رئيس الدولة: الدورة تعزز الحوار والتعارف والتنافس بين شباب العالم على أرض الإمارات
الزلزال غيّر تركيا.. لكن التغيير معقد
أديامان مقاطعة في جنوب تركيا لا يلاحظها الكثير من الناس على الخريطة. فهي صغيرة جدّاً، وفقيرة جدّاً، ومتديّنة جدّاً. وهي كردية أكثر مما ينبغي، لكنها ليست كردية بما يكفي. المقاطعات المجاورة لها تحمل ثقل التاريخ، وأما أديامان فهي مشهورة أكثر ما يكون بتبغها السائب.
في الانتخابات الرئاسية لسنة 2014، فاز رجب طيب أردوغان بنسبة 69 %من الأصوات في أديامان. وفي 2018، فاز بنسبة 67% هناك.
وأسفرت الزلازل التي وقعت في 6 فبراير ( شباط)عن مقتل أكثر من 50 ألف نسمة في تركيا وسوريا. في أديامان وحدها، قُتل أكثر من 6 آلاف نسمة، حيث انهار أكثر من 1200 مبنى فيما أصيبت آلاف المباني الأخرى بأضرار شديدة. في تلك الساعات الحرجة الأولى، لم تكن الدولة موجودة في أي مكان، حيث قبع الضحايا تحت الأنقاض في انتظار فرق الإنقاذ لأيام.
كان المفترض أن يؤدي ذلك الفشل إلى زعزعة تحالف أديامان الطويل أمداً مع أردوغان. ومع اقتراب الانتخابات يوم الأحد، توقعت المعارضة، بقيادة كمال كيليجدار أوغلو وحزب الشعب الجمهوري، موجة من الأصوات الاحتجاجية.
كانت تلك الانتخابات واحدة من أكثر الانتخابات تقارباً في نتيجتها بالنسبة لأردوغان، إذ لم يتمكن أي من الطرفين من اقتناص أغلبية مطلقة في الجولة الأولى، ومن المقرر إجراء جولة الإعادة في 28 مايو (أيار) الجاري. ولو كان أردوغان واثقاً من نجاحه في الجولة الثانية، فربما يكون ذلك بفضل الأماكن من قبيل أديامان، التي فاز فيها بنسبة 66% من الأصوات، وفق تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز».
بالنسبة لبعض الناخبين في أنقرة وإسطنبول، بدا الأمر كما لو أن الأهالي في المقاطعات الجنوبية صوتوا بشكل أعمى لصالح رئيس وحزب تخليا عنهم وهم في أمسّ الحاجة. لكن الحقيقة أكثر تعقيداً من هذا، حسب التقرير.
تقول معدة التقرير نعومي كوهين، صحفية مستقلة في اسطنبول: قضيت أسبوعاً في أديامان أتابع عمل جماعة “التصويت وما بعده” (بالتركية: Oy ve Otesi)، وهي جماعة تراقب الانتخابات، وأتحدث إلى الناجين من الزلازل حول هذه الانتخابات. الأهالي في أديامان بدأوا ينهضون من كبوتهم من جديد، لكن الأوضاع هشة، حيث فقد كثيرون منهم وظائفهم وألحق التضخم المفرط الذي عصف بتركيا أضراراً شديدة بالمنطقة.
لكن الحكومة في الوقت الراهن بدأت تولي اهتماماً، حيث بدأت العائلات التي شردتها الزلازل في الاستقرار في مساكن مؤقتة. وفي أحد المخيمات، كانت منازل الحاويات التي أرسلتها قطر تشتد حرّاً تحت أشعة الشمس، لكن الطريق ممهدة حديثاً. بالقرب كانت توجد لافتة انتخابية ضخمة تصوّر أردوغان واعدةً الأهالي بالغاز الطبيعي المجاني لمدة سنة.
وأما كيليجدار أوغلو فقد تعهد، في لافتة انتخابية أخرى لكن على بعد ثلاثة أميال ونصف الميل بالسيارة، بتوفير إسكان مجاني لضحايا الزلازل.
وتنقل معدة التقرير عن زينب، وهي أمّ لأربعة وزوجها يخدم في الجيش، إن الإمدادات القادمة من وزارة الإغاثة من الكوارث وزيادة راتب زوجها مؤخراً، بفضل حكومة أردوغان، هي التي سمحت لها بإطعام أسرتها.
تقول معدة التقرير: “طلبت مني زينب عدم استخدام اسمها الكامل مراعاة لزوجها. وقالت إنها تفضل السيد كيليجدار أوغلو وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد. وزوجها يخدم في قوات العمليات الخاصة، حيث يقاتل المتمردين الأكراد. لم تكن تنتوي التصويت في الجولة الأولى. وقالت إنها ربما تصوت في الثانية».
وأما سيفجي، وهي الأخرى ربة منزل، فكانت تخطط للتصويت، لكنها ظلت تغير رأيها كل حين وآخر. قالت إنها لا تحب أردوغان، أو على الأقل لم تعد تحبه، لكنها تخشى ما سيفعله أهلها لو اكتشفوا أنها صوتت لحزب الشعب الجمهوري: حزب مصطفى كمال أتاتورك والعلمانية، الحزب الذي أيّد ذات يوم فرض حظر على الحجاب في المؤسسات العامة. ربما يقول أهلها: من يدري ما الذي سيفعله حزب الشعب الجمهوري بعد ذلك.
على الجانب الآخر من البلدة، وبالقرب من الجامعة المحلية، كان المختار أكرم أباسي (المختار منصب يعادل عمدة الحي) يعطي أوامره للناس في مكتبه. فراح رجال يفرغون عبوات مياه من الشاحنات. كانت وزارة الاستجابة للكوارث ترسل شحنات يومية من المياه يمكن للمختار توزيعها بين أهالي دائرته.
الحكومة لا تستحق اللوم
وتنقل معدة التقرير عن أباسي والرجال المحيطون به قولاً واحداً: حكومتنا اعتنت بنا. ربما تكون تأخرت، لكن أي بلد كان سيتأخر بالمثل في مثل هذه الكارثة. الحكومة لا تستحق اللوم.
نادى المختار على هاكان، طالب الدراسات العليا المصاب بكسر في ذراعه والذي جاء لأخذ بعض الأوراق، قائلاً: “صوّت لبابا طيب غداً”. ظل هاكان هادئاً للحظة، ثم قال إنه يمكنني إعادة تشغيل مسجلة الصوت التي أوقفت تشغيلها مؤقتاً عند وصوله. قال إنه صوّت طوال حياته لصالح أردوغان وحزبه، لكنه لن يفعل هذه المرة.
وأضاف أنه سيصوّت ضد المحسوبية التي تركته هو والكثيرين جدّاً من الخريجين أمثاله عاطلين عن العمل، والعفن البيروقراطي الذي يترتب عليه تغريمه فيما لم يرتكب ما يستوجب الغرامة ويعجز عن الحصول على المزايا التي يستحق الحصول عليها. ثم غادر.
التصويت من أجل التغيير مقامرة كبيرة
تقول معدة التقرير: “هذا لا يعني أن شيئاً لم يتغير في أديامان والمقاطعات المجاورة؛ فالكثير من المناطق التي تضررت أشد ما يكون من الزلازل، والتي كانت تاريخياً داعمة لأردوغان، تحولت عنه في الجولة الأولى. لكن عندما يكون الرصيف ما زال يحمل بقايا الأنقاض، وعندما تكون الأحياء السكنية ما زالت تمثل مزيجاً من قطع الأرض الخالية (حيث كانت تنتصب المباني ذات يوم) والخيام المتناثرة، وعندما تكون الحياة جلّ همّها هو اليوم وليس الغد، فإن التصويت من أجل التغيير يمكن أن يبدو وكأنه مقامرة كبيرة».