القاعدة الروسية في بورتسودان... بوابة موسكو إلى أفريقيا؟

القاعدة الروسية في بورتسودان... بوابة موسكو إلى أفريقيا؟


تعليقاً على إقامة قاعدة عسكرية روسية في بورتسودان، رأى الباحث المتخصّص في سياسة روسيا للشرق الأوسط صامويل راماني أن هذه القاعدة هي بمثابة بوابة لموسكو إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، وتوسعة لنطاق وصول قواتها البحرية.
وكتب راماني، في تحليل بموقع “بونس انسايدر”، أنه خلال الأسابيع الماضية أبرمت روسيا اتفاقية مع الجيش السوداني لإنشاء قاعدة بحرية في بورتسودان دون علم السلطات المدنية، التي تُشارك في حكم البلاد بعد ثورة أطاحت بنظام عمر البشير.

مركز لوجيستي
ورغم أن الكرملين وصف المنشأة بأنها مركز لوجستي ذو طبيعة دفاعية، وستُسخدم كمحطة إعادة إمداد للسفن الحربية الروسية، إلا أن وسائل الإعلام الروسية وصفت القاعدة بأنها بوابة موسكو إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي، بما يؤدي إلى توسيع نطاق عمل قواتها البحرية. وبحسب شروط الإتفاقية، التي صدرت في 8 ديسمبر-كانون الأول، فإن السودان سيسمح لروسيا بالاحتفاظ بالقاعدة في بورت سودان لمدة 25 عاماً على الأقل، في مقابل مساعدات عسكرية.

عقود من العلاقات مع البشير
وتُتوّج القاعدة البحرية الجديدة عقوداً من العلاقات الوثيقة بين موسكو والخرطوم منذ عهد الرئيس السابق عمر البشير الذي بدأت معه المفاوضات حول هذه القاعدة البحرية. لكن مع انتفاضة الشعب السوداني في العام 2018، تعرّضت مصالح موسكو لضربة قاضية، لكنها استغلّت وجود العسكريين في السلطة. ونشرت مرتزقة في السودان من مجموعة “فاغنر”في السودان في عام 2018.
ووفقاً لراماني: “تمّ تكليف هؤلاء العملاء في البداية بدعم جهود التنقيب عن الذهب لشركة أم-إنفست، وهي شركة مملوكة من قبل مجموعة فاغنر، لكن بعد الإطاحة بالبشير، دعموا جهود الجيش السوداني للحفاظ على السيطرة على البلاد».
لإعادة العلاقات مع روسيا، التقى رئيس الحكومة الانتقالية في السودان عبد الفتاح البرهان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القمة الروسية الأفريقية التاريخية في سوتشي في عام 2019، والتي وضعت الأسس لإحياء المفاوضات بشأن قاعدة بحرية روسية في. السودان.

شراكة أمنية
وينظر الكرملين إلى قاعدته على البحر الأحمر على أنها وسيلة للحفاظ على شراكته الأمنية مع السودان. “تُريد روسيا ضمان استمرار السودان في كونه عميلاً مخلصاً لمنتجاته العسكرية” وفقاً لراماني. فالسودان هو ثالث أكبر سوق للأسلحة الروسية في إفريقيا، بعد الجزائر ومصر. كما يُقدّم السودان دعماً ديبلوماسياً داخل جامعة الدول العربية للرئيس السوري بشار الأسد، وهو حليف رئيسي لروسيا.
علاوة على ذلك، ستستخدم روسيا قاعدتها البحرية في البحر الأحمر لتعزيز علاقتها مع البرهان وحلفائه داخل الجيش السوداني. وقال وزير الخارجية السوداني عمر قمر الدين لـ”بلومبرغ”، في وقت سابق الشهر الجاري، إنه لم يطلع على نسخة من اتفاقية القاعدة، “ما يعني أن روسيا قد تجاوزت بشكل فعّال القيادة المدنية للبلاد في إبرام الاتفاقية».

تعطيل استراتيجية التوازن
تماشياً مع نهجها الأوسع في الشرق الأوسط، تنظر روسيا إلى الجيش السوداني باعتباره حارس استقرار السودان. في يونيو -حزيران 2019، حثّ نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الحكومة الانتقالية على قمع “المتطرفين”، في إشارة غير مباشرة إلى “قوى الحرية والتغيير”، المجموعة الشاملة التي تُمثّل المتظاهرين المؤيدين للديموقراطية في البلاد.
وتعتقد شخصيات معارضة أن الجيش السوداني قبل المساعدة الروسية كقوة مُوازية للولايات المتحدة، نظراً لأن الرئيس المنتخب جو بايدن قد يدعم انتقال السودان إلى الحكم المدني والضغط من أجل محاكمة حلفاء البشير في المحكمة الجنائية الدولية. “إذا كانت القاعدة الجديدة ستؤدي إلى توسيع الوجود الروسي في السودان، فيمكنها أيضاً أن تُزوّد الجيش السوداني بعقود تجارية مربحة وأسلحة تُعزّز قدرته على قمع التظاهرات المستقبلية”، يقول راماني.لكن كمال بولاد، الناشط المعارض البارز، حذّر من أن قرار السودان السماح بقاعدة روسية على سواحلها قد يُعطّل استراتيجية التوازن التي ترتكز عليها السياسة الخارجية للخرطوم. وبالنظر إلى المشاعر المُعادية لروسيا من الجانب المدني من الحكومة الانتقالية في الخرطوم، ترى موسكو أن الدعم السياسي للجيش السوداني يصبّ في مصلحتها.

دور أمني متزايد
بالإضافة إلى الحفاظ على نفوذها طويل الأمد في السودان، تنظر روسيا إلى منشآتها البحرية على أنها الوسيلة لتوسيع نطاق وصول قواتها البحرية إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، حيث أن الاتحاد السوفياتي، قبل انهياره، كان يمتلك قواعد بحرية في ميناء عدن اليمني وأرخبيل دهلك في إريتريا، لذا فإن إثبات الوجود في السودان يعمل على إحياء ذكرى موسكو كقوة عظمى.
وستسمح القاعدة الجديدة لروسيا بلعب دور أمني متزايد في الممرات المائية القريبة، من بينها مضيق باب المندب الذي يُعتبر نقطة شحن لـ 4.7 مليون برميل من النفط يومياً. كما ستُمكّن منشأة بورتسودان موسكو من توسيع مشاركتها في عمليات مكافحة القرصنة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وهي منطقة نادرة للتعاون الأمني المستمر بين روسيا والغرب.

توسيع النفوذ في المتوسط
بمرور الوقت، قد تؤدي المُشاركة الروسية الواسعة في حملات مكافحة القرصنة إلى إزاحة مهمة “أتالانتا” التابعة للاتحاد الأوروبي قبالة الساحل الصومالي “من المُقرّر أن تنتهي في نهاية هذا الشهر”، وبالتالي تحدّي النفوذ الأمريكي في المحيط الهندي.
قد تستخدم روسيا أيضاً منشآتها في بورتسودان لتوسيع نفوذها على البحر الأبيض المتوسط. كما أشار الخبير في الشؤون الدفاعية يوري ليامين إلى أن القاعدة في السودان يُمكن أن تُخفّف أعباء الإمداد للقاعدة الروسية السورية في طرطوس، من خلال توفير الدعم اللوجستي والمادي للتدريبات العسكرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط، وتسهيل نقل الأفراد والمعدات من سوريا إلى ليبيا.
وبالتالي، ستُعزّز القاعدة في السودان جهود روسيا لضمان بقاء شراكتها مع الخرطوم في فترة انتقال البلاد المضطرب إلى الديموقراطية. وعلى نطاق أوسع، فإنها تُؤشر إلى عودة ظهور روسيا كقوة عظمى في إفريقيا. “مما لا شكّ فيه أن القوى البحرية المتواجدة في المنطقة أو خارجها ستُواجه قريباً منافسة متزايدة من روسيا على البحر الأحمر”، يختم راماني.