رئيس الدولة يتلقى اتصالا هاتفيا من رئيس أوزبكستان ويبحثان مسارات التعاون
هوية وطن عبر آلاف السنين
الزي الفلسطيني التقليدي للمرأة بالقرية العالمية بدبي
يعتبر الزى الشعبي الفلسطيني جزءاً من الزى الشعبي لبلاد الشام, فالزى هنا مشابه لبقية المناطق الشامية مع اختلافات في طريقة التطريز أو الألوان.. بالنسبة للزى النسائي يشكل التراث الفلسطيني نتاج حضاري عبر آلاف السنين وهو تراكمات السنين وتعب الجدات والأمهات منذ أيام الكنعانيين.. وخلال السنوات الماضية أدخلت تعديلات كثيرة على عالم التطريز الفلسطيني وتم صنع عشرات القطع الحديثة المطرزة لتناسب مختلف الأذواق.. وتحظى الأثواب الفلسطينية باهتمام عالمي متزايد, حيث تنشط مؤسسات فلسطينية ونساء فلسطينيات وأجنبيات في ترويج الأثواب الفلسطينية على مستوى عالمي لزيادة الطلب على المطرزات التي تعود إلى زمن الكنعانيين.. وكتب الكثير من المسافرين إلى فلسطين خلال القرن التاسع عشر و القرن العشرين عن الأزياء التقليدية الفلسطينية وخاصة الثوبا الفلاحي النسائي في الريف الفلسطيني.. وتكاد تمتاز كل مدينة فلسطينية عن الأخرى بنوع التطريز, وحتى الأربعينيات من القرن الماضي كان زى المرأة يعكس الوضع الاقتصادي, وما إذا كانت المرأة متزوجة أو عزباء.. كما كانت كل مدينة أو منطقة تمتاز بالتطريز ونوع القماش والألوان والقطع المستخدمة للفستان, ورغم هذه الاختلافات المحلية والإقليمية التي اختفت إلى حد كبير بعد عام 1948 ونزوح الفلسطينيين إلا انه لا يزال التطريز والملابس الفلسطينية تنتج في أشكال جديدة إلى جانب الثياب الإسلامية والموضات الغربية.
ويكفي أن ننظر إلى ملابس الشخص الذي يقابلنا حتى نحدد جنسيته ولغته وتاريخه وهذا ما ينطبق على الثوب الفلسطيني الذي توارثته الأجيال المختلفة عبر السنين معبرين عن هويتهم وجذورهم.. ومع التحولات السياسية التي لازمت القضية الفلسطينية طرأت تغيرات على هذا الزي التقليدي الذي يحفظ بطياته وألوانه ثقافة كل مدينة وقرية فلسطينية, وأحسن الشعب الفلسطيني استغلاله للتعبير عن انتمائهم للأرض ومقاومتهم لمحاولات إسرائيل محو تراثهم الشعبي.. يعتبر تداول هذا الزي على مر الأجيال نجاحًا ساحقًا لجميع الضغوط التي تعرضت لها الثقافة الفلسطينية وسعت للحد من وجودها وتوسعها, فهو أفضل الشواهد على عادات وتقاليد المدن والبلدات المهجرة التي فقدت حقها بالوجود بسبب استبداد سياسات دولة الاحتلال.. ومع ذلك حرصت المدن الفلسطينية على إظهار جانب من تاريخها وحياتها الاقتصادية من خلال تنوع أشكال الزخارف والتطريز واختلاف الألوان والرموز التي حاكتها أنامل النساء الفلسطينيات لتوثيق الوجود الفلسطيني على أقمشة الحرير والمخمل. ويعتقد المؤرخون أن الثوب الفلسطيني يعود للعهد الكنعاني أي قبل 3000 عام, فلقد وجدت بعض الصور والرسومات التي طرزت بها ملابس ملكات الكنعانيين على نفس أشكال التطريز الموجودة حاليًّا إضافة إلى الاستخدام المشترك لخيوط الحرير وذلك وفقًا لكتاب ملكات الحرير.. ويمكن ملاحظة تأثير الحضارة الكنعانية على هذا الزي أيضًا من خلال رسومات الثعابين والشجر التي كانت جزءًا, منها كما غلب على الثوب اللون الأحمر فكنعان يعني أرجوان وتختلف درجاته من مكان لآخر, فثوب غزة يميل إلى البنفسجي أما الخليل فإلى البني وبيت لحم ورام الله ويافا يميل إلى اللون الأحمر القاني أو الخمري, وبئر السبع الأحمر المائل إلى البرتقالي.. ومع دخول الحضارة الإسلامية أضيف البرقع "غطاء الوجه" وغطاء الرأس للباس الفلسطيني.. وعادة ما يستخدم الثوب الأسود للعمل اليومي وتكون التطريزات عليه بسيطة وخفيفة غير متكلفة وهذا بعكس ثوب الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية الذي يشتهر بغزارة الرسومات والنقوش.
قبل النكبة كان يصنع الثوب الفلسطيني في عكا وعسقلان وكانا مركزًا لتصدير الأثواب لبلاد الشام وبلاد الرافدين, واعتبر حرفة تقليدية للنساء الريفيات اللاتي تعلمن الحياكة والتطريز من سن مبكرة خاصة أنها صنعة تحتاج إلى الدقة والصبر والذوق.. وبعد عام 1948 اختلفت نوعية التطريز وأصبح مزيجًا من ثقافات المدن الفلسطينية فنجد مثلًا أشجار السرو التي امتاز بها الثوب الفلسطيني في يافا مع الورود المشتهرة برام الله في نفس الثوب.. وترتدي الفلسطينيات هذا الثوب تأكيدًا على تاريخهن وحفاظًا على تراث أرضهن.
كما أن أبرز ما يميز الزي الفلسطيني هو التنوع في الأزياء والألوان والنقوش ونوعية التطريز وذلك تبعًا لطابع كل منطقة وتنوعها الجغرافي, حيث تتميز المناطق الجبلية بطراز معين يختلف عنه في المناطق الساحلية أو الصحراوية, ولا شك أنه لا يتشابه بين البدو والحضر, فعلى سبيل المثال يرتدي أهل الجنوب والشمال الملابس المطرزة بشكل دائري على هيئة زهور وطيور ومبانٍ, بينما يفضل سكان مدينة أريحا في الضفة الغربية استخدام الزخارف التي تكون على شكل مثلث والتي تسمى بـ"الحجاب" لاعتقادهم بأنها تبعد الأرواح الشريرة عنهم.. ويخلو الثوب الجبلي من التطريز بسبب طبيعة الحياة التي فرضت على النساء العمل مع أزواجهم في الحقول ولم يتوفر لديهن الوقت لممارسة التطريز, كما هو الحال في ثوب مدن الساحل مثل المجدل وحمامة ويافا الذي امتاز بالبساطة الشديدة, وهذا بعكس ثوب منطقة بئر السبع والخليل ورام الله الذي امتاز بكثافة التطريز بسبب توفر الوقت لنساء المدينة, وهذا ما قاله المثل الفلسطيني " قلة الشغل بتعلم التطريز ".. وهناك أشكال أخرى على هيئة أشجار الزيتون وطائر العنقاء الذي ينبعث من تحت الرماد ويمثل الكبرياء, ويغلب على الأثواب اللون الأحمر بتدريجاته والأخضر رمزًا لدماء الشهداء والأرض.. كما تختلف بعض التفاصيل البسيطة في الملابس وذلك بحسب المواسم والفئة العمرية والحالة الاجتماعية للفتاة سواء كانت متزوجة أو عزباء أو أرملة فترتدي المطلقة اللون الأزرق تعبيرًا عن الحزن وفراق الزوج, بينما ترتديه المرأة العزباء تعبيرًا عن انتظارها لزواج ويكون فاتحًا وكثير الزخارف.. وبالنسبة إلى الأرملة فتلبس ثوبًا أسود مطرزًا باللون الأخضر ,أما المتزوجة فيميل التطريز إلى التنوع في الألوان مثل الأحمر القاني والبرتقالي والأصفر الكموني وتكون أثوابهن فضفاضة وواسعة إضافة إلى الشدة أو الحزام الذي كانت ترديه المرأة حول الخصر ويكون الحزام عادة به حجر أبيض يسمى بحجر القبلة وهو يدل على أن المرأة تعيش حياة سعيدة مع زوجها وإن خلعته فهذا يعني أنها مطلقة.
واعتادت النساء الفلسطينيات تعليق النقود المعدنية الذهبية والفضية على طاقيتها المطرزة وتسمى بـ"الشطوة" أو" الصّفّة" وهي دليل استلام المرأة لمهرها في ليلة زواجها, وبعد الزواج كان ينظر إليها كالمدخرات التي تسدد مصروفات البيت ونفقات العيش.. أما الزخارف المتنوعة فتحمل رموزًا أسطورية تعود للحضارة الكنعانية التي توارثها الشعب الفلسطيني كجزء من تاريخه وتكون غالبًا على شكل زهور أو نباتات.. وما هي إلا حكايات وطن خيطت فوق الأقمشة لتذكر بامتلاك الفلسطيني لأرضه وما عليها. وفي محاولة خاصة لأهالي مدينة الخليل عام 2009تم تطريز ثوب يبلغ طوله 32 مترًا وعرضه 19 مترًا كأطول ثوب في العالم للدخول في موسوعة جينيس وكخطوة لحماية التراث الوطني من التشويه والضياع وعمل 150 امرأةً في هذا الثوب الذي احتوى على مليون و400 ألف غزرة تجمع بين مختلف المناطق الجغرافية على شكل النجمة الكنعانية وشجرة الزيتون من شمال فلسطين وزهرة الليمون من قطاع غزة ورموز من محافظات أخرى مثل الخليل وبيت لحم.