رئيس الدولة ورئيس وزراء باكستان يبحثان علاقات التعاون بين البلدين والتطورات الإقليمية
السيادة الأوروبية في الميزان:
الصين، متغير تعديلي في العلاقة العابرة للأطلسي...؟
-- مصلحة الأوروبيين ليست في المواجهة والاصطفاف وراء الموقف الأمريكي، بل في تحديد سياسة ذاتية في علاقتهم بالصين
-- إن تصور الموقف الذي يجب تبنيه تجاه الصين، سيكون عاملاً حاسماً في العلاقات العابرة للأطلسي
-- يرغب جو بايدن في إضعاف الصين بشكل دائم من أجل منعها من انتزاع المركز الأول
-- أدى عنف الرئيس ترامب إلى إضعاف العلاقة العابرة للأطلسي، وثقة أوروبا في الولايات المتحدة بشكل كبير
-- في العلاقة مع الصين اليوم، لا يمكن للأمريكان والأوروبيين البقاء غير مبالين لأسباب موضوعية مختلفة
بعد انتخاب جو بايدن، تساءل الكثيرون عن طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا للسنوات الأربع القادمة. حلفاء استراتيجيون تاريخيون، ضعفت العلاقات بين الاثنين، إن لم تكن فترت بشكل ملحوظ، خلال رئاسة دونالد ترامب. حيث دحض هذا الأخير حتى مصطلح الحلفاء ليشير إلى الدول التي استخدمت تجارتها مع الولايات المتحدة لجني فوائض تجارية ضخمة تاركين الأمريكان يدفعون من جيوبهم من اجل الأمن في أوروبا.
هذا الموقف، استفز الأوروبيين، وحثهم على التفكير بشكل أكبر في استقلالهم الاستراتيجي من أجل حماية مصالحهم الاستراتيجية بشكل أفضل: ألم يكن تنقيح لائحة 1996 أو آلية انتكس (صك دعم التبادل التجاري) يهدف إلى الحد من تأثير تجاوز القوانين الأمريكية الحدود الإقليمية للدولة؟ وآلية فرز وفلترة الاستثمارات الأجنبية لمواجهة الاستثمارات الصينية الضخمة في أوروبا في المجالات الصناعية والتكنولوجية؟ وهكذا، أدى عنف الرئيس ترامب إلى إضعاف العلاقة العابرة للأطلسي، وثقة أوروبا في الولايات المتحدة بشكل كبير، مع تعزيز إرادة الأوروبيين لتحمّل مصيرهم بشكل أفضل.
ومع ذلك، فإن عودة رئيس “طبيعي أكثر” تعيد الآن إطلاق الجدل حول هذه العلاقة العابرة للأطلسي، وتثير مسألة السيادة الأوروبية في هذا السياق. وجاء الهجوم الأول في ديسمبر 2020 من أنغريت كرامب كارينباور، رئيسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي ووزيرة الدفاع في ألمانيا آنذاك. ففي مقابلة مع موقع بوليتيكو في أوائل نوفمبر 2020، قالت إنه من الضروري “وضع حد لوهم الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، لن يتمكن الأوروبيون من استبدال الدور الحاسم للولايات المتحدة كضامن لأمنهم.
ومع ذلك، ومنذ ذاك التاريخ، ورغم تأكيد تغيير الرئيس في الولايات المتحدة، كان النقاش حول تطور العلاقة العابرة للأطلسي والسيادة الأوروبية أكثر حيوية في ألمانيا منه في بقية أوروبا. ان معظم الدول الأوروبية، رغم رغبتها في تهدئة العلاقة العابرة للأطلسي (وبالنتيجة، ربما تقوية هذه الأخيرة) تدرك الآن أيضًا حدود هذه العلاقة في مواجهة عالم أصبح متعدد الاقطاب ولا يتقاسمون فيه دائمًا نفس رؤية الولايات المتحدة. ومن هذا المنطلق، تشكل العلاقة مع الصين حالة نموذجية، وستكون عنصرًا أساسيًا في الحوار العابر للأطلسي القادم.
فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، يمكن أن توجد ثلاثة أنواع من العلاقات، أو حتى تتعايش: المعارضة الأمامية التي يمكن أن تؤدي إلى جميع أنواع النزاعات، بما في ذلك النزاعات العسكرية؛ التعاون والحوار من خلال البحث عن اتفاق أو شراكة أو حل وسط؛ اللامبالاة أو الحياد. وفي العلاقة مع الصين اليوم، لا يمكن أن تظل القوى الاقتصادية العظمى، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، غير مبالية لأسباب موضوعية مختلفة. لقد أصبحت الصين مندمجة بشكل جيد في العولمة بحيث يمكن مقارنة موقعها في الاقتصاد بقلب المفاعل النووي، فهي مصنع العالم، تقدم المنتجات وحتى الحلول التقنية بأسعار لا تقبل المنافسة، وتحتل مكانة مركزية وأساسية في جميع سلاسل القيمة الصناعية تقريبًا. وتمثل الصين ما يقرب من 30 بالمائة من الإنتاج الصناعي العالمي (17 بالمائة للولايات المتحدة و6 بالمائة لألمانيا).
لقد سلّط الوباء الضوء على هذا الواقع، غير انه كان قائما منذ فترة طويلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفصل الذي تهدف إليه الولايات المتحدة، سيكون مكلفًا ويستغرق وقتًا. فبفضل قدرتها المالية الهائلة، وبفضل عائدات التصدير، هي شريك رئيسي للعديد من البلدان والدول في وصولها إلى التمويل، والولايات المتحدة في الصدارة، ولكن أيضًا للشركات من خلال الاستثمار الأجنبي الصيني. عنصر اخر لا يزال مجهولا في كثير من الأحيان، الصين هي ثالث أكبر قطاع مالي في العالم مع أربعة بنوك على الأقل لها بعد نظامي.
تبقى اذن المواجهة أو التعاون. اختارت الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب حربًا تجارية مقرونة بمواجهة أيضًا في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية من خلال تعريف الصين بأنها المنافس. ويعكس هذا الاختيار رغبة الولايات المتحدة في منع دولة أخرى من تحدي الزعامة الأمريكية. ويبرر هذا البلد ذلك بحقيقة أن الصين لا تشاركها قيمها وليست ديمقراطية، لكن السابقة اليابانية في أوائل التسعينات تجعل الحجة موضع نقاش إلى حد ما. كما تتوافق هذه الحرب التجارية أيضًا مع رؤية معينة لعلاقات القوة يتقاسمها رئيس الولايات المتحدة وناخبيه. لذلك كان خيارًا سياسيًا له تكلفة تجارية واقتصادية للولايات المتحدة دون أن تنجح فعليًا في تقليل عجزها التجاري مع الصين.
ربما أدرك جو بايدن هذه الحدود والقيود، لكنه وقع في فخ الرأي العام الأمريكي الذي أعيد شحنه بشكل كبير وكان حذرًا منذ فترة طويلة من بلد يبقى، في النهاية، تحت سيطرة الحزب الشيوعي الصيني. لذلك لا يستطيع، على المدى القصير على الأقل، إنهاء الحرب التجارية وإزالة الحواجز التي وضعتها الإدارة السابقة دون أن يبدو لبعض المواطنين الأمريكيين مترددًا أو ضعيفًا. وحتى لو يسعى بايدن على المدى المتوسط الى إيجاد طريقة مؤقتة أكثر سلمية مع الصين، فسيظل دائمًا محدودًا في عمله. ومع ذلك، هناك اختلاف يميز إدارة بايدن عن الإدارة السابقة، وهو يتعلق بشكل مباشر بحلفاء الولايات المتحدة. فقد كرر الرئيس الأمريكي في عدة مناسبات، إنه يرغب في استعادة علاقة سلمية مع شركائه الأوروبيين. وبذلك، قد يطلب منهم مساعدته في مواجهة الصعود الصاروخي للصين.
في تقرير نشر في بداية شهر مارس من قبل معهد الأبحاث التابع للكونجرس الأمريكي، مكتب أبحاث الكونجرس، لشرح دور ومصالح الناتو للمسؤولين المنتخبين الجدد، وقد جاء فيه من المقدمة، ان من بين التحديات المطروحة على الناتو في السنوات القادمة، الحاجة إلى “الاستجابة للتحديات الأمنية المحتملة التي تفرضها الصين، واستثماراتها المتزايدة في أوروبا”، ولا تقع النقطة الثانية في الواقع ضمن صلاحيات الناتو.
وفي أكتوبر الماضي، أطلق الاتحاد الأوروبي آليته الخاصة لفلترة الاستثمارات الأجنبية، على الرغم من أن العديد من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وحتى المملكة المتحدة، قد عززت ضوابطها الخاصة على هذه الاستثمارات في مواجهة شهية الشركات الصينية في أوروبا. من جهتها، انتقدت الولايات المتحدة الاتفاق الذي تم التوصل إليه نهاية ديسمبر بين الصين والاتحاد الأوروبي بشأن الاستثمارات (الاتفاقية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين بشأن الاستثمارات).
من الجانب الأمريكي، اذن، قد يبدو الموقف أكثر دبلوماسية، الا ان الأهداف والمصالح تظل كما هي: جو بايدن يرغب في إضعاف الصين بشكل دائم من أجل منعها من انتزاع المرتبة الأولى. في نفس الوقت، لا شك في أن الرئيس الأمريكي الجديد يحاول أيضًا تقليل ارتهان بلاده للشركاء التجاريين الذين يعمّقون عجز الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، يتابع الاتحاد الأوروبي الصين عن كثب، حيث بلغ الفائض التجاري مع الولايات المتحدة 139 مليار يورو عام 2020 (وهو 310 مليار للتجارة الأمريكية مع الصين). وفي هذه النقطة تكمن كل الصعوبات في العلاقة العابرة للأطلسي: الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الدفاع عن مصالحنا الخاصة التي، بالنسبة للأوروبيين، تتلخص في تعزيز سيادتهم واستقلاليتهم.
ومن هذا المنظور، فإن الاستراتيجية الأوروبية تجاه الصين هي عنصر أساسي. باعتبارها أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي من حيث فرص تصدير البضائع، تعدّ الصين أيضًا وجهة مهمة للاستثمار الأجنبي من قبل الشركات الأوروبية. ويؤيد الاتحاد الأوروبي موقفًا أكثر اعتدالًا في هذا من موقف الولايات المتحدة. وهكذا، في التوقعات الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والصين المنشورة في مارس 2019، أوضحت المفوضية أن الصين “شريك مفاوض”...”، ومنافس اقتصادي “...” وخصم نظامي.
وفي هذا السياق، فإن مصلحة الأوروبيين ليست المواجهة عبر الاصطفاف وراء المواقف الأمريكية، بل في تحديد سياسة ذاتية في علاقتها بالصين. وهذا ما تحاول القيام به من خلال إعطاء الأولوية للعمل المتعدد الاطراف، وتحسين المعاملة بالمثل، مع التأكيد على قضية حقوق الإنسان، والمصالح المشتركة للبلدين في مكافحة التغيّر المناخي. وللقيام بذلك، على سبيل المثال، فرضت حظراً على العمل الاجباري كجزء من اتفاقية الاستثمار للرد على مخاوف المجتمع المدني بشأن قضية الأويغور (مع الحد المرتبط بحقيقة أن الصين تنفي استخدام العمل القسري).
يتأرجح بين قربه من الولايات المتحدة في عدد من القضايا، والرغبة في التعاون مع الصين، يفضل الاتحاد الأوروبي التفاوض مع هذه الأخيرة. نجد هذا الموقف الوسط في مسودة الاتفاقية الشاملة بشأن الاستثمارات الموقعة في ديسمبر الماضي، أو في أهداف الاستراتيجية التجارية الجديدة للاتحاد، التي نُشرت في 18 فبراير (نشير الى أن السياسة التجارية هي الاختصاص الحصري للاتحاد الأوروبي). كما يهب الاتحاد الأوروبي لنفسه عددًا من الآليات التي تسمح له بالدفاع عن مصالحه في مواجهة الرغبات الصينية، مثل آلية فلترة الاستثمار الأجنبي المعتمدة عام 2019 ودخلت حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي، أو مشروع تنفيذ نظام مشترك للعناية الواجبة لسلسلة التوريد.
ان الغالبية العظمى من الدول الأوروبية على نفس الخط مع المفوضية الأوروبية، حتى وان اختلفت مصالحها في العلاقة مع الولايات المتحدة والصين. وألمانيا هي مثال مثير للاهتمام من وجهة النظر هذه.
دولة شديدة التعلق بالعلاقة العابرة للأطلسي من خلال الضمانات الأمنية التي يقدمها الناتو، ولكن أيضًا بسبب فرص الشركات الألمانية في السوق الأمريكية، تمتلك ألمانيا أيضًا فائضًا تجاريًا يقارب 30 مليار دولار مع الصين، وفرصها في السوق الصينية قريبة جدًا من تلك المتاحة لها في الولايات المتحدة (7.5 بالمائة من صادراتها للصين، و9 بالمائة للولايات المتحدة).
وفيما يتعلق ببعض الملفات، يحتاج الأوروبيون أيضًا إلى الصين لتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2050، كما يؤكد تقرير حديث صادر عن معهد بروجل. وهم في الواقع مرتهنون للإمدادات الصينية من الاتربة النادرة، أو المكونات المرتبطة بالطاقات المتجددة. وهكذا، فإن تصور الموقف الذي يجب تبنيه تجاه الصين، سيكون عاملاً حاسماً في العلاقة العابرة للأطلسي. وقد يكون تموقعا أوروبيا قويا في مواجهة هاتين القوتين العظميين لا يزال أفضل ضمانة لمنع أوروبا من أن تصبح ساحة معركتهما المميزة.
إن رسم طريق سيادي ومستقل هو بالنسبة للمفوضية الأوروبية، أفضل طريقة لتحديد طموحها الجيوسياسي والدفاع عن مصالح الدول الأعضاء. وتؤكد الولايات المتحدة بقيادة جو بايدن أنها تريد إعادة علاقتها بالعمل متعدد الأطراف، وعلى هذا الميدان يجب أن يلعب الأوروبيون دورهم وينزّلون العلاقة العابرة للأطلسي.
*خبيرة في الاقتصاد، نائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.
-- إن تصور الموقف الذي يجب تبنيه تجاه الصين، سيكون عاملاً حاسماً في العلاقات العابرة للأطلسي
-- يرغب جو بايدن في إضعاف الصين بشكل دائم من أجل منعها من انتزاع المركز الأول
-- أدى عنف الرئيس ترامب إلى إضعاف العلاقة العابرة للأطلسي، وثقة أوروبا في الولايات المتحدة بشكل كبير
-- في العلاقة مع الصين اليوم، لا يمكن للأمريكان والأوروبيين البقاء غير مبالين لأسباب موضوعية مختلفة
بعد انتخاب جو بايدن، تساءل الكثيرون عن طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة وأوروبا للسنوات الأربع القادمة. حلفاء استراتيجيون تاريخيون، ضعفت العلاقات بين الاثنين، إن لم تكن فترت بشكل ملحوظ، خلال رئاسة دونالد ترامب. حيث دحض هذا الأخير حتى مصطلح الحلفاء ليشير إلى الدول التي استخدمت تجارتها مع الولايات المتحدة لجني فوائض تجارية ضخمة تاركين الأمريكان يدفعون من جيوبهم من اجل الأمن في أوروبا.
هذا الموقف، استفز الأوروبيين، وحثهم على التفكير بشكل أكبر في استقلالهم الاستراتيجي من أجل حماية مصالحهم الاستراتيجية بشكل أفضل: ألم يكن تنقيح لائحة 1996 أو آلية انتكس (صك دعم التبادل التجاري) يهدف إلى الحد من تأثير تجاوز القوانين الأمريكية الحدود الإقليمية للدولة؟ وآلية فرز وفلترة الاستثمارات الأجنبية لمواجهة الاستثمارات الصينية الضخمة في أوروبا في المجالات الصناعية والتكنولوجية؟ وهكذا، أدى عنف الرئيس ترامب إلى إضعاف العلاقة العابرة للأطلسي، وثقة أوروبا في الولايات المتحدة بشكل كبير، مع تعزيز إرادة الأوروبيين لتحمّل مصيرهم بشكل أفضل.
ومع ذلك، فإن عودة رئيس “طبيعي أكثر” تعيد الآن إطلاق الجدل حول هذه العلاقة العابرة للأطلسي، وتثير مسألة السيادة الأوروبية في هذا السياق. وجاء الهجوم الأول في ديسمبر 2020 من أنغريت كرامب كارينباور، رئيسة الاتحاد المسيحي الديمقراطي ووزيرة الدفاع في ألمانيا آنذاك. ففي مقابلة مع موقع بوليتيكو في أوائل نوفمبر 2020، قالت إنه من الضروري “وضع حد لوهم الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، لن يتمكن الأوروبيون من استبدال الدور الحاسم للولايات المتحدة كضامن لأمنهم.
ومع ذلك، ومنذ ذاك التاريخ، ورغم تأكيد تغيير الرئيس في الولايات المتحدة، كان النقاش حول تطور العلاقة العابرة للأطلسي والسيادة الأوروبية أكثر حيوية في ألمانيا منه في بقية أوروبا. ان معظم الدول الأوروبية، رغم رغبتها في تهدئة العلاقة العابرة للأطلسي (وبالنتيجة، ربما تقوية هذه الأخيرة) تدرك الآن أيضًا حدود هذه العلاقة في مواجهة عالم أصبح متعدد الاقطاب ولا يتقاسمون فيه دائمًا نفس رؤية الولايات المتحدة. ومن هذا المنطلق، تشكل العلاقة مع الصين حالة نموذجية، وستكون عنصرًا أساسيًا في الحوار العابر للأطلسي القادم.
فيما يتعلق بالعلاقات الدولية، يمكن أن توجد ثلاثة أنواع من العلاقات، أو حتى تتعايش: المعارضة الأمامية التي يمكن أن تؤدي إلى جميع أنواع النزاعات، بما في ذلك النزاعات العسكرية؛ التعاون والحوار من خلال البحث عن اتفاق أو شراكة أو حل وسط؛ اللامبالاة أو الحياد. وفي العلاقة مع الصين اليوم، لا يمكن أن تظل القوى الاقتصادية العظمى، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، غير مبالية لأسباب موضوعية مختلفة. لقد أصبحت الصين مندمجة بشكل جيد في العولمة بحيث يمكن مقارنة موقعها في الاقتصاد بقلب المفاعل النووي، فهي مصنع العالم، تقدم المنتجات وحتى الحلول التقنية بأسعار لا تقبل المنافسة، وتحتل مكانة مركزية وأساسية في جميع سلاسل القيمة الصناعية تقريبًا. وتمثل الصين ما يقرب من 30 بالمائة من الإنتاج الصناعي العالمي (17 بالمائة للولايات المتحدة و6 بالمائة لألمانيا).
لقد سلّط الوباء الضوء على هذا الواقع، غير انه كان قائما منذ فترة طويلة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفصل الذي تهدف إليه الولايات المتحدة، سيكون مكلفًا ويستغرق وقتًا. فبفضل قدرتها المالية الهائلة، وبفضل عائدات التصدير، هي شريك رئيسي للعديد من البلدان والدول في وصولها إلى التمويل، والولايات المتحدة في الصدارة، ولكن أيضًا للشركات من خلال الاستثمار الأجنبي الصيني. عنصر اخر لا يزال مجهولا في كثير من الأحيان، الصين هي ثالث أكبر قطاع مالي في العالم مع أربعة بنوك على الأقل لها بعد نظامي.
تبقى اذن المواجهة أو التعاون. اختارت الولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب حربًا تجارية مقرونة بمواجهة أيضًا في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية من خلال تعريف الصين بأنها المنافس. ويعكس هذا الاختيار رغبة الولايات المتحدة في منع دولة أخرى من تحدي الزعامة الأمريكية. ويبرر هذا البلد ذلك بحقيقة أن الصين لا تشاركها قيمها وليست ديمقراطية، لكن السابقة اليابانية في أوائل التسعينات تجعل الحجة موضع نقاش إلى حد ما. كما تتوافق هذه الحرب التجارية أيضًا مع رؤية معينة لعلاقات القوة يتقاسمها رئيس الولايات المتحدة وناخبيه. لذلك كان خيارًا سياسيًا له تكلفة تجارية واقتصادية للولايات المتحدة دون أن تنجح فعليًا في تقليل عجزها التجاري مع الصين.
ربما أدرك جو بايدن هذه الحدود والقيود، لكنه وقع في فخ الرأي العام الأمريكي الذي أعيد شحنه بشكل كبير وكان حذرًا منذ فترة طويلة من بلد يبقى، في النهاية، تحت سيطرة الحزب الشيوعي الصيني. لذلك لا يستطيع، على المدى القصير على الأقل، إنهاء الحرب التجارية وإزالة الحواجز التي وضعتها الإدارة السابقة دون أن يبدو لبعض المواطنين الأمريكيين مترددًا أو ضعيفًا. وحتى لو يسعى بايدن على المدى المتوسط الى إيجاد طريقة مؤقتة أكثر سلمية مع الصين، فسيظل دائمًا محدودًا في عمله. ومع ذلك، هناك اختلاف يميز إدارة بايدن عن الإدارة السابقة، وهو يتعلق بشكل مباشر بحلفاء الولايات المتحدة. فقد كرر الرئيس الأمريكي في عدة مناسبات، إنه يرغب في استعادة علاقة سلمية مع شركائه الأوروبيين. وبذلك، قد يطلب منهم مساعدته في مواجهة الصعود الصاروخي للصين.
في تقرير نشر في بداية شهر مارس من قبل معهد الأبحاث التابع للكونجرس الأمريكي، مكتب أبحاث الكونجرس، لشرح دور ومصالح الناتو للمسؤولين المنتخبين الجدد، وقد جاء فيه من المقدمة، ان من بين التحديات المطروحة على الناتو في السنوات القادمة، الحاجة إلى “الاستجابة للتحديات الأمنية المحتملة التي تفرضها الصين، واستثماراتها المتزايدة في أوروبا”، ولا تقع النقطة الثانية في الواقع ضمن صلاحيات الناتو.
وفي أكتوبر الماضي، أطلق الاتحاد الأوروبي آليته الخاصة لفلترة الاستثمارات الأجنبية، على الرغم من أن العديد من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وحتى المملكة المتحدة، قد عززت ضوابطها الخاصة على هذه الاستثمارات في مواجهة شهية الشركات الصينية في أوروبا. من جهتها، انتقدت الولايات المتحدة الاتفاق الذي تم التوصل إليه نهاية ديسمبر بين الصين والاتحاد الأوروبي بشأن الاستثمارات (الاتفاقية الشاملة بين الاتحاد الأوروبي والصين بشأن الاستثمارات).
من الجانب الأمريكي، اذن، قد يبدو الموقف أكثر دبلوماسية، الا ان الأهداف والمصالح تظل كما هي: جو بايدن يرغب في إضعاف الصين بشكل دائم من أجل منعها من انتزاع المرتبة الأولى. في نفس الوقت، لا شك في أن الرئيس الأمريكي الجديد يحاول أيضًا تقليل ارتهان بلاده للشركاء التجاريين الذين يعمّقون عجز الولايات المتحدة. وفي هذا الصدد، يتابع الاتحاد الأوروبي الصين عن كثب، حيث بلغ الفائض التجاري مع الولايات المتحدة 139 مليار يورو عام 2020 (وهو 310 مليار للتجارة الأمريكية مع الصين). وفي هذه النقطة تكمن كل الصعوبات في العلاقة العابرة للأطلسي: الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الدفاع عن مصالحنا الخاصة التي، بالنسبة للأوروبيين، تتلخص في تعزيز سيادتهم واستقلاليتهم.
ومن هذا المنظور، فإن الاستراتيجية الأوروبية تجاه الصين هي عنصر أساسي. باعتبارها أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي من حيث فرص تصدير البضائع، تعدّ الصين أيضًا وجهة مهمة للاستثمار الأجنبي من قبل الشركات الأوروبية. ويؤيد الاتحاد الأوروبي موقفًا أكثر اعتدالًا في هذا من موقف الولايات المتحدة. وهكذا، في التوقعات الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي والصين المنشورة في مارس 2019، أوضحت المفوضية أن الصين “شريك مفاوض”...”، ومنافس اقتصادي “...” وخصم نظامي.
وفي هذا السياق، فإن مصلحة الأوروبيين ليست المواجهة عبر الاصطفاف وراء المواقف الأمريكية، بل في تحديد سياسة ذاتية في علاقتها بالصين. وهذا ما تحاول القيام به من خلال إعطاء الأولوية للعمل المتعدد الاطراف، وتحسين المعاملة بالمثل، مع التأكيد على قضية حقوق الإنسان، والمصالح المشتركة للبلدين في مكافحة التغيّر المناخي. وللقيام بذلك، على سبيل المثال، فرضت حظراً على العمل الاجباري كجزء من اتفاقية الاستثمار للرد على مخاوف المجتمع المدني بشأن قضية الأويغور (مع الحد المرتبط بحقيقة أن الصين تنفي استخدام العمل القسري).
يتأرجح بين قربه من الولايات المتحدة في عدد من القضايا، والرغبة في التعاون مع الصين، يفضل الاتحاد الأوروبي التفاوض مع هذه الأخيرة. نجد هذا الموقف الوسط في مسودة الاتفاقية الشاملة بشأن الاستثمارات الموقعة في ديسمبر الماضي، أو في أهداف الاستراتيجية التجارية الجديدة للاتحاد، التي نُشرت في 18 فبراير (نشير الى أن السياسة التجارية هي الاختصاص الحصري للاتحاد الأوروبي). كما يهب الاتحاد الأوروبي لنفسه عددًا من الآليات التي تسمح له بالدفاع عن مصالحه في مواجهة الرغبات الصينية، مثل آلية فلترة الاستثمار الأجنبي المعتمدة عام 2019 ودخلت حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي، أو مشروع تنفيذ نظام مشترك للعناية الواجبة لسلسلة التوريد.
ان الغالبية العظمى من الدول الأوروبية على نفس الخط مع المفوضية الأوروبية، حتى وان اختلفت مصالحها في العلاقة مع الولايات المتحدة والصين. وألمانيا هي مثال مثير للاهتمام من وجهة النظر هذه.
دولة شديدة التعلق بالعلاقة العابرة للأطلسي من خلال الضمانات الأمنية التي يقدمها الناتو، ولكن أيضًا بسبب فرص الشركات الألمانية في السوق الأمريكية، تمتلك ألمانيا أيضًا فائضًا تجاريًا يقارب 30 مليار دولار مع الصين، وفرصها في السوق الصينية قريبة جدًا من تلك المتاحة لها في الولايات المتحدة (7.5 بالمائة من صادراتها للصين، و9 بالمائة للولايات المتحدة).
وفيما يتعلق ببعض الملفات، يحتاج الأوروبيون أيضًا إلى الصين لتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2050، كما يؤكد تقرير حديث صادر عن معهد بروجل. وهم في الواقع مرتهنون للإمدادات الصينية من الاتربة النادرة، أو المكونات المرتبطة بالطاقات المتجددة. وهكذا، فإن تصور الموقف الذي يجب تبنيه تجاه الصين، سيكون عاملاً حاسماً في العلاقة العابرة للأطلسي. وقد يكون تموقعا أوروبيا قويا في مواجهة هاتين القوتين العظميين لا يزال أفضل ضمانة لمنع أوروبا من أن تصبح ساحة معركتهما المميزة.
إن رسم طريق سيادي ومستقل هو بالنسبة للمفوضية الأوروبية، أفضل طريقة لتحديد طموحها الجيوسياسي والدفاع عن مصالح الدول الأعضاء. وتؤكد الولايات المتحدة بقيادة جو بايدن أنها تريد إعادة علاقتها بالعمل متعدد الأطراف، وعلى هذا الميدان يجب أن يلعب الأوروبيون دورهم وينزّلون العلاقة العابرة للأطلسي.
*خبيرة في الاقتصاد، نائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية.