الضمانات الأمنية.. هل تفتح بوابة للخروج من حرب أوكرانيا؟

الضمانات الأمنية.. هل تفتح بوابة للخروج من حرب أوكرانيا؟


لم يخرج اجتماع برلين بإعلان وقف إطلاق نار، ولم يُوقع على اتفاق سلام، لكنه كسر أحد أكثر التابوهات حساسية في الحرب الأوكرانية، وهي الإشارة الصريحة لضمانات أمنية لكييف تعادل عمليا المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو.
على مدار يومين، جمعت محادثات برلين الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والمستشار الألماني فريديريش ميرتس، ومبعوثي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى جانب قادة أوروبيين من 10 دول، في محاولة لإعادة ضبط مسار المفاوضات بعد شهور من الجمود العسكري والسياسي.
وأكد المستشار الألماني فريديريش ميرتس، أن ما طرحته الولايات المتحدة من ضمانات قانونية ومادية يمثل أمرا كبيرا، وتحدّث صراحة عن استعداد أوروبي أمريكي مشترك لتقديم ضمانات أمنية مماثلة للمادة الخامسة.
هذا الموقف لم يكن أوروبيا فقط، وأكد مسؤولون أمريكيون كبار في تصريحات نقلتها واشنطن بوست، أن الحزمة المطروحة تتضمن ردعا قويا، وآليات مراقبة مكثفة، والتزاما قانونيا قد يُعرض على مجلس الشيوخ، مع تحذير واضح بأن هذه الضمانات محدودة بالوقت وليست عرضا مفتوحا إلى ما لا نهاية.  
بين اختراق الضمانات الأمنية ورفض موسكو الصريح، تبدو المفاوضات وقد دخلت مرحلة جديدة، ويبقى معها السؤال الأهم، هل فتحت «الضمانات الأمنية» بوابة الخروج من الحرب الأوكرانية؟
ويرى الخبراء أن الحديث عن حصول أوكرانيا على ضمانات أمنية كبيرة بعد اجتماع برلين لا يعني بالضرورة اقتراب التوصل إلى حل نهائي للأزمة، معتبرين أن هذه الضمانات لا تزال في إطار مناورة سياسية أكثر منها مسارا فعليا للسلام. 
وأضاف الخبراء في أحاديث لـ»إرم نيوز» أن نجاح أي ترتيبات أمنية يظل مرهونا بإرادة سياسية حقيقية من أمريكا وروسيا، مع بقاء عقبات جوهرية أبرزها ملف دونباس، خاصة وأن التفاؤل الحالي يجب التعامل معه بحذر إلى حين ظهور نتائج ملموسة على الأرض. وأكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون الأوروبية كارزان حميد، أن المشهد السياسي المرتبط بالأزمة الأوكرانية يشهد تحولات لافتة، لكنها لا تزال في إطار المناورة السياسية أكثر من كونها حلولًا جذرية قابلة للاستمرار. 
وقال حميد في حديث لـ»إرم نيوز» إن الحديث عن حصول أوكرانيا على ضمانات أمنية كبيرة، مماثلة لما تنص عليه المادة الخامسة من معاهدة الناتو، لا يعني بالضرورة اقتراب التوصل إلى حل نهائي.
واعتبر أن هذه الضمانات تندرج ضمن أطروحة سياسية مؤقتة قد تتغير مع أي تحول في موازين القوى أو في المشهد السياسي داخل كييف أو في بعض العواصم الغربية.
وأوضح حميد، أن التقارب الظاهر بين أوروبا وأمريكا بعد اجتماع برلين يعكس سعيا أوروبيا لتقليص كلفة الحرب ووقف النزيف المالي، أكثر من كونه مسارا حقيقيا نحو سلام دائم، مشيرا إلى أن منع انضمام أوكرانيا رسميا إلى الناتو يمثل في جوهره انتصارا سياسيا لروسيا، وأبقى الحلف على مسافة من الصراع.
وأضاف المحلل السياسي أن التجارب السابقة تؤكد هشاشة مثل هذه التفاهمات، مذكرا بانسحاب الولايات المتحدة من اتفاقات وضمانات دولية عديدة، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى التزام واشنطن بأي ترتيبات أمنية طويلة الأمد، حتى لو جرى تسويقها سياسيا بوصفها اختراقا في مسار السلام.
وأكد أن البيان الأوروبي الأخير وتصريحات المستشار الألماني فريديريش ميرتس، تعكس بوضوح أن السلام الحقيقي لم يُطرح بعد على الطاولة، وأن ما يجري هو محاولة لإعادة ضبط مسار الخطة الأمريكية بما يتلاءم مع المصالح الأوروبية، وليس إنهاء الحرب من جذورها كما تطالب موسكو.
ويرى، أن تجاوز الجدل حول الضمانات الأمنية لا يعني اقتراب الحل، بل قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المماطلة السياسية، تسمح بمواصلة الصراع بأشكال مختلفة، في ظل غياب قدرة أوروبية حقيقية على حماية أوكرانيا أو فرض سلام مستقر.
وخلص كارزان حميد إلى أن الرهان لا ينبغي أن يكون على لغة البيانات الختامية، بل على ما يجري التحضير له بعيدًا عن الأضواء، معتبرًا أن ما يُسوق اليوم كضمانات أمنية قد يكون تمهيدا لصراع أطول، لا نهاية قريبة له.
من جانبه، قال الخبير في الشؤون الأوكرانية محمد العروقي، إن أجواءً تفاؤلية بدأت تلوح في الأفق عقب اجتماعات برلين، مشيرًا إلى أن هذا التفاؤل ينبغي التعامل معه بحذر في هذه المرحلة، دون المبالغة في تقدير نتائجه قبل أوانها. وكشف في حديثه لـ»إرم نيوز» أن المطالب والضمانات التي تسعى أوكرانيا للحصول عليها، في حال التوصل إليها، ستكون ملزمة لجميع الأطراف المنخرطة في عملية الضمان، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب ضرورة الحصول على تأكيدات وضمانات واضحة من الجانب الروسي بعدم تكرار غزو أوكرانيا مستقبلًا.
وأشار العروقي، إلى أن تنفيذ هذه المطالب والضمانات يرتبط بصورة أساسية بوجود إرادة سياسية حقيقية لدى كل من الطرفين الأمريكي والروسي، مؤكدا أن نجاح أي اتفاق يظل مرهونا بمدى التزام هذين الطرفين بتطبيق ما يتم الاتفاق عليه فعليا على أرض الواقع.
وأضاف أن العقبة الأساسية التي لا تزال تعرقل إحراز تقدم ملموس في هذه الملفات تتمثل في إقليم دونباس، وما يفرضه من تنازلات أوكرانية محتملة لصالح روسيا، فضلًا عن تعقيدات التوصل إلى صيغة توافقية قادرة على إرضاء الطرفين وضمان قدر من الاستقرار في المنطقة.
وأكد العروقي أن من المبكر الحديث عن الاقتراب من نهاية الأزمة، مؤكدا أن المسار الحالي يعكس تقدما نسبيا، لكنه شدد في الوقت نفسه على أهمية عدم الإفراط في التفاؤل، إلى أن تظهر نتائج ملموسة على أرض الواقع.