رئيس الدولة: الاستدامة ركيزة أساسية ضمن إستراتيجيات التنمية الوطنية للإمارات
لكنه ضحك كالبكاء:
الكوميديا السوداء لرئيس يتشبّث بالسلطة...!
-- قد يخوض ترامب حملة انتخابية دائمة حتى 2024، ويحافظ على قاعدته الانتخابية في حالة تمرد ضد المؤسسات
-- طعن ترامب في نتائج الانتخابات ووصفها بالمزورة، هو إضفاء الشرعية على مثل هذه العمليات في المستقبل
-- إذا كان ترامب يكره الخسارة إلى هذا الحد، لماذا يثابر على خسارة الإجراءات القانونية على كل الخطوط
-- دونالد ترامب عاجز مرضيا على الاعتراف بالفشل
-- النتيجة المباشرة لهذه الكوميديا السوداء هي تأجيج الاستياء داخل القاعدة الانتخابية الجمهورية
«أن نضحك، لا يعني أن الامر مضحك”... هذه العبارة المحلية تقفز إلى الذهن ونحن نشاهد المأساة-الكوميدية في أيام ترامب الأخيرة.
إذا تابعنا “أداء” معسكر ترامب منذ هزيمته الانتخابية، فلا يسعنا إلا أن نتذكر هذا الشعار الشهير لـ “كروك”، المجلة الرئيسية للفكاهة العبثية في كيبيك. في الواقع، يمكن أن نتخيل بسهولة مونتاجًا لأفضل لحظات فترة ما بعد الانتخابات، حيث نشاهد احتضار رئاسة ترامب، والتي تظهر في فترات زمنية متقطعة مع موسيقى بيني هيل أو كيستون كوبس. سيكون هناك ما يتم تلفيقه بسعادة.
ومع ذلك، وحرفيّا، ان تضحك عليه، لا يعني أن ما يجري مضحك. وان تكون أحدث حلقات ملحمة ترامب كوميديا تتحدى خيال كبار الكوميديين، لا يمنع انها مثيرة للقلق.
بعض الحلقات
أسبوعان مرّا منذ إعلان فوز جو بايدن من قبل جميع المراقبين المستنيرين للمشهد السياسي الأمريكي، ومنذ ذلك، اليوم لا حياة لمن تنادي بالنسبة لدونالد ترامب، باستثناء تغريداته وبعض الظهور حيث تلتقطه عدسات الكاميرات من بعيد، وهو يتذمر في ملاعب الغولف. والحجر الصحي الذي يبدو أنه فرضه على نفسه لتحمل الهزيمة، هو أكثر اكتمالا من الحجر الذي أعقب إصابته بفيروس كورونا. لم يأتِ خطاب الاعتراف بهزيمة ترامب، ومن غير المرجح أن يأتي أبدًا، وهو ما لا ينتقص من حقيقة هزيمته.
وإذا كان ترامب يكره الخسارة الى هذا الحد، فالسؤال لماذا يمعن ويثابر على خسارة الإجراءات القانونية على كل الخطوط. فوفقًا لإحصاء أجراه مارك إلياس على منصة “ديموكراسي دوكيت”، فإن النتيجة الحالية لفريق محامي ترامب، الذي يرفع قضايا مختارة في جميع الولايات حيث كانت النتائج متقاربة، بلغت انتصارين و33 خسارة مساء الجمعة. ولا يتعلق “الانتصاران” سوى بحفنة من الأصوات لأن الهزائم المتراكمة تظهر بوضوح عدم جدوى الخطوة القانونية لترامب.
حتى أن هناك شيئًا هزليًا تمامًا حول تناقض التصريحات العلنية للفريق القانوني لترامب، والتي تشير إلى تزوير ضخم على نطاق لا مثيل له في التاريخ الانتخابي في الولايات المتحدة (وربما في العالم.)، وأقوال هؤلاء المحامين أنفسهم، الذين لا خيار لديهم سوى الاعتراف للقضاة بأنه لا يملكون دليلا ملموسا يدعم مثل هذه الاتهامات. وكل هذا لا يمنع الرئيس من التباهي بامتلاكه لاستراتيجية لا يمكن إيقافها ستثبت صحة خطوته على طول الخط.
كيف كان شكل المؤتمر الصحفي للفريق القانوني بقيادة رودولف جولياني؟ مهزلة مظلمة بالطبع. خلال هذا المؤتمر، رأينا العمدة السابق لنيويورك يقف امام الميكروفون ليورط في التزوير الانتخابي الذي ينوي كشفه، مجموعة من الأشرار، بدءً من الفنزويلي الراحل هوغو شافيز، إلى جورج سوروس. لقد شوهد خاصة وهو يتعرق بغزارة، مما تسبب في تساقط صبغة شعره على كامل وجه قرمزي لرجل في حالة ذهول.
وحتى لا تبقى على الهامش، جاءت احدى المحاميات الرئيسيات في فريق ترامب، سيدني باول، إلى ميكروفون قناة فوكس نيوز، لتعلن أن فوز دونالد ترامب سينتج عن الإلغاء التام للاقتراع في جميع الولايات الرئيسية التي صوتت لصالح جو بايدن في الانتخابات.
وفي قلب هذه المؤامرة ضد ترامب توجد شركة كندية، نظم التصويت دومينيون، مرتبطة بشكل كاذب بالمصالح الفنزويلية (ومن ثم تورط شافيز في المؤامرة)، والتي تصنع آلات لتجميع الأصوات التي قيل إنه تمت برمجتها بشكل غامض لإخفاء أصوات ترامب.
وبقدر ما تبيّن أن أداء جولياني في المؤتمر الصحفي، والظهور الإعلامي المتكرر لسيدني باول مجرد نسيج من الادعاءات الباطلة والأكاذيب، فان كل هذه الجهود لن تفعل شيئًا لدفع الدعاوى القضائية غير المجدية التي رفعها معسكر ترامب، لأنه بمجرد أن يمثل محاموه أمام القضاة ويطلب منهم قول الحقيقة تحت القسم، فإن مزاعم التزوير تتعثر. بالإضافة إلى ذلك، فإن فريقه ذاب مثل الثلج في الشمس لأن المحامين المعنيين يدركون أن الرئيس يعتبرهم مجرد حقائب.
وفي إطار جهوده لقلب التصويت لصالحه، دعا الرئيس وفدًا من مسؤولي الانتخابات والمشرعين من ميشيغان (حيث خسر ترامب بـ 150 ألف صوت، بهامش أكبر 40 مرة من فوزه عام 2016) الى البيت الأبيض لمحاولة إقناعهم بعدم المصادقة على الأصوات في أكثر المقاطعات ولاء للديمقراطيين في الولاية. وعند مغادرتهم البيت الأبيض، الذي اشتهر بأنه موقع موبوء بـ كوفيد-19، قال الوفد إنهم لم يتلقوا أي معلومات جديدة من شأنها أن تسمح لهم بتغيير النتيجة الحتمية للتصويت.
لماذا هذه الكوميديا؟
يكشف كل يوم يمر كيف أن استراتيجية ترامب المزعومة لإثبات التزوير على نطاق واسع، والتي لم يتمكن أي عضو من فريقه من تقديم أدنى دليل عليها، استراتيجية محكوم عليها بالفشل. (من الواضح أن فشل هذا الانقلاب كان متوقعا). ويبدو الأمر قبل كل شيء، كما لو أن هذا الرئيس الذي يكره الخسارة يلحق بنفسه سلسلة من الهزائم المؤكدة من خلال مازوشية مطلقة. فلماذا إذن لا يعترف بانتصار جو بايدن حتى يسدل الستار نهائيا؟
نعرف جميعًا جزءً من الإجابة. دونالد ترامب عاجز مرضيا على الاعتراف بالفشل. لقد كانت حياته عبارة عن سلسلة متواصلة تقريبًا من النكسات والإخفاقات والإفلاس من جميع الأنواع، لكنه لم يعترف أبدًا بأي فشل كان.
وسرّب بعض المحيطين بالرئيس معلومات للصحافة تفيد بأن ترامب يدرك عدم جدوى جهوده لكنه يسعى للانتقام من المعاملة التي تلقاها من الديمقراطيين خلال انتصاره عام 2016. وهذا، من بين أمور أخرى، ما يمكن استنتاجه من تصريحات سكرتيره الصحفي، الذي أعلن أن عرقلة الانتقال من قبل الرئيس ترامب ليست سوى استعادة لسيناريو مشابه لعملية الانتقال التي عاشها هو نفسه. وهذا أمر مثير للسخرية، اذ لم يقتصر الأمر على اعتراف هيلاري كلينتون بهزيمتها بعد أقل من 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع، ولكن الرئيس نفسه، في خطاب تنصيبه في 20 يناير 2017، شكر بحرارة باراك أوباما وإدارته على الجهود التي بذلوها لضمان انتقال سلس.
عواقب غير مضحكة
إن احتمالات قلب نتائج الانتخابات أقل من ضئيلة، بل هي معدومة. فلماذا يصر دونالد ترامب على الاعتراض عليها بقوة اليأس، وباستراتيجيات تجعله يبدو على نحو متزايد وكأنه ديكتاتور من الدرجة الثانية؟ هذه مسالة لم يتم حلها ومن المهم الانتباه إليها.
ومع ذلك، فإن النتيجة المباشرة لهذه الكوميديا السوداء هي تأجيج الاستياء داخل القاعدة الانتخابية الجمهورية التي أصبحت الآن خاضعة كليًا لعبادة شخصية دونالد ترامب.
وتظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية واضحة من الناخبين الجمهوريين (ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة، وفقًا لاستطلاع نشرته فوكس) ما زالوا مقتنعين بأن دونالد ترامب هو الفائز الشرعي في هذه الانتخابات، وأن الفوز قد سرق منه.
على المدى القصير، يشدد بعض الجمهوريين على الحاجة إلى رعاية هذا الشعور لضمان إقبال كبير في الجولة الثانية من الانتخابات على مقعدي جورجيا في مجلس الشيوخ (اللذين ستتوقف عليهما السيطرة على مجلس الشيوخ).
ومع ذلك، على المدى المتوسط ، فإن تحصين هذه المواقف سيجعل من الصعب للغاية على المشرعين الجمهوريين العمل مع إدارة بايدن والأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب في فترة حاسمة للتعامل مع الوباء وتحفيز الاقتصاد للتغلب على الركود الناجم عن هذه الأزمة.
وبالإضافة إلى تقويض الأرضية التي سيتعين على الإدارة المقبلة العمل عليها من خلال عرقلة العملية الانتقالية، يمكن أن يكون لاستراتيجية ترامب نتائج تجعل البلاد غير قابلة للحكم في خضم أزمة الوباء والأزمة الاقتصادية... ولا شيء يثير الضحك هنا.
أما على المدى الطويل، من المرجح أن تكون العواقب على الديمقراطية الأمريكية أكثر ضررًا. هذا ما يقوله، من بين أمور أخرى، المؤرخ تيم سنايدر الخبير في انهيار الأنظمة الديمقراطية نحو الاستبداد أو الديكتاتورية (الكذبة الانتخابية الكبرى لترامب تدفع أمريكا نحو الاستبداد).
ان ما يفعله دونالد ترامب، من خلال الطعن في نتائج الانتخابات، ووصفه العملية الانتخابية برمتها بأنها مزورة، هو إضفاء الشرعية على مثل هذه العمليات في المستقبل.
إن القاعدة التي نشأت منذ بدايات الجمهورية الأمريكية بشأن الانتقال السلمي للسلطات من إدارة رئاسية إلى أخرى، يطعن فيها علنًا الرئيس المنتهية ولايته دون ان يتلقى أي شكل من أشكال العقوبة من حزبه، ولا يمكن لهذا إلا أن يفتح الباب أمام هذا النوع من التجاوزات على القواعد في المستقبل.
ورغم استمراره في الادعاء بأنه سيكسب قضيته، وأن حكم الناخبين سينقلب جراء مكر مناوراته، فقد ألمح دونالد ترامب أيضًا إلى أنه لن يغلق باب عودته عام 2024، مما يعني أنه من المرجح أن يخوض حملة انتخابية دائمة حتى ذاك التاريخ، ويحافظ على قاعدته الانتخابية في حالة تمرد دائمة ضد المؤسسات الديمقراطية الأمريكية. لذا فإن هذه الكوميديا السوداء لم تنته بعد ولا شيء مضحك فيها.
*أستاذ العلوم السياسية / مركز الدراسات والبحوث الدولية في جامعة مونريال لتنمية المعرفة حول الرهانات الدولية
-- طعن ترامب في نتائج الانتخابات ووصفها بالمزورة، هو إضفاء الشرعية على مثل هذه العمليات في المستقبل
-- إذا كان ترامب يكره الخسارة إلى هذا الحد، لماذا يثابر على خسارة الإجراءات القانونية على كل الخطوط
-- دونالد ترامب عاجز مرضيا على الاعتراف بالفشل
-- النتيجة المباشرة لهذه الكوميديا السوداء هي تأجيج الاستياء داخل القاعدة الانتخابية الجمهورية
«أن نضحك، لا يعني أن الامر مضحك”... هذه العبارة المحلية تقفز إلى الذهن ونحن نشاهد المأساة-الكوميدية في أيام ترامب الأخيرة.
إذا تابعنا “أداء” معسكر ترامب منذ هزيمته الانتخابية، فلا يسعنا إلا أن نتذكر هذا الشعار الشهير لـ “كروك”، المجلة الرئيسية للفكاهة العبثية في كيبيك. في الواقع، يمكن أن نتخيل بسهولة مونتاجًا لأفضل لحظات فترة ما بعد الانتخابات، حيث نشاهد احتضار رئاسة ترامب، والتي تظهر في فترات زمنية متقطعة مع موسيقى بيني هيل أو كيستون كوبس. سيكون هناك ما يتم تلفيقه بسعادة.
ومع ذلك، وحرفيّا، ان تضحك عليه، لا يعني أن ما يجري مضحك. وان تكون أحدث حلقات ملحمة ترامب كوميديا تتحدى خيال كبار الكوميديين، لا يمنع انها مثيرة للقلق.
بعض الحلقات
أسبوعان مرّا منذ إعلان فوز جو بايدن من قبل جميع المراقبين المستنيرين للمشهد السياسي الأمريكي، ومنذ ذلك، اليوم لا حياة لمن تنادي بالنسبة لدونالد ترامب، باستثناء تغريداته وبعض الظهور حيث تلتقطه عدسات الكاميرات من بعيد، وهو يتذمر في ملاعب الغولف. والحجر الصحي الذي يبدو أنه فرضه على نفسه لتحمل الهزيمة، هو أكثر اكتمالا من الحجر الذي أعقب إصابته بفيروس كورونا. لم يأتِ خطاب الاعتراف بهزيمة ترامب، ومن غير المرجح أن يأتي أبدًا، وهو ما لا ينتقص من حقيقة هزيمته.
وإذا كان ترامب يكره الخسارة الى هذا الحد، فالسؤال لماذا يمعن ويثابر على خسارة الإجراءات القانونية على كل الخطوط. فوفقًا لإحصاء أجراه مارك إلياس على منصة “ديموكراسي دوكيت”، فإن النتيجة الحالية لفريق محامي ترامب، الذي يرفع قضايا مختارة في جميع الولايات حيث كانت النتائج متقاربة، بلغت انتصارين و33 خسارة مساء الجمعة. ولا يتعلق “الانتصاران” سوى بحفنة من الأصوات لأن الهزائم المتراكمة تظهر بوضوح عدم جدوى الخطوة القانونية لترامب.
حتى أن هناك شيئًا هزليًا تمامًا حول تناقض التصريحات العلنية للفريق القانوني لترامب، والتي تشير إلى تزوير ضخم على نطاق لا مثيل له في التاريخ الانتخابي في الولايات المتحدة (وربما في العالم.)، وأقوال هؤلاء المحامين أنفسهم، الذين لا خيار لديهم سوى الاعتراف للقضاة بأنه لا يملكون دليلا ملموسا يدعم مثل هذه الاتهامات. وكل هذا لا يمنع الرئيس من التباهي بامتلاكه لاستراتيجية لا يمكن إيقافها ستثبت صحة خطوته على طول الخط.
كيف كان شكل المؤتمر الصحفي للفريق القانوني بقيادة رودولف جولياني؟ مهزلة مظلمة بالطبع. خلال هذا المؤتمر، رأينا العمدة السابق لنيويورك يقف امام الميكروفون ليورط في التزوير الانتخابي الذي ينوي كشفه، مجموعة من الأشرار، بدءً من الفنزويلي الراحل هوغو شافيز، إلى جورج سوروس. لقد شوهد خاصة وهو يتعرق بغزارة، مما تسبب في تساقط صبغة شعره على كامل وجه قرمزي لرجل في حالة ذهول.
وحتى لا تبقى على الهامش، جاءت احدى المحاميات الرئيسيات في فريق ترامب، سيدني باول، إلى ميكروفون قناة فوكس نيوز، لتعلن أن فوز دونالد ترامب سينتج عن الإلغاء التام للاقتراع في جميع الولايات الرئيسية التي صوتت لصالح جو بايدن في الانتخابات.
وفي قلب هذه المؤامرة ضد ترامب توجد شركة كندية، نظم التصويت دومينيون، مرتبطة بشكل كاذب بالمصالح الفنزويلية (ومن ثم تورط شافيز في المؤامرة)، والتي تصنع آلات لتجميع الأصوات التي قيل إنه تمت برمجتها بشكل غامض لإخفاء أصوات ترامب.
وبقدر ما تبيّن أن أداء جولياني في المؤتمر الصحفي، والظهور الإعلامي المتكرر لسيدني باول مجرد نسيج من الادعاءات الباطلة والأكاذيب، فان كل هذه الجهود لن تفعل شيئًا لدفع الدعاوى القضائية غير المجدية التي رفعها معسكر ترامب، لأنه بمجرد أن يمثل محاموه أمام القضاة ويطلب منهم قول الحقيقة تحت القسم، فإن مزاعم التزوير تتعثر. بالإضافة إلى ذلك، فإن فريقه ذاب مثل الثلج في الشمس لأن المحامين المعنيين يدركون أن الرئيس يعتبرهم مجرد حقائب.
وفي إطار جهوده لقلب التصويت لصالحه، دعا الرئيس وفدًا من مسؤولي الانتخابات والمشرعين من ميشيغان (حيث خسر ترامب بـ 150 ألف صوت، بهامش أكبر 40 مرة من فوزه عام 2016) الى البيت الأبيض لمحاولة إقناعهم بعدم المصادقة على الأصوات في أكثر المقاطعات ولاء للديمقراطيين في الولاية. وعند مغادرتهم البيت الأبيض، الذي اشتهر بأنه موقع موبوء بـ كوفيد-19، قال الوفد إنهم لم يتلقوا أي معلومات جديدة من شأنها أن تسمح لهم بتغيير النتيجة الحتمية للتصويت.
لماذا هذه الكوميديا؟
يكشف كل يوم يمر كيف أن استراتيجية ترامب المزعومة لإثبات التزوير على نطاق واسع، والتي لم يتمكن أي عضو من فريقه من تقديم أدنى دليل عليها، استراتيجية محكوم عليها بالفشل. (من الواضح أن فشل هذا الانقلاب كان متوقعا). ويبدو الأمر قبل كل شيء، كما لو أن هذا الرئيس الذي يكره الخسارة يلحق بنفسه سلسلة من الهزائم المؤكدة من خلال مازوشية مطلقة. فلماذا إذن لا يعترف بانتصار جو بايدن حتى يسدل الستار نهائيا؟
نعرف جميعًا جزءً من الإجابة. دونالد ترامب عاجز مرضيا على الاعتراف بالفشل. لقد كانت حياته عبارة عن سلسلة متواصلة تقريبًا من النكسات والإخفاقات والإفلاس من جميع الأنواع، لكنه لم يعترف أبدًا بأي فشل كان.
وسرّب بعض المحيطين بالرئيس معلومات للصحافة تفيد بأن ترامب يدرك عدم جدوى جهوده لكنه يسعى للانتقام من المعاملة التي تلقاها من الديمقراطيين خلال انتصاره عام 2016. وهذا، من بين أمور أخرى، ما يمكن استنتاجه من تصريحات سكرتيره الصحفي، الذي أعلن أن عرقلة الانتقال من قبل الرئيس ترامب ليست سوى استعادة لسيناريو مشابه لعملية الانتقال التي عاشها هو نفسه. وهذا أمر مثير للسخرية، اذ لم يقتصر الأمر على اعتراف هيلاري كلينتون بهزيمتها بعد أقل من 24 ساعة من إغلاق صناديق الاقتراع، ولكن الرئيس نفسه، في خطاب تنصيبه في 20 يناير 2017، شكر بحرارة باراك أوباما وإدارته على الجهود التي بذلوها لضمان انتقال سلس.
عواقب غير مضحكة
إن احتمالات قلب نتائج الانتخابات أقل من ضئيلة، بل هي معدومة. فلماذا يصر دونالد ترامب على الاعتراض عليها بقوة اليأس، وباستراتيجيات تجعله يبدو على نحو متزايد وكأنه ديكتاتور من الدرجة الثانية؟ هذه مسالة لم يتم حلها ومن المهم الانتباه إليها.
ومع ذلك، فإن النتيجة المباشرة لهذه الكوميديا السوداء هي تأجيج الاستياء داخل القاعدة الانتخابية الجمهورية التي أصبحت الآن خاضعة كليًا لعبادة شخصية دونالد ترامب.
وتظهر استطلاعات الرأي أن أغلبية واضحة من الناخبين الجمهوريين (ما يقرب من ثلاثة من كل أربعة، وفقًا لاستطلاع نشرته فوكس) ما زالوا مقتنعين بأن دونالد ترامب هو الفائز الشرعي في هذه الانتخابات، وأن الفوز قد سرق منه.
على المدى القصير، يشدد بعض الجمهوريين على الحاجة إلى رعاية هذا الشعور لضمان إقبال كبير في الجولة الثانية من الانتخابات على مقعدي جورجيا في مجلس الشيوخ (اللذين ستتوقف عليهما السيطرة على مجلس الشيوخ).
ومع ذلك، على المدى المتوسط ، فإن تحصين هذه المواقف سيجعل من الصعب للغاية على المشرعين الجمهوريين العمل مع إدارة بايدن والأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب في فترة حاسمة للتعامل مع الوباء وتحفيز الاقتصاد للتغلب على الركود الناجم عن هذه الأزمة.
وبالإضافة إلى تقويض الأرضية التي سيتعين على الإدارة المقبلة العمل عليها من خلال عرقلة العملية الانتقالية، يمكن أن يكون لاستراتيجية ترامب نتائج تجعل البلاد غير قابلة للحكم في خضم أزمة الوباء والأزمة الاقتصادية... ولا شيء يثير الضحك هنا.
أما على المدى الطويل، من المرجح أن تكون العواقب على الديمقراطية الأمريكية أكثر ضررًا. هذا ما يقوله، من بين أمور أخرى، المؤرخ تيم سنايدر الخبير في انهيار الأنظمة الديمقراطية نحو الاستبداد أو الديكتاتورية (الكذبة الانتخابية الكبرى لترامب تدفع أمريكا نحو الاستبداد).
ان ما يفعله دونالد ترامب، من خلال الطعن في نتائج الانتخابات، ووصفه العملية الانتخابية برمتها بأنها مزورة، هو إضفاء الشرعية على مثل هذه العمليات في المستقبل.
إن القاعدة التي نشأت منذ بدايات الجمهورية الأمريكية بشأن الانتقال السلمي للسلطات من إدارة رئاسية إلى أخرى، يطعن فيها علنًا الرئيس المنتهية ولايته دون ان يتلقى أي شكل من أشكال العقوبة من حزبه، ولا يمكن لهذا إلا أن يفتح الباب أمام هذا النوع من التجاوزات على القواعد في المستقبل.
ورغم استمراره في الادعاء بأنه سيكسب قضيته، وأن حكم الناخبين سينقلب جراء مكر مناوراته، فقد ألمح دونالد ترامب أيضًا إلى أنه لن يغلق باب عودته عام 2024، مما يعني أنه من المرجح أن يخوض حملة انتخابية دائمة حتى ذاك التاريخ، ويحافظ على قاعدته الانتخابية في حالة تمرد دائمة ضد المؤسسات الديمقراطية الأمريكية. لذا فإن هذه الكوميديا السوداء لم تنته بعد ولا شيء مضحك فيها.
*أستاذ العلوم السياسية / مركز الدراسات والبحوث الدولية في جامعة مونريال لتنمية المعرفة حول الرهانات الدولية