العلاقات الصينية الهندية..من التوتر إلى الانفتاح البراغماتي

العلاقات الصينية الهندية..من التوتر إلى الانفتاح البراغماتي


رأى الباحثان أميت رانجان من معهد دراسات جنوب آسيا في جامعة سنغافورة الوطنية، وجينيفيف دونيلون-ماي من مؤسسة أوكسفورد غلوبال سوسايتي، أن لقاء رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، بالرئيس الصيني شي جين بينغ على هامش قمة منظمة شنغهاي في تيانجين، شكّل لحظةً نادرة لالتقاط الأنفاس في العلاقات الثنائية. وقال الباحثان في مقالهما المشترك بموقع «آسيا تايمز» إن اللقاء لا يعكس مجاملة بروتوكولية، بل يفتح باب اختبار جدوى الحوار بعد سنوات من الجمود، في وقتٍ قد يبدّل أي تقارب محتمل بين القوتين الآسيويتين ويعقّد حسابات واشنطن وحلفائها.

رسائل مزدوجة 
أوضح الكاتبان  أن زيارة مودي جاءت في سياق حساس، إذ واشنطن فرضت رسوماً إضافية بنسبة 50% على السلع الهندية بسبب استمرارها شراء النفط الروسي، بينما كان وزير الخارجية الصيني في نيودلهي لاستئناف محادثات الحدود. وأضافا أن مودي وجّه رسالة مزدوجة من خلال حضوره القمة وتجنبه المشاركة في العرض العسكري الصيني، هي التمسك بتحالفاته مع طوكيو والانفتاح على حوار براغماتي.
  بعد 7 أعوام
وأشار الباحثان إلى أن هذه الزيارة هي الأولى لمودي إلى الصين منذ 7 أعوام، بعد التدهور الكبير الذي أعقب اشتباكات وادي جالوان في 2020.  وتابع الكاتبان أن مودي أرسل رسالة واضحة مفادها أن الهند لن تقيد نفسها بمحور واحد، بل ستسعى لتوسيع هامش مناورتها الاستراتيجية عبر موازنة علاقاتها مع واشنطن، وطوكيو من جهة، والانفتاح على بكين من جهة أخرى.  وأوضح الباحثان أن هذا النهج يعكس تمسك الهند بمبدأ «الاستقلالية الاستراتيجية» الذي شكل حجر الزاوية لسياستها الخارجية.

انفتاح اقتصادي وثقافي
قال الكاتبان إن المؤشرات الأولية توحي ببوادر تقارب ملموس، إذ أعلنت بكين رفع القيود عن تصدير المعادن النادرة والآلات الثقيلة، بينما اتفق الجانبان على استئناف إصدار التأشيرات، وتشغيل الرحلات المباشرة. وأضاف الباحثان أن الصين منحت الحجاج الهنود حق زيارة مواقع دينية هندوسية وبوذية في التبت لأول مرة منذ 5 أعوام ، في لفتة تؤكد رغبة مشتركة في إحياء التبادل الثقافي والديني. وتابع الباحثان أن التحديات البنيوية لا تزال قائمة، خاصةً ملف النزاعات الحدودية الذي يعد من أعقد القضايا، في ظل إرث مواجهات جالوان. وأوضح الكاتبان أن المحادثات بين القيادات المدنية والعسكرية تسعى لخفض التوتر، بينما أكدت وزارة الدفاع الصينية ضرورة «الاحترام المتبادل وتحقيق التعاون القائم على المنفعة المشتركة»، مع التذكير بمرور 75 عاماً على العلاقات الدبلوماسية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، لفت الكاتبان إلى أن الصين ثاني أكبر شريك تجاري للهند بعد الولايات المتحدة، لكن نيودلهي تعاني من عجز تجاري يناهز 100 مليار دولار. وأضاف الكاتبان أن الاستثمارات الصينية يمكن أن تدعم مشاريع البنية التحتية الهندية، لكن المخاوف الأمنية من الاعتماد التكنولوجي المفرط تحد من الانفتاح الاقتصادي.

باكستان والدالاي لاما
وأوضح الكاتبان أن التباينات الجيوسياسية تزيد تعقيد المشهد، وعلى رأسها رفض الهند مبادرة الحزام والطريق، خاصة الممر الصيني الباكستاني الذي يمر عبر أراضٍ متنازع عليها. وأضاف الكاتبان أن العلاقات الوثيقة بين بكين وإسلام آباد تثير قلق نيودلهي، خاصةً مع تقارير تتحدث عن دعم عسكري واستخباراتي صيني لباكستان. وأشار الباحثان إلى أن استضافة الهند للزعيم الروحي للتبت الدالاي لاما تمثل نقطة خلاف أساسية، إذ تعتبرها الصين انتهاكاً لسيادتها، بينما تؤكد نيودلهي أنها مسألة إنسانية ودينية. وزاد الكاتبان أن التعاون الدفاعي المتنامي للهند مع الولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا ضمن تحالف الحوار الأمني الرباعي يزيد حذر بكين، رغم استمرار قنوات الحوار مفتوحة.
وخلص الباحثان إلى أن العلاقات الصينية الهندية ستظل محكومة بمزيج معقد من التنافس والتعاون.  وقالا إن الخلافات الحدودية والمنافسة الاستراتيجية تمثل عقبة كبرى أمام أي تقارب سياسي شامل، لكن المصالح الاقتصادية المشتركة والاستقرار الإقليمي يشكلان عامل توازن يحول دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.