جمعية الصحفيين الإماراتية تطلق اسم نوال الصباح على جائزة أفضل صانع محتوى
جيسي ذي بودي فينتورا:
المرشح المصارع الذي أنذر بانتخاب ترامب...!
-- شكل الترشّح، وحملة «جيسي»، واستخدامه المبكر للإنترنت، سيؤثر بشكل دائم على الحياة السياسية الأمريكية
-- انتصار نجم مصارعة سابق عام 1998، كشف عن السمات البارزة للحركات الشعبويةِ
-- توفر المغامرة السياسية لـ «فينتورا» عددًا من المفاتيح لفهم حاضر المجتمعات في أوروبا أو أمريكا الشمالية
-- كانت إعادة التسييس النسبية للناخبين في مينيسوتا مصاحبة لترشيح جيسي فينتورا عام 1998
-- إنها التجربة الأولى الحية لانتصار مرشح خرج تقريبًا من لا شيء، ومن خارج النظام الحزبي المعمول به
إذا كان هناك انتخاب، قبل انتخاب دونالد ترامب بوقت طويل، أنذر بالعديد من الانقلابات الانتخابية في بلداننا، فهو انتخاب جيسي “ذي بودي” فينتورا، المرشح الثالث ضد الديمقراطيين والجمهوريين لمنصب حاكم ولاية مينيسوتا، في نوفمبر 1998. حتى ذلك الحين، في فرنسا، كنا نعرف مينيسوتا فقط من أجل والنوت غروف وبيت صغير في البراري أو، في سجل آخر، فارغو للأخوين كوين.
ومع ذلك، عام 1998، كـان “جيسي” وحياته وحملته وناخبــــه وانتخابــه ومصيـره، هم الذين صنعوا الحدث في الولايات المتحــــــدة، وكانوا أعلى نقطة تبشر وترمز إلى المصير الانتخابي لمجتمعاتنا.
تم تجاهلها من قبل العلوم السياسية هنا، وكانت غير مهمة بالنسبة لتغطية القنوات التلفزيونية، توفر المغامرة السياسية لـ “فينتورا” عددًا من المفاتيح لفهم حاضر المجتمعات في أوروبا أو أمريكا الشمالية. إنها بالفعل التجربة الأولى الحية لانتصار مرشح خرج تقريبًا من لا شيء، ومن خارج النظام الحزبي القائم.
صدمنا العالم: تسلل مشاغب
الى الحياة السياسية الأمريكية
في احدى أمسيات نوفمبر من عام 1998، لم تغادر الولايات المتحدة قضية لوينسكي، وكان المدعي العام المحافظ المستقل كينيث ستار، لا يزال يُنظر إليه لبضع ساعات على أنه طليعة الجمهوريين الانتقاميين في انتخابات التجديد النصفي.
كان الكل يعتبر ان الديمقراطيين هم أكبر الخاسرين... ولدهشة الجميع، فازوا بأربعة مقاعد في مجلس النواب.
أدت الهزيمة النسبية للجمهوريين إلى استقالة نيوت غينغريتش، رئيس مجلس النواب. ومع ذلك، من هذه الانتخابات، سيظهر درس اسطوري للمستقبل السياسي لبلداننا، وقد تم التقليل من شأنه حتى الآن.
بالنسبة للذين عاشوا ذاك المساء، ستبقى نتيجة أخرى رائعة لسنوات عديدة قادمة. منصب حاكم ولاية مينيسوتا موضع رهان خلال 3 نوفمبر 1998. الحزبان الرئيسيان -الجمهوري والديمقراطي -من أصول الحياة السياسية الأمريكية. يُطلق على الحزب الديمقراطي رسميًا اسم ديموقراطي -مزارع -حزب العمل، مع إرث حزب العمال الفلاحين، وهو حزب راسخ في اليسار، ومرتبط بالتقاليد الشعبوية الأولى في القرن العشرين، والذي اندمج معه الديمقراطيين. أما الحزب الجمهوري، فهو الأكثر تقدمية في الولايات المتحدة. وحتى الخمسينات من القرن الماضي، كان هناك تقليد وجود حزب ثالث في مينيسوتا.
استبلشمنت قوي مقيم في قلب سلطة الولاية. في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، تم تعيين سكيب همفري، نجل نائب الرئيس السابق هوبرت همفري، على وجه الخصوص، ضد تيد مونديل، نجل نائب الرئيس السابق والتر مونديل. كانت هذه المواجهة بين “ابنين” هي التي تثير الاهتمام والتعليقات في الأشهر السابقة للانتخابات. ويُمثّل الجمهوريون من قبل رئيس بلدية سان بول -المدينة التوأم لمينيابوليس -نورمان كولمان.
مع تقدم المساء، تحول انتباه المعلقين الأمريكيين تدريجياً إلى مينيسوتا. مرّ دون أن يلاحظه أحد نسبيًا في وسائل الإعلام الوطنية الرئيسية، مصارع سابق، جيسي فينتورا، يفوز بالانتخابات على حين غرة. عضو في حزب الإصلاح، حزب روس بيرو، انتصر بنسبة 37 بالمائة، وأصبح الحاكم الجديد للولاية. وقال من المنصة: “لقد صدمنا العالم».
رجل استعراض في السياسة، ليبرتاري منعزل
كان جيسي فينتورا مصارعًا اكتسب بعض الشهرة من خلال مشاركته في أفلام مختلفة مثل بريداتور أو ذا رانينغ مان. وعلى غرار هولك هوجان، صنع شعبيته أيضًا بين الشباب من خلال تماثيل ودمى لشخصيته سيستخدمها على نطاق واسع. وشوهد في محطة تلفزيون محلية في إعلان تجاري لمتجر مينيابوليس مخصص للبيرة والمشروبات الروحية. أول عمدة لبروكلين بارك بين 1991 و1995، “جيسي” من قدماء فيتنام الذي يجسد في التسعينات الأمريكي المثالي تقريبًا.
عضو في حزب الإصلاح، فهو على وجه الخصوص قريب من الفكر التحرري. حقق روس بيرو، مؤسس الحزب، نتائج جيدة في 1992 و1996، لا سيما في الولاية. ويدافع بيرو عن رؤية حمائية معادية للتجارة الحرة والتي، بشكل متكرر، ستشكل الشعبوية الأمريكية. إنه يترجم عدم الرضا عن السياسة الفيدرالية والديمقراطية التمثيلية.
من الواضح أن الخط السياسي لـ “فينتورا”، على بساطته، يستعير أساسياته من مبادئ بيرو، لكن بالنسبة للباقي، فإنه يبعث فروقا دقيقة مهمة تدل تمامًا على سمعة مينيسوتا التقدمية إلى حد ما. فعلى مدار مسيرته، سيكون “ذي بودي” مؤيدًا للتخفيضات الضريبية، ومدافعا عن الحد الأقصى للرواتب، ويدعم حقوق المثليين بقدر ما يناصر حرية الاختيار فيما يتعلق بالإجهاض. وإذا كانت هناك تناقضات في خطاب فنتورا البسيط، فيمكننا اكتشاف طعم مفاجئ للاختلاف، وتذكّر بعض مواقفه بحزب القراصنة الأوروبي. متواضعة، قدمت حملته أفكارًا بمثل تلك البساطة: تقليص الإنفاق غير الضروري، والمزيد من الأموال للتعليم العام، وضرائب أقل. واراد فينتورا أن يكون مواطنا عاديا يتحدى السياسيين الذين ينتقلون من منصب إلى آخر من أجل بناء مسيرة، وليثبت أنه باستطاعة كل مواطن ممارسة السياسة. لم يتم انتخابه في أي مكان آخر غير عمدة بروكلين بارك، ويريد استعادة الحلم الأمريكي.
كليبان بسيطان ولاذعان في نفس الوقت، عكسا روح حملته. الأول يظهره كمفكر رودين ينتقل من “الجسد” إلى “العقل”، مما يجعل منه الأمريكي العادي وذو الفطرة السليمة مع قناعات قوية، وبالتالي الحاكم القادم.
الثاني ذكي، يُظهر شخصيتين صغيرتين يلعب بهما طفلان: جيسي خلف مكتبه يضرب بقبضته ويضع السياسي في موضع اتهام. واستفادت هذه الإعلانات الفعالة التي تركز على المرشح، من تركيز الحملة الجمهورية والديمقراطية على بعضهما البعض.
شو مان منذ شبابه، تمامًا مثل ترامب في وقت لاحق، غازل جيسي فينتورا أيضًا أطروحات المؤامرة بعد 11 سبتمبر 2001. لقد جعل تحليلاته تزدهر على أرض اجتماعية بنيت في ضوء عدم الثقة المتزايد بالمؤسسات وواشنطن العاصمة. كما ان لخطابه الذي يوجهه الى ناخبه عام 1998 أيضًا، أوجه تشابه مع الخطاب الذي سُمع عند انطلاق حزب الشاي بعد أزمة 2008-2009، ولكن مع فارق بسيط أساسي: الولايات المتحدة عام 1998 في صحة جيدة من الناحية الاقتصادية. وإذا كان استحضار الديمقراطية الأمريكية الأصلية هو نفسه، فإن الغضب ليس بنفس المستوى. من جهة اخرى، انه غير مبال بالعنصرية وكراهية الأجانب.
خلال فترة ولايته، كان جيسي فينتورا في علاقة صدامية كبيرة بوسائل الإعلام والمسؤولين المنتخبين في كونغرس الولاية، وكلهم كانوا معادين له، ويعرقلون مبادراته السياسية. في نهاية فترة ولايته، قرر عدم الترشح لإعادة انتخابه. ترامب، الذي كان يحوم حول المشاركة الانتخابية، جاء للقاء “ذي بودي” عام 2000، وهذا يميل إلى إثبات سابقية الاضمار والترصد لدخول الحملة الانتخابية لعام 2016، ولكن أيضًا حقيقة أن ترامب كان قادرًا، حتى قبل وقت طويل من انضمام بانون إليه، على فهم خصائص انتصار فينتورا. جانب آخر مثير للاهتمام، النتيجة المهمة لرالف نادر، من حزب الخضر، في الانتخابات الرئاسية لعام 2000، والتي شهدت بوش وال غور متقاربين جدا في النتيجة، بنسبة 5.20 بالمائة.
هيكل انتخابي محلي
يكشف تطورات عالمية
مع كل الاحتياطات واختلاف السياقات، من الواضح أن حملة فينتورا تقدم سمات أعراض الشعبوية مثل التي تصادفنا منذئذ. في هذه الولاية التي تميزت بماض زراعي، التقط فينتورا تصويت الشباب، الذكور، والبيض. وبشكل عام، كان ناخبوه من غير الراضين عن الخلافات والجدل بين الحزبين الرئيسيين. وبينما كان دعم المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين أكثر كثافة بين الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا، فان الذين ينتمون لفينتورا كانوا من قطاعات من الناخبين يشعرون أكثر بخيبة أمل من الديمقراطية كما كانت تعمل في ذلك الوقت.
عام 2016 بالنسبة لترامب، كما حدث عام 1998 بالنسبة لفينتورا، وكما صرّح المدير السابق لحملة هذا الاخير لصحيفة لو سوار، فإن الناخبين المنضبطين هم الذين يصنعون الفارق، أما الأقل انحيازًا لحزب ما ويصعب استطلاع رأيهم، ليسوا بالضرورة الأقل حسما يوم الانتخابات. لقد كانوا متحمسين للتصويت للشخصية والمرشح، أكثر من حماسهم لحزب الإصلاح.
حملته المركزة على شخصه، وحشد الناخبين غير المصطفين وراء الحزبين الرئيسيين، سمحت له بشق الطريق نحو النصر. قلة من الناخبين عام 1998 قالوا إنهم صوتوا فينتورا لارتباطهم بحزب الإصلاح. والأغلبية الساحقة فعلت ذلك من أجل شخصيته، أو لأنه لم يكن يبدو كسياسي عادي. لقد كانوا على الأكثر مستائين من العرض الذي قدمه الديمقراطيون والجمهوريون في تلك الانتخابات، من كونهم يحتجون على نظام الحزبين الأمريكي، فقد اعتبر، عدد كبير، أن مرشح الحزب الثالث مثّل افضلياتهم وخياراتهم بشكل أفضل.
وبهذا المعنى، يمكننا أن نقارن التصويت “جيسي”، بالتصويت لـ “حركة 5 نجوم” الايطالية لـ “بيبي غريللو”. حوالي ثلثي ناخبي فينتورا قد التحقوا بالجامعة، سواء تخرجوا أم لا. وهذا مشابه لهيكل تصويت حركة 5 نجوم في سنوات 2010. في المقابل، فإن الأكثر تحصيلا علميا قدموا له دعمًا هامشيًا للغاية. يمكننا أيضًا أن نرى “فجوة بين الجنسين” والتي ترتبط هيكليًا تمامًا بالتصويت اليميني الراديكالي في الدول الغربية، ولكن أيضًا بأشكال أخرى من الشعبوية.
كان فينتورا أيضًا مرشحًا جلب ناخبين جددًا، والذين كانوا سيهجرون مراكز الاقتراع لو كان غائبًا، لكنهم ثابروا جزئيًا عام 2002 على انتخاب خليفته. وإذا كان من الممكن وصفه بأنه “شعبوي”، فيبدو من الواضح أن إعادة التسييس النسبي للناخبين في مينيسوتا، كانت متزامنة مع ترشّحه عام 1998، وعاشت سياسيًا بعده عام 2002، عندما ترك منصب الحاكم دون أن يترشح لإعادة انتخابه.
شكل من أشكال
“قرصنة” الحياة السياسية
«ذي بودي” كان معروفا في الأشهر التي سبقت الانتخابات، ومعدل شهرته يضاهي خصومه وذلك بسبب مشاركته في عالم الفرجة والعروض الرياضية، لكنه ظهر أيضًا كرجل جديد. عنصر آخر مثير للاهتمام في هذه الانتخابات: من المسافة التي يشعرون أنها تتزايد بينهم وبين حزبهم الكبير المرجعي، استمد الناخبون الدافع للانفصال عنه، وحينها تبرز ظاهرة الانتماء لحزب ثالث محتمل يكون على وجه الخصوص رجل ثالث.
في الغالبية العظمى من الدول، يجب أولاً التسجيل في السجل الانتخابي. في ولاية مينيسوتا، متاح التسجيل يوم الانتخابات، مما يسمح بمنح المترشحين المستقلين إمكانية وصول محتمل للناخبين. بعد أربع سنوات من فوزه، ورغم انه لم يترشح مرة أخرى، لا يزال هناك “تأثير جيسي” على المشاركة في هذه الولاية. في المقابل، لا يوجد استمرار لتصويت جيسي فينتورا، وهذا التصويت، المجزأ منذ البداية، أُسقط على مرشحين مختلفين عام 2002. لا توجد مجموعة موحدة تصوت جيسي فينتورا، وانما انطلاقا من نواة ناخبين شباب وذكور، يتجمع تكتل من مجموعات صغيرة متناثرة بدون أي وحدة حقيقية.
معتمدا على جسم انتخابي جديد وأكثر تقلباً في نواياه، ومعيدا تسييس المشهد المحلي، وملحقا أضرارا جسيمة باحتكار الثنائية القطبية للجمهوريين والديمقراطيين، قدم جيسي فينتورا فكرة أن شكلاً من أشكال اختراق الحياة السياسية وقرصنتها ممكن. إن فكرة ظهور طرف ثالث ستفسح المجال بسرعة لفكرة المترشح البديل العامل في كل حزب من الأحزاب الرئيسية. في المقابل، فإن شكل الترشح، وحملة “جيسي”، واستخدامه المبكر للإنترنت، ستؤثر بشكل دائم على الحياة السياسية الأمريكية.
قبل وقت طويل من أزمة 2008-2009، والفشل التام لسياسة جورج دبليو بوش، يمكن أن نميز في انتصار جيسي فينتورا هذا العوامل التي تجعل من الممكن، خارج أو داخل الحزبين الرئيسيين، أشكالًا جديدة محتملة من التنافس الانتخابي. وعلى مدار ثلاثة وعشرين عامًا، لم تهتم العلوم السياسية الأوروبية والفرنسية كثيرًا -في الواقع على الإطلاق -بمغامرة فينتورا.
تركز نظرتنا الفرنسية إلى الولايات المتحدة على البيت الأبيض ومبنى الكابيتول، لكنها تتجاهل المشاهد السياسية المحلية. ومع ذلك، غالبًا ما يتم محليًا للغاية، تحديد المصير السياسي، وقبل بضع سنوات، للولايات المتحدة، وأحيانًا لمجتمعات أخرى. ومن الواضح أننا نفكر في مقاطعة أورانج، التي كانت بمثابة البؤرة الأولى للريغانية، محلية مفرطة يمكن العثور عليها أيضًا مع الرابطة اللومباردية في الأصل، قبل أربعة عقود، من الرابطة الإيطالية الحالية.
في حالة مينيسوتا في سبعينات القرن الماضي، نجد السمات المميزة للاختراقات الشعبوية بأشكالها المختلفة التي ستنفجر من الأزمة التي حدثت بعد عشر سنوات من فوز فينتورا في انتخابات 3 نوفمبر 1998... سبب إضافي للاهتمام أكثر.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “الى اللقاء غرامشي” (منشورات سارف 2015).
-- انتصار نجم مصارعة سابق عام 1998، كشف عن السمات البارزة للحركات الشعبويةِ
-- توفر المغامرة السياسية لـ «فينتورا» عددًا من المفاتيح لفهم حاضر المجتمعات في أوروبا أو أمريكا الشمالية
-- كانت إعادة التسييس النسبية للناخبين في مينيسوتا مصاحبة لترشيح جيسي فينتورا عام 1998
-- إنها التجربة الأولى الحية لانتصار مرشح خرج تقريبًا من لا شيء، ومن خارج النظام الحزبي المعمول به
إذا كان هناك انتخاب، قبل انتخاب دونالد ترامب بوقت طويل، أنذر بالعديد من الانقلابات الانتخابية في بلداننا، فهو انتخاب جيسي “ذي بودي” فينتورا، المرشح الثالث ضد الديمقراطيين والجمهوريين لمنصب حاكم ولاية مينيسوتا، في نوفمبر 1998. حتى ذلك الحين، في فرنسا، كنا نعرف مينيسوتا فقط من أجل والنوت غروف وبيت صغير في البراري أو، في سجل آخر، فارغو للأخوين كوين.
ومع ذلك، عام 1998، كـان “جيسي” وحياته وحملته وناخبــــه وانتخابــه ومصيـره، هم الذين صنعوا الحدث في الولايات المتحــــــدة، وكانوا أعلى نقطة تبشر وترمز إلى المصير الانتخابي لمجتمعاتنا.
تم تجاهلها من قبل العلوم السياسية هنا، وكانت غير مهمة بالنسبة لتغطية القنوات التلفزيونية، توفر المغامرة السياسية لـ “فينتورا” عددًا من المفاتيح لفهم حاضر المجتمعات في أوروبا أو أمريكا الشمالية. إنها بالفعل التجربة الأولى الحية لانتصار مرشح خرج تقريبًا من لا شيء، ومن خارج النظام الحزبي القائم.
صدمنا العالم: تسلل مشاغب
الى الحياة السياسية الأمريكية
في احدى أمسيات نوفمبر من عام 1998، لم تغادر الولايات المتحدة قضية لوينسكي، وكان المدعي العام المحافظ المستقل كينيث ستار، لا يزال يُنظر إليه لبضع ساعات على أنه طليعة الجمهوريين الانتقاميين في انتخابات التجديد النصفي.
كان الكل يعتبر ان الديمقراطيين هم أكبر الخاسرين... ولدهشة الجميع، فازوا بأربعة مقاعد في مجلس النواب.
أدت الهزيمة النسبية للجمهوريين إلى استقالة نيوت غينغريتش، رئيس مجلس النواب. ومع ذلك، من هذه الانتخابات، سيظهر درس اسطوري للمستقبل السياسي لبلداننا، وقد تم التقليل من شأنه حتى الآن.
بالنسبة للذين عاشوا ذاك المساء، ستبقى نتيجة أخرى رائعة لسنوات عديدة قادمة. منصب حاكم ولاية مينيسوتا موضع رهان خلال 3 نوفمبر 1998. الحزبان الرئيسيان -الجمهوري والديمقراطي -من أصول الحياة السياسية الأمريكية. يُطلق على الحزب الديمقراطي رسميًا اسم ديموقراطي -مزارع -حزب العمل، مع إرث حزب العمال الفلاحين، وهو حزب راسخ في اليسار، ومرتبط بالتقاليد الشعبوية الأولى في القرن العشرين، والذي اندمج معه الديمقراطيين. أما الحزب الجمهوري، فهو الأكثر تقدمية في الولايات المتحدة. وحتى الخمسينات من القرن الماضي، كان هناك تقليد وجود حزب ثالث في مينيسوتا.
استبلشمنت قوي مقيم في قلب سلطة الولاية. في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، تم تعيين سكيب همفري، نجل نائب الرئيس السابق هوبرت همفري، على وجه الخصوص، ضد تيد مونديل، نجل نائب الرئيس السابق والتر مونديل. كانت هذه المواجهة بين “ابنين” هي التي تثير الاهتمام والتعليقات في الأشهر السابقة للانتخابات. ويُمثّل الجمهوريون من قبل رئيس بلدية سان بول -المدينة التوأم لمينيابوليس -نورمان كولمان.
مع تقدم المساء، تحول انتباه المعلقين الأمريكيين تدريجياً إلى مينيسوتا. مرّ دون أن يلاحظه أحد نسبيًا في وسائل الإعلام الوطنية الرئيسية، مصارع سابق، جيسي فينتورا، يفوز بالانتخابات على حين غرة. عضو في حزب الإصلاح، حزب روس بيرو، انتصر بنسبة 37 بالمائة، وأصبح الحاكم الجديد للولاية. وقال من المنصة: “لقد صدمنا العالم».
رجل استعراض في السياسة، ليبرتاري منعزل
كان جيسي فينتورا مصارعًا اكتسب بعض الشهرة من خلال مشاركته في أفلام مختلفة مثل بريداتور أو ذا رانينغ مان. وعلى غرار هولك هوجان، صنع شعبيته أيضًا بين الشباب من خلال تماثيل ودمى لشخصيته سيستخدمها على نطاق واسع. وشوهد في محطة تلفزيون محلية في إعلان تجاري لمتجر مينيابوليس مخصص للبيرة والمشروبات الروحية. أول عمدة لبروكلين بارك بين 1991 و1995، “جيسي” من قدماء فيتنام الذي يجسد في التسعينات الأمريكي المثالي تقريبًا.
عضو في حزب الإصلاح، فهو على وجه الخصوص قريب من الفكر التحرري. حقق روس بيرو، مؤسس الحزب، نتائج جيدة في 1992 و1996، لا سيما في الولاية. ويدافع بيرو عن رؤية حمائية معادية للتجارة الحرة والتي، بشكل متكرر، ستشكل الشعبوية الأمريكية. إنه يترجم عدم الرضا عن السياسة الفيدرالية والديمقراطية التمثيلية.
من الواضح أن الخط السياسي لـ “فينتورا”، على بساطته، يستعير أساسياته من مبادئ بيرو، لكن بالنسبة للباقي، فإنه يبعث فروقا دقيقة مهمة تدل تمامًا على سمعة مينيسوتا التقدمية إلى حد ما. فعلى مدار مسيرته، سيكون “ذي بودي” مؤيدًا للتخفيضات الضريبية، ومدافعا عن الحد الأقصى للرواتب، ويدعم حقوق المثليين بقدر ما يناصر حرية الاختيار فيما يتعلق بالإجهاض. وإذا كانت هناك تناقضات في خطاب فنتورا البسيط، فيمكننا اكتشاف طعم مفاجئ للاختلاف، وتذكّر بعض مواقفه بحزب القراصنة الأوروبي. متواضعة، قدمت حملته أفكارًا بمثل تلك البساطة: تقليص الإنفاق غير الضروري، والمزيد من الأموال للتعليم العام، وضرائب أقل. واراد فينتورا أن يكون مواطنا عاديا يتحدى السياسيين الذين ينتقلون من منصب إلى آخر من أجل بناء مسيرة، وليثبت أنه باستطاعة كل مواطن ممارسة السياسة. لم يتم انتخابه في أي مكان آخر غير عمدة بروكلين بارك، ويريد استعادة الحلم الأمريكي.
كليبان بسيطان ولاذعان في نفس الوقت، عكسا روح حملته. الأول يظهره كمفكر رودين ينتقل من “الجسد” إلى “العقل”، مما يجعل منه الأمريكي العادي وذو الفطرة السليمة مع قناعات قوية، وبالتالي الحاكم القادم.
الثاني ذكي، يُظهر شخصيتين صغيرتين يلعب بهما طفلان: جيسي خلف مكتبه يضرب بقبضته ويضع السياسي في موضع اتهام. واستفادت هذه الإعلانات الفعالة التي تركز على المرشح، من تركيز الحملة الجمهورية والديمقراطية على بعضهما البعض.
شو مان منذ شبابه، تمامًا مثل ترامب في وقت لاحق، غازل جيسي فينتورا أيضًا أطروحات المؤامرة بعد 11 سبتمبر 2001. لقد جعل تحليلاته تزدهر على أرض اجتماعية بنيت في ضوء عدم الثقة المتزايد بالمؤسسات وواشنطن العاصمة. كما ان لخطابه الذي يوجهه الى ناخبه عام 1998 أيضًا، أوجه تشابه مع الخطاب الذي سُمع عند انطلاق حزب الشاي بعد أزمة 2008-2009، ولكن مع فارق بسيط أساسي: الولايات المتحدة عام 1998 في صحة جيدة من الناحية الاقتصادية. وإذا كان استحضار الديمقراطية الأمريكية الأصلية هو نفسه، فإن الغضب ليس بنفس المستوى. من جهة اخرى، انه غير مبال بالعنصرية وكراهية الأجانب.
خلال فترة ولايته، كان جيسي فينتورا في علاقة صدامية كبيرة بوسائل الإعلام والمسؤولين المنتخبين في كونغرس الولاية، وكلهم كانوا معادين له، ويعرقلون مبادراته السياسية. في نهاية فترة ولايته، قرر عدم الترشح لإعادة انتخابه. ترامب، الذي كان يحوم حول المشاركة الانتخابية، جاء للقاء “ذي بودي” عام 2000، وهذا يميل إلى إثبات سابقية الاضمار والترصد لدخول الحملة الانتخابية لعام 2016، ولكن أيضًا حقيقة أن ترامب كان قادرًا، حتى قبل وقت طويل من انضمام بانون إليه، على فهم خصائص انتصار فينتورا. جانب آخر مثير للاهتمام، النتيجة المهمة لرالف نادر، من حزب الخضر، في الانتخابات الرئاسية لعام 2000، والتي شهدت بوش وال غور متقاربين جدا في النتيجة، بنسبة 5.20 بالمائة.
هيكل انتخابي محلي
يكشف تطورات عالمية
مع كل الاحتياطات واختلاف السياقات، من الواضح أن حملة فينتورا تقدم سمات أعراض الشعبوية مثل التي تصادفنا منذئذ. في هذه الولاية التي تميزت بماض زراعي، التقط فينتورا تصويت الشباب، الذكور، والبيض. وبشكل عام، كان ناخبوه من غير الراضين عن الخلافات والجدل بين الحزبين الرئيسيين. وبينما كان دعم المرشحين الديمقراطيين والجمهوريين أكثر كثافة بين الذين تزيد أعمارهم عن 45 عامًا، فان الذين ينتمون لفينتورا كانوا من قطاعات من الناخبين يشعرون أكثر بخيبة أمل من الديمقراطية كما كانت تعمل في ذلك الوقت.
عام 2016 بالنسبة لترامب، كما حدث عام 1998 بالنسبة لفينتورا، وكما صرّح المدير السابق لحملة هذا الاخير لصحيفة لو سوار، فإن الناخبين المنضبطين هم الذين يصنعون الفارق، أما الأقل انحيازًا لحزب ما ويصعب استطلاع رأيهم، ليسوا بالضرورة الأقل حسما يوم الانتخابات. لقد كانوا متحمسين للتصويت للشخصية والمرشح، أكثر من حماسهم لحزب الإصلاح.
حملته المركزة على شخصه، وحشد الناخبين غير المصطفين وراء الحزبين الرئيسيين، سمحت له بشق الطريق نحو النصر. قلة من الناخبين عام 1998 قالوا إنهم صوتوا فينتورا لارتباطهم بحزب الإصلاح. والأغلبية الساحقة فعلت ذلك من أجل شخصيته، أو لأنه لم يكن يبدو كسياسي عادي. لقد كانوا على الأكثر مستائين من العرض الذي قدمه الديمقراطيون والجمهوريون في تلك الانتخابات، من كونهم يحتجون على نظام الحزبين الأمريكي، فقد اعتبر، عدد كبير، أن مرشح الحزب الثالث مثّل افضلياتهم وخياراتهم بشكل أفضل.
وبهذا المعنى، يمكننا أن نقارن التصويت “جيسي”، بالتصويت لـ “حركة 5 نجوم” الايطالية لـ “بيبي غريللو”. حوالي ثلثي ناخبي فينتورا قد التحقوا بالجامعة، سواء تخرجوا أم لا. وهذا مشابه لهيكل تصويت حركة 5 نجوم في سنوات 2010. في المقابل، فإن الأكثر تحصيلا علميا قدموا له دعمًا هامشيًا للغاية. يمكننا أيضًا أن نرى “فجوة بين الجنسين” والتي ترتبط هيكليًا تمامًا بالتصويت اليميني الراديكالي في الدول الغربية، ولكن أيضًا بأشكال أخرى من الشعبوية.
كان فينتورا أيضًا مرشحًا جلب ناخبين جددًا، والذين كانوا سيهجرون مراكز الاقتراع لو كان غائبًا، لكنهم ثابروا جزئيًا عام 2002 على انتخاب خليفته. وإذا كان من الممكن وصفه بأنه “شعبوي”، فيبدو من الواضح أن إعادة التسييس النسبي للناخبين في مينيسوتا، كانت متزامنة مع ترشّحه عام 1998، وعاشت سياسيًا بعده عام 2002، عندما ترك منصب الحاكم دون أن يترشح لإعادة انتخابه.
شكل من أشكال
“قرصنة” الحياة السياسية
«ذي بودي” كان معروفا في الأشهر التي سبقت الانتخابات، ومعدل شهرته يضاهي خصومه وذلك بسبب مشاركته في عالم الفرجة والعروض الرياضية، لكنه ظهر أيضًا كرجل جديد. عنصر آخر مثير للاهتمام في هذه الانتخابات: من المسافة التي يشعرون أنها تتزايد بينهم وبين حزبهم الكبير المرجعي، استمد الناخبون الدافع للانفصال عنه، وحينها تبرز ظاهرة الانتماء لحزب ثالث محتمل يكون على وجه الخصوص رجل ثالث.
في الغالبية العظمى من الدول، يجب أولاً التسجيل في السجل الانتخابي. في ولاية مينيسوتا، متاح التسجيل يوم الانتخابات، مما يسمح بمنح المترشحين المستقلين إمكانية وصول محتمل للناخبين. بعد أربع سنوات من فوزه، ورغم انه لم يترشح مرة أخرى، لا يزال هناك “تأثير جيسي” على المشاركة في هذه الولاية. في المقابل، لا يوجد استمرار لتصويت جيسي فينتورا، وهذا التصويت، المجزأ منذ البداية، أُسقط على مرشحين مختلفين عام 2002. لا توجد مجموعة موحدة تصوت جيسي فينتورا، وانما انطلاقا من نواة ناخبين شباب وذكور، يتجمع تكتل من مجموعات صغيرة متناثرة بدون أي وحدة حقيقية.
معتمدا على جسم انتخابي جديد وأكثر تقلباً في نواياه، ومعيدا تسييس المشهد المحلي، وملحقا أضرارا جسيمة باحتكار الثنائية القطبية للجمهوريين والديمقراطيين، قدم جيسي فينتورا فكرة أن شكلاً من أشكال اختراق الحياة السياسية وقرصنتها ممكن. إن فكرة ظهور طرف ثالث ستفسح المجال بسرعة لفكرة المترشح البديل العامل في كل حزب من الأحزاب الرئيسية. في المقابل، فإن شكل الترشح، وحملة “جيسي”، واستخدامه المبكر للإنترنت، ستؤثر بشكل دائم على الحياة السياسية الأمريكية.
قبل وقت طويل من أزمة 2008-2009، والفشل التام لسياسة جورج دبليو بوش، يمكن أن نميز في انتصار جيسي فينتورا هذا العوامل التي تجعل من الممكن، خارج أو داخل الحزبين الرئيسيين، أشكالًا جديدة محتملة من التنافس الانتخابي. وعلى مدار ثلاثة وعشرين عامًا، لم تهتم العلوم السياسية الأوروبية والفرنسية كثيرًا -في الواقع على الإطلاق -بمغامرة فينتورا.
تركز نظرتنا الفرنسية إلى الولايات المتحدة على البيت الأبيض ومبنى الكابيتول، لكنها تتجاهل المشاهد السياسية المحلية. ومع ذلك، غالبًا ما يتم محليًا للغاية، تحديد المصير السياسي، وقبل بضع سنوات، للولايات المتحدة، وأحيانًا لمجتمعات أخرى. ومن الواضح أننا نفكر في مقاطعة أورانج، التي كانت بمثابة البؤرة الأولى للريغانية، محلية مفرطة يمكن العثور عليها أيضًا مع الرابطة اللومباردية في الأصل، قبل أربعة عقود، من الرابطة الإيطالية الحالية.
في حالة مينيسوتا في سبعينات القرن الماضي، نجد السمات المميزة للاختراقات الشعبوية بأشكالها المختلفة التي ستنفجر من الأزمة التي حدثت بعد عشر سنوات من فوز فينتورا في انتخابات 3 نوفمبر 1998... سبب إضافي للاهتمام أكثر.
عضو مرصد الراديكاليات السياسية في مؤسسة جان جوريس، باحث في العلوم السياسية، متخصص في اليمين والأبعاد الثقافية للسياسة، ومؤلف العديد من البحوث منها “الى اللقاء غرامشي” (منشورات سارف 2015).