بولا وايت على قائمة الخاسرين:

المبشرة التليفزيونية التي تهمس في أذن دونالد ترامب

المبشرة التليفزيونية التي تهمس في أذن دونالد ترامب

-- لا يزال 25 بالمائة من الأمريكيين يقولون إنهم بروتستانت إنجيليين عام 2014
-- تبشر بإنجيل الرخاء، وتربط بين زخم الإيمان والرفاهية المالية والجسدية
-- يتابعها 3.3 مليون معجب وتدافع بقوة عن أفكار محافظة
-- تحت تأثيرها، قدم الرئيس ترامب تعهدات للناخبين البيض والمحافظين
-- تسافر على متن طائرة خاصة، وتركب سيارة فاخرة، وتمتلك مزرعة في فلوريدا، وشقة في برج ترامب
-- ولدت في عائلة فقيرة، انتحر والدها وهي في الخامسة من عمرها، وستة أعوام عندما وقعت فريسة للجيران والأقارب

 
   المستشارة الروحية للبيت الأبيض، سبق أن دعّمت بولا وايت، المرشح عام 2016، وتعرف الرجل منذ ما يقارب العشرين عامًا. توحدهما الأفكار المحافظة، والرؤية للنجاح نفسها .
   هل تخلى الله عن بولا وايت؟ هذه المبشرة التليفزيونية ذات الشعر الأشقر لملاك اصطناعي، بأحذية أنيقة، وأزياء ضيقة، أصبحت معروفة للعالم في 4 نوفمبر، اليوم التالي للانتخابات الرئاسية الأمريكية، بفضل مقطع فيديو انتشر على الشبكات الاجتماعية: “أسمع صوت الانتصار... فوز! فوز! فوز! هتفت حينها القسيسة، 54 عامًا، والمؤيدة القوية لدونالد ترامب، خلال خطبة محمومة، الملائكة قادمون الآن. «

   يبدو أن بولا وايت سمعت ورأت بشكل سيئ. لئن استمر ترامب في إدانة اقتراع “مزور” على تويتر، فإن كل يوم يمر يؤكد هزيمته.
   ومع وصول الكاثوليكي جو بايدن إلى السلطة، ستفقد القسيسة باولا وايت كاين، حظوتها ومكانها في البيت الأبيض، هي التي عرفت كيف تجعل من نفسها رقما صعبا ولا غنى عنها لترامب -البروتستانت مثل غالبية الأمريكيين -وتحصلت على منصب رسمي داخل إدارته.

«اكتشف شغفك وحوّله إلى أموال»
   منذ عام 2018، تقود هذه المبشرة المليونيرة، التي تتخذ من فلوريدا مقراً لها، مبادرة “الإيمان والفرصة”، وهي عبارة عن تجمع لقساوسة ومسؤولين جمهوريين منتخبين متدينين، مكلفين بتأمين الربط بين دونالد ترامب وديانات البلد. “أينما أذهب، يسود الله! عندما أكون في البيت الأبيض، يكون الله في البيت الأبيض!»، تفاخر المعنيّة.
   بروتستانتية مثيرة للجدل، كثيرا ما تروي باولا وايت، كيف استدعاها ترامب عام 2001 للتعبير عن إعجابه بها. “لا أريد أموالك، لا أريد شهرتك، أريد روحك!»، يبدو أنها قالت له خلال اجتماعهما الأول.  وكان “الحب” من نظرة بين امبراطور العقارات والمرأة المتدينة، وأصبحت بولا وايت الكوتش الروحي لعائلة ترامب.
   عام 2004، أحضرها إلى “المبتدئ”، برنامج تلفزيون الواقع الذي كان يقدمه، للحديث عن الانجيل. بعد ذلك بعامين، استقبلته في برنامجها التلفزيوني للحديث عن فوائد... الثروة. “هذا ما أقوم بتدريسه: اعثر على شغفك وحوّله إلى أموال”، تشرح أمام الكاميرات... ويقول ترامب: “أعتقد أن هذا هو المفتاح».

إنجيل الرفاه ... طائرة خاصة وسيارة فاخرة
   «بولا وايت تبشر بإنجيل الرفاه والرخاء، يوضح أندريه غانييه، الأستاذ بقسم الدراسات اللاهوتية بجامعة كونكورديا في مونتريال، إنها تربط بين شدة إيمانك من ناحية، ورفاهيتك الجسدية وازدهارك المالي من ناحية أخرى”. تفسير مدهش للنصوص الانجيلية، والذي يعتمد جزئيًا على التقليد الخمسيني للبروتستانتية حيث المسيح لا يخلّص الأرواح فحسب، بل يضمن أيضًا رفاه الأفراد في الحياة الدنيا. وتستحضر باولا وايت أيضًا شخصيات من العهد القديم مثل إبراهيم -عليه السلام-، الذي كان غنيًا وأطاع الله.

   تعد المبشرة اتباعها بنوع من الصفقة -أخذ وعطاء، كرم إلهي مساوٍ لما هم موافقون على منحه، ولا سيما لكنيستها. في يناير 2019، اقترحت أن يدفع لها أتباعها ما يصل إلى راتب شهري، محذرة من أن الله سيبتعد عن البخلاء.
   «بالنسبة لها، فإن الشيطان هو الذي يجعل المسيحيين يعتقدون أنه يجب أن يعيشوا فقراء”، يضيف فيليب جونزاليس، عالم اجتماع الأديان بجامعة لوزان بسويسرا، تبرعات، وبضائع، وخلوات روحية، وجلسات كوتشينغ، وبيع كتبها “مع عناوين جذابة مثل “الوصايا العشر للصحة والرفاهية” أو “تجرؤوا على الحلم: انظر إلى نفسك كما يراك الله” توفر كل عام عشرات الملايين من الدولارات لكنيسة باولا وايت، وتموّل ايقاع حياتها الخاصة: تسافر على متن طائرة خاصة، وتركب سيارة فاخرة، وتمتلك مزرعة في فلوريدا، وشقة في برج ترامب بقيمة 3.5 مليون دولار.

«صعلوكة نهمة»
أنقذها الإنجيل
   ومع ذلك، فإن القدر لم يسعفها دائمًا. ولدت في عائلة فقيرة في ولاية مسيسيبي، وكانت في الخامسة من عمرها عندما انتحر والدها، وستة أعوام عندما وقعت فريسة للجيران والأقارب. استمرت الاعتداءات عليها حتى بلغت الثالثة عشر من عمرها، دون أن تلاحظ والدتها، المدمنة على الخمر، أي شيء. مراهقة قلقة، و”صعلوكه نهمة”، كما قالت بعد ذلك بكثير، اكتشفت الإيمان في سن 18، وانغمست في قراءة الإنجيل.
   حملت أيضا، وتزوجت، وطلقت، وتزوجت مرة أخرى بالقس راندي وايت، الذي أسست معه كنيسة بلا جدران، في تامبا، فلوريدا. دون أي شهادة في اللاهوت، تم تعيينها قسًا لتخطب إلى جانب زوجها. وحينها رصدتها القنوات المسيحية لتقدّم برامج تلفزيونية.

   لكن سرعان ما غادرت باولا وايت راندي وكنيسته المفلسة للزواج من جوناثان كاين، وهو موسيقي. تولت مقاليد كنيسة أخرى في فلوريدا، توفي راعيها بسبب جرعة زائدة، وأطلقت عليها اسم مدينة المصير... وبدأت طقوسها تجمع الآلاف من الاتباع.
   إلا أن موقع فيسبوك، على وجه الخصوص، حيث تتدخل على الهواء مباشرة مرتين في الأسبوع، سمح لها بتوسيع مجلسها. يتابعها الآن 3.3 مليون معجب، تدافع أمامهم بقوة عن أفكار محافظة، مناهضة للإجهاض، وضد حقوق المثليين، وعن تعميم عقوبة الإعدام في البلاد، وفرض الصلاة في المدارس.

صلاة جماعية لدعم ترامب
   تزوج دونالد ترامب ثلاث مرات، وطلق مرتين، ويفضل أن يقضي أيام الأحد في لعب الجولف على الكنيسة، لكنه أدرك أهمية التصويت الإنجيلي. في 28 سبتمبر 2015، جمعت صديقته باولا وايت قساوسة من مختلف الأديان من حوله لصلاة جماعية وإطلاق ترشّحه. ومنذئذ، لم تتوقف عن دعم الرئيس المنتهية ولايته.
   نجاح: عام 2016، صوّت 81 بالمائة من الإنجيليين البيض لرجل الأعمال. وفي يناير 2017، القت كلمة أثناء تنصيب الرئيس ترامب، منددة بالهجرة.
   استمرت مشاهد الصلوات الجماعية في البيت الأبيض، التي تنسقها الخمسينية السُفِسْطائِيّة، التي تظهر في الصور دائمًا ويدها على كتف الرئيس. وتحت تأثيرها، قدّم رئيس الدولة تعهدات للناخبين البيض والمحافظين. وفي تناغم، أكدت باولا وايت على التلفزيون، أن المسيحيين الذين لا يصوتون لترامب سيحاسبهم الرّب.

كنائس ضخمة “في تناغم
مع الثقافة الشعبية»
   هزيمة الرئيس المنتهية ولايته، هي صاعقة من السماء للمبشرين مثل بولا وايت. لكن تأثيرهم لا يزال سائدًا في الولايات المتحدة، حيث لا يزال 25 بالمائة من الأمريكيين يقولون إنهم بروتستانت إنجيليين عام 2014. وفي جميع أنحاء البلاد، توجد الكنائس الضخمة، مثل كنيسة باولا وايت في فلوريدا، وتلك التابعة لجويل أوستين، في تكساس، أو بيل هايبلز، بالقرب من شيكاغو، وتجمع عشرات الآلاف من أبناء الأبرشية في نهاية كل أسبوع، خلال احتفالات أقرب إلى عرض فرجوي في مسرح الزينيث منه الى قداس.

   «تشبه الأغاني مقاطع البوب. يلاحظ عالم الاجتماع فيليب جونزاليس، لا توجد الة الاورغ، ولكن باتري وغيتار كهربائي. إنه ترفيه يتناغم مع الثقافة الشعبية، مصحوبًا بخطاب محافظ للغاية حول القيم، خاصة حول الجنس، وهو ما يرضي الطبقة الوسطى البيضاء. «    وإذ تظل المسالة طبعا على علاقة بالرّب، فإن الواعظين يعرفون كيف يُحدّثون وصاياه. “كيف تتقدّم في حياتك؟ كيف تنجح في زواجك؟ كيف تربي أطفالك؟ الأمر دائمًا ملموس للغاية، يذكّر الأكاديمي الكندي أندريه غانييه، مؤلف كتاب “هؤلاء الإنجيليون الذين يقفون وراء ترامب”، ويستشهد هؤلاء الوعاظ بسرعة بآيات من الانجيل، ولكن الأمر دائمًا يتعلق بتجربة الناس مع يسوع في حياتهم اليومية».

شركات كاملة الأهلية
   عند الإنجيليين، حيث لا يوجد تنظيم هرمي، كل وزارة كهنوتية هي مؤسسة في حد ذاتها، بموظفيها، واعبائها وإيراداتها. فكل شيء جيد إذن، لكسب الاتباع. لقد فهم الكثيرون منهم قيمة الاستثمار في وسائل الاتصال المتاحة: التلفزيون، بالأمس؛ الشبكات الاجتماعية اليوم. مثل كينيث كوبلاند، القس التكساسي، 84 عامًا، الذي طرد فيروس كورونا مباشرة أمام الكاميرا. أو باولا وايت، مرة أخرى، التي تنشر، بين ظهورين على فيسبوك، رسائل يومية على تويتر تمثل نصائح للتطوير الشخصي أكثر منها صلاة. “لا تضيع وقتك مع أولئك الذين يكرهونك... إن ذلك يمنحهم ما يريدون: وقتك واهتمامك. أو: “لا تدع الآخرين يقررون مصيرك».

   و”يرجع نجاح هذه الكنائس الكبرى أيضًا إلى ضعف مشاركة الدولة في مسائل التضامن. فك ارتباط يتعمّق في ظل رئاسات الجمهوريين”، يذكّر عالم الاجتماع فيليب جونزاليس. في الواقع، في غياب الدولة الكافلة، أصبحت الكنائس جسرا للمساعدة المتبادلة للأمريكيين. ففي حال تعرضهم لضربة قوية، يعرف الاتباع أنه يمكنهم الاعتماد على دعم أولئك الذين التقوا بهم في نادي المطلقين، أو في اجتماعات “الشاي والصلاة”. ولا يتردد الاتباع في المساهمة المالية.
   «في التقليد الخمسيني، يُنظر إلى القسّ على أنه كائن متفرّد، يتمتع بامتياز الوصول إلى ما هو خارق للطبيعة”، يعتبر فيليب غونزاليس. ويدفع إنجيل الرخاء هذا المنطق الى أبعد من ذلك: العطاء لمثل هذا الشخص يعني التواصل معه والحصول على القليل من النعمة الإلهية التي يتمتع بها... فكيف نشك حينها في القوة الروحية لباولا وايت، وهي غنية ومستشارة الرئيس؟