القلق والخوف العدو الأكبر والصحة النفسية في غاية الأهمية

الضغوطات النفسية والاجتماعية في زمن الكورونا

الضغوطات النفسية والاجتماعية في زمن الكورونا

• عزيز العامري :الحكومة وفرت أدوات مبتكرة لمساعدتهم ودعمهم لتخطي التبعات النفسية
• عادل الكراني: أهمية الصحة النفسية في تعزيز جودة الحياة لمجتمع دولة الإمارات
• محمد الجارحي: الأطفال وكبار السن هم أكثر الناس عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية
• أيمن حمودة :عدم تحمل البعض للضغوطات النفسية والاقتصادية قد يؤدي للإصابة بالجلطة القلبية
• إبراهيم الفريح: التمتع بالصحة النفسية ، يُمكِّن الإنسان من التماسك، والحفاظ على رباطة جأشه
• أحمد الهاشم: الرشادة في اتخاذ الإجراءات الوقائية من عدوى فيروس الكورونا ، يخفف صعوبة الأمر
• محمد فهمي: المشي لنصف ساعة في الهواء الطلق، كفيل بتخفيف التوتر النفسي والعصبي


تُعدُّ الصحة النفسية في غاية الأهمية بالنسبة إلى البشر جميعاً حتى في الأوقات العادية، لكنها تصبح أكثر أهميةً عند انتشار الأوبئة والأزمات، مثل جائحة فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19» التي تضرب العالم حالياً؛ إذ غالباً ما تتسبَّب هذه الأزمات في حالة قلقٍ وخوفٍ للناس، ولا سيما الذين يواجهونها مباشرةً، إضافة إلى إصابة بعضهم بالاكتئاب الشديد.

ويزداد هذا الأمر أهميةً بالنسبة إلى الممارسين الصحيين من أطباء بمختلف تخصصاتهم وممرضين وممرضات، الذين يعملون اليوم في الخطوط الأمامية لمواجهة الفيروس، ويتأثرون بذلك في حياتهم الاجتماعية؛ حيث يفضل كثيرٌ منهم الابتعاد عن أسرته خشية نقل كورونا إليهم، ما يتسبَّب له في حال توتر وقلق شديدين.

وقال عزيز العامري الرئيس التنفيذي للبرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة:
إن خط الدعم النفسي الذي يمثل أحد مبادرات البرنامج لدعم الصحة النفسية للأفراد، أثبت فعاليته وأهميته في توفير الدعم النفسي الأولي والطمأنينة لفئات المجتمع خلال هذه الفترة، ما يدعم الجهود الوطنية في مواجهة الجائحة.
وأضاف  العودة إلى الحياة الطبيعية في الدولة، تبرز أهمية الدعم النفسي الذي يقدمه المختصون للذين يعانون نفسياً، لنؤكد لهم أننا معهم وأن الحكومة وفرت لهم أدوات مبتكرة لمساعدتهم ودعمهم لتخطي التبعات النفسية التي قد تنتج عن فيروس “كورونا، خصوصا أن الصحة النفسية تمثل عاملاً مؤثرا في صحة الأفراد وجودة حياتهم.

وشكر العامري وزارة تنمية المجتمع ومؤسسة الإمارات اللتان تشرفان على منصة “متطوعين.إمارات”، وشركة أبوظبي للخدمات الصحية – صحة، ومركز أبوظبي للصحة العامة، وكافة الشركاء، وثمن جهود الاستشاريين والأخصائيين النفسيين الذين عكسوا القيمة الأصيلة للتطوع في مجتمع دولة الإمارات، من خلال مشاركتهم في المبادرة متطوعين بوقتهم وجهدهم وخبراتهم، وحرصهم على دعم وإنجاح هذه المبادرة لتحسين جودة حياة المجتمع، مشيراً إلى أن حجم الإنجاز الذي يحققه خط الدعم النفسي، يدل على كفاءة المتطوعين والمتطوعات وتفانيهم في العمل وحرصهم على توفير الدعم النفسي اللازم لكل المتصلين من جميع أطياف المجتمع في الدولة.

من جهته، قال الدكتور عادل الكراني استشاري الطب النفسي وكبير مستشاري مبادرة خط الدعم النفسي:
إن أحد أهم العوامل الداعمة للصحة النفسية للأفراد هو وجود من يستمع إليهم عند الحاجة، وتقديم المشورة والتوجيه لمساعدتهم على تجاوز ضغوط الحياة.
وأضاف هنا تكمن أهمية خط الدعم النفسي الذي تم إطلاقه تجسيداً لتوجيهات القيادة الرشيدة بالتأكيد على أهمية الصحة النفسية في تعزيز جودة الحياة لمجتمع دولة الإمارات خلال الظروف الراهنة، فقد تم توفير خط الدعم ليكون متاحاً لكل أفراد المجتمع من مواطنين ومقيمين ومن كافة الفئات العمرية، وذلك للاستفادة من الخدمات التي يقدمها من دعم ومشورة وتوجيه نفسي بكل سرية وأمان وعلى أيدي مختصين أكفاء ومدربين على أفضل الأسس العلمية والأساليب العالمية».

بدوره أكد الدكتور محمد الجارحي استشاري الطب النفسي المدير الطبي في جناح العلوم السلوكية في مدينة الشيخ خليفة الطبية التابعة لشركة «صحة» :
أن الخوف من العدوى والتباعد الاجتماعي والعزلة بسب جائحة كورونا المستجد نتج عنها مجموعة من الضغوط النفسية مثل الشعور بالقلق والخوف من المستقبل والاكتئاب بأنواعه، كما أثرت سلبا على المرضى النفسيين الذين كانوا يعانون من الأمراض النفسية في السابق ويأخذون أدويتهم وحالتهم مستقرة ولدى انتشار المرض في العالم تفاقمت حالتهم بصورة كبيرة، لافتا إلى أن الجائحة العالمية تركت تأثيرات سلبية على الصحة النفسية بشكل عام تتلخص في ظهور حالات وأنماط جديدة للأمراض النفسية، وتفاقم الحالات المرضية المصابة بالأمراض النفسية في السابق، فضلا عن توقعات بظهور ما يسمي بـ «الكرب» أو الاضطرابات النفسية التي تظهر بعد انتهاء الأزمة.

وأشار إلى أن القلق يعتبر استجابة طبيعية للوضع الذي نعيشه حاليا ويمكن لأي فرد أن يتعرض إلى موجات من هذا القلق خاصة مع الاستمرار في متابعة الأخبار السلبية المتعلقة بوباء كورونا مختلف أرجاء العالم، مؤكدا أن الأطفال وكبار السن والأشخاص الأقل صلابة في مواجهة الأزمات هم أكثر الناس عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية، ونصح بأهمية أن يجنب الإنسان نفسه متابعة الأخبار والتقارير السلبية والمبالغ فيها أحيانا حول فيروس كورونا الجديد لأن ذلك من شأنه أن يؤجج الاضطرابات النفسية.

وقال الباحث الرئيسي في مجموعة أطباء القلب الدكتور أيمن حمودة :
إنه على الرغم من الحاجة الملحة للحظر والحجر والعزل ووقف حركة المواصلات، إلا أنها شكلت لدى البعض مصدراً لضغوطات نفسية من قلق وخوف ووحدة واضطراب النوم، إضافة إلى ضغوطات مالية واقتصادية من فقدان لوظيفة أو هبوط في الدخل المالي.
وأشار حمودة الى ان الدراسة التي أجرتها مجموعة القلب أظهرت ان عدم تحمل البعض للضغوطات النفسية والاقتصادية قد يؤدي للإصابة بالجلطة القلبية الحادة .

وأكد ان انتشار مرض كورونا في العالم أدى إلى فيض من آلاف الدراسات السريرية والمخبرية حول المرض نشرت في عشرات المجلات الطبية المحكمة.
وأشارت بعض تلك الدراسات إلى اصابة عدد من مرضى الكورونا بأمراض القلب والشرايين كالجلطة القلبية وهبوط عضلة القلب والوفاة المفاجئة، اما في الاشخاص غير المصابين بالفيروس والذين هم تحت الحجر أو الحظر فقد اقتصرت الدراسات المنشورة على وصف أثر الضغوطات النفسية والاقتصادية على الاداء الوظيفي للفرد واضطراب النوم لديهم، لكن الانتباه إلى أثر تلك الضغوطات على التسبب بالجلطة القلبية لم يُنشَر سابقاً ولم يتعرض لبحثه الا مجموعة أطباء القلب الأردنية للأبحاث.

وقال الدكتور حمودة :إن المجموعة قامت بإجراء الدراسة على 55 شخصاً من غير المصابين بمرض الكورونا أُدخلوا المستشفى بسبب الجلطة القلبية الحادة تحت أثر القلق او الخوف أو الوحدة او فقدان الدخل المالي او الوظيفة وغيرها من المحفزات.

أكد الدكتور إبراهيم الفريح استشاري الطب النفسي والطب النفسي الجسدي :
أن التمتع بالصحة النفسية، يُمكِّن الإنسان من التماسك، والحفاظ على رباطة جأشه، والقدرة على المقاومة واجتياز الضغوطات النفسية التي يتعرض لها خلال أي فترةٍ حرجة يمرُّ بها، مبيناً أن هذا الأمر كما ينطبق الأمر على الأفراد، ينطبق كذلك على المجتمعات بشكل عام للحفاظ على التماسك الاجتماعي، والقدرة على ضمان دوران عجلة التنمية، وتجنُّب تفشي حالة الهلع والذعر التي تصاحب مثل هذه الفترات الصعبة، وتؤدي إلى سلبيات لا حصر لها.

وأوضح الدكتور الفريح، أن الظروف الحالية الناجمة عن انتشار فيروس «كوفيد 19»، ولَّدت ضغوطات نفسية واجتماعية هائلة مرتبطة بانتشار وتفشي الجائحة، وكذلك الإجراءات الاحترازية والتدابير الصحية التي تم اتخاذها من أجل الحد من العدوى ومنع انتشار الفيروس، سواءً على مستوى الحكومات، أو الأفراد؛ لذا من الطبيعي أن يشعر الإنسان ببعض القلق والخوف على صحته وصحة مَن يحبهم سواءً من عائلته، أو الأقارب والأصدقاء، وكذلك زملاء العمل، كاشفاً عن أنه قد يُصاحب هذه المشاعر إحساسٌ بالعزلة والوحدة في ظل عدم القدرة على التواصل مع الآخرين كما كان عليه الحال في السابق قبل انتشار الجائحة، إضافة إلى مشاعر أخرى، مثل الخوف من المجهول، وعدم اليقين من القدرة على تجاوز الأزمة، ومدى تأثيراتها على حياة البشر، والشعور بالذعر والهلع نتيجة المتابعة المستمرة والكثيفة لوسائل الإعلام والأخبار المتعلقة بجائحة كورونا، خاصةً إذا كانت هذه المتابعة تتم عبر مصادر إعلامية غير موثوقة، أو رسمية؛ ما يجعل الإنسان فريسة للمعلومات المغلوطة والشائعات التي تكثر في مثل هذه الأزمات.

وكشف الدكتور الفريح عن أن الممارسين الصحيين، والعاملين في الصفوف الأولى للتعامل مع جائحة كورونا في مختلف القطاعات، يشعرون بالتوتر والإجهاد النفسي، ويعدُّ هذا الأمر طبيعياً في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهونها، من أهمها حدوث ضغط كبير على الأنظمة الصحية بسبب ارتفاع أعداد الإصابة بالفيروس بشكل متسارع، وخوفهم على أسرهم وأقربائهم، خاصةً في ظل عدم قدرتهم على البقاء إلى جانبهم بشكل مستمر نتيجة ما تتطلبه أعمالهم من مهام يومية بطولية وضرورية للتصدي لجائحة «كوفيد 19».

وبيَّن الدكتور الفريح طرق التعامل مع الضغوطات النفسية والاجتماعية في ظل انتشار جائحة «كوفيد 19»، كاشفاً عن أنها تتمثل في الاعتراف، والانتباه إلى وجود مشاعر القلق والتوتر، مع العلم أنها مشاعر طبيعية «مؤقتة»، يشعر بها كل إنسان، إضافة إلى مشاعرَ مثل الحزن العابر، والقلق، وتعكُّر المزاج البسيط، والإحساس بالوحدة والعزلة والتباعد الاجتماعي، والخوف من المجهول، وعدم اليقين، وكل هذه المشاعر وغيرها، تعدُّ مشاعر طبيعية ولا تؤشر إلى اضطراب، أو مرض نفسي.

ورأى أن من الأمور المهمة في التعامل مع الضغوطات النفسية، التي تصاحب جائحة كورونا، تجنُّب المتابعة المستمرة والمتكررة لأخبار كورونا، خاصةً عبر مصادر غير رسمية، أو غير موثوقة؛ فكثرة الاطلاع المستمر تعرِّض الإنسان للوقوع في فخ الشائعات والمعلومات الخطأ التي كثيراً ما تثير الذعر والهلع.
وأوضح أن من الطرق العملية كذلك، لتجنب تأثير المتابعة المستمرة لأخبار كورونا؛ إلغاء إشعارات المواقع الإخبارية ومنصات التواصل الاجتماعي المتعلقة بالجائحة.

ونصح الدكتور الفريح الممارسين الصحيين وأفراد المجتمع بتصفح مصادر المعلومات الموثوقة، مثل تصريحات وزارة الصحة السعودية، ومنظمة الصحة العالمية، والجهات الحكومية المعنية بشأن جائحة كورونا، وعدم الإفراط في متابعة الأخبار لتجنب تزايد المشاعر السلبية المصاحبة لهذه الجائحة.
كما أكد أن من النصائح التي تساعد على تعزيز الصحة النفسية إيجادُ روتين حياة يومي خلال هذه الأزمة للحفاظ على قدر من الاستقرار في المنزل والعمل.
وشدَّد على ضرورة ممارسة الرياضة بشكل كبير؛ إذ إنها تؤثر إيجاباً في قدرة الإنسان على التعامل مع الضغوط، وتسهم في تحسين المزاج وتخفيف القلق، وتقي من المشاعر السلبية، خاصةً الرياضات القلبية، أو التي يُطلق عليها الرياضات الهوائية، فقد أثبت الأبحاث العلمية قدرة الرياضة على تحسين المزاج بشكل كبير، وتخفيف القلق والتوتر، وتحسين جودة النوم والتركيز.

وذكر أن ممارسة التأمل بشكل دوري، وكذلك أداء تمارين الاسترخاء، مثل تمارين التنفس واليوجا، لها قدرة كبيرة على تخليص الإنسان من المشاعر السلبية التي تتسبَّب فيها جائحة كورونا.
ونصح الدكتور الفريح للتخلص من الشعور بالوحدة والعزلة بالحفاظ على التواصل مع الآخرين من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي، والمكالمات الهاتفية، والرسائل النصية، وغيرها من وسائل التواصل المختلفة والمتعددة، وهنا يجب الانتباه إلى أن التباعد الجسدي لا يعني التباعد الاجتماعي، أو التباعد العاطفي بيننا بوصفنا بشراً.

وأشار إلى أهمية القيام بأنشطة بديلة خلال العزلة، وممارسة هوايات قديمة محببة، انشغل عنها بسبب تسارع وتيرة الحياة، والانغماس في العمل، وعدم توافر وقت لممارستها، مثل الكتابة والقراءة، والانخراط في دورات تعليمية عن بُعد، وغيرها من الأنشطة التي يمكن ممارستها داخل المنزل.
وأكد الدكتور الفريح ضرورة عدم التردد في طلب المساعدة عند الشعور بأعراض شديدة ومستمرة من التوتر والقلق والاكتئاب والضغوطات النفسية، ومن المهم هنا طلب المساعدة من المختصين النفسيين الذين يعملون في الجهات الرسمية؛ لأنهم مؤهلون لتقديم الاستشارات والدعم النفسي عبر تطبيقات الطب الاتصالي من أجل تقديم المساعد وعدم تفاقم أي أعراضٍ.

وأكد أحمد الهاشم طبيب نفسي
بالطبع لا يمكن أن نخدع أنفسنا بتوهم القدرة على القضاء التام على الضغوط العصبية، خاصة في فترةٍ ضاغطة كفترة الوباء ذكرنا أنها أثرت سلبًا على حياة مئات الملايين منا. لكن لابد من المحاولة، ومجرد التخفيف النسبي لتلك الضغوط بخطواتٍ بسيطة سيكون لا شك مثمرًا ..
وأضاف الرشادة وعدم التكلُّف في اتخاذ الإجراءات الوقائية من عدوى فيروس الكورونا المستجد، يقلل صعوبة الأمر، ويمنع من تحولها إلى ضغطٍ نفسيٍّ علينا. فما نراه لدى البعض من حالة القلق الخارج عن السيطرة، وهوس تعقيم البيوت، وخلع الملابس خارج المنزل، وتعقيم الأحذية .. إلخ، قد يكون الطريق الأمثل للحصول على اضطرابات القلق والوساوس القهرية، دون فائدة متناسبة.

وعن خطر الأمراض النفسية نصح محمد فهمي من التقليل من متابعة الأخبار وأرقام الضحايا، والاكتفاء بالمتابعات المفيدة التي تتناول وسائل الوقاية وكيفية الحفاظ على الصحة، و الخروج من قمقم الوباء تمامًا أكثر الوقت، والاستمتاع بأنشطة ترفيهية وثقافية .
وأكد على أن التمارين الرياضية الخفيفة، ولو المشي لنصف ساعة في الهواء الطلق، فهذا كفيل بتخفيف التوتر النفسي والعصبي بقدرٍ ملحوظ.