف، ولا سيما قمة واشنطن عام 1973، سمحت للاتحاد السوفياتي “باكتساب حضور ومن ثم هيبة”، يؤكد أندريه كوزوفوي.
لقد بذل الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي كل قوته لإقناع محاوريه، في الولايات المتحدة، وكذلك في الاتحاد السوفياتي، بالحاجة إلى الانفراج.
ويخلص المؤرخ إلى أن “بريجنيف كان قائداً أكثر نشاطاً مما يتخيله البعض”. ويضيف، بعد نصف قرن تقريبًا، “إن سياسة بوتين الخارجية وهوسه بالولايات المتحدة ورغبته في إيجاد طرق ‘انفراج’ ، منها في مجال نزع السلاح، تذكرنا بخط بريجنيف».
-- لم تكن لبريجنيف شراسة ستالين، ولا حماسة خروتشوف، ولا جرأة جورباتشوف
-- إعادة تقييم عمله وشخصيته وانتزاعه من خانة الازدراء التي ظل سجينًا فيها
حكم ليونيد بريجنيف الاتحاد السوفياتي طيلة ثمانية عشر عامًا، أقصر من ستالين ولكن لفترة أطول من خروتشوف، الذي خلفه عام 1964. وحسب المؤرخ أندريه كوزوفوي، الذي خصص له سيرة ذاتية، “بريجنيف البطل المضاد” (بيرين، 2021)، ترك صورة سلبية عنه، صورة زعيم غير كفء، انتهازي وفاسد. ويعتقد المؤلف أن الوقت قد حان لوضع حد لتلك الصورة الكاريكاتورية من أجل محاولة فهم دوافع رجل سوف يسجل التاريخ أنه أمر بغزو تشيكوسلوفاكيا عام 1968، ثم غزو أفغانستان عام 1979 .
على عكس أسلافه اللامعين (لينين وستالين وخروتشوف) وخلفه الأكثر شهرة (جورباتشوف)، لم يكن ليونيد بريجنيف، الذي كان الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي والرجل الأول للشيوعية العالمية من عام 1964 إلى عام 1982، لم يكن موضوعًا لأدب تاريخي غزير، وخاصة باللغة الفرنسية. ولأنه كان أحد المسؤولين عن التدمير الذاتي للنظام، ولأن اسمه لا يزال مرتبطًا بـ “ركود” البلاد، وهي الخطوة الأولى نحو انهيارها النهائي، فقد أُلقي به، إن لم يكن في طي النسيان، على الأقل، في مرتبة دنيا في تاريخ الاتحاد السوفياتي. ورغم طول عمره السياسي (ثمانية عشر عامًا على رأس البلاد)، والدور الذي لعبه في “الحرب الباردة”، فإنه ظهر في وقت لاحق باعتباره الحلقة الضعيفة في السلطة السوفياتية.
وفي سيرته الذاتية (بيرين، 2021)، التي خصصها له، يسعى المؤرخ الشاب أندريه كوزوفوي، المحاضر في التاريخ الروسي بجامعة ليل، إلى إعادة تقييم عمل الزعيم السوفياتي السابق وشخصيته.
ويكتب: “حان الوقت لانتزاع بريجنيف من زنزانة الازدراء التي يظل سجينًا فيها».
لا يسعى المؤلف إلى إعادة الاعتبار للشخصية، ولا يتعاطف مع النظام السوفياتي، ولا يتسامح مع من جسّدوه. فوالده، الشاعر فاديم كوزوفوي، الذي أهدى له كتابه، ووالدته، إيرينا إميليانوفا، التي روت في “أساطير شارع بوتابوف” (فايارد، 2002، وفي طبعات الجيب منشورات سيرت 2020) حب والدتها، أولغا إيفينسكا، لبوريس باسترناك، عانا من قسوة الغولاغ قبل ولادته عام 1975.
الحقيقة أكثر تعقيدًا
مطاردة المنشقين، رغم أنها أقل حدة، لم تتوقف في عهد بريجنيف. لذلك ليس لدى أندريه كوزوفوي سبب للرضا عن الأمين العام السابق.
لكنه يريد، كمؤرخ، أن يتجاوز “الرؤية الكاريكاتورية” التي تجعل منه، من بين ألقاب أخرى تُنسب إليه بسهولة، “جبانًا”، “مخطئًا”، “كسولًا” أو “فاسدًا”، للوصول الى “واقع أكثر تعقيدًا».
وبإعادة النظر في مسيرته، ومقارنة سلوكه بسلوك أسياد الكرملين الآخرين، قبله أو بعده، يبدو أنه لم تكن لليونيد بريجنيف سلطة وشراسة ستالين، ولا حماسة خروتشوف المجازفــــة في بعض الأحيان، ناهيك عن جرأة وحكمة جورباتشوف.
الا انه لم تكن تنقصه بعض الخصال. وكان لا بد ان يختلف مع خروتشوف حتى يقول هذا الأخير، عندما سئل عن اسم خليفته المحتمل، في مجلس خاص: “أي شخص غير ذلك الأحمق!».
ويقول هذا الحكم السطحي الكثير حول انفعالات خروتشوف، أكثر من قيمة بريجنيف. وإذا استثنينا سنواته الأخيرة عندما أضعفه المرض وفقد مصداقيته لدى حاشيته، فقد أعطى لنفسه صورة يرثى لها، فهو يظهر نفسه، خلال حياته، أحيانًا “رصين ومجتهد”، وأحيانًا، دبلوماسي ماهر، وأحيانًا اخرى “ذكي وعقائدي”، منتبها دائمًا إلى رأي أقرانه. وفيما يتعلق بالستالينية، فهو “الرجل الذي يريد تضميد الجروح ومصالحة السوفيات مع ماضيهم».
بريجنيف ليس “عملاقًا سياسيًا”، كما يقول المؤلف، ولا شخصية مشتعلة، بل هو عكس البطل الذي أراد أن يكون. ولئن نجح في الوصول إلى القمة والبقاء فترة طويلة، يشرح أندريه كوزوفوي، فان ذلك يعود إلى “قدرته على التصرف كبطل مضاد”. “بريجنيف البطل المضاد”، هو عنوان الكتاب، وهي الأطروحة التي يدافع عنها المؤلف: “لم يكن بريجنيف أبدًا صاحب رؤية أو متعصبًا أو ليبراليًا”، إنه “براغماتي” و”محافظ” في الوقت نفسه .
التدخل في تشيكوسلوفاكيا وأفغانستان
ماذا تبقى من سلطة ليونيد بريجنيف بعد ثمانية عشر عامًا من حكمه؟ من السجل الذي أعده المؤلف بدقة، نحتفظ، في الجانب السلبي، بالتدخلين العسكريين اللذين يحملان بصمته، في تشيكوسلوفاكيا أولاً، عام 1968، حيث ينطبق ما سيطلق عليه “عقيدة بريجنيف”، اي “السيادة المحدودة” للدول الشيوعية. ثم في أفغانستان، عام 1979، حيث غرق الاتحاد السوفياتي في حرب خاسرة.
وفي الحالتين، حاول تجنب الأسوأ قبل أن يقرر التحرك. تاريخيا، شوهت الغزوتان سمعته بشكل دائم.
وفي الجانب الإيجابي، يبقى الهجوم الدبلوماسي الواسع الذي قاده الاتحاد السوفياتي تجاه الولايات المتحدة، والذي أدى إلى تنظيم مؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا، وتوقيع قانون هلسنكي النهائي عام 1975. أن مؤتمرات قمة نيكسون -بريجنيف، ولا سيما قمة واشنطن عام 1973، سمحت للاتحاد السوفياتي “باكتساب حضور ومن ثم هيبة”، يؤكد أندريه كوزوفوي.
لقد بذل الأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي كل قوته لإقناع محاوريه، في الولايات المتحدة، وكذلك في الاتحاد السوفياتي، بالحاجة إلى الانفراج.
ويخلص المؤرخ إلى أن “بريجنيف كان قائداً أكثر نشاطاً مما يتخيله البعض”. ويضيف، بعد نصف قرن تقريبًا، “إن سياسة بوتين الخارجية وهوسه بالولايات المتحدة ورغبته في إيجاد طرق ‘انفراج’ ، منها في مجال نزع السلاح، تذكرنا بخط بريجنيف».