لفتة ليست بريئة تماما

الصين توسع نفوذها من خلال تطعيم العالم ...!

الصين توسع نفوذها من خلال تطعيم العالم ...!

-- البروفيسور ديدييه راولت، الخبير في الأمراض المعدية، يفضل اللقاحات الصينية على غيرها
-- على عكس الغرب، طورت بكين مساعدات طبية للدول النامية
-- «دبلوماسية اللقاحات» تزعج  ماكرون الذي حذر الغرب من نتائجها
-- أوضحت الحكومة الصينية أن اللقاح الصيني سيُعطى لحوالي خمسين دولة نامية
-- الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي اشترت اللقاح الصيني هي المجر بخمسة ملايين جرعة لعشرة ملايين نسمة


 حتى الآن، تم القيام بما يقارب الخمسين مليون جرعة من اللقاح في الصين. وعلى عكس ما هو معمول به في الولايات المتحدة أو دول أوروبا، فإن خطة التطعيم الصينية تتعلق في المقام الأول بالسكان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و59 عامًا. ولا يتم إعطاء الأولوية للمتقاعدين. هناك فرق كبير آخر مع الدول الغربية: الصين تهتم بإرسال الكثير من اللقاحات إلى الدول النامية.
  كانت السنغال وغينيا الاستوائية ومصر أول من تلقى كل منها 200 ألف جرعة من اللقاحات الصينية مجانًا. وفي منتصف فبراير، ذهبت طائرة تابعة لشركة طيران السنغال إلى بكين لإحضار صناديق اللقاحات.

واعتبر السفير الصيني، في مقابلة في نفس اليوم في صحيفة “لو سولي” السنغالية، أن الصين “دولة صديقة وشريكة وشقيقة، تكافح الوباء يدا بيد مع السنغال”. أصيب 32 ألف شخص في البلاد بفيروس كوفيد-19، وتوفي 780 شخصًا بسببه. وبالنسبة إلى الرئيس سال، فإن اللقاح الصيني هو “بكل بساطة، أول لقاح يصلنا”، وبذلك أعلن عن شراء جرعات أخرى لتطعيم 20 بالمائة من السنغاليين.

مثل معظم البلدان النامية في العالم، لا تريد السنغال الانتظار حتى تتمكن من الحصول على اللقاحات التي وعدت بها منظمة الصحة العالمية. يذكر ان هذه الأخيرة توجهت للمختبرات الأمريكية فايزر ومودرنا، لتزويد جهاز “كوفاكس” (آلية عالمية للتوزيع العادل للقاحات). وفي 24 فبراير، أرسلت منظمة الصحة العالمية 600 ألف لقاح إلى غانا. وتعهدت الصين بتقديم عشرة ملايين لقاح لهذا الاحتياطي.

   في المقابل، يتوفر لقاحان صينيان ضد كوفيد-19 حاليًا. يتم إنتاجهما بواسطة مختبرين: سينوفاك، مصدر لقاح كورونا فاك وسينوفارم (الذي يستخدم اسمها غالبا أكثر من BBIBP-Corv، اللقاح الذي تنتجه). وتصنع هذه اللقاحات من فيروس معطل تفرز أجسامًا مضادة تثير استجابة مناعية. ويمكن نقله بسهولة، تمامًا مثل لقاحات الإنفلونزا أو شلل الأطفال التي تستخدم نفس عملية التصنيع.

   من جهة اخرى، يمكن تخزين لقاحي سينوفارم وكورونا فاك في الثلاجة عند 2-8 درجة مئوية. بينما يتطلب منتج فايزر التخزين -70 درجة مئوية، وموديرنا عند -20 درجة مئوية. وتم الإعلان عن فعالية المنتج من قبل سينوفارم بنسبة 79 بالمائة. رقم أقل من 95 بالمائة التي حصل عليها المنافسون الأمريكيون. وتقوم السلطات الصحية في بكين حاليًا باختبار ثلاثة لقاحات صينية أخرى، هي في مرحلة التجارب السريرية ويمكن المصادقة عليها قريبًا.

منفعة عامة عالمية
   في كل الاحوال، تتمتع بكين بورقة رابحة كبيرة: على الأراضي الصينية، معدل الأشخاص المصابين بالفيروس منخفضًا للغاية، حتى لو ظهرت تنبيهات محلية في بعض الأحيان. لذلك يمكن للصين أن تهدي لقاحات للعديد من البلدان. فحاجة الشعب الصيني لها ليست ملحة. في وقت مبكر من مايو 2020، أعلن الرئيس الصيني شي جين بينغ، أن الصين ستشارك بقية العالم في اللقاح الذي بدأ الباحثون الصينيون في تطويره حينها.
   ومنذ يناير الماضي، يتم إنتاج هذا اللقاح من قبل مختبرين صينيين، وقد أعلن شي جين بينغ في مناسبات عديدة أنه منتج “مخصص للعالم بأسره”، أو أنه “من خلال التعاون الدولي، يجب علينا أن نجعل منه منفعة عامة عالمية”.

 ومن هذا المنطلق، اوضحت الحكومة الصينية أن اللقاح الصيني سيُعطى لحوالي خمسين دولة نامية. وقال الرئيس خلال القمة الصينية الأفريقية، التي عقدت في يونيو 2020، عبر الفيديو: “ستكون الدول الأفريقية من بين المستفيدين الأوائل من لقاح مصنوع في الصين”. في نفس الوقت الذي كانت فيه الصين تلغي جزءً من ديونها.

   راهنا، يتعين على العديد من البلدان الأفريقية مكافحة كورونا فيروس في حين أن أنظمتها الصحية ومستشفياتها عاجزة على مواجهة زيادة المرض. ويثير البديل الجنوب أفريقي مخاوف من العدوى عبر القارة، الا ان هذه البلدان لا تملك الموارد الكافية لشراء اللقاحات بكميات كبيرة. في يناير، قام وانغ يي، وزير الخارجية الصيني بجولة مكثفة في إفريقيا، وفي 19 فبراير، في بكين، أعلن وانغ وين بين، أحد المتحدثين باسم وزارة الخارجية الصينية في مؤتمر صحفي، أن تسع عشرة دولة أفريقية أخرى ستستفيد من عرض كورونا فاك.

   في معظم الحالات، يتعلق الامر هنا أيضًا بـ 200 ألف جرعة تستعجل البلدان المستفيدة الذهاب الى بكين لاستلامها. واستخدمت زيمبابوي الطائرة الوحيدة التي تمتلكها لهذا الغرض: طائرة بوينج 767 كان يستخدمها الرئيس السابق روبرت موغابي عندما تقدم به السن جدًا، لتلقي العلاج في مستشفى سنغافورة (توفي الرئيس موغابي عام 2019 بعد أن قاد زيمبابوي من عام 1987 إلى 2017). هذا البلد، المدمر الآن، مع ذلك، يعتزم، بخلاف اللقاحات التي جلبها، الى شراء 600 ألف أخرى من الصين. يبلغ عدد سكان زيمبابوي عشرة ملايين نسمة، وجارة لجنوب إفريقيا، تتأثر بشدة بـ كوفيد-19 مع ما يقارب 40 ألف حالة إصابة، منها 14 ألف حالة وفاة.

   في الجزائر، رافقت 200 ألف جرعة من لقاح سينوفارم التي وصلت في 19 فبراير، رسالة من السفير الصيني، لي ليانهي، على فيسبوك، يؤكد فيها أن “الصين كدولة صديقة وشقيقة للجزائر مستعدة لتقديم الدعم والمساعدة لها (...). اللقاح الصيني سيساعد الجزائر في التغلب على الوباء واستعادة الحياة الاقتصادية والاجتماعية في أقرب وقت ممكن “. في العام الماضي، أرسلت الصين أيضًا طاقمًا طبيًا وممرضين إلى الجزائر، وتبرعت بالمعدات الطبية اللازمة لمكافحة كوفيد-19.
   مثال آخر: الغابون. في 22 فبراير، أعلنت الصين عن شحن مائة ألف جرعة لقاح. وقد شهدت البلاد مؤخرًا زيادة حادة في حالات كوفيد-19: ثبتت إصابة 3136 شخصًا في فبراير وتوفي 76. وقد تم الاعلان عن وضع خطة تطعيم سيكون لقاح سينوفارم هو الثاني الذي يتم استخدامه: طلبت الغابون قبل ثمانية أيام مائة ألف جرعة من اللقاح الروسي، سبوتنيك في. ومع ذلك، فإن الصحافة الغابونية قلقة بشأن حملة تنتشر على الشبكات الاجتماعية تروّج أن اللقاحات المضادة للفيروسات مضرّة.

«دبلوماسية اللقاح»
   لا تنتشر اللقاحات الصينية في إفريقيا فقط. طلبت البرازيل 100 مليون جرعة من كورونا فاك، وتنتظر تركيا تسلّم حوالي خمسين مليون لقاح من نوع سينوفاك، كما أنها اشترت لقاح بيوتاك من ألمانيا، وتهدف إلى تطعيم 1.5 مليون شخص يوميًا. والدولة العضو الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي اشترت اللقاح الصيني هي المجر بخمسة ملايين جرعة لعشرة ملايين نسمة.
   في البلدان المتقدمة، في أوروبا أو في الولايات المتحدة، تمنع قوة الوباء في الوقت الحالي من تطوير أي مساعدة طبية لصالح العالم الثالث. غير ان الموقف الصيني يقود بعض القادة إلى التساؤل. أعلن إيمانويل ماكرون في 5 فبراير، في مؤتمر الأمن التابع للاتحاد الأوروبي في ميونيخ، أن أوروبا والولايات المتحدة يجب أن تقدم على الفور لأفريقيا “جرعات كافية من اللقاحات والا ستكون قوة الغرب مفهومًا وليس حقيقة».

   وفي تبادل للآراء مع مركز الأبحاث الأمريكي اتلانتيك كونسيل، شدد الرئيس الفرنسي على “الفعالية الصينية”، لكنه أشار الى “دبلوماسية اللقاحات” التي تثير تساؤلات: “بكين توفر اللقاحات خاصة في إفريقيا، يقول الرئيس الفرنسي، “بنسب ليست واضحة تماما لنا، ولكن بنجاحات دبلوماسية جلية”. ومعتبرا أن الصين لا تتواصل بشفافية بشأن فعالية منتجاتها، حذر إيمانويل ماكرون: “هذا يعني أنه على المدى المتوسط والطويل، من شبه المؤكد أنه إذا كان هذا اللقاح غير مناسب، فإنه سيسهل ظهور متغيرات جديدة من الفيروس؛ وهكذا لن يصلح وضع الدول على الاطلاق».

   من الواضح أن كلمات الرئيس الفرنسي لم تُستسغ في بكين. وخلال مؤتمر صحفي في وزارة الخارجية، رد وانغ وين بين أنه “على أساس التجارب السريرية التي تم إجراؤها، من الواضح أن اللقاحات الصينية فعالة وآمنة. وتولي الحكومة الصينية أهمية كبرى لسلامة وفعالية اللقاحات ضد كوفيد”. قبل أن يضيف، “يجب على المجتمع الدولي أن يتحد بدلاً من الصدام حول قضية اللقاحات».
   لكن في فرنسا، تتنوع وجهات النظر حول كورونا فاك وسينوفارم. بمقارنتها مع اللقاحات الأخرى، أعلن البروفيسور ديدييه راولت، أستاذ الطب في جامعة إيكس مرسيليا والخبير في الأمراض المعدية، والذي يعارض المواقف الرسمية، في 15 فبراير على سي نيوز: “من وجهة نظري، اللقاح الصيني منطقي أكثر، إنه لقاح أفهمه... انه يسمح بمواجهة متغيرات فيروس كورونا بطريقة معقولة أكثر”. وختم: “لو كنت قادرًا على الاختيار، فهذا هو اللقاح الذي كنت سأفضله».

مؤسسة تجارية ودبلوماسية
   قبله بأسبوعين، في 27 يناير، اعتبر جان لوك ميلينشون، زعيم حركة فرنسا المتمردة، خلال مؤتمر صحفي، أن “فرنسا تحت سيطرة الأنجلو ساكسون بخصوص إمداداتها الطبية وأنه سيكون من الأفضل ترويج لقاحات من النوع التقليدي وبالتالي تشتريها من الدول المنتجة لها مثل روسيا أو كوبا أو الصين«.

   في بكين، يبدو أنهم راضون تمامًا على تصدير اللقاحات الصينية بكميات كبيرة إلى جميع أنحاء العالم. وأوضحت عدة صحف، أن الدول الغنية صادرت كمية كبيرة من اللقاحات التي تنتجها المعامل الغربية. وبما انها مستبعدة من هذه السوق، ترحب الدول النامية بتوافر اللقاحات الصينية، خاصة، إذا كانت مهداة. من جانبها، تهدف الصين بطبيعة الحال إلى تعزيز حضورها التجاري والدبلوماسي في البلدان التي توزع أو تبيع اللقاحات إليها. ويمكن توقع تأسيس شركات صينية عاملة في مجال الرعاية الصحية. لكن الصين، التي تأخرت كثيرا في التصدي لـ كوفيد-19 في نهاية عام 2019 عندما ظهر في ووهان، تسعى الآن، بفضل اللقاحات التي تنتجها، إلى تحسين صورتها... لقد انطلقت الآن في استعراض أكثر ايجابية حيث يوصف الصينيون بأنهم أول من اكتشف الداء، ثم السيطرة عليه، والآن مساعدة العديد من البلدان على تجنب التعرض للعدوى.