مقابل تزويدها بالصواريخ الباليستية، هل تشارك روسيا الأسرار النووية مع طهران لمساعدتها على استكمال برنامجها العسكري؟ 
على أية حال، فهذا ما يخشاه الزعيمان الأميركي والإنجليزي، اللذان التقيا في واشنطن يوم الجمعة الماضي، بحسب ما نقلت صحيفة الغارديان عن مصادر بريطانية. 
وكان أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، قد أصدر التحذير نفسه قبل ثلاثة أيام. “تتقاسم روسيا التقنيات التي تسعى إيران إلى الحصول عليها. إنه طريق ذو اتجاهين. بما في ذلك القضايا النووية وكذلك المعلومات الفضائية”. 

لكن الشكوك ليست جديدة. وقد زودت روسيا طهران بالفعل بصواريخ مضادة للطائرات من طراز S-300 تهدف، من بين أمور أخرى، إلى حماية المنشآت النووية الإيرانية. وفي الشهر الماضي، زار سيرغي شويغو، أمين مجلس الأمن الروسي المقرب من فلاديمير بوتين، طهران لتعزيز الشراكة العسكرية بين البلدين. إنها أخبار سيئة بالنسبة للغرب، حيث أن إيران، التي تعمل على تطوير برنامجها العسكري منذ عام 2002، أصبحت بالفعل على عتبة السلاح النووي، كما أن الاتفاق الموقع في عام 2015، خطة العمل الشاملة المشتركة، مات ودُفن. ويعترف أحد الدبلوماسيين البارزين بأن “تطور البرنامج الباليستي الإيراني، والذي أصبح واضحاً مع تسليم الصواريخ إلى روسيا، يجعل الأمور أكثر تعقيداً”. وكانت هذه نقطة الضعف الرئيسية في البرنامج النووي الإيراني و يمكن تجاوزها .وبالطريقة نفسها فإن المعرفة الروسية والمساهمة التي يقدمها المختصون لها من شأنها أن تسمح لإيران بتسريع عملية تصنيع الأسلحة النووية. وهنا تلتقي المصالح . إن هذه الحركة، رغم أنها مثيرة للقلق، ليست مفاجئة. فمنذ فبراير 2022، وحدت الحرب في أوكرانيا الشريكين. وزودت إيران روسيا بطائرات شاهد بدون طيار.  وساعدت في بناء مصنع للطائرات بدون طيار بالقرب من موسكو.

ووفقا للاستخبارات الأمريكية، فقد تم مؤخرا تسليم الدفعة الأولى من صواريخ فتح 360 الباليستية الإيرانية عالية السرعة، والتي يصل مداها إلى 120 كيلومترا، إلى روسيا. ولطالما أنكر الخبراء والدبلوماسيون الغربيون حقيقة التحالف بين موسكو وطهران، الذين سلطوا الضوء على حسن النية النسبية لروسيا وتعاونها مع الدول الغربية لوقف التقدم النووي الإيراني في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة، قبل انسحاب دونالد ترامب من جانب واحد منها. 
ورغم الحرب في أوكرانيا، كان جو بايدن لا يزال يعول، في صيف 2022، على دعم روسيا لإحياء الاتفاق. لكن ذلك كان بهدف غض الطرف عن الواقع الجيوسياسي الجديد الذي يشمل المنطقة بأكملها الآن. ومع اعتماده بشكل متزايد على إيران لتكون روسيا قادرة على مواصلة حربها في أوكرانيا، يبدو أن الكرملين قد غير موقفه فيما يتعلق بالطاقة النووية الإيرانية وتخلى عن ممارسة الضغوط عليها. وبعد الحرب في أوكرانيا، لعبت هجمات حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 أيضًا دورًا في تسريع المعسكر المناهض للغرب. إن “محور الاضطرابات” الذي شكلته روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية يتحد بشكل متزايد ضد الغرب، ويؤكد صراحة رغبته في تغيير النظام الدولي الذي شكلته الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

وقال الرئيس الإيراني مسعود بيزشكيان، على هامش لقائه مع سيرغي شويغو في أغسطس-آب الماضي: “نعتقد أن عصر الهيمنة العالمية من قبل قوى معينة، قد انتهى». 
إن المصالح الأمنية المتقاربة بين إيران وروسيا على المستوى الثنائي أصبحت الآن ذات طابع إقليمي وعالمي. لم تعد جهود التعطيل تستغني عن الطاقة النووية. وبعد طهران، حيث التقى بالرئيس الجديد، استقبل كيم جونغ أون سيرغي شويغو لتعزيز “الشراكة الاستراتيجية” مع كوريا الشمالية النووية. والدبلوماسيون الغربيون الذين كرسوا جزءاً من حياتهم المهنية، في مفاوضات لا نهاية لها، لمحاولة إبطاء تقدم البرنامج النووي الإيراني، لم يعترفوا بهذه الحقيقة علناً بعد.

ولكن سرعان ما سيكون الأوان قد فات لمنع تحول إيران إلى السلاح النووي. وعلى مقربة شديدة من الهدف، لم تعد إيران مهتمة بالتفاوض. ورغم التهديد باندلاع حريق هائل في الشرق الأوسط، فمن الممكن أن تعتمد على وضعها النووي في المستقبل لمنح حلفائها في المنطقة، وأبرزهم حماس وحزب الله، مظلة وقائية. إن تاريخ التدخلات العسكرية الأخيرة، سواء في العراق أو ليبيا أو أوكرانيا، والتي لم تكن محمية بمذكرة بودابست “1994” التي كان من المفترض أن تضمن أمنها مقابل تخليها عن أسلحتها النووية، يذكرنا بضعف الدول غير النووية. ولا شك أن التأثير المتلاشي الذي تعيشه الدبلوماسية الأميركية على الساحة الدولية قبل كل انتخابات رئاسية، والحرب في غزة التي تحتكر إسرائيل، فضلاً عن المشاكل الداخلية التي تواجهها الديمقراطيات الأوروبية الكبرى، يعطي إيران مساحة جديدة لتعزيز تفوقها. فهل روسيا هي التي تدير الآن الملف النووي الإيراني على المستوى الدولي؟